عاشت فرنسا يوما ساخنا على الرغم من برودة الطقس، حيث ألهبت الاحتجاجات المليونية التى انطلقت فى شوارع المدن الفرنسية الأجواء المشتعلة بين المواطنين والحكومة الفرنسية، فى ظل غضب شعبى ضد مشروع قانون رفع سن التقاعد والذى دفعت به الحكومة للبرلمان مؤخرا.
ويواجه الرئيس ايمانويل ماكرون أزمة كبيرة فكما خرجت جموع الفرنسيين ضد مشروع القانون فى الشوارع، هناك أيضا معارضة شرسة داخل البرلمان حيث لايمتلك الرئيس الفرنسى أغلبية برلمانية تمكنه من تمريره، الأمر الذى سيؤدى إلى صدام تشريعى قد يدفع فى نهاية المطاف لحل البرلمان.
وتسبب إضراب ثان على مستوى فرنسا فى تعطيل إنتاج الكهرباء وحركة النقل العام والمدارس اليوم الثلاثاء، فى رد فعل عنيف على خطط الحكومة الرامية لرفع سن التقاعد، تلك الاضطرابات التى تقودها النقابات العمالية فى فرنسا.
ووفقا لوكالة بلومبرج للأنباء، أن الشركة الوطنية للسكك الحديدية قالت إنها سيرت ثلث رحلات القطارات عالية السرعة، وحثت المواطنين على العمل من المنزل، وأصيبت حركة مترو الانفاق فى العاصمة باضطرابات، كما تم إغلاق معظم المدارس، وقالت شركة إير فرانس إنها ألغت 10% من الرحلات لمسافات قصيرة.
وقالت نقابة معلمى المدارس الابتدائية إن نصف المعلمين أضربوا عن العمل، وبالمثل موظفو المصافى النفطية والعاملون فى قطاعات أخرى من بينها محطات البث الحكومية التى بثت الموسيقى بدلا من البرامج الإخبارية.
وانخفضت إمدادات الطاقة الفرنسية 4.4%، أو 2.9 جيجاوات، إذ انضم العاملون فى المفاعلات النووية ومحطات الطاقة الحرارية إلى الإضراب، وفقا لبيانات من مجموعة إى.دى.إف.
وقالت شركة توتال إنرجيز إنه لا يتم تسليم منتجات بترولية من مواقعها فى فرنسا بسبب الإضراب، مضيفة أن محطات الوقود تم إمدادها بالكامل ويجرى تلبية احتياجات العملاء.
ويقضى مشروع القانون بزيادة السنّ الأدنى للتقاعد من 62 عاماً حالياً إلى 64 عاماً، وهو جزء من حزمة إصلاحات رئيسية اقترحها الرئيس إيمانويل ماكرون لضمان التوازن المالى لنظام التأمين الاجتماعى فى فرنسا، وترغب النقابات، فى مواصلة الضغط على الحكومة.
وقال لوك فار، الأمين العام للاتحاد الوطنى للنقابات المستقلة لموظفى الخدمة المدنية "هذا الإصلاح غير عادل وقاس... رفع (سن التقاعد) إلى 64 يمثل تراجعا اجتماعيا".
وتُظهر استطلاعات الرأى أن معظم الفرنسيين يعارضون الإصلاح، لكن الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته يعتزمون التمسك بموقفهم، وقال ماكرون عشية الاحتجاجات إن الإصلاح "ضرورى" لضمان استمرار عمل نظام المعاشات التقاعدية.
وتقول تقديرات وزارة العمل إن رفع سن التقاعد بمقدار عامين وتمديد فترة الدفع من شأنه أن يدر 17.7 مليار يورو (19.18 مليار دولار) من المساهمات التقاعدية السنوية، مما يسمح للنظام بتحقيق التوازن بحلول عام 2027.
وفى مواجهة الإضرابات أعلنت السلطات الفرنسية حالة التعبئة العامة، وحشدت نحو 11 ألفا من رجال الشرطة والدرك، لمواجهة التحركات الاحتجاجية الواسعة والإضراب العام الذى شهدته عدة قطاعات يوم الثلاثاء، فى كافة أنحاء فرنسا.
وقالت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية، إنه "تم حشد 11 ألفا من رجال الشرطة والدرك فى كل مكان فى فرنسا بما فى ذلك 4 آلاف فى العاصمة باريس، بالتزامن مع المظاهرات على إصلاح نظام التقاعد، وفقا لما أعلنه وزير الداخلية جيرالد دارمانين.
وكان الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون قد واجه أكبر احتجاجات منذ توليه الرئاسة فى 19 يناير الجارى، عندما حشدت النقابات أكثر من 1.1 مليون شخص فى الشوارع.
وقد تعهد ماكرون بالمضى فى تطبيق برنامجه، حيث إن التراجع عن ذلك من شأنه أن يُعرض للخطر جزء أساسى من استراتيجيته للعمل على الاستقرار المالى لفرنسا وتحسين قدرة اقتصادها على النمو وتوفير فرص العمل .
وإذا فشل ماكرون فى اقرار هذا الاصلاح بالبرلمان، فسيواجه أزمة كبيرة وتقويض لمصداقيته للفترة المتبقية من ولاته الثانية والأخيرة.
ولمحت الحكومة برئاسة إليزابيث بورن إلى وجود هوامش للاستثناءات بشأن بعض الإجراءات فيما بدأت لجان برلمانية درس مشروع القانون الإثنين.
وأشارت بورن إلى أنه يمكن تحسين الشروط للأشخاص الذين بدأوا العمل فى سن مبكرة جدا أو للأمهات اللواتى توقفن عن العمل لرعاية الأطفال والأشخاص الذين استثمروا فى مزيد من التعليم، لكن بورن أكدت نهاية الأسبوع أن رفع السن التقاعدية إلى 64 عاما "غير قابل للتفاوض".
ومن الشارع إلى البرلمان، حيث قدمت المعارضة اليسارية أكثر من سبعة آلاف تعديل لمشروع القانون فى محاولة لإبطاء مساره عبر البرلمان.
ويفتقر ماكرون إلى غالبية فى الجمعية الوطنية، ويأمل فى الحصول على دعم اليمين لتبنى مشروعه الإصلاحى.
وطرح موقع "كابيتال" الفرنسى سؤال:"هل يلجأ ماكرون لحل البرلمان الفرنسي؟"، مشيراً إلى انعدام "المناخ الديمقراطي"، على حد وصف الموقع الفرنسى، وهو ما كشفته الأزمة التى تشهدها فرنسا، من مظاهرات وإضرابات، احتجاجاً على تعديل قانون التقاعد.
وقال موقع "كابيتال " الفرنسى: "إن الإضرابات العامة والاحتجاجات، ضد تعديل نظام المعاشات التقاعدية فى فرنسا، ربما تكون بداية الطريق المسدود فى البلاد إذا لم تتراجع الحكومة عن مشروع التعديل كما طالبت النقابات".
وأوضح الموقع الفرنسي، أنه بعد العديد من الاقتراحات من اللوم ومئات التعديلات ضد ميزانية الضمان الاجتماعى فى نهاية العام الماضى، مشيراً إلى أن الاضطراب فى اللعبة الديمقراطية داخل البرلمان بدأ يثير حفيظة إيمانويل ماكرون الذى سيفكر بقوة فى حل الجمعية الوطنية (البرلمان) قبل نهاية ولايتها.
وأشار الموقع الفرنسى إلى تصريحات الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لمجلة "لوبوان" الفرنسية" فى الفترة الفاصلة بين جولتى الانتخابات الرئاسية، قائلاً: حقيقة عدم وجود أى نَفَس ديمقراطى لمدة خمس سنوات لم تعد مناسبة لعصرنا".
فيما نقلت إذاعة "يوروب 1" الفرنسية، عن مصدر لما تسمه قوله:" لن تكون هذه كلمات فارغة وسيضع الرئيس هذه الفكرة فى الاعتبار جيدً، مضيفاً:" الرئيس سيفعل هذا الخيار قبل عام 2027.. ولن يكون ذلك لمجرد نزوة".
وأضاف المصدر: "فى أفضل الأحوال، ستكون فرصة لإيجاد أغلبية مطلقة فى البرلمان وفى أسوأ الأحوال، سيفوز التجمع الوطنى (اليمين المتطرف) بأغلبية المقاعد"، وهذا هو الخيار الأخير الذى يُعتبر الأكثر احتمالًا فى الوقت الحاضر فى الإليزيه، والذى سيكون منطقيًا وفقًا لإيمانويل ماكرون لأنه سيضغط على مارين لوبن".
وتابع: "إذا فازت زعيمة الجبهة الوطنية فى هذه الانتخابات التشريعية، فسيتم ترشيحها بعد ذلك إلى منصب رئاسة الوزراء: "إذا قبلت، فهذه أفضل طريقة لإضعافها مع اقتراب الانتخابات الرئاسية. وإذا رفضت، فسيظهر ذلك أنها لا تريد السلطة!".
ووفقاً للمصدر الفرنسى: "فإن ذلك الرهان محفوفً بالمخاطر سيشهد نهاية التفويض بدون أغلبية لإيمانويل ماكرون، ولكن سيكون له أيضًا ميزة الضغط على خلفائه المحتملين: برونو لو مير وفرانسوا بايرو وخاصة إدوارد فيليب".
وأيا كان ما يفكر فيه الرئيس الفرنسى لمستقبل البرلمان، فإنه فى المستقبل القريب سيواجه أزمة كبيرة فى الشارع وداخل البرلمان.