عندما تُسمع طلقات نارية بكثافة يبدأ كل من فى الحلبة التأهب إلى الإثارة والمغامرة التى سيشاهدها، فتتعلق الأبصار بظهور المصارع مرتديا محرما باللون الأحمر استعدادا لمواجهة الثور الهائج، وتستمر حماسة الجمهور تتصاعد مرددين "أولى.. أولى"، حتى ينتهى الأمر بقتل الثور وغالبا إصابات فى المصارع.
هذا المشهد رغم كم العنف الذى يحمله وانتهائه بالدماء، إلا أنها من أشهر الرياضات الشعبية التى تنتشر فى دول أمريكا اللاتينية وإسبانيا وجنوب فرنسا، والتى يعود تاريخها إلى العصر الرومانى، تلك الدول التى احتفظت بتراثها وأضافت إلى تشريعاتها قوانين منظمة لكل ما يخص إقامة المباريات والأحكام وغيرها.
تلك التشريعات أصبحت اليوم تواجه حربا شنعاء من المنظمات المدافعة عن حقوق الحيوان والتى ترى فى تلك الرياضة وحشية غير مسبوقة تجاه الثيران، ووجدت تلك المنظمات طريقها إلى المجالس التشريعية خلال السنوات الأخيرة لتجد فريقا مساندا يدعوا إلى إسقاط القوانين المنظمة أو حتى تعديلها للحد منها.
ورغم أن تلك الرياضة غير منتشرة فى جموع فرنسا إلا أنها تنتشر بقوة فى منطقة الجنوب الفرنسى، حيث تنظم فى مواسم محددة، وتتم بنفس الطريقة فى إسبانيا، وسبب سماح السلطات الفرنسية لهذا النوع من الفلكلور هو القرب الثقافى والجغرافى لسكان هذه المناطق لحدود إسبانيا.
واشتعل الجدل فى البرلمان الفرنسى الذى بعد أن تقدم أحد النواب بمشروع قانون لتجريم مصارعة الثيران فى فرنسا، والتى يرى مؤيدوها أنها جزء من "الثقافة الفرنسية".
النائب البرلمانى، ايميريك كارون – صاحب مشروع القانون - يعد وفق مجلة (L’Obs) الفرنسية من نشطاء الدفاع عن حقوق الحيوان، وبدأ حياته السياسية بتأسيس حزب "ثورة إيكولوجية لأجل الكائن الحى"، ويقول كارون "إن القانون الجنائى الفرنسى ينص من مُعاقبة من يتعرضون بالأذى للحيوانات بالسجن 5 سنوات مع غرامة تبلغ 75 ألف أورو"، مستغربا كيف يتم السماح بقتل أزيد من ألف ثور سنويا.
مشروع القانون أثار غضب سيمون كاساس،أحد أبرز منظمى مهرجانات مصارعة الثيران بفرنسا، والذى انتقد النائب البرلمانى كارون ووصفه بأنه يروج لخطاب خاطئ ويصف مصارعى الثيران بالسادية.
وحسب احصائيات نقلتها المجلة الفرنسية فإن "نسبة 81% من الفرنسيين يؤيدون منع مصارعة الثيران"، فيما يرى وزير الفلاحة الفرنسى مارك فيسنو، أنها تعد من التقاليد الثقافية الفرنسية ويجب أن تبقى بغض النظر عن الموقف منها".
وهو الموقف الحكومى الذى اعتبره “كاسياس”، يراعى "الخطوط الحمراء التى لا يجوز تجاوزها ومنها مصارعة الثيران، معتبرا التصويت لصالح مشروع القانون انتحار سياسي".
وقام المعارضون لاستمرار تلك الرياضة فى فرنسا بتنظيم مظاهرات ب45 مدينة فى الأيام المقبلة يتم اختتامها بوقفة أمام مقر البرلمان للدفاع عن مشروع قانون إلغاء مسابقات مصارعة الثيران.
وخلال اليومين الماضيين انتشرت مظاهرات مناهضة وأخرى مؤيدة للحفاظ على عروض مصارعة الثيران خصوصا فى المدن الفرنسية التى تشتهر بثقافة مصارعة الثيران مثل داكس، بيزييه، داكس أوش وبايون وغيرها.
المعارضون لمصارعة الثيران أكدوا تشبثهم بمواقفهم بناءً على مبدأ حماية الحيوانات وعدم تعذيبها. أما المؤيدون والذين استفادوا من دعم منتخبيهم المحليين فقد أكدوا أن عروض مصارعة الثيران تمثل "تراثا" و"هوية" و"ثروة" بالنسبة لفرنسا فى مواجهة مشروع القانون الجديد.
وأوضح ليونيل بينسول، رئيس دائرة مصارعة الثيران فى تيروس أن "لا أحد يجبر أى شخص على الذهاب لمشاهدة مصارعة الثيران"، ووقع 218 مسؤولاً منتخبًا "من مختلف السياسات والأقاليم"، على وثيقة للدفاع عن مصارعة الثيران و"التقاليد" الأخرى ضد "الشمولية البيئية". وقال البعض إن "حظر مصارعة الثيران هو حظر لثقافة وإذلال جزء من مواطنينا. لن نقبل ذلك".
المحاولات لطرح مشروع قانون يحظر مصارعة التيران فى فرنسا ليس حديثا، بل تكررت المحاولات لأكثر من مرة إلا أنها باءت بالفشل أمام تمسك الشعب بالتراث، ولكن ليس التراث وحدة الذى يفرض وجود تلك الرياضة، بل إن الاقتصاد القائم على تلك الرياضة والذى يصب فى الدخل القومى أحد الأسباب الخفية وراء استمرارها فى فرنسا وغيرها من الدول.
وفى العام 2012 عندما حاول البعض الضغط لحظرها، قامت جماعة تعمل فى مجال مصارعة الثيران بإعداد تقرير مارست من خلاله الضغط لمنع الحظر، وذكر التقرير أن تذاكر عروض مصارعة الثيران التى تباع سنويا فى فرنسا واسبانيا تبلغ قيمتها 100 مليون يورو، خلال 2012 وقت التقرير، هذا فضلا عن السياحة التى تأتى خصيصا لمشاهدة تلك الرياضة الفريدة، ليس هذا فحسب بل إن مجال مصارعة الثيران يشمل صنع الازياء الخاصة التى يرتديها المصارعون وتربية خاصة للثيران التى قد يصل ثمن الواحد منها الى عشرة الاف يورو.
وبالتالى فإن حظرها تشريعيا سواء فى فرنسا أو أى من الدول التى تنظمها يؤدى إلى انهيار هذا الاقتصاد، وما يترتب عليه من عماله وصناعات وحرف خاصة، وهو المر الذى قد لا تتحمله حكومات فى الوقت الحالى حيث أزمات طاقة وتضخم وركود، وحتى يتم حل تلك القضايا لن تسقط "مصارعة الثيران".