لم يكن الأسبوع الجارى أسبوعًا عاديًا فى العلاقات بين سوريا والعرب، حيث شهدت الأيام الماضية خطوات متسارعة نحو مصالحة سورية عربية أصبحت حقيقة على أرض الواقع، ويبدو أن الوقت مهيأ الآن لعودة دمشق للحضن العربى.
ورغم أن الرسائل الإيجابية بين سوريا وأشقائها العرب لم تنقطع منذ وقوع كارثة الزلزال المدمر فى فبراير الماضى، إلا أن هذا الأسبوع كان استثنائيًا، ففى الوقت الذى كان فيه وزير الخارجية السورى يجوب عدد من العواصم العربية حاملًا رسائل محبه، كان وزير الخارجية السعودى يقوم بزيارة لدمشق للمرة الأولى منذ 12 عامًا.
ووصل وزير الخارجية السعودى فيصل بن فرحان، الثلاثاء، إلى العاصمة دمشق للقاء الرئيس السورى بشار الأسد، وخلال اللقاء الأول منذ سنوات، نقل وزير الخارجية السعودى تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والأمير محمد بن سلمان ولى العهد رئيس مجلس الوزراء، التحيات للرئيس السورى، وتمنياتهما للشعب السورى بالمزيد من الأمن والاستقرار والتقدم.
وبدوره حمّل الرئيس الأسد الأمير فيصل بن فرحان تحياته لخادم الحرمين الشريفين ولولى العهد وللشعب السعودى الشقيق، مؤكدًا أن الأخوّة التى تجمع العرب تبقى الأعمق والأكثر تعبيرًا عن الروابط بين الدول العربية، وأن العلاقات السليمة بين سوريا والمملكة هى الحالة الطبيعية التى يجب أن تكون، وهذه العلاقات لا تشكل مصلحة للبلدين فقط، وإنما تعكس مصلحة عربية وإقليمية أيضًا، حيث تنطلق من عمق تاريخى يعود إلى عقود طويلة بين البلدين، مشيرًا إلى أن السياسات المنفتحة والواقعية التى تنتهجها السعودية تصب فى مصلحة الدول العربية والمنطقة.
وأكد الرئيس السورى أن الدور العربى الأخوى ضرورى فى دعم الشعب السورى لتجاوز كل تداعيات الحرب على سوريا، واستقرار الأوضاع وتحرير كامل الأراضى السورية، واعتبر أن التغيرات التى يشهدها العالم تجعل من التعاون العربى أكثر ضرورة فى هذه المرحلة لاستثمار هذه التغيرات لمصلحة الشعب العربى فى أقطاره المختلفة.
وأعرب الوزير السعودى فيصل بن فرحان، عن ثقة بلاده بقدرة سوريا وشعبها على تجاوز آثار الحرب وتحقيق التنمية المستدامة، وأكد على وقوف المملكة إلى جانب سوريا ودعمها لكل ما من شأنه الحفاظ على وحدة الأراضى السورية وأمنها واستقرارها وتهيئة البيئة المناسبة لعودة اللاجئين والمهجرين.
ولفت وزير الخارجية السعودى إلى أن المرحلة القادمة تقتضى أن تعود العلاقة بين سوريا وأخواتها من الدول العربية إلى حالتها السليمة، وأن يعود دور سوريا عربيًا وإقليميًا أفضل مما كان عليه من قبل.
وأعربت المملكة العربية السعودية وسوريا خلال الأيام الماضية عن ترحيبهما ببدء إجراءات استئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية بين البلدين.
وقبل ذلك قام وزير الخارجية السورى بجولة مكوكية فى عدد من العواصم العربية بدأت بالقاهرة فى مطلع إبريل حيث استقبله وزير الخارجية سامح شكرى، فى زيارة هى الأولى من نوعها منذ أكثر من عشر سنوات.
ونقل الوزير المقداد تقدير بلاده لدور مصر الداعم والمساند لسوريا وشعبها على مدار سنوات الأزمة، مقدمًا الشكر للمساعدات الاغاثية الانسانية التى قدمتها مصر فى أعقاب الزلزال، ومعربًا عن تطلعه لأن تشهد المرحلة القادمة المزيد من التضامن العربى مع سوريا كى تتمكن من تجاوز أزمتها وتضطلع بدورها التاريخى الداعم لقضايا أمتها العربية.
ثم تلاها زيارة المقداد لمدينة جدة السعودية فى زيارة عمل بناء على دعوة نظيره السعودى فيصل بن فرحان.
ومنذ مطلع الأسبوع الجارى حل المقداد ضيفا على كل من تونس والجزائر، حيث استقبله رئيس تونس، قيس سعيّد، بقصر قرطاج، مؤكدا على حرص تونس الثابت على استئناف السير الطبيعى لروابط الأخوة والتعاون المتينة والتاريخية القائمة مع وسوريا، فضلا عن تكثيف فرص وأطر التشاور والتنسيق بشأن مختلف الملفات الثنائية فى شتى المجالات.
وأشار الرئيس التونسى، إلى ما يجمع تونس بسوريا من قواسم حضارية وثقافية وإلى ما يحدوهما من عزم مشترك على إعطاء دفع جديد للعلاقات الثنائية والارتقاء بها إلى أعلى المستويات ورفع كلّ التحديات من أجل تحقيق تطلعات الشعبين الشقيقين.
وعشية هذا اللقاء استقبل رئيس الجمهورية الجزائرى عبد المجيد تبون فيصل المقداد الذى حمل رسالة من الرئيس السورى بشار الأسد، إلى تبون.
وقال وزير الخارجية السورى فيصل المقداد، الأحد، إن زيارات المسؤولين السوريين إلى بعض الدول العربية فى الآونة الاخيرة كانت برغبة مشتركة، وتهدف إلى غلق صفحة الماضى وفتح صفحة جديدة فى العلاقات بالعالم العربى.
وتأتى أهمية تلك الزيارات المتبادلة فى توقيتها، حيث لم يتبقى على انعقاد القمة العربية، والتى تستضيفها السعودية فى 19 مايو، سوى شهر واحد، الأمر الذى يؤشر على أن تلك القمة قد تشهد قرارا بعودة سوريا لمقعدها الفراغ بجامعة الدول العربية.