مع بداية العام 2023 برزت ملامح المعاناة الاقتصادية بوضوح على الدول الأوروبية والتى غرقت فى موجات متتالية من الاحتجاجات العمالية والشعبية ضد حكوماتها وسوء تصرفها فى مواجهة التضخم وارتفاع الأسعار، الأمر الذى تطور فى بعض الدول ذات الاقتصاديات الضعيفة لطلبات سحب الثقة من الحكومات.
وتعتبر الاحتجاجات البريطانية هى الأقوى على الإطلاق حتى الآن حيث شهدت بعض القطاعات شللا تاما منذ بداية العام بسبب الاحتجاجات العمالية، منها قطاعات الصحة والسكك الحديدية والتعليم، وقالت صحيفة الجارديان، إنه سيتم منح صلاحيات للشرطة البريطانية لوقف ومنع الاحتجاجات والمظاهرات قبل أن يبدأ أي اضطراب بموجب خطط ريشي سوناك للنظام العام، ومن المقرر ان ينظر فيها البرلمان الأسبوع المقبل.
ويهدف تعديل قانون النظام العام، المقرر تقديمه للبرلمان، إلى إعطاء الشرطة مزيدًا من الوضوح حول متى يمكنها التدخل لمنع المتظاهرين من إغلاق الطرق أو السير البطيء.
وتأتي المقترحات، التي دعمها رئيس الوزراء ريشي سوناك، بعد أن ادعى قادة الشرطة البريطانية أن هناك بعض الغموض حول ما يمكن أن يصنف حاليًا على أنه "اضطراب خطير" بموجب القانون الحالي.
وفقًا لداونينج ستريت، بموجب التغييرات المقترحة، لن تحتاج الشرطة إلى انتظار حدوث اضطراب ويمكن أن تغلق المظاهرات قبل أن تتصاعد.
وقالت منظمة ليبرتي لحقوق الإنسان، إن الخطة ترقى إلى حد الاعتداء على الحق في التظاهر وقالت المديرة مارثا سبورييه: "يجب النظر إلى هذه المقترحات الجديدة على حقيقتها: محاولة يائسة لإغلاق أي طريق أمام الناس العاديين لإسماع أصواتهم"
من جانبه، قال داونينج ستريت إن الشرطة كجزء من التغييرات المطروحة، لن تحتاج إلى التعامل مع سلسلة من الاحتجاجات من قبل نفس المجموعة كحوادث قائمة بذاتها، ولكنها ستكون قادرة على النظر في تأثيرها الكلي، وسيتمكن الضباط من مراعاة الحملات الطويلة الأمد المصممة لإحداث اضطراب متكرر على مدى أيام أو أسابيع.
وقال سوناك، وهو يدعم هذه الإجراءات، "إن الحق في الاحتجاج هو مبدأ أساسي من مبادئ ديمقراطيتنا، لكن هذا ليس مطلقًا يجب تحقيق توازن بين حقوق الأفراد وحقوق الأغلبية الكادحة في ممارسة أعمالهم اليومية."
ولم يكن الحال فى فرنسا أفضل حيث عاشت بعض المدن الفرنسية على وقع احتجاج بعض الفئات منذ نهاية ديسمبر الماضى وحتى يناير الجارى حيث تخطط قطاعات عريضة إلى مزيد من الاحتجاجات.
وخرج المئات من الأطباء العامين في مظاهرات احتجاجية في فرنسا، للمطالبة برفع الأجور وتحسين ظروف عملهم، كما شهدت باريس احتجاجات واسعة فى ظل ارتفاع أسعار الطاقة، وجاءت المظاهرات فى فرنسا رداً على نية الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون رفع سن التقاعد وسط رفض شعبى لهذا الأمر فى ظل تضخم كبير يعانى منه اقتصاد البلاد وسط رغبة شعبية فى إجراء إصلاح فى المؤسسات.
ويرفع المحتجون لافتات تطالب بالرغبة فى حل أزمة التضخم وتقليل أسعار الطاقة التى ارتفعت بشدة، وبلغ عدد التجمعات 58، وشارك فيها 2700 شخص بحسب بيانات وزارة الداخلية الفرنسية.
وتوقع أن يتظاهر ما بين 550 ألفا و750 ألف مواطن فرنسي الخميس، حيث سيحتشد من 50 إلى 80 ألفا في العاصمة الفرنسية باريس، كما سينظم 221 نشاطا في جميع أنحاء فرنسا مع مسيرات في مدن "مرسيليا" و"ليون" و"تولوز" و"ليل" و"نانت".
وأعلن وزير الداخلية الفرنسى جيرالد دارمانان حشد أكثر من 10 آلاف عنصر أمن من الشرطة والدرك بينهم 3500 فى العاصمة الفرنسية باريس وذلك الخميس، بسبب الإضرابات والمظاهرات فى فرنسا.
وقال الوزير الفرنسي - حسبما ذكرت قناة "بي إف إم" الأخبارية الفرنسية، إن حشد هذا العدد من رجال الشرطة يعد كثيرا ولكن يأمل في أن يكون هذا العدد قادر على الإشراف على المظاهرة وبأفضل وجه ممكن.
وأضاف الوزير "دارمانان" أنه وفقا للمعلومات الاستخباراتية، يوجد بضعة آلاف من الأشخاص في العاصمة الفرنسية باريس، يمكن أن يكونوا عنيفين.. مشيرا إلى أنه يجب التميز في المظاهرات بين أولئك الذين يشكلون أغلبية ساحقة والذين يريدون فقط التعبير عن رأي سياسي وأولئك الذين يريدون التخريب.
واستطرد الوزير الفرنسي قائلا إن قيادة الشرطة التقت بجميع النقابات الاثنين الماضي للتباحث معهم حول خط سير التظاهرة وسلامتهم الشخصية والابلاغ عن العناصر التخريبية.. موضحا أنه منذ صباح الأربعاء، تم وضع العديد من نقاط امنية خاصة في باريس ولكن أيضا في المدن الكبرى الفرنسية.
ولم تنجو ألمانيا من الاحتجاجات حيث يواجه وزير المالية الألمانى، كريستيان ليندنر، انتقادات لاذعة وتهديد برفع الحصانة عنه فى ظل التضخم الذى أصاب البلاد جراء اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، وسط تخوف كبير لأن ألمانيا هى قلب الاقتصاد الأوروبى ويتم طبع عملة الاتحاد الأوروبى «اليورو» فيها.
جاء التهديد برفع الحصانة فى ألمانيا عن الوزير بعد إعلان أن بلاده ستشهد ارتفاعاً فى أسعار الطاقة خلال الفترة المقبلة مع توقعات بوصول التضخم إلى 7% ولكن فى عام 2024، وجاء ارتفاع سعر الطاقة فى البلاد لأن ألمانيا تعتمد على الغاز الروسى بنسبة تتجاوز 50% وقطعت روسيا عنها الإمدادات، ما أدى إلى رفع أسعار الغذاء والسكن والمشروبات وتقليل بعض الشركات للعمالة.
ويناقش المشرعون التشيكيون اقتراح سحب الثقة من الحكومة، بسبب مزاعم المعارضة بعدم الكفاءة.
واتهمت حركة آنو (نعم) المعارضة الرئيسية بقيادة الملياردير الشعبوي أندريه بابيش الحكومة التشيكية، بعدم القيام بما يكفي لمساعدة المواطنين على التعامل مع التضخم المرتفع بسبب ارتفاع أسعار الطاقة ورفض التواصل مع المعارضة بشأن خططها.
ومع استمرار الحرب الروسية وتفاقم الأوضاع الاقتصادية من المتوقع أن تظل موجات الاحتجاج تهدد استقرار أوروبا، وربما تُطيح بحكومات بعد تدهور مستوى المعيشة.