أوشكت فرنسا على مرحلة صدام حاسم بين الرئيس إيمانويل ماكرون والنقابات العمالية، فعلى مدار الساعات الماضية استطاعات النقابات إظهار قوتها فى وجه الحكومة حيث أصابت البلاد بالشلل شبه التام فى أغلب القطاعات الحيوية، جراء الجولة الثامنة والأعنف من الإضرابات العمالية اعتراضا على مشروع قانون رفع سن التقاعد.
ويقضى مشروع القانون بزيادة الحد الأدنى لسن التقاعد من 62 عاماً حالياً إلى 64 عاماً، وهو جزء من حزمة إصلاحات رئيسية اقترحها الرئيس إيمانويل ماكرون لضمان التوازن المالى لنظام التأمين الاجتماعى فى فرنسا، وترغب النقابات، فى مواصلة الضغط على الحكومة.
مشروع القانون، الذى يشهد الخميس يومًا حاسمًا فى البرلمان الفرنسى، تحول إلى ساحة حرب بين الرئيس ماكرون الذى يراه ضروريا للإصلاح الاقتصادى، وبين النقابات العمالية التى ترفضه بشده وتراه قاسى، وكما خرجت جموع الفرنسيين ضد مشروع القانون فى الشوارع، هناك أيضا معارضة شرسة داخل البرلمان حيث لايمتلك الرئيس الفرنسى أغلبية برلمانية تمكنه من تمريره، الأمر الذى سيؤدى إلى صدام تشريعى.
ومع تعقد الأمور بدأ المراقبون يحذرون من إمكانية لجوء الرئس ماكرون لفرض القانون بالقوة على كلا من الشارع والبرلمان، وذلك من خلال تفعيل المادة 49.3 من الدستور الفرنسى، والتى تمنح رئيسة الحكومة حق تمريره بالقوة، وبدون تصويت البرلمان، لكن هذا الطرح يبقى بعيدا حتى الآن، خشية أن تستخدمه المعارضة، لتحريك البرلمان لسحب الثقة من الحكومة الفرنسية.
والسبت الماضى صادق مجلس الشيوخ على مشروع القانون، وستبدأ لجنة مشتركة، العمل من الأربعاء 15 مارس إلى 26 من الشهر نفسه، لإيجاد صيغة توافقية حول القانون الذى تعارضه النقابات العمالية بالبلاد وتحشد ضده بشكل مستمر.
هذه اللجنة ستباشر عملها وفقا للمادة 45 من الدستور الفرنسى التى تمنحها الحق فى التدخل لمناقشة أى مشروع قانون يكون موضوع خلاف بين الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، وتضم هذه اللجنة 7 نواب من الجمعية الوطنية و7 أعضاء من مجلس الشيوخ، ينتمون إلى الكتل الحزبية الممثلة فى الغرفتين.
وهدف هذه المرحلة الجديدة، هو إيجاد صيغة توافقية لمشروع القانون من قبل الغرفتين قبل طرحه للتصويت العلنى فى البرلمان، ورحبت إليزابيث بورن، رئيسة الحكومة الفرنسية بمصادقة الغرفة العليا على القانون المثير للجدل واصفة هذه المرحلة بـ"المهمة". وصرحت: "على الرغم من محاولات العرقلة التى قامت بها بعض الكتل الحزبية، إلا أننا تمكنا من تنظيم حوار ديمقراطى".
ومنذ صباح الأربعاء شهدت قطاعات النقل والطاقة والتعليم إضرابات جزئية، فيما أعلن عمال النظافة مواصلة إضرابهم لأسبوع إضافى بينما طالب وزير الداخلية رئيسة بلدية باريس الاستدعاء الإجبارى للعمال فى وقت تغرق فيه العاصمة باريس فى آلاف الأطنان من القمامة.
ودعت نقابة CGT وهى من الأكبر فى فرنسا، إلى توقف عن العمل لمدة ثلاثة أيام فى الموانئ الفرنسية مع يوم "شلل الموانئ" فى ختامها الخميس، احتجاجا على مشروع إصلاح نظام التقاعد الذى ينص خصوصا على رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما.
وسبق للنقابات الفرنسية أن نظمت سبعة أيام تعبئة وتحرك شارك فيها مئات آلاف الفرنسيين فى محاولة لدفع الحكومة إلى التخلى عن هذا المشروع لكن من دون جدوى حتى الآن، وشهدت المدن الفرنسية فى 11 مارس الجارى الاحتجاج السابع منذ نهاية يناير الماضى على إصلاح المعاشات التقاعدية.
واقترحت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن مشروع إصلاح المعاشات التقاعدية فى منتصف يناير الماضى، وبالإضافة إلى رفع سن التقاعد يقضى هذا الإصلاح بزيادة حجم الحد الأدنى للمعاشات التقاعدية إلى 1.2 ألف يورو وإلغاء عدد من أنظمة المعاشات الخاصة.