فوضى على الحدود، وقتال لا ينقطع يشهده الشرق الأوكرانى منذ أكثر من عام ونصف العام، بداية من اقدام روسيا على تحركها العسكرى فى 24 فبراير 2022، وهو التحرك الذى كان له آثرا عابرا للحدود، سياسيا واقتصاديا وامنيا، وخلف موجات من اللاجئين والنازحين، وفتح الباب واسعا أمام ازدهار تجارة المحرمات، بما فى ذلك الاتجار بالبشر والمخدرات، بعدما استغل القائمين على تلك الأنشطة الممنوعة حالة الفوضى على الحدود المشتركة بين أوكرانيا ودول الجوار، وتراجع مستوى التنسيق الأمنى بين روسيا ودول أوروبا الشرقية.
وخلال جائحة كورونا، حققت تجارة المخدرات ازدهارا واسعا بفضل الاغلاق الذى كان له آثرا سلبياً على الصحة النفسية لملايين البشر حول العالم، وكان سببا ـ بحسب دراسات ـ فى إقدام كثيرين على ادمان العقاقير المهدئة بما فى ذلك المخدرات .كما تسببت حالة عدم الاستقرار والأزمات الاقتصادية فى البلدان الرئيسية المنتجة للمخدرات فى ازدهار تلك التجارة.. وهى الظروف نفسها التى خلفتها الحرب الأوكرانية التى جاءت بمثابة دفعة قوية لتجار الكيف.
وذكر تقرير نشرته مجلة ناشيونال انترست الأمريكية أن حرب أوكرانيا تعد مثالاً على ازدهار هذه التجارة المدمرة، حيث حذرت الأمم المتحدة مؤخراً من أن إنتاج المخدرات والاتجار بها قد يزدادان فى البلاد بعد الغزو الروسي. وتقول المجلة الأمريكية إن أوكرانيا لم تكن مصدراً رئيسياً للمخدرات، لكن لديها إمكانات لذلك الآن كمنتج للأدوية الاصطناعية. وقبل الحرب، كانت هناك زيادة فى عدد مختبرات الأمفيتامين، التى تم تفكيكها فى أوكرانيا، حيث سجلت الدولة أكبر عدد من مختبرات تصنيع المخدرات التى تم تفكيكها فى العالم عام 2020.
وتشير المجلة الأمريكية إلى أن الاتجار بالمخدرات عبر أوكرانيا كان يتوسع أيضاً قبل الحرب حيث يمر أحد طرق تهريب الهيروين الأفغانى إلى أوروبا عبر البلاد، والآن يستثمر المهربين حالة الفوضى التى تسببت بها الحرب لزيادة تدفقات المخدرات.
ويشعر الاتحاد الأوروبى بالقلق من أن الميثامفيتامين الأفغانى الرخيص يمكن أن يشق طريقه فى النهاية إلى أوروبا، على طول طرق تهريب الهيروين القائمة، والتى تعد أوكرانيا واحدة منها.
وبخلاف الحرب وآثارها، تعد أوكرانيا منطقة يترسخ فيها نشاط التهريب والمافيا منذ فترة طويلة، حيث صنف مؤشر الجريمة المنظمة لعام 2021 أوكرانيا فى المرتبة الثالثة من بين أربعة وأربعين دولة فى أوروبا. كما كانت أوكرانيا أيضاً ثانى أكثر دولة فساداً فى أوروبا، وفقاً لمنظمة الشفافية الدولية.
خريطة تهريب عابرة للحدود
بحسب "ناشونال إنترست"، من المرجح أن يؤثر الصراع على تجارة المخدرات على مستوى العالم، وليس فقط فى أوروبا الشرقية، ففى الولايات المتحدة أصدرت لجنة المواد الأفيونية فى الكونجرس من الحزبين مؤخراً سلسلة من التوصيات لمعالجة وباء المواد الأفيونية الأمريكية، حيث كانت إحداها شراكة مع الصين والهند لوقف تحويل الإمدادات الكيميائية. لكن التعاون مع تلك البلدان فى مجال مكافحة المخدرات لم يكن أبداً سهلاً، وقد يزداد صعوبة بسبب الحرب فى أوكرانيا، فالصين على سبيل المثال، لم تدن الحرب الروسية، بل تقف داعمة وبشكل رئيسى لحليفها التاريخى فلادمير بوتين.
وعلى امتداد الخرائط، تواصلت شبكات التهريب عبر إيجاد طرق بديلة مستغلة الآثار العابرة للحدود للحرب الأوكرانية، فبحسب تقرير نشرته صحيفة انفو باى الأرجنتينية بداية يونيو الجارى، فإن البحر الأسود، وتحديدا موانئ أوديسا ويوزوهنى وسيباستوبول، بات بمثابة الوجهات المفضلة لتجار المخدرات القادمين من البحر الأبيض المتوسط.
وبحسب تقارير أممية، فإن التجار الكولومبيين، بالشراكة مع المجموعات الدولية المكرسة لنقل البضائع غير المشروعة ومن بين المنتجين والمصدرين الرئيسيين للمخدرات، وخاصة الكوكايين، هيئة الماركيتاليا الثانية (منشقون عن حركة فارك المتمردة) ؛ بالإضافة إلى ELN و Clan del Golfo، وفقًا للبيانات التى قدمتها الشرطة الوطنية الكولمبية، وتعمل هذه الجماعات غير القانونية على زيادة التجارة بشكل غير متناسب مع أوروبا ولم يتمكن الوباء ولا الحرب من وقف أعمالهم غير القانونية.
وأشار التقرير إلى أن أوكرانيا ضبطت ما معدله 50 كيلوجرامًا من الكوكايين سنويًا حتى عام 2018، ولكن زادت هذه الأرقام بحلول عام 2019 بأكثر من 1600%، عندما تم تسجيل ضبط 837 كيلوجرامًا، وبحلول عام 2020، تم ضبط 166 كيلوجرامًا، وهو ما يمثل انخفاض بسبب وباء كورونا، لكن مع وصول الصراع إلى ذلك البلد، ازداد الخوف من فقدان الجماعات غير الشرعية للشحنات بسبب الهجمات الجوية والبحرية للقوات العسكرية على مركبات نقلها، وتحولت الأوامر إلى موانئ رومانيا وبلغاريا.
ويحذر التقرير من أنه بعد وصول المخدرات إلى هذه الموانئ عن طريق البحر والجو، سيتم نقل الشحنة إلى مركبات برية لبدء رحلة طويلة إلى المجر، متجنبة كامل ساحل الحدود مع أوكرانيا وبيلاروسيا، اللتين عززتا جيشها العسكري.
كما سيستخدم اللاجئون شبه الجزيرة الإيطالية واليونان لتفريغ البضائع ونقلها برا إلى البلقان، وشكل تجار المخدرات طريق جديد آخر عبر بحر البلطيق، متجهًا إلى سانت بطرسبرج، فى جميع الحالات، تجنب التجار عبور البحر الأسود، على الرغم من أن هذا يعنى زيادة فى تكاليف النقل، الأمر الذى انعكس فى النهاية على أسعار المخدرات فى أوروبا.
واستغلت المافيا الإيطالية لتنشر أعمالها الاجرامية، وبحسب تقرير نشرته وكالة أنسا الإيطالية،فقد بدأت المافيا لاستغلال الحرب الأوكرانية لتحقيق مكاسب، وسط قلق متزايد من قبل مسئولى الأمن داخل روما، حيث أقدمت "مافيا كوزا نوسترا" بصقلية على تخزين أسلحة حربية ومتفجرات كانت معدة للبيع خارج إيطاليا، إلا أن السلطات الإيطالية تمكن من مداهمة مخازن السلاح التى كانت فى أحد الأحياء الشعبية فى كاتانيا.
وأشار التقرير إلى أن إجمالى تهريب المخدرات، الذى يقدره مرصد Emccda فى أوروبا وحدها حاليًا بنحو 30 مليارًا يورو، سيجلب فقط للمنظمات الإجرامية فى كالابريا 2 مليار يورو، وهو ما يعادل زيادة 12% من حجم المبيعات المحدد، أما بالنسبة للبناء، حيث لا توجد تقديرات رسمية لعدم تعاون الدول المتضررة، يقدر زيادة 7%، أى ما يعادل أقل بقليل من 1 مليار يورو.