"من أفسد شيئا عليه إصلاحه".. تلك المقولة لاتخص الأفراد فقط بل اعتمدها النظام الدولى فى التحكيم بين الدول، وتم الاعتماد إليه فى حرب الكويت والعراق، واستطاع مجلس الأمن أن يحكم لدولة الكويت بتعويض عن الأضرار العراقية لها إبان الحرب.
المجتمع الدولى سعى لتطبيق نفس النظرية على مايجرى بين روسيا وأوكرانيا، حيث اتخذت الأمم المتحدة زمام الأمور وتبنت مقترح قدمته أوكرانيا وكندا وهولندا وغواتيمالا إلى الجمعية العامة، لإقرار تعويض لكييف عما لحق بها من أضرار جراء العملية العسكرية الروسية.
واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالفعل مساء الإثنين قرارا حول آلية تعويضات تدفعها روسيا مقابل الدمار البشري والمادي الذي سببته حربها على أوكرانيا، ويطالب القرار بأن تتحمل روسيا "مسؤولية أي انتهاك" للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة في أوكرانيا، وتحمل العواقب القانونية لجميع أعمالها غير القانونية على الصعيد الدولي.
وصل القرار على أغلبية من 94، وصوتت 14 دولة ضد القرار أبرزها روسيا والصين وكوبا ومالي وإثيوبيا، بينما امتنعت 73 دولة عن التصويت معظمها من القارة الإفريقية إضافة إلى البرازيل وإسرائيل والهند.
ويوصي مشروع القرار "بقيام أعضائه بالتعاون مع أوكرانيا بإنشاء سجل دولي للأضرار، لإدراج الأدلة والمعلومات المتعلقة بمطالب التعويض" من الأشخاص الطبيعيين والمعنويين والحكومة الأوكرانية، والذي سيكون بمثابة دليل موثق على الأضرار والخسائر والإصابات المزعومة المتكبدة نتيجة لأعمال روسيا العسكرية في أوكرانيا ولتعزيز جمع البيانات وتنسيقها".
ولكن رغم الثقل السياسى لقرارات الأمم المتحدة إلا انها غير ملزمة للدول الأعضاء، على عكس مجلس الأمن الدولي، ولأن روسيا تتمتع بحق النقض (الفيتو) فى مجلس الأمن، فمن المستحيل تمرير هذا القرار عبر المجلس الدولى الملزم بتنفيذ قراراته كما حدث فى حالة العراق والكويت، وبالتالى هذا القرار سيظل رهنا لسياسات الحكومات المحلية تنظر فى التنفيذ من عدمه وفقا لمصالحها، ولأن هناك دولا غربية قامت بتجميد أصول روسية بها عقب بدء العملية العسكرية فى إطار العقوبات، فهناك احتمال توجيه تلك الأموال وفقا لقرار الأمم المتحدة إلى أوكرانيا.
ولأن روسيا تعى هذا جيدا، أكد النائب بمجلس الدوما أوليغ موروزوف، بأن "روسيا لن تعوض أوكرانيا عن الأضرار، وسوف تعيد أوكرانيا التي دمرها النازيون، وأن الجمعية العامة للأمم المتحدة ليس لديها السلطة لحل مشكلة التعويضات".
وأشار في تصريح، إلى أن "الجمعية العامة ليس لديها سلطة لحل مشكلة التعويض الخيالية. لن نعوض أي شيء. سنعيد أوكرانيا التي دمرها النازيون"، وبحسب البرلماني فإن "هذا القرار هو محاولة لإضفاء الشرعية على سرقة الأموال من المواطنين الروس".
وأضاف موروزوف: "هذه محاولة لجعل السرقة قانونية للأموال من المواطنين الروس من خلال التلاعب بأصوات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. هذا القرار يسبق الرغبة في سرقة أصولنا المجمدة في البنوك الغربية بحجة تعويض الأضرار التي لحقت بأوكرانيا".
كما قال ممثل روسيا الدائم في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا في الاجتماع إن "الدول الغربية تسعى لاستخدام أموال روسيا السيادية التي منعتها لمواصلة تسليم ودفع ثمن الأسلحة المقدمة بالفعل إلى كييف"، ووصف القرار بأنه "سطو صارخ"، بحسب وكالة سبوتنيك الروسية.و
نقلت وكالة نوفوستى الروسية عن نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف، قوله إن "الدول الغربية تحاول أن تجمع أساساً قانونياً لنهب الأصول الروسية التي تم الاستيلاء عليها بشكل غير قانوني".
وشدد نائب رئيس مجلس الأمن الروسي على أنه يتعين على دول الأمم المتحدة تبني قرار مماثل يلزم الولايات المتحدة بدفع تعويضات عن الأضرار التي سببتها في يوجوسلافيا السابقة وشبه الجزيرة الكورية وكذلك فيتنام والعراق، عن الأضرار التي ألحقتها بتلك الدول.
وندد الممثل الروسي في الأمم المتحدة بما اعتبره رغبة الدول الغربية في إضفاء الشرعية سلفا على استخدام "مليارات الدولارات" من الأصول الروسية المجمدة لمعاقبة موسكو، بما في ذلك عبر شراء الأسلحة إلى أوكرانيا.
وقال سفير أوكرانيا لدى الأمم المتحدة سيرجي كيسليتسيا من على منبر الجمعية العامة "ستضطلع أوكرانيا بالمهمة الشاقة المتمثلة في إعادة بناء البلد والتعافي بعد الحرب. ولكن التعافي لن يكتمل أبدا بدون إحساس بالعدالة لضحايا الحرب الروسية".
ورحب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالقرار الصادر عن الأمم المتحدة.
وقال زيلينسكي عبر تويتر: "من تحرير خيرسون إلى النصر الدبلوماسي في نيويورك، أعطت الجمعية العامة للأمم المتحدة للتو الضوء الأخضر لإنشاء آلية تعويضات من روسيا عن الجرائم المرتكبة في أوكرانيا"، مضيفا "سيدفع المعتدي ثمن فعله".