توفر مصابيح الشوارع الذكية توازنًا ممتازًا بين توفير الطاقة وتحسين السلامة العامة، حيث تظهر أحدث الأبحاث أن إطفاء مصابيح الشوارع خلال ساعات معينة يقلل من الجرائم المتعلقة بالسيارات وليس العكس، فقد أصبحت إنارة الشوارع والميادين من الضروريات اللازمة لإشاعة الأمن والأمان، بعكس الأحياء التي يعمها الظلام، والتي قد تكون سبباً رئيساً في حدوث الجريمة، وما تجارب بعض الأحياء الشعبية القديمة التي تعاني من رداءة الإضاءة إلا دليل واضح على ذلك.
وتُعد إنارة الشوارع من مظاهر التقدم الاقتصادي، حيث تكون الأحياء ناشطة وفاعلة وتملأها الحياة، مما ينتج عن ذلك رواج اقتصادي ونمو مجتمعي يساير العصر الحديث، إلا أنه لابد من عدم الاسراف في هدر الطاقة على الإنارة العشوائية أو البدائية، إذ يجب التحول إلى إنارة الشوارع الذكية التي ترشد الاستهلاك، باستخدام وسائل وأساليب حديثة كالطاقة الشمسية، أو استعمال مصابيح منخفضة الاستهلاك للكهرباء وذكية الاشعاع، كأن تزداد شدة الإضاءة وتخفت حسب حالة المرور في الشارع.
تأثير الإضاءة في الحد من السلوك الإجرامي
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في تأثير الإضاءة في الحد من السلوك الإجرامي، فقد ساد الاعتقاد منذ فترة طويلة أن إنارة الشوارع يمكن أن تؤثر على الجريمة، كما تهدف إلى ردع أو اكتشاف عمليات التطفل أو أي نشاط إجرامي آخر يحدث في الممتلكات أو الموقع، ويمكن استخدامه أيضًا لزيادة الشعور بالأمان، فإن الإضاءة هي جزء لا يتجزأ من منع الجريمة من خلال التصميم البيئي، ومع ذلك لا يوجد سوى القليل من الأدلة الصارمة لدعم هذا الخلاف حتى الآن - بحسب أستاذ القانون الجنائى والخبير القانوني الدولى محمد أسعد العزاوي.
في البداية - تهدف إضاءة الشوارع المحسنة إلى خدمة العديد من الأغراض، من بينها منع الجريمة، في حين أن تحسينات إنارة الشوارع قد لا يتم تنفيذها في كثير من الأحيان بهدف صريح وهو منع الجريمة، فقد يُنظر إلى سلامة المشاة وسلامة المرور على أنها أهداف أكثر أهمية، وقد تكون فكرة إضاءة الشوارع لردع المجرمين الكامنين شديدة التبسيط، فقد تم اقتراح أهميتها لمنع الجريمة في المراكز الحضرية والمناطق السكنية والأماكن الأخرى التي يرتادها المجرمون والضحايا المحتملون – وفقا لـ"العزاوى".
علاقة الرؤية الجيدة كرادع للجريمة
وبدأ الاهتمام المعاصر بتأثير إضاءة الشوارع المحسنة على الجريمة في الولايات المتحدة خلال الارتفاع الكبير في الجريمة في الستينيات، وقد لفتت الناشطة في التصميم الحضارى "جاكوبس" عام "1961م" الانتباه إلى دور الرؤية الجيدة جنبًا إلى جنب مع المراقبة الطبيعية كرادع للجريمة، حيث شرعت العديد من البلدان والمدن في برامج إنارة الشوارع الرئيسية كوسيلة للحد من الجريمة، وكانت النتائج الأولية مشجعة "Wright 1974" – الكلام لـ"العزاوى".
رأى أخر بأن عدم وجود إضاءة خفض من أعمال التخريب
وعلى النقيض من ذلك ففي أوائل السبعينيات، بدأ نظام المدارس العامة في سان أنطونيو، تكساس، في ترك العديد من مباني المدارس، ومواقف السيارات، والممتلكات الأخرى مظلمة في الليل، ووجد أن سياسة عدم وجود أضواء لم تقلل تكاليف الطاقة فحسب، بل خفضت أيضًا أعمال التخريب بشكل كبير – طبقا للخبير القانوني الدولى.
ومن جانب أخر، ففي دولة أسكتلندا واليابان تنتشر الأضواء الزرقاء في الشوارع مع حلول المساء وخلال ساعات الليل، وذلك لهدف هام جدًا - ففي وقت مبكر من عام "2000م"، بدأت مدينة غلاسكو الأسكتلندية بتغيير أضواء الشوارع للون الأزرق، في جهود لتحسين المظهر العام، إلا أنه لوحظ أن المناطق التي شهدت ذلك التغيير حدث فيها انخفاض غير متوقع في نسب الجرائم.
علاقة الإضاءة الزرقاء بإنخفاض في مستوى الجريمة
وبعدها بدأت مدينة نارا اليابانية بإتباع نمط اللون الأزرق في إنارة الشوارع، ليحدث أيضًا انخفاض في مستوى الجريمة، وفي السنوات اللاحقة كانت هناك تجارب أخرى للإنارة الزرقاء في الشوارع، حيث تمت إضافة 150 مصباحًا أزرق اللون في الطريق السريع بالقرب من طوكيو، بهدف تقليل الحوادث، كما قامت شركة "Keihin Electric Express Railway Co" بتغيير ألوان المصابيح على أطراف منصات محطة "Gumyoji Station" في يوكوهوما للون الأزرق، بهدف الحد من حالات القفز من القطارات والانتحار – هكذا يقول "العزاوى".
وبالفعل أظهرت تقارير لاحقة أن المحطة لم تشهد حالات انتحار بعد أن كانت مركزًا للعديد من حالات الانتحار كل عام، ويفسّر البروفيسور "تسونيو سوزوكي" في جامعة كيو، أن تأثير الضوء الأزرق يرجع لكونه لونًا غير معتاد للإضاءة، لذلك قد يشعر بعض الناس بأنه عليهم تجنّب تلك الأماكن، وتجنّب ارتكاب الجرائم أو الانتحار تحت هذه الإضاءة غير العادية، لكنه يقول بأنه من المخاطرة الاعتقاد بأن لون إضاءة يمكن أن يمنع حصول أي شيء.
زيادة معدلات سرقات السيارات في الأماكن المظلمة
ومن ناحية أخرى وخلال أزمة الطاقة في جنوب إفريقيا، حيث تم الإبلاغ عن زيادة معدلات سرقة المعادن وكسر المنازل والسرقات في المناطق التي تأثرت بفقدان الإضاءة الأمنية بسبب انقطاع الكهرباء في بعض المناطق الحضرية، وفي دراسة دخل فيها الباحثون في شراكة مع شرطة مدينة نيويورك ومسؤولي البلدية لوضع أبراج الإنارة بشكل عشوائي في بعض المجمعات السكنية العامة الأكثر جريمة في المدينة، ففي عام (2016م)، وجدوا أن الجرائم الليلية الخطيرة تراجعت بنسبة 60٪ في تلك المناطق خلال الأشهر الستة المقبلة، ونظرًا لأن الإضاءة قد تدفع المجرمين ببساطة إلى العمل على بعد بضع بنايات حيث لا توجد إضاءة إضافية.
وبالتالي، فإن الانخفاض بنسبة 36 في المائة في تلك الجرائم يُترجم إلى انخفاض إجمالي بنسبة 4 في المائة في معدل هذه الجرائم في الإسكان العام، وتماشياً مع ما تم ذكره فقد إشارات إحدى الورقات البحثية، والتي نشرت في مجلة علم الجريمة الكمي، حيث قام الفريق بقيادة UCL و LSHTM كجزء من مشروع LANTERNS بفحص بيانات الجريمة المسجلة لدى الشرطة من شرطة (Thames Valley) وبيانات حول التغييرات التي طرأت على إنارة الشوارع في أوكسفوردشاير وويست بيركشاير من أبريل (2004م) إلى سبتمبر (2013م).
آثار التغيرات في إضاءة الشوارع على حوادث المرور
LANTERNS هو تعاون وطني بين LSHTM و UCL Security & Crime Science يهدف إلى تحديد أي آثار للتغيرات في إضاءة الشوارع على حوادث المرور على الطرق والجرائم الأخرى، ووجدوا أيضا أنه تم ترحيل عدد أقل من الجرائم إلى الطرق المجاورة، مما يعني أن هناك انخفاضا صافيا في الجريمة بشكل عام، كما انخفض عدد سرقات المركبات.
وفي أبريل من عام "2016م"، قامت المدينة بتركيب أكثر من 300 "مصباح أمان" عالي الطاقة في منازل بوشويك، وهو مجمع تابع لهيئة الإسكان بمدينة نيويورك في بروكلين، حيث كانت الأضواء جزءًا من خطة عمل العمدة (MAP) لأمان الحي، وهي مبادرة بقيمة 210 ملايين دولار، والتي تهدف إلى الحد من جرائم العنف في الإسكان العام.
وفي نهاية عام (2017م)، أفادت محطات التليفزيون أن انخفاضًا بنسبة 7 في المائة في جرائم العنف بفضل الأضواء، وفي عام (2016م) وافقت مدينة سان دييغو على مشروعها الخاص بها (Smart Street)، فقد تم تقديمه في البداية كخطة لتوفير التكاليف مصابيح الشوارع القديمة بأضواء (lights LED) الموفرة للطاقة، وبتكلفة تصل إلى حوالي 125000 دولار شهريًا، وبعد ذلك بوقت طويل، تم الكشف العام عن أن الآلاف من الأضواء تضمنت تقنية جمع البيانات.
دراسات تشير للمدن الذكية في العالم
وتشير صحيفة وقائع من المدينة إلى أن البرنامج "تطور" إلى ما يعتبره "أكبر منصة استشعار للمدن الذكية في العالم، ويوجد بالمدينة الآن حوالي 4700 مصباح شوارع تمت ترقيته حديثا، وأكثر من 3000 منها مزودة بأجهزة استشعار حيث تجمع مجموعة واسعة من المعلومات، بما في ذلك حركات المشاة وحركة المرور، وتوافر مواقف السيارات، والظروف البيئية.
وقالت السلطات، إنه بعد عام من إنشاء هذا المشروع، فمن المتوقع أن ترتفع هذه الأرقام إلى 8600 مصباح شوارع و 4200 جهاز استشعار مثبت في جميع أنحاء سان دييغو، وتقول السلطات إن بإمكانها استخدام هذه البيانات في الوقت الفعلي لمساعدة المجتمع، بما في ذلك تحسين الازدحام المروري أو تسهيل وقوف السيارات.
وعلى النقيض من ذلك ومن جانب آخر، توصلت دراسة أجراها المعهد الوطني للعدالة عام (1997م)، إلى أنه "لا يمكننا أن نثق كثيرًا في أن الإضاءة المحسّنة تمنع الجريمة"، وفي دراسة أخرى أجريت عام (2011م) حول إنارة شوارع لندن، والتي توصلت بأنه لا يوجد دليل جيد على أن زيادة الإضاءة تقلل من إجمالي الجريمة.
وفي دراسة أخرى أيضاً حيث وجدت دراسة نشرت عام (2015م) في مجلة علم الأوبئة وصحة المجتمع أن إنارة الشوارع لا تمنع الحوادث أو الجرائم، ولكنها تكلف الكثير من المال، وقد نظر الباحثون في البيانات المتعلقة بحوادث التصادم على الطرق والجرائم في 62 سلطة محلية في إنجلترا وويلز، ووجدوا أن الإضاءة ليس لها أي تأثير، سواء أوقفتها السلطات تمامًا، أو خفتها، أو أطفأتها في ساعات معينة، أو استبدلت بمصابيح LED منخفضة الطاقة.
الخلاصة:
في الحقيقة إن الإضاءة الخارجية السيئة يمكن أن تقلل من السلامة من خلال عدم رؤية الضحايا والممتلكات وبالتالي تكون النتائج وخيمة، ومن خلال استقراء الدراسات المشار إليها أعلى يتبين لنا أن الإنارة في بعض الشوارع قد خففت من حالات السرقة على السيارات هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن أطفأها في بعض الأماكن قد خفف من جرائم التخريب بعض الشيء.
ومن وجهة نظرنا نرى أن وجود الإضاءة هو عامل مهم، فالذي يريد إيذاء أحد ما دائما ما يحاول أن لايراه أحد وأن يكون المكان مظلما وبعيدا عن أعين الناس في بعض الجرائم، يضاف إلى ذلك وحتى وإن كانت الإضاءة قد لا تؤثر في تقليل نسبة الجريمة وستساعد كاميرات المراقبة في توضيح صورة الجاني، وأخيراً فإن وجود مصابيح مزودة بأجهزة استشعار تجمع مجموعة واسعة من المعلومات هو أمر مهم وفي غاية الأهمية وستساعد رجال العدالة الجنائية بلا شك، لهذا فإن التصميم البيئي للمدينة، لابد أن يأخذ على محمل الجد وبالحسبان.