أيام قليلة وتدخل العملية الروسية فى أوكرانيا عامها الأول، تلك الحرب التى أنهكت ليس فقط أطراف الصراع المباشرة بل انعكست سلبًا على كافة دول العالم، التى أصبحت تعانى من تضخم وأزمات اقتصادية وتهديد بأزمة نقص غذاء، كل هذا ولا زال طرفى الصراع مستمران فى المواجهة دون رغبة فى اللجوء إلى طاولة المفاوضات، ومع اقتراب الذكرى الأولى للحرب فى 24 فبراير لا ضوء يلوح فى الأفق لحل قريب.
وتشير كافة المؤشرات إلى شيئا ما يتم تدبيره من قبل الإدارة الروسية فى الذكرى الأولى لحربها على أوكرانيا، حيث أعلنت موسكو عن اجتماع استثنائى يجمع مجلس الدوما (مجلس النواب) ومجلس الاتحاد (مجلس الشيوخ)، فى حين سيلقى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، خطابًا عامًا أمام البرلمان.
ووفقا لوكالة "ريا نوفوستى" الروسية، قال السيناتور فياتشيسلاف تيمشينكو، إنه من المقرر أن يخصص الاجتماع المشترك لاعتماد قوانين، بشأن الاندماج القانونى لـ4 مناطق، التى تم ضمها من أوكرانيا، للاتحاد الروسى.
وتحركت موسكو العام الماضى لضم 4 مناطق أوكرانية وهى: (دونيتسك ولوجانسك وزابوريجيا وخيرسون)، وكان الرئيس بوتين وقادة هذه المناطق وقعوا هذه المعاهدات فى 30 سبتمبر الماضى فى الكرملين، وفى 2 أكتوبر اعترفت المحكمة الدستورية لروسيا بهذه المعاهدات باعتبارها متوافقة مع دستور روسيا، وفى 4 أكتوبر صدق مجلس الاتحادى الروسى (المجلس الأعلى للبرلمان) بالإجماع على معاهدات انضمام المناطق الجديدة، إلى روسيا.
وتضمنت المعاهدات، حدود مناطق جمهوريتى دونيتسك ولوغانسك و خيرسون وزابوروجيه، المتاخمة لأراضى البلدان الأخرى، هى حدود الدولة الروسية، وحتى الأول من يناير2026 سيتم حل قضايا دمج المناطق الجديدة فى الأنظمة الاقتصادية والمالية والائتمانية والقانونية لروسيا، وكذلك فى نظام الهيئات الحكومية، والتشريعات الروسية وغيرها من النصوص القانونية المعيارية سارية المفعول فى المناطق الجديدة من تاريخ انضمامها إلى روسيا.
ويأتى التحرك التشريعى الروسى بالتزامن مع تحركات على الأرض، وقالت صحيفة "واشنطن بوست" إنّ مسؤولين أمريكيين حذروا القادة الأوكرانيين من مواجهة لحظة حرجة لتغيير مسار الحرب، بالتزامن مع اقتراب مرور عام على بدء العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا.
وأضافت الصحيفة الأمريكية، أن المخاوف بدأت تنتاب البيت الأبيض بشأن صعوبة تسليم المساعدات العسكرية اللازمة لأوكرانيا، موضحًا أنه مع دنو الذكرى الأولى للحرب فى أوكرانيا والتى تصادف الرابع والعشرين من فبراير فقد قام مسؤولون فى الإدارة الأمريكية بإبلاغ القادة الأوكرانيين أنهم سوف يواجهون فترات عصيبة فى الصراع المسلح الحالى مع القوات الروسية وأنه يجب عليهم إحراز مكاسب عسكرية فى ساحة القتال على ضوء تدفق الأسلحة والعتاد العسكرى من الولايات المتحدة وحلفائها إلى أوكرانيا.
ويضيف المقال أنه على الرغم من الوعود التى تلقتها أوكرانيا من واشنطن بشأن تقديم كل الدعم اللازم لها مهما كلفها الأمر، إلا أن إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن يرون أن كمية المساعدات التى قدمتها أمريكا وحلفاؤها لأوكرانيا منذ بداية ذلك الصراع الدامى كافية لكى تتمكن القوات الأوكرانية من تغيير مسار القتال لصالحها على أرض المعركة.
ويقف العديد من المحافظين فى مجلس النواب الأمريكى الذى يقوده الجمهوريون إلى جانب سحب دعم أوكرانيا، فيما لا تزال شهية أوروبا طويلة الأمد لتمويل كييف فى الحرب غير واضحة.
وتضيف الصحيفة أنه فى ظل أهمية تلك الفترة الحاسمة بالنسبة للإدارة الأمريكية فسوف تتوجه نائبة الرئيس الأمريكى كمالا هاريس ووزير الخارجية أنتونى بلينكن ووزير الأمن الداخلى أليخاندرو مايوركاس إلى ألمانيا خلال الأسبوع الجارى للمشاركة فى قمة حول الشؤون الأمنية، بينما يقوم الرئيس بايدن بزيارة لبولندا خلال الأسبوع القادم لعقد مباحثات هناك مع حلول الذكرى الأولى للعملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا.
وكان الأمين العام لحلف شمال الأطلسى ينس ستولتنبرج قد قال إنّ الجيش الأوكرانى "يستهلك كمية ذخائر أكبر بكثير من تلك التى تنتجها الدول الأعضاء"، ما دفع الحلف إلى اتخاذ تدابير لزيادة الإنتاج على المدى القصير والمتوسط.
واعترفت أوكرانيا بوضع "معقد" شمال باخموت، مركز المعارك فى شرق البلاد، حيث أعلن الجيش الروسى الاستيلاء على بلدة جديدة مواصلا محاولاته لتطويق هذه المدينة الحصن فى دونباس، وبعد عدة أشهر من تبادل القصف المدفعى بدون تحقيق مكاسب كبيرة على الأرض، أحرزت القوات الروسية تقدما فى الأسابيع الأخيرة.
ويرى المسؤولون فى إدارة الرئيس بايدن، كما يشير المقال، إلى أن الحرب هناك سوف تصل إلى نقطة الحسم خلال فصل الربيع القادم حين تقوم القوات الروسية، كما هو متوقع بشن هجمات واسعة النطاق، بينما تقوم القوات الأوكرانية بدورها بشن هجمات مضادة لاسترداد الأراضى الواقعة تحت سيطرة القوات الروسية.
وتأكيدا على تصعيد محتمل من موسكو اتهم وزير الخارجية الروسى، سيرغى لافروف، فى خطاب له أمام مجلس الدوما، الولايات المتحدة بأنها تشن حربا هجينة شاملة ضد روسيا لتطويقها بـ "حصار صحى" وجعلها "دولة مارقة".
وقال لافروف - فى كلمة له الأربعاء أمام البرلمان الروسى - "إن الولايات المتحدة وأقمارها الصناعية تشن حربا هجينة شاملة ضدنا والتى تم إعدادها لسنوات عديدة باستخدام المتطرفين الأوكرانيين ككبش مدمر".
وأشار وزير الخارجية الروسى إلى أن الغرب لا يخفى أهدافه، وقال "إن الأمر لا يقتصر فقط على هزيمة روسيا فى ساحة المعركة وتدمير الاقتصاد الروسى، ولكن أيضا لتطويقنا بحزام صحى (وقائى) لتحويلنا إلى دولة مارقة".
وأضاف لافروف: "إن نطاق الأدوات التى يستخدمها الغرب لتحقيق أهدافه واسع، بداية من الدعم العسكرى المباشر للنازيين الجدد والذى دعا إليه وزير الدفاع الأمريكى لويد أوستن أمس بشكل مباشر، والذى أكد الحاجة إلى تزويد القوات المسلحة الأوكرانية بأسلحة دقيقة وتدريب الأفراد لضمان نجاح عمليات الهجوم المضاد الجديدة لنظام كييف".
وحتى الآن لا أحد يتوقع كيف ستنتهى تلك الحرب طويلة الأمد، ولكن الأكيد ووفقا لتقديرات المراقبون أن روسيا لازال فى جعبتها الكثير وربما ستكون الذكرى الأولى لحربها على أوكرانيا مناسبة للإعلان عما لديها.