لم يمضى يومًا واحدًا منذ استحواذ الملياردير الأمريكى إيلون ماسك على منصة التواصل الإجتماعى "تويتر" بدون مشكلات وإثارة الجدل عالميا، بداية من الازمات الداخلية من خلال ترك الموظفين أماكنهم مما أضر بعمل المنصة، وحتى حزمة التعديلات فى سياسيات تويتر التى أعلن عنها ماسك، تلك التعديلات التى أٌطلق فى اعقابها حملة من أقوى البرلمانات العالمية لاستجواب ماسك حول نواياه.
اهتمام المجالس التشريعية بتعديلات إيلون ماسك على تويتر كشفت مدى أهمية تلك المنصة للسياسيين، حيث يفضلها الغالبية العظمى حول العالم للتواصل مع متابعيهم وبث أفكارهم ونشر تعليقاتهم السياسية، واليوم وبعد سياسية ماسك الجديدة فى تويتر والتى تتسم بالغموض، شعر السياسيون بالخطر من إمكانية وجود معلومات مغلوطة وانتحال للشخصيات، مما يضر بنزاهة تويتر بين منصات التواصل الاجتماعى المختلفة.
ورغم ان البرلمان الأوروبى كان الأسبق بالتعبير عن مخاوفة بطلبه استدعاء إيلون ماسك واستجوابه، إلا أن تحرك الكونجرس الأمريكى كان له طابعا مختلفا، حيث لم يقتصر على التحرك الداخلى فقط من خلال طلب استدعاء ماسك والاستماع لشهادته بالكونجرس، بل امتد إلى إطلاق تحقيق عاجل فى أنشطة الملياردير الأمريكى من الأجهزة الفيدرالية.
ووجه 7 أعضاء فى الكونجرس رسالة بهذا الصدد إلى رئيسة لجنة التجارة الفدرالية الأمريكية لينا خان للتحقيق فى أنشطة إيلون ماسك فى منصب مدير شركة "تويتر".
وجاء فى الرسالة، التى نشرها السيناتور ريتشارد بلومنتال على موقعه أن شركة "تويتر" التى تمتلك أحد أكبر مواقع التواصل الاجتماعى، "تهمل سلامة مستخدميه بشكل متعمد وخطير"، وأن المشرعين يطلبون التحقيق فى أى انتهاكات محتملة للقوانين الأمريكية لحماية حقوق المستهلك.
وقال المشرعون إن إيلون ماسك اتخذ فى الأيام الأخيرة "عددا من القرارات المثيرة للقلق التى تقوض نزاهة وسلامة الموقع"، مشيرين إلى أنه دشن بعض الخدمات التى "يمكن استغلالها للاحتيال".
وحسب المشرعين، فإن التغيرات التى اعتمدها ماسك "تعرض المستخدمين للخطر وقد تمثل انتهاكا للاتفاق مع لجنة التجارة الفدرالية"، ودعا أعضاء مجلس الشيوخ اللجنة إلى اتخاذ إجراءات تجاه أى انتهاك، بما فى ذلك فرض الغرامات ومحاسبة إدارة "تويتر".
ويأتى هذا الخطاب بعد تهديدا وجهه السيناتور الديمقراطى إد ماركى، لإيلون ماسك قائلا له "أصلح شركاتك أو سيصلحها لك الكونجرس"، وذلك بعد ساعات من سخرية ماسك من السيناتور لمطالبته بإجابات حول حساب "تويتر" ينتحل شخصيته.
وكان ماركى أرسل فى البداية خطابا لماسك، يطالب فيه "تويتر" بتوضيح كيف تمكن مراسل صحيفة "واشنطن بوست" من إنشاء حساب تم التحقق منه بنجاح ينتحل شخصية السيناتور، وكتب ماركى على "تويتر": "أطلب إجابات من إيلون ماسك، الذى يضع فوائد على الناس وديونه متوقفة على حساب المعلومات المضللة".
ويبدو أن سياسات تويتر الجديدة لا تخالف فقط سياسيات التجارة الفدرالية الأمريكية، بل إنها أيضا تخالف قوانين النشر عبر الانترنت الأوروبية والبريطانية، ولهذا قدم مائة عضو فى البرلمان الأوروبى رسالة إلى رئيسته روبيرتا ميتسولا، يطلبون منها استدعاء الملياردير إيلون ماسك لحضور جلسة استماع برلمانية عاجلة لمناقشة الإصلاحات التى ينوى تنفيذها فى الشبكة الاجتماعية، والعقوبات المالية التى قد يتعرض لها فى حال مخالفة قوانين الاتحاد.
وكان ماسك قد أعلن عن مجموعة من خطط الإصلاحات التى سيطبقها على موقع التواصل الاجتماعى تويتر أثارت جدلا عالميا بين مستخدمى الشبكة، ومن ضمنها تطبيق اشتراك شهرى مقابل العلامة الزرقاء، وعبر الملياردير مرارًا وتكرارًا عن دعمه لـ "حرية التعبير المطلقة" والاعتقاد بأنه طالما أن هناك شيئًا ما قانونيًا، فيجب السماح بمشاركته على Twitter والبقاء هناك.
ولكن يبدو أن الضغوط التى تقع على رأس ماسك من كل اتجاه أجبرته على تعليق تلك الإجراءات لفترة غير معلومه، حيث أعلن إيلون ماسك عن أن موقع تويتر، سيؤجل إعادة إطلاق خدمة الاشتراك المميزة التى توفر علامة التوثيق الزرقاء، مما يعنى تأخير إطلاقها عن الجدول الزمنى المبدئى الخاص لإعادة أتاحة الخدمة مرة أخرى للمستخدمين.
وبحسب ما ذكره موقع "livemint"، كتب إيلون ماسك فى تغريدة عبر حسابه الرسمى على "تويتر" قال فيها: "تأجيل إعادة إطلاق علامة التوثيق الزرقاء Blue Verified، حتى تكون هناك ثقة عالية فى إيقاف انتحال الهوية".
وقالت ديتا شارانزوفا، العضوة العليا فى البرلمان الأوروبى فى لجنة السوق الداخلية، إنه لا يمكن ترك تويتر ليصبح "مكانًا جحيمًا بائسًا" وأنه يجب اتباع قوانين الاتحاد الأوروبى، كما قالت صوفى إن فيلد، رئيسة أعضاء البرلمان الأوروبى فى لجنة الحريات المدنية والشؤون الداخلية فى رينيو: "قد يكون الطائر حراً، لكن يجب أن تظل القيم والقوانين الأوروبية سارية على تويتر".
وأضافت: "قد يكون إيلون ماسك أغنى رجل فى العالم، لكن لا أحد غير خاضع للمساءلة، جلسة استماع مع السيد ماسك فى البرلمان الأوروبى ستكون فرصة للمشرعين الأوروبيين للتدقيق فى أفعاله ونواياه، فإن تصريحه والإجراءات التى اتخذها حتى الآن تثير القلق، أثار ماسك الجدل أثناء قيامه بتغيير الموقع، وقد أثار بالفعل القلق من خلال إقالة فرق Twitter المسؤولة عن الإشراف على المحتوى".
ووضع الاتحاد الأوروبى خلال يوليو الماضى تشريعات لتنظيم الفضاء على الإنترنت، لإجبار عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين على اللعب وفقًا لقواعد السوق الأوروبية، وقالت النائبة الأوروبية: "على العكس من ذلك، يجب أن تفعل أكثر مما كانت تفعله لمكافحة المعلومات المضللة والكراهية. يجب أن يأتى لرؤيتنا حتى يتمكن من فهم القواعد الأوروبية للعبة. لديه التزامات بموجب قانون الخدمات الرقمية (الاتحاد الأوروبي) وقانون 2022 لممارسة المعلومات المضللة، والتى يخضع لها تويتر."
وقد يكون تراجع ماسك مؤقتا عن تطبيق سياسته الجديدة فى تويتر مجرد مهادنه للموجه العالية ضده، والتى بدأت باستدعاء البرلمان الأوروبى وانتهت بمطالب التحقيق الفيدرالى فى أمريكا، إلا أنها ستطبق يوما ما ووقتها سيكون ماسك وضع نفسه تحت مقصلة القوانين الفيدرالية الأمريكية وتشريعات الاتحاد الأوروبى.