في عصرنا هذا، تحيط تطبيقات الذكاء الاصطناعي بنا في كل مكان، وتؤثر في جميع جوانب حياتنا، في البيوت، والمدارس، وأماكن العمل، ودور السينما، والمعارض الفنية، وعلى الإنترنت بالأخص، ولا تقدر قيمة الذكاء الاصطناعي بثمن في شتى مجالات العلوم حاليا، إذ ساعد في فهم عمليات الذاكرة والتعلُّم واللغة من زوايا جديدة، ومن حيث المفهوم، غذَّى الذكاء الاصطناعي وشحذ النقاشات الفلسفيةَ المتعلقة بطبيعة العقل والذكاء وتفرد البشر.
وفى الحقيقة يعد أدب الخيال العلمي هو نوع من الأدب الذي يعالج التطورات العلمية والاكتشافات والاختراعات التي يمكن أن تحدث في المستقبل القريب أو البعيد، وهو الأدب الذي يمزج بين العلم والأدب بشكل رائع، ويدل على علاقة التأثر والتأثير بين العلم والأدب، ويعتبر الروائي الفرنسي جول فيرن (1828-1905م) والروائي الإنجليزي ويلز، (1866-1946م) من أبرز رواد أدب الخيال العلمي، الذين قدموا هذا الأدب في عدد من رواياتهم التي استشرفت المستقبل، وتحقق بعض ما جاء فيها من أفكار واكتشافات واختراعات.
الذكاء الاصطناعي بين سندان الأدب ومطرقة أهل السينما والقانون
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في الذكاء الاصطناعي بين سندان القانون والأدب ومطرقة أهل السينما، وسنقسم هذا الأمر إلى 3 مطالب نتحدث في المطلب الأول عن الذكاء الاصطناعي من وجهة نظر الأدباء أما المطلب الثاني فكان من نصيب أهل السينما، بينما المطلب الثالث فكان من نصيب أهل القانون، خاصة وأن أنظمة الذكاء الاصطناعي قد تتخطى الخيال إلى الواقع والحقيقة باستغلال بعض العصابات للروبوتات وأجهزة الاتصال الإلكتروني في ارتكاب جرائم قتل أو دهس أو الإضرار بالآخرين أو بانتحال صور وأصوات لبعض الأشخاص، بهدف ارتكاب الجرائم ومن دون أن تطالهم العقوبة، لأن القانون لا يعاقب إلا الشخص الطبيعي، بينما الآلي أو الافتراضي كالروبوتات فلا يعاقبها القانون - بحسب أستاذ القانون الجنائى والخبير القانونى الدولى محمد أسعد العزاوى.
المطلب الأول: الذكاء الاصطناعي عند أهل الأدب
في البداية - تعد سلسلة "رواية الأمثولة" وبرغم وفاة الكاتبة "أوكتاڤيا بتلر" قبل إنهاء الرواية الثالثة من هذه السلسلة، فإنها ابتكرت عالماً ديستوبياً فى روايتى "أمثولة الزارع" و"أمثولة الوزنات" متناولة صعود الديماجوجية الشعبوية، ولمست هاتان الروايتان وتراً حساساً لدى القراء مؤخرًا، بسبب بعض التشابهات الملحوظة بين المجتمع الذي كتبت عنه بتلر وبين واقعنا المعاصر، مثل الاحتباس الحراري، وتصاعد سطوة الشركات المؤثرة، وانعدام المساواة المجتمعية، لكن أغرب تناظر جاء فى رواية "أمثولة الوزنات"، حينما كتبت عن مبشر محافظ يترشح للرئاسة مستخدمًا شعار "اجعلوا أمريكا عظيمة مجددًا"، وهو الشعار الذي استخدمه الرئيس السابق دونالد ترامب في حملته الانتخابية فى عام "2016م" – وفقا لـ"العزاوى".
تعد رواية جورج أورويل "1984م" من أهم الروايات حيث تنبأت رواية جورج أورويل الديستوبية بجوانب عديدة من المستقبل حتى باتت الإشارة إليها أمرًا تلقائيًا في المواقف التي تهيمن فيها التكنولوجيا على المجتمع، ورغم صدورها في عام "1949م"، فقد وصفت عدة تقنيات موجودة الآن في بعض الأشكال، وعلى سبيل المثال telescreen أو "شاشة الرصد"، وهو جهاز تليفزيوني ضخم يستخدم في مراقبة حيوات البشر، وقادر على التعرف على الأشخاص بناء على الملامح ومعدل النبضات، وتستخدمه الحكومة لنقل المعلومات؛ أي أنه يشبه الهواتف الذكية التي تتعقب تصرفاتنا وتحركاتنا، وتمدنا بالمعلومات من كل أنحاء الكرة الأرضية بالإضافة إلى Versificator – الكلام لـ"العزاوى".
قصة "الآلة تتوقف" عام 1909م
وهي آلة تنتج الموسيقى والأدب بصورة تلقائية، تشبه بعض تقنيات الذكاء الاصطناعى المستخدمة اليوم، وهناك أيضاً آلات Speakwrites المستخدمة لتحويل الحديث إلى نصوص مكتوبة، واليوم بات لدينا العديد من أجهزة التسجيل، والتطبيقات الرقمية، وبرامج النسخ التي تقوم بالوظيفة ذاتها، بينما في رواية "الآلة تتوقف" والتي يتخيل الكاتب "إ. م. فورستر" فيها قصة "الآلة تتوقف"، 1909م مستقبلاً يعيش فيه الناس في غرفهم الخاصة ويعملون منها، ويتواصلون فيما بينهم عبر الوسائل الإلكترونية، كما يعانون من الرهاب عند الخروج من حجراتهم أو الالتقاء بالآخرين وجهًا لوجه، ورغم أن جهاز التليفون المنزلي كان موجودًا وقتذاك، لم تكن الإذاعة معروفة ولم يُخترع التليفزيون بعد فى عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي اليوم يمكننا القول إننا نعيش جميعًا في الكابوس الذي حلم به فورستر – هكذا يقول "العزاوى".
أما في رواية (فهرنهايت) 451 ففي هذه الرواية المنشورة في عام (1953م) أولى رأي برادبري اهتمامه بكيفية تفاعل البشر مع التكنولوجيا، حيث كان التليفزيون حينذاك من المسليات الشهيرة في أمريكا، وكان يعرض البرامج الإخبارية، والأعمال الكوميدية، وبرامج المسابقات والألغاز والمنوعات، غير أن الرواية كانت تتحدث عن برامج تشبه اليوم تليفزيون الواقع، وهو برنامج يتتبع الحياة اليومية لمجموعة من الأفراد ويسجل سلوكياتهم وانفعالاتهم بصورة عفوية دون نصوص مكتوبة مسبقًا، فتخيل برادبرى عالمًا يغص بشاشات تليفزيون عملاقة بحجم الجدار، تجعل المشاهدين ينخرطون مباشرة في أحداث البرامج، كما تنبأ بتعلق الناس بالبرامج التليفزيونية وتفضيلها على حيواتهم وعلاقاتهم.
راوية "الأرض" عام 1990 وتنبؤات عن عام 2038
أما في رواية الأرض حيث تزخر رواية ديفيد برين المنشورة فى عام (1990م) بعدة تنبؤات عن عام (2038م)، فيتصور شيئاً يشبه الرسائل غير المرغوبة أو spams يغمر صناديق الوارد فى البريد الإلكتروني، وانصهار المفاعل النووي فى محطة الطاقة النووية اليابانية، والاحتباس الحراري - ويكتب برين: "كان ثلاثة ملايين مواطن من جمهورية بنجلاديش ينظرون إلى مزارعهم وقراهم تنجرف أمامهم بعدما أطاحت الرياح الموسمية المبكرة بالسدود المبنية يدويًا، وحولت بقايا الدولة الكسيحة إلى مملكة مستنقعات".
وفيما بعد ذكر برين أنه: "بالغ فى تأثير الغازات المنبعثة من الصوبات الزراعية فى ارتفاع مستويات البحر فى عام (2040م)، لكن بعض النماذج تفيد أن تصوره لم يجانب الصواب، كما تنبأت الرواية ببعض التطورات التكنولوجية مثل انتشار وسائل التواصل الاجتماعى والكاميرات الرقمية عالية الجودة"، وفي رواية الوقوف في زنجبار حيث اكتسبت هذه الرواية المنشورة في عام (1968م) للكاتب جون برانر شهرة واسعة عبر السنوات لدقتها العالية في التنبؤ بالمستقبل، وأحداثها الواقعة فى عام (2010م) والتي ليست ببعيدة عن واقعنا، فلقد تخيل برانر تشكيل الاتحاد الأوروبي.
وفى رواية الروائي الأمريكي "سينكلير لويس" بعنوان "لا يمكن أن يحدث هنا" التي نشرت عام (1935م)، وتعددت أوجه التشابه بشكل مخيف بين الرئيس الذي اختاره الشعب بعناية "بيرزيلى ويندريب"، وبين الرئيس الأسبق للولايات المتحدة "دونالد ترامب"؛ حيث إن الرئيس في الرواية يطلق على نفسه "بطل الرجال المنسيين"، وله مواقف عجيبة من محاربة آليات التفكير المنطقي، وأخذ المواقف السياسية من كندا، كما أنه لا ينفك يعطى وعودا انتخابية لا ينتوي تنفيذها على أرض الواقع، ولا يشغله سوى منافسيه في الانتخابات، قد تكون قصة «1984م» الشهيرة للكاتب جورج أوريل الكتاب "الأكثر ديمومة" سياسيا على الإطلاق، إلا أنها لم تبلغ دقة التنبؤ بالوقائع السياسية مثل هذه الرواية.
المطلب الثاني: الذكاء الاصطناعي عند أهل السينما
يعتبر فيلم "هي" (Her) يعتبر حالة فريدة في تقديم نموذج غير مسبوق لقصة درامية محبوكة بشكل جديد تماما على شاشات السينما، عندما جسّد قصـة وقوع ثيـودور -رجل مهووس بالتقنية، حياته بائسة بشكل عام- في حب سامنثـا، سامنثا ليست فتاة جميلة قابلها ثيـودور في إحدى المطاعم أو المقـاهي، وليست زميلته في العمل، وإنما الصوت المؤنّث لنظـام تشغيل حديث تم إصداره باسم "أو إس 1" (OS 1) مزوّد بآلية ذكـاء اصطنـاعي متقدمة للغاية تجعـل سامنثـا تبدو كأكثـر البشر حرارة وألفة وعاطفة ومودّة، ويعد فيلم "هي" (Her) من إنتاج عام (2013م)، ومن بطولة خواكين فينيكس والنجمة سكارليت جوهانسون التي شاركت طوال الفيلم بصوتها فقط.
وفي فليم (المدمّــر) الآلات تتصـارع على إبادة البشر، حيث تصوّر مستقبلاً كئيبا تتفوّق فيه الآلات على البشر وتحكم الأرض أكثر من سلسلة "المدمّر" (The Terminator)، حيث الآلة وصلت إلى مرحلة من الذكاء الذي جعلها تستطيع الخروج عن سيطـرة البشر والدخـول في معارك شاملة تسعى فيه إلى إبادة الجنس البشري بالكامل، وتتناول سلسلة "المدمّر" التي بدأ إنتاجها في مطلع الثمانينيات حبكـة خيال علمي فريدة تجمع ما بين الذكاء الاصطناعي من ناحية والسفر عبر الزمن من ناحية أخرى، حيث تمثّل كل منهما الأفكـار الأساسية التي قامت عليها هذه السلسلة.
سلسلة "المدمر" والذكاء الاصطناعى
بدأت سلسلة "المدمّر" في عام (1984م) ببطولة الممثل الأميركي النمساوي الشهير أرنولد شوارزينيجر، ثم تبعه الجزء الثاني "المدمر: يوم الحساب" الذي صدر في عام (1991م)، ثم الجزء الثالث "المدمّر: صعـود الآلة" في عام (2004م)، فتبعه الجزء الرابع "المدمّر: الخـلاص" في عام (2009م)، ثم الجزء الخامس والأخير -حتى الآن- الذي صدر في عام (2015م) باسم "المدمر: جينيسيس".
أما ثلاثية الماتريكس والذي شهد صراع مصيري في شبكة افتراضية ويعد فيلم "ماتريكس" هو أكثر فيلم غني عن التعريف في هذه القائمة بسبب شهـرته الهائلة -خصوصا الجزء الأول الذي صدر في عام (1999م) من ناحية، وبسبب تعقيده الشديد من ناحية أخرى الذي جعل الكثيـرين يستمتعون بالمؤثرات البصرية للفيلم وأحداثه الهائلة دون أن يهتموا بتفاصيل وسياق القصة نفسها المليئة بالرموز لدرجة أن الكثير من معتنقي نظـرية المؤامرة اعتبروا هذا الفيلم تحديدا يضم إشارات ماسونية غامضة.
والقصة الأساسية للفيلم تبدأ عندما يعثر المبرمج وقرصان الإنترنت توماس على شبكة افتراضيـة تسمّى الماتريكس، يجد نفسه متورّطا في أحداث غير متوقعة داخل هذه الشبكة التي يتضح أنها من صنع آلات حاسوبية ذات ذكاء اصطناعي فائق تعمل على استخدام البشـر كمصـادر للطاقة الخاصة بها بعد أن دمّـر البشر مصادر طاقتها الأصلية "الشمس" في المستقبل، وتدور أحداث الفيلم على أساس الصراع بين البشر من ناحية وبين الواقع الافتراضي فائق الذكـاء الذي يشترك فيه الآلات والحواسيب الذكية والبرمجيات من ناحية أخرى.
ثلاثة أفلام لسلسلة الماتريكس
تم إنتاج ثلاثة أفلام لسلسلة الماتريكس، وقدّرت أرباحها في عام (2016م) بحوالي 3 مليارات دولار، ما يجعلها من أكثر سلاسل الأفلام شهـرة وجذبا للإيرادات.
وفي فيلم (أنا والروبوت) عالم الجريمة بين الآليين والذي يحكي في عام (2035م) وهو ليس تاريخا بعيدا عنا جدا لو تأمّلته تعمل الروبوتـات ذات الطباع البشرية في خدمة المجتمعات، خصوصا في المجالات الأمنية، وتتصدى الروبوتات للجرائم، وتتدخل سريعا في عمليات الإنقاذ والإسعاف وعمليات البحث عن المفقـودين، الأمر الذي يجعل الحيـاة أكثر هدوءا وتماسكا، خصوصا مع تمييز هذه الروبوتات طوال الوقت، وتحديدهم بأنماط شكلية معينة، وربطهم بنظـام حاسوبي يمنع حدوث أي ثورة سببها الذكاء الاصطناعي المزوّدين به.
هنا، يكتشف المحقق الذي يلعب دوره الممثل المبدع ويل سميث حدوث جريمة بين الآليين قام بها أحدهم، وعندما يكتشف المحقق أسباب ودوافع هذه الجريمة يتضح وجود مخطط أكبر بكثير من مجرّد جريمة آلية، وأن الآليين لديهم نيات لا يمكن وصفها بالحسنة تجاه البشر، وفيلم "أنا والروبوت" (I, Robot) فيلم شهير من إنتاج عام (2004م)، حقق تقييما نقديا إيجابيا ممتازا بين الجمهور والنقاد، وانعكس على إيراداته التي اقتربت من 350 مليون دولار مقابل ميزانية إنتاج كبيرة قدرها 120 مليونا.
المطلب الثالث: الذكاء الاصطناعي عند أهل القانون
عدد من الخبراء القانونيين الذين أكدوا وجود فراغ تشريعي يتطلب الإسراع إلى إغلاقه، حتى لا يكون الذكاء الاصطناعي منفذا جديدا للعصابات والمافيات لارتكاب الجرائم، وذلك لمواجهة الأخطاء التي ترتكب بواسطة كيان الذكاء الاصطناعي، والتي قد تشكل جرائم عمدية أو غير عمدية علينا أن نحدد ثلاثة احتمالات بكيفية ارتكاب الجريمة، لنحدد بعدها الشخص الذي ستسند إليه المسؤولية الجزائية، وبالمثالين التاليين نستطيع أن نفهم الاحتمالات الثلاثة: سيارة بقيادة ذاتية صدمت شخصا فأصابته، وروبوت يجري عملية جراحية فيحدث خطأ نتج عنه إصابة أو وفاة.
إذن لنا أن نحدد الآتي:- الاحتمال الأول: المسؤولية الجزائية لارتكاب الجريمة بواسطة شخص آخر، وستكون التهمة موجهة للمنتج والمصنع أو المبرمج، والروبوت أو السيارة ذاتية القيادة وسيلة في ارتكاب جريمة.
الاحتمال الثاني: المسؤولية الجزائية على من يسيء استخدام كيان الذكاء الاصطناعي لارتكاب جريمة، وهنا يستبعد المبرمج والمنتج والمصنع من تحمل المسؤولية الجزائية، لعدم نسبة أي خطأ من جانبه، ويتم إرجاع السبب لمن يستخدم الإجراءات العادية لنظام الذكاء الاصطناعي بشكل غير مناسب لأداء عمل إجرامي.
الاحتمال الثالث: المسؤولية المباشرة، ويتم إلحاق المسؤولية مباشرة بكيان الذكاء الاصطناعي، كما يتم تحميلها للأفراد عادة، ومعلوم أن كيانات الذكاء الاصطناعي تعتبر غير قادرة على تحمل المسؤولية الجزائية، بسبب عجزها كالأطفال والمجانين ومن في حكمهم، فيلزم عندها إثبات ما إذا كان نظام الذكاء الاصطناعي يتخذ إجراء يؤدي إلى عمل إجرامي أو يخفق في اتخاذ الإجراء، ويعتبر تحديد القصد الجنائي لإثبات ما إذا كان البرنامج يعمل بشكل خاطئ فيدفع عن نفسه بالمسؤولية كدفاع الشخص الطبيعي بحجة الجنون؟
الدفع بسبب الإكراه
وهل يمكن للذكاء الاصطناعي المتأثر بفيروس إلكتروني أن يدفع عن نفسه بالمسؤولية بسبب الإكراه؟ حيث أن هذه هي الاحتمالات الثلاثة من إسناد المسؤولية الجزائية عند ارتكاب كيان الذكاء الصناعي فعلا يعد جريمة، كما أن التشريعات الحالية تستوعب أي احتمال، لكن بالإمكان إجراء دراسات أعمق لبحث احتمالات أخرى قد تحتاج الى تدخل تشريعي.
كما أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وما تشهده الثورة الصناعية والتقدم التكنولوجي من أهم ما يواجه المشرع الجنائي، في كل التشريعات، ليس فقط لما يتيحه هذا التطور من وسائل جديدة في ارتكاب الجرائم، بل أيضا لما يفرضه من ضرورة إضفاء الحماية الجنائية على المصلحة الجديدة التي قد تتولد عن هذا التطور، أو في عبارة أدق، قيامه بتجريم الأفعال التي من شأنها الإضرار بهذه المصالح، وإذا كانت هذه الحقيقة تنطبق، بداهة، على كل أنواع القوانين، إلا أن آثار هذا التطور تنعكس، بصورة خاصة، على القانون الجنائي الذي يقوم بحماية النظام العام والحقوق الأساسية للمجتمع والأفراد، على النحو الذي يؤدي الى الإضرار الجسيم بهذا النظام، وتلك الحقوق، حال غياب التنظيم القانوني، لظاهرة إجرامية جديدة.
خلاصة القول:
لا شك أن بعد الاطلاع على هذه الروايات وما جاءت به من أحداث والتي أصبحت جزءا منها حقائق واقعية، وفي المستقبل سيتحقق الجزء الآخر الأكبر منها خصوصاً مع تقدم التكنولوجية أكثر وأكثر، وبالنتيجة فإننا سنكون أمام ترسانة كبيرة من التعديلات القانونية في المستقبل القريب إن شاء الله وفي شتى المجالات، فمستقبلاً ستكون الطائرات المدنية بلا قائد حالها حال طائرات الدارون وستكون مزودة بالطاقة المتجددة وسيكون إطارها يدعم الطاقة الشمسية للاستفادة منها بدلاً من وقود الطائرات، وستظهر بدائل التكنولوجية مثل حقن السحب للاستمطار وقت الحاجة، كما ستساعد التكنولوجية في التعقب والتنبؤ بحوادث أي نشاط إجرامي.
وبما أن استخدامات التكنولوجية ستزيد فإن زيادة عدد الهجمات الإلكترونية سيزداد أيضاً، حيث يُتوقع زيادة تلك الهجمات بنسبة 61%، وهذا ما سينتج عنه خسائر كبيرة في الأرواح أو الممتلكات، تقدر تكلفتها بعشرات المليارات من الدولارات، وسيكون رجال الأمن من الروبوت وستكون هناك الشرطة جوية وسيتدخل في مجالات عدة كالإنقاذ والتحقيق والإسعاف وغيرها الكثير والكثير من الاستخدامات الأخرى، كما يذكر فلم أنا والروبوتات، ويرى العلماء مستقبلاً أن ناطحات السحاب ستكون تحت الأرض أي أن البناء سيكون بالعكس وأيضاً ستكون هناك مدن وشوارع وأنفاق وجسور تحت الماء، ولأشك أن ذلك سيقلل بكثير من حركة المرور والازدحامات والتي يعاني العالم منها أجمع.
الأدب والفن والسينما قد يسد ثغرات غابت عن القانونيين
أما في مجال الرعاية الصحية، فتشير الدراسات والأبحاث إلى أنه سيصبح الإجراء الشائع هو متابعة الحالة الصحية للشخص طوال حياته من خلال أجهزة يتم زرعها في جسم الإنسان ويمكنها ترجمة الأعراض والظروف الصحية إلى أي لغة وعلى مدار الساعة، ومستقبلاً سيتم تحريض الروبوت على قتل الإنسان وستكون هناك محاولات لتهكيره ولا نستبعد في يوم من الأيام من أن تتفق الروبوتات جميعاً على عدم سماعها لكلام مصنعيها، ومن وجهة نظر أخرى، وفي رواية التغذية تشير الرواية إلى زرع الناس رقاقات إلكترونية في أدمغتهم تمكنهم من الوصول إلى الشبكة الرقمية المعروفة باسم "التغذية"، وأخشى بعد هذا العمل أن يتم تهكير العقل البشري، وسنكون هنا أمام جريمة جديدة وهي جريمة تهكير العقل البشري.
وأخيراً فإننا نرى أن مسألة الرجوع إلى الكتب الأدبية هو أمر مستحسن خصوصاً عندما يبدأ القانونين بكتابة القوانين المنظمة للحدث، فربما يكون الأديب قد ألمح إلى سبل المعالجة في روايته، فلا نستبعد ذلك فالذي يرى المستقبل بخياله قادر على أن يضع الحلول بعين عقله، حتى ولو كانت بنسبة معينة أو بسيطة فربما يطرح رأي يسد به ثغرة معينة تكون قد غابت عن أعين القانونين.