أسفر نضوج عصو المعلومات عن ضرورة تكييف قوانيننا ولوائحنا وسياساتنا وتطويرها بعض الشئ، لكن نمط التغيرات التكنولوجية وشدتها غالبا ما صعبا على السياسات واللوائح والقوانين مواكبة ذلك، مثلما كان الحال في فترات أخرى شهدت تغيرات هائلة، بإمكان تأخر القوانين واللوائح في التقدم أن يؤدى إلى ثغرات بالغة في السياسات، ومن هنا لم يعد الذكاء الاصطناعي خيالاً علمياً أو فيلما سينمائيا بل أصبح واقع نعيشه وتطور لا نستطيع التخلي عن ولكن هناك من استخدم هذا العلم والتطور شر استخدام.
وفى الحقيقة خطر الإرهاب الإلكتروني الدولي أشد قسوة وضرورة من الإرهاب التقليدي، نظر لاتساع دائرة تدميره وتخريبه وقدراته العالية على التخفي داخل الفضاء الإلكتروني بإنتحال صفات وأسماء مستعارة أو قد تكون من الخيال، لارتكاب أبشع الجرائم على وجه الأرض، وتعطل مصالح وتدمر دول بأكملها، ويعد الإرهاب جريمة من أبشع جرائم هذا العصر وأكثرها وحشية، ويقوم على تدمير الممتلكات العامة والخاصة وترويع الآمنين وتقويض المكتسبات الحضارية في كثير من بلدان العالم، كما يهدد الإرهاب الدولي السلام العالمي، والأمن الإقليمي للأمم ومصالحها الحيوية.
كيف يتحول الذكاء الاصطناعى لسلاح ذو حدين؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية تتمثل في الأإجابة على السؤال.. كيف يتحول الذكاء الاصطناعى لسلاح ذو حدين؟ خاصة وأنها ظاهرة لها تفسيراتها لدى كل دولة أو مجتمع وأن تغير أوجه التقدم التكنولوجي والكيفية التي تتطور بها النزاعات، وأن التغيرات والإنجازات المتحققة في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لها دورا رئيسيا في هذا التحول، إذ أنها ستغير طبيعة الخطر الذي تهدد به الأطراف الفاعلة، سواء التابعة للدول أو غير التابعة لها، فاستخدام الذكاء الاصطناعي يعزز الهجمات الإلكترونية والمادية والبيولوجية، إذ يجعلها أكثر دقة في تحديد الهدف، وأكثر صعوبة في اكتشاف فاعليتها في الوقت نفسه – بحسب الخبير القانوني الدولى والمحامى بالنقض فارس إسماعيل العكروتى.
في البداية - ييسر الذكاء الاصطناعي أيضا مسألة شن الهجمات من خلال تقليص، أو حتى إلغاء الحاجة إلى العنصر البشري أو الخبرة أو السفر أو الآلات الباهظة الثمن، مما يتيح إمكانية ارتكاب تلك الهجمات على نطاق واسع، حتى بالنسبة لمن يطلق عليهم "اسم" الذئاب المنفردة" أو للجماعات الصغيرة، ويمكن للتطورات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي والطباعة الثلاثية الأبعاد أن تيسر شن الهجمات البيولوجية، من خلال "أتمتة عمليات تصميم وإنتاج الأسلحة والنظم اللازمة لتطويرها"، والهدف من الهجمات البيولوجية هو إيذاء أو قتل البشر والماشية والمحاصيل باستخدام المواد السامة أو الأمراض الواسعة الانتشار وتتعرض أيضا البرامج والبيانات البيولوجية القائمة لخطر – وفقا لـ"العكروتى".
الهجمات الإلكترونية
كذلك يتيح الذكاء الاصطناعي استخدام الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل على الرغم من المعارضة العالمية واسعة النطاق لتطوير تلك الأسلحة، فهي تعين هدفا محددا وتشتبك معه دون توجيه بشري، وبالتالي تنقل المسؤولية عن الحياة والموت من النظم الأخلاقية البشرية إلى نظم بيانات معقدة، لا مكان فيها لأي إحساس بالتعاطف أو أي بوصلة أخلاقية، فعلى من يقع اللوم عندما يُقتل إنسان بفعل سلاح ذاتي التشغيل؟ وقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة، مثله مثل الكثير من الدول إلى حظر الأسلحة التي تعمل بالتشغيل الذاتي بالكامل – الكلام لـ"العكروتى".
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لأصحاب النوايا الخبيثة استخدام تقنية التعلم العميق التي تقوم على الذكاء الاصطناعي لإعداد مقاطع للفيديو تستخدم فيها تقنية التزييف العميق"، بهدف إعداد مشاهد مصورة تبدو حقيقية لأشخاص ينطقون بكلمات لم يتفوهوا بها قط، ويمكن للمقاطع المنتجة بإستخدام تقنية التزييف العميق أن تغذي المعلومات المضللة وتؤجج الانقسامات وتثير الاضطرابات السياسية، ولعل الهجمات الإلكترونية تمثل أكثر تهديدات العصر الحديث انتشارا، فقد تضاعف عدد تلك الهجمات في النصف الأول من عام 2019 بالمقارنة مع النصف الثاني من عام 2018 – طبقا للخبير القانوني الدولى.
خلال عام 2022 تم الوقوف على أكثر من 100 حادث إلكتروني يمكن أن يقوض السلام والأمن
واستهدف معظمها الشركات المصنعة وشركات النفط والغاز والمعاهد التعليمية، وتتعرض الجهات المالكة للهياكل الأساسية الحيوية للخطر بصفة خاصة، حيث تسعى الجهات ذات النوايا الخبيثة لاستهداف أبراج مراقبة المطارات ومحطات الطاقة النووية والمستشفيات والسدود. وخلال عام 2022 تم الوقوف على أكثر من 100 حادث إلكتروني يمكن أن يقوض السلام والأمن الدوليين، وهذه الهجمات من شأنها أن تتسبب في أضرار كبيرة وأن توقع الكثير من الضحايا، وتساعد أيضا التكنولوجيات الرقمية الأخرى الجديدة والناشئة العناصر الفاعلة من غير الدول على تهيئة مناخ تتوافر فيه الفرص للجميع – هكذا يقول "العكروتى".
فالجماعات المتطرفة لديها اليوم سبل غير مسبوقة للوصول إلى عامة الجمهور عن طريق الإنترنت، مما يتيح لها المزيد من الكفاءة والفعالية في عمليات التجنيد والتحريض والدعاية، فضلا عن شراء الأسلحة وإجراء التحويلات المالية غير الخاضعة للتنظيم، وتوفر أيضا أوجه التقدم التي تحققت في مجال الذكاء الاصطناعي الأدوات والاستراتيجيات الوقائية لأجهزة الشرطة و التجسس لتتمكن بصورة أفضل من منع الهجمات والتعرف على الجناة، لكن أعمال الشرطة المستندة إلى عمليات التنبؤ لها سلبياتها، بما في ذلك التحيزات العنصرية والدينية المتأصلة، الأمر الذي يمكن أن يولد التشدد المفضي إلى التطرف العنيف.
الذكاء الاصطناعي هو عملية محاكاة الذكاء البشري عبر أنظمة الكمبيوتر
فإن الذكاء الاصطناعي هو عملية محاكاة الذكاء البشري عبر أنظمة الكمبيوتر، فهي محاولة لتقليد سلوك البشر، ونمط تفكيرهم وطريقة اتخاذ قراراتهم، وتتم من خلال دراسة سلوك البشر عبر إجراء تجارب على تصرفاتهم ووضعهم في مواقف معينة ومراقبة ردود أفعالهم ونمط تفكيرهم وتعاملهم مع هذه المواقف، ومن ثم محاولة محاكاة طريقة التفكير البشرية عبر أنظمة كمبيوتر معقدة، ولما كان الذكاء الاصطناعي هو انظمة كمبيوتر تحاكي البشر في تصرفاتهم، فإن هذا لا يعني أن أي قطعة برمجية تعمل من خلال خوارزمية معينة، وتقوم بمهام محددة تعتبر ذكاء اصطناعيا، فلكي تطلق هذا المصطلح على نظام كمبيوتر لابد أن يكون قادراً على التعلم وجمع البيانات وتحليلها واتخاذ قرارات بناء على عملية التحليل هذه بصورة تحاكي طريقة تفكير البشر، وهو ما يعني توافر ثلاث صفات رئيسية هي:
1- القدرة على التعلم، أي اكتساب المعلومات.
2- ووضع قواعد استخدام هذه المعلومات.
3- إمكانية جمع وتحليل هذه البيانات والمعلومات وخلق علاقات فيما بينها، ويساعد في ذلك الانتشار المتزايد للبيانات العملاقة (Big Data).
اتخاذ القرارات بناء على عملية تحليل المعلومات وليس فقط مجرد خوارزمية تحقق هدفاً معيناً، ومن غير المتوقع أن يضحي الإرهابيون بحياتهم في العمليات المستقبلية بالكم المتعارف عليه في يومنا هذا لإيصال رسالة للآخرين، أو لتحقيق هدف ما من وراء إزهاق الأرواح والخروج عن القانون، أو إلحاق الأذى وإنزال الدمار والخراب بممتلكات الآخرين، ونشر الفوضى والرعب في المجتمعات البشرية، وسيلجأ الإرهابيون للبرمجة وتطوير الجيل القادم من الطائرات من دون طيار أو المركبات ذاتية القيادة لسهولة الحصول على مكوناتها في الأسواق السوداء والأسواق الإلكترونية، أو إعادة تصنيع ما هو متوفر بصورة اعتيادية في الأسواق والاعتماد على الذكاء الاصطناعي ليصبحوا أكثر قوة ودموية.
أكبر الفائزين في سباق التسلح غير المتكافئ هي الدول المارقة الصغيرة
فقد يكون أكبر الفائزين في سباق التسلح غير المتكافئ هي الدول المارقة الصغيرة، والجهات والجماعات الفعالة غير الحكومية مثل الإرهابيين والذين يمكنهم الوصول إلى هذه الأسلحة بسهولة، حيث إن تكلفة الطائرات الصغيرة القاتلة أكثر بقليل من ثمن الهاتف الذكي، ويمكن للقتلة المحتملين ببساطة تحميل صورة وعنوان المستهدف في الطائرة الصغيرة من دون طيار، وتحديد هوية الشخص والقضاء عليه وتدمير الطائرة لنفسها بعد العملية مباشرة، كما يمكن استخدامها في الابتزاز والاختطاف، وما سيفعله الإرهابيون بالتكنولوجيا الناشئة ليس له حدود وخاصة عندما يصبح الذكاء الاصطناعي أرخص تكلفة ومتوفراً على نطاق واسع للجميع.
ومن جهة أخرى، يدق ناقوس الخطر من النمو السريع في جرائم الإنترنت التي تغذيها التكنولوجيا كظهور مقاطع فيديو مزيفة عالية الجودة، وبرامج روبوتية ذكية يمكن استخدامها لمعالجة الأخبار والرأي العام ووسائل الإعلام الاجتماعية والانتخابات، مقابل الدور الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي (AI) والروبوتات في مكافحة الجريمة والإرهاب وتعزيز الأمن، بالإضافة إلى التحديات المختلفة التي تصاحب التطورات في هذه التقنيات، وفي الوقت نفسه يمكن لهذه التقنيات متعددة الاستخدامات أن تتيح تهديدات رقمية وجسدية وسياسية جديدة وجرائم جديدة مبتكرة تستخدمها الجماعات الإجرامية والمتطرفة بشكل متزايد حيث ستصبح هذه التقنيات أكثر سهولة وانتشارًا في جميع أنحاء المجتمع.
يشكل الذكاء الاصطناعي تقريباً 14% من النمو الاقتصادي العالمي
ومن المتوقع أن يشكل الذكاء الاصطناعي تقريباً 14% من النمو الاقتصادي العالمي، و26% من النمو الاقتصادي الوطني للصين فقط وهذه هي السرعة التي تنمو بها قدرات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، ومن أخطر وأبشع الجرائم التي انتشرت في عالمنا المعاصر هي جريمة الإرهاب الدولي التي أصبحت عالمية الطابع، وتعاني من ويلاتها شعوب العالم بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة، وخاصة في عصرنا المعولم الذي اكتسبت بعداً جديداً من حيث اتساعه وتأثيره، حيث ساعد على اطلاع الشعوب على ما يجري في العالم من أحداث ومستجدات، ومن بينها الإرهاب الدولي الذي نال حصته من الاهتمام العالمي.
وأحد المبادئ المسلم بها في الفقه والقضاء الدوليين المعاصرين يتجلى في أن الإرهاب يعد عملا من أعمال العنف يتسم بالوحشية المفرطة والبربرية العمياء، وبما يبثه من رعب في النفوس يتعدى حدود رقعة جغرافية معينة او حدود إقليم دولة محددة، وقد تفاقمت ظاهرة ارتكاب الأعمال الإرهابية في السنوات القليلة الماضية وعلى نحو مختلف متخذة أشكالاً وصوراً عدة حتى بدا التخوف من أن ينعت قرننا الحالي بقرن الإرهاب، ويعد الإرهاب شكلا من أشكال العنف الذي يلجأ إليه بعض الأفراد أو المنظمات أو الدول أو الكيانات ويتخذ صورا متعددة كالقتل بأبشع صوره وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة وجرائم الحرب وبوسائل وأدوات مختلفة كاستخدام القوة العسكرية في التدخل بشؤون الدول واخطر احتمال استخدام أسلحة الدمار الشامل.
استغلال بعض العصابات للروبوتات في ارتكاب جرائم
ومسألة استغلال بعض العصابات للروبوتات وأجهزة الاتصال الإلكتروني في ارتكاب جرائم قتل أو دهس أو الإضرار بالآخرين أو عمليات تخريبية أو بانتحال صور وأصوات لبعض الأشخاص، بهدف ارتكاب الجرائم ومن دون أن تطالهم العقوبة، لأن القانون لا يعاقب إلا الشخص الطبيعي، بينما الآلي أو الافتراضي كالروبوتات فلا يعاقبها القانون، فهناك فراغ تشريعى للتصدى لتلك الجرائم على مستوى الوطن العربى يتطلب سن تشريع لإغلاقه حتى لا يكون الذكاء الاصطناعي منفذا جديدا للعصابات والمافيات لارتكاب الجرائم، حيث أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وما تشهده الثورة الصناعية والتقدم التكنولوجي من أهم ما يواجه المشرع الجنائي، في كل التشريعات، ليس فقط لما يتيحه هذا التطور من وسائل جديدة في ارتكاب الجرائم، بل أيضا لما يفرضه من ضرورة إضفاء الحماية الجنائية على المصلحة الجديدة التي قد تتولد عن هذا التطور.
وأنظمة الذكاء الاصطناعي ستشكل أحد أهم التحديات التشريعية للقوانين العربية، في ظل توغلها في مناحي الحياة المختلفة ودخولها سوق العمل العالمي في مختلف ميادينه، وهو ما ألزم العديد من المشرعين إفراد معالجات قانونية خاصة لها، كما فعل الاتحاد الأوروبي بوضع مجموعة القواعد الأوروبية في القانون المدني للروبوت، وتبني العديد من الولايات الأميركية قوانين خاصة للذكاء الاصطناعي، حيث أن الإشكالية الرئيسية تكمن في فكرة استقلالية الذكاء الاصطناعي عن الإنسان في اتخاذ القرار، وهو ما تبلور في صور عدة، منها السيارات ذاتية القيادة والآلات المصنعية في المعامل والمصانع والمختبرات، ولما كانت أنظمة الذكاء الاصطناعي قابلة للاختراق من عناصر بشرية فإن بعض القوانين العربية قادرة على استيعاب أفعال الدخول غير المشروع لهذه الأنظمة، من خلال قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
ضرورة سد الفراغ التشريعى لجرائم الروبوتات
ولابد أن تستعد الدول العربية قانونيا وفنيا للتعامل مع كل أنظمة الذكاء الاصطناعي، بما تحمله من جوانب إيجابية وسلبية، من خلال تطوير المنظومة القانونية المدنية والجزائية، علاوة على تحسين البيئة والوسط الذي ستسمح الدولة من خلاله بإدخال أنظمة الذكاء الاصطناعي، خاصة وأن التشريعات الحالية لا يمكنها مجاراة التقنية الحديثة التي قد تستخدم الجريمة عن طريق أجهزة التحكم عن بُعد أو الممارسات التقنية الحديثة التي بدت تستخدم المجسمات الافتراضية في العديد من الجرائم، فعلى المشرع مراجعة قوانين الجزاء وجرائم تقنية المعلومات مع الاستعانة بخبراء متخصصين في الجوانب الفنية والذكاء الصناعي لهذا لعالم، للوصول الى كيفية إثبات ومساءلة والحد منها، وذلك لأن وقوع أي من الجرائم المنبثقة من الذكاء الصناعي سيرتّب إعفاء الجناة من العقاب لصعوبة إثبات أدلة الجريمة أو الوصول الى مرتكبها.
القانوني الدولى والمحامى بالنقض فارس إسماعيل العكروتى