عادت الحياة التشريعية لتونس من جديد بانعقاد أولى جلسات البرلمان المنتخب حديثا، بعد عام ونصف من التوقف على خلفية خطة الإصلاح السياسى التي أطلقها الرئيس التونسى قيس سعيد في يوليو 2021 والتي شملت حل البرلمان وإجراء تعديلات دستورية، وهو مسار التصحيح بعد أن أغرق حكم حزب النهضة الخوانى البلاد في أزمات متتالية وفساد بلا نهاية.
وانعقدت أولى جلسات المجلس الذى يمثل أغلبه مستقلين، في غياب لافت للرئيس التونسى قيس سعيد، بعد أن توقعت أغلب الأوساط السياسية حضوره لأداء اليمين الدستورية، في حين كانت وجهة الرئيس التونسى هي جولة ميدانية إلى معتمدية غار الدماء من ولاية جندوبة.
وترأس الجلسة الافتتاحية للبرلمان التونسى صالح المباركي أكبر الأعضاء سنا، والذى أكد في كلمته بالجلسة الافتتاحية: "إن البرلمان تقع على عاتقه مسئولية تاريخية جسيمة"، وأضاف المباركى: "نعيش لحظة فارقة في تاريخ البلاد وهو ما يحفزنا على العمل، بعيدا عن أي صراعات مرتبطة بمصالح ضيقة، ومن واجباتنا كنواب شعب أن نعمل في تشاركية مع مكونات السلطة التنفيذية لوحدة الدولة".
وبدأ النواب الجلسة بغناء النشيد الوطنى التونسى، تبع ذلك أداء أعضاء مجلس نواب الشعب اليمين بصورة جماعية، لتبدأ بعد ذلك عملية الترشيح وانتخاب رئيس البرلمان ونائبيه.
وأثار البرلمان جدلا كبيرا منذ اللحظة الأولى لانعقاده، ففي حين شهد محيط مقر مجلس نواب الشعب بباردو تعزيزات أمنيّة مكثّفة ووضع الحواجز الأمنية وانتشار وحدات الأمن في الشوارع القريبة من المجلس، اعتصم عدد من الصحفيين المحليين ومراسلي المؤسسات الإعلامية الأجنبية أمام باب البرلمان، بعد أن منعهم أعوان الأمن من الدخول لتغطية الجلسة الافتتاحية.
واقتصرت التغطية الصحفية للجلسة الافتتاحية من داخل البرلمان على التليفزيون الرسمي والإذاعة ووكالة الأنباء التونسية، وعبر الصحفيون عن رفضهم لهذا القرار، ووصفوا ما حدث، في بيان، بـ "الممارسات الاقصائية" غير المبررة، وقالوا إنها "خطوة إلى الوراء في مجال حرية الصحافة والإعلام وفي الإنصاف والمساواة في الوصول إلى المعلومة والتغطية".
وفى محاولة للتهدئة قالت النائبة بالبرلمان الجديد فاطمة المسدّي، إن مجموعة من النواب – وهى بينهم - " طلبوا الاقتصار على حضور الإعلام العمومي فقط " لتغطية الجلسة الافتتاحية من داخل مقر مجلس نواب الشعب، موضحه أنّ القرار كان بهدف "تجنّب البلبلة وربّما نقل صورة لا تليق بالبرلمان"، وفق تعبيرها.
وأضافت أنّ لجنة النظام الداخلي، التي ستتكون، ستنظر في كيفية تنظيم العلاقة بين البرلمان ووسائل الإعلام وكذلك العلاقة مع منظمات المجتمع المدني المهتمة بالشأن البرلماني، على غرار جمعية "البوصلة".
في المقابل، أكد نواب آخرون، وفقا لوكالة الانباء التونسية عدم علمهم بهذا القرار وأنهم تفاجؤوا به، مؤكدين رفضهم له وحقّ الإعلاميين في تغطية أول جلسة عامّة لمجلس نواب الشعب الجديد، وقال النواب عبد الرزاق عويدات (حركة الشعب) ونسرين مرابط (مستقلة) ومعز بن يوسف (مستقل) إنهم "فوجئوا" بمنع الإعلام من الحضور، وأبرزوا أنّ "الإعلام ركيزة أساسية للعمل البرلماني".
لم يتوقف الجدل عند هذا الحد بل إمتد إلى مشهد آخر يعد نادر الحدوث في العمل البرلماني، حيث شهد البرلمان إيقاف النائب وجدي الغاوي من قبل الأمن وقاموا بإخراجه من قاعة الجلسات العامّة خلال الجلسة الافتتاحية، عقب أدائه اليمين الدستورية.
ووفقا لوكالة انباء تونس، قال الغاوى أن منافسته في الانتخابات التشريعية (حنان بيبي) كانت قد رفعت ضده قضية في شبهة "تدليس تزكيات" بالانتخابات الأخيرة، مؤكدا أنه موجود حاليا بمنطقة الأمن بباردو في انتظار قرار النيابة العمومية.
وقال إنه "تفاجأ بهذا الإجراء ضده بعد مباشرة عمله النيابي وآداء القسم، خاصة وأن القضية مازالت في طور التحقيق وسبق الطعن لنفس الأسباب من قبل نفس الجهة لدى المحكمة الإدارية التي أقرت برفض الطعن في الأصل ابتدائيا واستئنافيا".
وكان وجدي الغاوي ترشح للانتخابات التشريعية عن دائرة المروج فرحات حشاد من ولاية بنعروس وتمكن من الفوز بالأغلبية المطلقة منذ الدور الأول على حساب منافسته الوحيدة حنان بيبي.
وقدم ثمانية نواب ترشحهم لمنصب رئيس البرلمان وهم إبراهيم بودربالة وهشام حسني وفوزي الدعّاس ويسري البوّاب وماهر القطاري وبدرالدين القمودي وعبد السلام الدحماني وشفيق زعفوري، فيما ترشح 16 نائبا ونائبة لمنصبى نائب رئيس البرلمان.