في كثير من الأحيان ما يتعرض رجال الفقه والقانون للعديد من الإشكاليات التي تخص الأسرة المصرية، وتكون تلك الأزمة بمثابة القشة التي تقصم ظهر البعير، وتؤدى إلى خراب البيت، وتدمير الأسرة، لكى يفوز الشيطان بتحقيق آماله وآمانيه، لأن قرة عين الشيطان في التفريق بين الزوجين، ولأن الطلاق يبغضه الله ويفرح الشيطان، وأكثر هذه الأزمات داخل البيوت تكون بسبب الطلاق المعلق، حيث تتسائل إحداهن: "زوجي حلف عليا يمين طلاق لو روحتي الشغل تبقي طالق بالتلاتة، وكان لازم أروح علشان أسلم فلوس في عهدتي وأخد إخلاء طرف.. هل بكده يقع يمين الطلاق؟".
لو فعلت كذا فأنت طالق.. جملة يرددها الرجال عندما يشعرون بفقدان سيطرتهم علي زوجاتهم وهي السيطرة القائمة علي إنكار الآخر وعدم احترام كيانه، وفى الحقيقة الشيطان يفرح بالطلاق، لأنه يريد هدم البيوت وتفرقتها، ويريد أن تتمزق المحبة والمودة، ويحل بدلاً منها العداوة، ويريد أن يضيع الأولاد، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه يفتنون الناس، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا، وكذا فيقول: ما صنعت شيئا. قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته. قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت".
"يبغضه الله.. ويُفرح الشيطان".. "الطلاق المعلق" بين الفقه والقانون
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية، تتمثل في الإجابة على السؤال.. "زوجي حلف عليا يمين طلاق لو روحتي الشغل تبقي طالق بالتلاتة، وكان لازم أروح علشان أسلم فلوس في عهدتي وأخد إخلاء طرف.. هل بكده يقع يمين الطلاق؟"، وما أحكام الطلاق المعلق؟ وما موقف الشرع من عبارات الطلاق التي تخرج علي ألسنة الأزواج وتهديد زوجاتهم بتعليق طلاقهن علي فعل شيء أو الإنتهاء عنه؟ وما هو موقف القانون المصري منه؟ خاصة وأن الطلاق مأساة لا تنتهي عند حدود الكلمة التي ينطق بها الزوج في لحظة غاضبة أو لحظة مجنونة، فكلمة الطلاق يهتز لها كيان الأسرة، فالزوج والزوجة والأبناء الذين يدفعون الثمن كله، ويتجرعون كأس المرارة والحرمان من دفء حياة الأسرة المستقرة – بحسب الخبير القانوني والمحامى المتخصص في الشأن الأسرى مختار عادل.
المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 25 لسنة 1929
في البداية - تنص المادة رقم 2 من القانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص بأحكام النفقة وبعض مسائل الأحوال الشخصية: "لا يقع الطلاق غير المنجز إذا قصد به الحمل على فعل شئ أو تركه لا غير"، وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 عن المادة المذكورة ما يأتي: "ينقسم الطلاق إلى، 1-منجز وهو ما قصد به إيقاع الطلاق فوراً، 2-وإلى مضاف كأنت طالق غدا، 3-وإلى يمين نحو على الطلاق لا أفعل كذا، 4- وإلى معلق كأن فعلت كذا فأنت طالق"، والمعلق إن كان غرض المتكلم به التخويف أو الحمل على فعل شيء أو ترکه وهو يكره حصول الطلاق ولا وطر له فيه كان في معنى اليمين بالطلاق. وإن كان يقصد به حصول الطلاق عند حصول الشرط لأنه لا يريد المقام مع زوجته عند حصوله لم يكن في معنى اليمين، واليمين في الطلاق وما في معناه الاغ أما باقي الأقسام فيقع فيها الطلاق – الكلام لـ"عادل".
وقد أخذ في إلغاء اليمين في الطلاق برأي متقدمي الحنفية وبعض متأخريهم، وهذا موافق لرأي الإمام على وشريح وداود وأصحابه وطائفة من الشافعية والمالكية، وأخذ في إلغاء المعلق الذي في معنى اليمين برأي الإمام على وشريح وعطاء والحكم بن عتيبة وداود وأصحابه وابن حزم وقد وضعت المادة "2" من مشروع القانون متضمنة أحكام هذه الأقسام، وبذلك يكون المرسوم بقانون المذكور قد عدل عن مذهب الحنفية الذي كان معمولاً به من قبل والذي يتفق مع رأى الجمهور الذي أوضحناه سلفاً - وفقا لـ"عادل".
أسباب الطلاق في المذكرة الإيضاحية
وقد حدا الشارع إلى ذلك - على ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون - أن الدين الإسلامي مع إباحته الطلاق قد ضيق دائرته وجعل هذه الإباحة مقصورة على الحالات التي لا يمكن فيها للزوجين أو أحدهما إقامة حدود الله ولو أن الناس التزموا حدود الله وابتغوا شريعته لما وقعت شكوى من قواعد الطلاق ولبقيت العائلة الإسلامية متينة العري يرفرف عليها البناء، ولكن ضعف الأخلاق وتراخي عرى المروءات أوجد في العائلة الإسلامية وهنا وجعل هناءها يزول بنزقة من طيش ويمين يحلفها الأحمق في ساعة غضبه أو للتخلص من موقفه، والمرأة المسلمة مهددة على الدوام بالطلاق لا تدري متى، وقد لا يدرى الرجل نفسه متى يحصل فإن الحالف بالطلاق والمعلق على شيء من الأشياء التي يفعلها أجنبي لا يدري متى تطلق امرأته، فسعادة الزوحين والأولاد والأسرة قد ترتبط بعمل من الأعمال الخارجة عن إرادة رب الأسرة وعن إرادة سيد الأسرة – طبقا للخبير القانوني.
وكثيراً من هذا سببه آراء جمهور الفقهاء الذين يوقعون الطلاق المعلق واليمين بالطلاق والطلاق الثلاث بكلمة واحدة ويوقعون المعلق قبل الزواج إذا علق علي الزواج نفسه كما هو رأي الحنفية، وهذه الآراء كانت منبع شقاء العائلة، وكانت سبباً في تلمس الحيل وافتنان الفقهاء في إبتداع أنواعها ومن الواجب حماية الشريعة المطهرة وحماية الناس من الخروج عليها، وقد تكفلت بسعادة الناس دنيا وأخرى، وأنها بأصولها تسع الأمم في جميع الأزمنة والأمكنة متی فهمت على حقيقتها وطبقت على بصيرة وهدى.
ومن السياسة الشرعية أن يفتح للجمهور باب الرحمة من الشريعة نفسها ويرجع إلى آراء العلماء لتعالج الأمراض الإجتماعية كلما استعصى مرض منها حتى يشعر الناس بأن في الشريعة مخرجاً من الضيق وفرجاً من الشدة، ولهذا فكرت الوزارة في تضييق دائرة الطلاق بما يتفق مع أصول الدين وقواعده ويوافق أقوال الأئمة وأهل الفقه فيه ولو من غير أهل المذاهب الأربعة، ووضعت مشروع القانون بما يتفق مع ذلك، وليس هناك مانع شرعي من الأخذ قول لفقهاء من غير المذاهب الأربعة خصوصاً إذا كان الأخذ بأقوالهم يؤدي إلى جلب صالح عام أو رفع ضرر عام بناء على ما هو الحق من آراء علماء أصول الفقه.
الخبير القانونى والمحامى المتخصص فى الشأن الأسرى مختار عادل
وفي هذا أفتت دار الإفتاء المصرية بأن :
1-اطلعنا على هذا السؤال ونفيد أن الزوجة المذكورة صارت بائنة من زوجها بينونة كبرى فلا تحل له حتى تتزوج بزوج أخر زواجاً صحيحاً ويدخل …. حقيقياً، ثم يطلقها أو يموت عنها وتنقضي عدتها منه هذا والصيغة الثانية وإن کانت من قبيل الطلاق المعلق فإنه لم ينص قانون المحاكم الشرعية رقم 25 لسنة 1929 على عدم الوقوع بها، لأنه إنما نص على عدم الوقوع بالطلاق المعلق الذي قصد به مجرد الحمل على فعل شيء أو ترکه وهذا ليس منه، وبهذا علم الجواب عن السؤال حيث كان الحال كما ذكر والله أعلم "فتوی صادرة بتاريخ 15 / 11 / 1944".
2- الصيغة الواردة بالسؤال من صيغ تعليق الطلاق بلفظ كلما واليمين المعلق يرجع فيه إلى نية الحالف طبقاً للمادة الثانية من القانون رقم 25 لسنة 1929 فإن أراد بها الحمل على عدم التزوج بمطلقته مرة أخرى فقط وهو لا يريد طلاقها إذا عادت إلى عصمته مرة أخرى بعد طلاقها من الزوج الأخر كان تعليقاً في معنى اليمين ولا يقع به طلاق إذا عادت إلى عصمته.
وأما إذا كان غرضه الطلاق إذا تزوجها مرة أخرى، فإنه بمجرد زواجها تطلق منه، لأن الصيغة التي تلفظ بها مسبوقة بلفظ كلما ودخلت على التزوج، فكلما وجد التزوج وجد ملك الطلاق وتبعه الطلاق. جاء في تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار "وفي ألفاظ الشرط كلها تنحل أي تبطل اليمين ببطلان التعليق إذا وجد الشرط مرة إلا في كلما فإنه ينحل بعد الثلاث، لإقتضائها عموم الأفعال كإقتضاء كل عموم الأسماء فلا يقع إن نكحها بعد زوج آخر إلا إذا دخلت كلما على التزوج. نحو كلما تزوجت فأنت كذا، لدخولها على سبب الملك وهو غير متناه"، وقال في حاشية رد المحتار تعليقاً على قوله (لدخولها على سبب الملك) - أي التزوج فكلما وجد هذا الشرط وجد ملك الثلاث فيتبعه جزاؤه - بحر. وبهذا علم الجواب عن السؤال - والله أعلم - فتوى صادرة بتاريخ 15 / 9 / 1955.
3-"إن قول هذا الرجل على الطلاق إن لم تأت بالمصاغ فأنت طالق" يساوي في المعنى والدلالة والحكم قوله (والله إن لم تأت بالمصاغ فأنت طالق) وهو إذا قال ذلك كان معلقاً طلاقها على عدم الإتيان بمصاغها المسروق، والطلاق المعلق لا يقع به شيء من الطلاق إذا قصد به الحمل على فعل شيء و ترکه، فإذا كان قصد الحالف مجرد حمل زوجته على إتيانها بالمصاغ لم يقع به شيء من الطلاق، وإذا كان قصده وقوع الطلاق إذا لم تأت به فوراً وقع به طلاق رجعي واحد .... الخ" - (فتوى صادرة بتاريخ 6 / 2 / 1952).
4-قول الحالف (على الطلاق بالثلاثة من صيغ اليمين بالطلاق، واليمين بالطلاق لغو لا يقع به شيء طبقاً للقانون رقم 25 لسنة 1929)، وعلى ذلك فلا يقع باليمين المذكورة طلاق سواء وقع المحلوف عليه أو لم يقع" (فتوی صادرة بتاريخ أول يوليو سنة 1963 في الطلب رقم 326 لسنة 1963).
الطلاق المعلق والطلاق الذي يقع بمجرد تلفظ الشخص به
هذا وقد سبق للدكتور سعدالدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إبداء رأيه الفقهى في هذا الأمر حيث فرق بين الطلاق المعلق والطلاق الذي يقع بمجرد تلفظ الشخص به بقوله: الأصل في الطلاق أن يقع بألفاظ صريحة مقيدة لا يدخلها الإحتمال أو التأويل، وهذه الألفاظ هي التي وردت في القرآن الكريم كقوله تعالي: "إذا طلقتم النساء. أو فارقوهن بالمعروف. أو تسريح بإحسان"، أما الطلاق المعلق كأن يقول الرجل لزوجته إن فعلت كذا فأنت طالق، فقد علق طلاقه علي شرط معين، حيث أن تدارس الفقهاء قديما الطلاق المعلق يقع أو لا يقع علي ثلاثة أقوال:
1-"مذهب الظاهرية" وهو مذهب ابن حزم الظاهري القائل بأن الطلاق المعلق لغو، لأنه يشترط تجريده من الشرط لأنه كالزواج، وكما لا يصح الزواج المضاف أو المعلق، فكذلك الطلاق، وذلك لاحتمال حلول ذلك الوقت وهي ليست زوجته سواء بموتها أو طلاقها.
2-مذهب جمهور الفقهاء الذي يفيد بوقوع الطلاق المعلق إذا ما تحقق الشرط المعلق عليه، لأنه نوع من أنواع الطلاق الصريح، فقد ورد عن الكسائي لو قال لامرأته: "إن دخلت الدار فأنت طالق، إن كلمت فلانا فأنت طالق"، فإذا كانت في ملكه عن دخولها الدار، وتكلمت معه فقد وقع الطلاق، ويستدل الجمهور بقوله النبى "ص" المؤمنون عند شروطهم والطلاق كالوعد يلتزم به الزوج، فإن وجد الشرط المعلق عليه وقع الطلاق، وأدلة الجمهور في ذلك الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه أن ابن عمر سأل عن رجل طلق امرأته البتة إن خرجت من الدار فقال: إن خرجت فقد بتت منه، وإن لم تخرج فليس بشيء.
أما القول الثالث: وهو ما ذهب إليه ابن القيم وابن تيميه وبعض من اللجان الفقهية ولجان الفتوي، فيقول بأن الأصل في الطلاق المعلق مراد المتكلم، فإن كان قاصدا الطلاق وقع وإلا فإنه يقع يمينا، وعليه إذا قال الزوج لزوجته أنت طالق إن فعلت كذا ويريد حمل زوجته علي فعل شيء أو نهيها عنه فإنه في حكم اليمين ولا يقع طلاقا لأنه خرج عن الوجه المطلوب، وإذا حدث الشرط المعلق عليه الطلاق فإن الزوج يحنث في يمينه.
الدكتور سعدالدين الهلالي - أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر
مقولة: "علي الطلاق"
أما بالنسبة لعبارة علي الطلاق التي تجري علي ألسنة الكثير من الناس، فيقول "الهلالى": يري بعض الشافعية أن لفظ "علي الطلاق" اسم فعل أمر بمعني يلزمني، فإذا قال الرجل: " علي الطلاق ما أنت خارجة"، فإن معني ذلك يلزمني الطلاق، وعليه فإن الشافعية يقولون بعدم وقوع الطلاق بهذ اللفظ، لأنه وعد وليس طلاق، بينما يري الأكثرون من أهل العلم "علي الطلاق" من الطلاق المعلق ويأخذ أحكامه السابقة، وأخيرا فإن الفتوي علي الرأي الذي يطبق في المحاكم المصرية، لأن ولي الأمر اختاره، ومعلوم أن حكم الحاكم يرفع الخلاف، وينبغي الالتزام به في الفتوي منعا للبلبلة.