ذكرت دراسة حديثة نشرها المركز المصرى للفكر والدراسات، أن تدفقات تحويلات العاملين تشكل نسبةً كبيرة من إجمالي الناتج المحلي والتي قد تتخطى في بعض الدول نحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي، كما في طاجيكستان (51% من إجمالي الناتج المحلي)، وتمثل في تونجا نحو (44%)، وفي لبنان تشكل (36%) من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، بما يبرز أهمية التحويلات لتمويل عجز الحساب الجاري والموازنة العامة.
وتُعد الهند المتلقي الأكبر للتحويلات لتصبح ضمن البلدان الخمسة المتلقية للتحويلات على مستوى العالم خلال عام 2022، حيث حصلت على نحو (111 مليار دولار) وجاءت المكسيك (61 مليار دولار) في المركز الثاني، وسجلت الصين (51 مليار دولار) لتصبح في المركز الثالث، وجاءت الفلبين وباكستان في المرتبة الرابعة والخامسة على التوالي، ثم جاءت مصر في المرتبة السادسة بين أعلى الدول المتلقية للتحويلات في العالم عام 2022.
وفقا للدراسة التي أعدتها الباحثة سالى عاشور، تمثل تحويلات العاملين بالخارج أحد المصادر المهمة للنقد الأجنبي لكثير من دول الاقتصادات الناشئة، فقد أصبحت شريان حياة ماليًا للعديد من الأفراد والأسر في تلك البلدان، خلال العام الماضي، حيث تمثل التحويلات مصدر التمويل الخارجي الأكبر خاصة للبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، بالمقارنة بالاستثمار الأجنبي المباشر.
وأوضحت الدراسة أنه فيما يخص حجم تحويلات المصريين بالخارج لمصر، فتؤكد أحدث تقارير البنك الدولي حول التحويلات النقدية والصادر في يونيو 2023، إلى التوقع بارتفاع تلك التحويلات في المستقبل القريب ولكن بمعدلات متباطئة، فقد أفاد البنك الدولي بأن تدفقات التحويلات المُسجَّلة رسميًا إلى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل ترتفع بمعدلات متباطئة تقدر بنحو 1.4% فقط لتسجل نحو 656 مليار دولار في عام 2023 مقارنة بنحو 647 مليار دولار خلال عام 2022؛ وذلك نتيجة تراجع معدلات النشاط الاقتصادي في البلدان المُرسلة للتحويلات، الأمر الذي يحد من فرص العمل والتشغيل بلك البلدان.
وتمثل التحويلات المالية للعاملين في الخارج في مصر أحد أهم مصادر النقد الأجنبي، لذا تسعى الدولة إلى ابتكار عدد من الحوافز لتحفيز تلك التحويلات عبر القنوات الرسمية، وتعزيز الاستفادة منها عبر طرح شهادات دولارية بعائد تنافسي بالإضافة إلى طرح خدمات ائتمانية، وكشف تقرير البنك الدولي عن حجم تحويلات العاملين عالميًا أنه من المتوقع أن تصل تدفقات التحويلات إلى 840 مليار دولار في عام 2023، ثم إلى 858 في عام 2024 ليرتفع بذلك معدل النمو إلى 2٪ في عام 2024، مما يزيد التدفقات الداخلة للبلدان بمقدار 18 مليار دولار.
وفي الوقت الحالي، لا يزال ارتفاع تكلفة التحويلات النقدية تمثل أحد أهم المعوقات التي تحول دون التوسع في تحويلات العاملين عبر القنوات الرسمية على المستوى العالمي، حيث يبلغ متوسط تكلفة إرسال الأموال إلى معظم البلدان الأفريقية أكثر من ضعف النسبة المستهدفة والمقدرة بنحو (3%) في أهداف التنمية المستدامة.
وتمثل البنوك القنوات الأكثر تكلفةً لإرسال التحويلات، إذ بلغ متوسط التكلفة التي تتقاضاها 11.8%، تليها مكاتب البريد (6.3%)، وشركات تحويل الأموال (5.4%)، وشركات الهاتف المحمول (4.5%). ومع أن شركات الهاتف المحمول هي القناة الأرخص لإرسال التحويلات فإنها تسهم بنسبة تقل عن 1% من إجمالي حجم معاملات التحويلات، وبالإمكان خفض تكاليف التحويلات عن طريق زيادة المنافسة في أسواق التحويلات، وتحسين إمكانية فتح الحسابات المصرفية، وأيضًا عن طريق تجنب الشراكات الحصرية بين شركات تحويل الأموال ومكاتب البريد الوطنية.
وتواجه مصر حاليًا أزمة، حيث تضررت البلاد من تبعات الحرب الروسية الأوكرانية التي رفعت أسعار المواد الغذائية والطاقة، وخروج مبالغ كبيرة من الأموال التي كانت مستثمرة في أدوات الدين المحلية، إلى جانب ارتفاع معدلات الفائدة عالميًا،وأظهرت بيانات البنك المركزي تراجعًا في تحويلات المصريين العاملين في الخارج بنحو 26% في الفترة بين يوليو 2022 إلى مارس 2023.
وأظهرت بيانات البنك المركزي المصري عن أداء ميزان المدفوعات، أن تحويلات المصريين بالخارج انخفضت إلى حوالي 17.5 مليار دولار في الفترة ما بين يوليو ومارس من العام المالي الجاري، مقابل نحو 23.6 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، ويرجع ذلك بسبب ظهور السوق الموازية وارتفاع قيمة التحويلات عبر القنوات غير الرسمية، إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم في مصدر التحويلات بما يتسبب في انخفاض قيمة التحويلات من تلك البلدان.
واتجهت الحكومة المصرية إلى طرح عدد من المنتجات الائتمانية لجذب تحويلات العاملين بالخارج عبر القنوات الرسمية منها طرح شهادتي ادخار جديدتين بالدولار الأمريكي لمدة ثلاث سنوات؛ الأولى بسعر عائد سنوي 7 % ويصرف العائد بذات العملة ربع سنويًا، كما يجوز الاقتراض بضمانها حتى 50% من قيمتها بالجنيه المصري لأغراض استثمارية وأخرى بعائد 9% يصرف مقدمًا بالمعادل بالجنيه المصري عن الفترة كلها بواقع 27% من قيمة الشهادة عن إجمالي مدة الشهادة ولا يجوز الاقتراض بضمانها.
كما طرحت قرض المصريين بالخارج، بضمان تحويل معادل قيمة القسط بالعملة الأجنبية من الخارج بحد أدنى للقرض 50 ألف جنيه وبحد أقصى 3 ملايين جنيه، بحيث يتم سداد أقساط القرض بالتنازل عن العملات الأجنبية هذا إلى جانب منح التمويل العقاري ليشمل المصريين العاملين بالخارج لتمويل شرائهم وحدات سكنية داخل وطنهم الأم، الأمر الذي سيحفزهم على استثمار مدخراتهم في القطاع العقاري.
ووفقا للدراسة يمكن للدولة تعزيز تحويلات العاملين بالخارج، عبر رفع توعية العاملين بالخارج بأهمية تحويل جزء من دخلهم إلى بلدهم الأصلي، كما يمكن توفير المعلومات حول الفوائد الاقتصادية والاجتماعية لتحويلات الأموال وكيفية استخدامها لتعزيز التنمية المستدامة في بلدهم.