أزمة تلوح فى الأفق بين العراق والكويت بعد أن تصاعدت الأحداث بينهما سريعا على مدار الأيام الماضية، بسبب حكم المحكمة الدستورية العراقية ببطلان اتفاقية حدودية بين البلدين جرى العمل بها على مدار 10 سنوات ماضية، الحكم العراقى أدى إلى غضب كويتى عارم والتى لجأت إلى دول مجلس التعاون الخليجى والأمم المتحدة لحل الخلاف.
والأسبوع الماضى طرأ على ملف الحدود بين البلدين تطورا خطيرا وهو القرار الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا فى العراق القاضى بإبطال التصويت البرلمانى على اتفاقية الملاحة البحرية فى خور عبد الله والتى صدّقها البرلمان العراقى عام 2013.
وأكدت المحكمة الاتحادية العراقية، الخميس الماضى، الحكم بعدم دستورية قانون التصديق على اتفاقية تنظيم الملاحة فى خور عبد الله، وقالت المحكمة فى بيانها إن "دستور جمهورية العراق لعام 2005 يمثل مصلحة الشعب العراقى لذا فإن الخروج على الدستور يمثل جريمة توصف بجريم انتهاك الدستور أو الخيانة العظمى".
قرار المحكمة استند إلى أن التصويت النيابى على الاتفاقية لم يراع النقطة الرابعة من المادة 61 من الدستور العراقى والتى تنص على: "تنظيم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، بقانون يُسن بغالبية ثلثى أعضاء مجلس النواب"، إذ لا يمكن إعمال نص قانونى مخالف للدستور رغم سريان ذلك النص لتعطل آليات تطبيقه.
وأكدت أنه "لا يجوز تعطيل أحكام الدستور مقابل تشريع محلى مخالف له نافذ قبل تشريع الدستور بل يصبح التشريع المحلى مخالفا للدستور والتشريعات الأخرى المترتبة عليه معرضة للحكم بعدم دستوريتها متى ما تم الطعن بها".
واتفاقية خور عبد الله هى اتفاقية دولية حدوديّة بين العراق والكويت، تمت المصادقة عليها فى بغداد فى 25 نوفمبر 2013 تنفيذًا للقرار رقم 833 الذى أصدره مجلس الأمن سنة 1993 بعد عدة قرارات تلت الغزو العراقى للكويت سنة 1990، واستكمالاً لإجراءات ترسيم الحدود بين البلدين، ووضع تحديد دقيق لإحداثياتها على أساس الاتفاق المُبرم بين البلدين بعد استقلال الكويت سنة 1961.
وأدت هذه الاتفاقية إلى تقسيم خور عبد الله بين البلدين، والواقع فى أقصى شمال الخليج العربى بين شبه جزيرة الفاو العراقية وكل من جزيرتى بوبيان ووربة الكويتيتين، كما أدت الاتفاقية إلى إنشاء موانئ جديدة.
ومنذ توقيعها قبل 10 سنوات أثارت هذه الاتفاقية جدلا كبيرًا فى العراق، حيث رأى فريق من السياسيين العراقيين أن رئيس الوزراء العراقى آنذاك نورى المالكى والبرلمان العراقى قد تنازلا عن جزء من خور عبد الله، وهو الممر الملاحى الوحيد المؤدى إلى معظم الموانئ العراقية، وأن التقسيم جاء بالتنصيف، وليس بناءاً على خط التالوك، أى أعمق ممر يُسمح للملاحة البحرية فيه.
لجأت الكويت عقب حكم المحكمة إلى تصعيد لهجتها ضد العراق، حيث سارعت بتسليم مذكرة احتجاج إلى سفير بغداد على ما ذُكر فى حيثيات الحكم الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا العراقية، بخصوص الاتفاقية المبرمة بين البلدين، بشأن تنظيم الملاحة البحرية فى خور عبد الله.
ثم بدأت الكويت حراكا دوليا فى نيويورك لبحث قضية اتفاقية الملاحة البحرية مع كبار المسؤولين فى واشنطن والأمم المتحدة، وقالت وسائل إعلام محلية، إن "الحراك الكويتى سيشمل عدداً من كبار المسؤولين فى المنظمة الدولية والولايات المتحدة والدول الأوروبية، خصوصاً أن الاتفاقية التى اعتبر القضاء العراقى أنها غير دستورية، تمت المصادقة عليها من قِبل البرلمان العراقى ومن قبل مجلس الأمة الكويتى وتم إيداعها لدى الأمم المتحدة".
وعلى الفور أعلن مجلس التعاون الخليجى تضامنه مع الكويت فى وجه العراق، الأمر الذى قد ينذر بتوسيع رقعة الخلاف من "كويتى – عراقى" إلى "خليجى – عراقى"، حيث أصدر المجلس الوزارى الخليجى بيانا مشتركا عقب اجتماع له قال فيه إنه "ناقش التطورات الراهنة مع العراق، ودعا الحكومة العراقية لاتخاذ خطوات جادة وعاجلة لمعالجة الآثار السلبية لهذه التطورات، والتى ترتبت على حكم المحكمة الاتحادية العليا.
وأكد المجلس الوزارى الخليجى أن "هذه التطورات لا تخدم العلاقات مع دول مجلس التعاون، وتخالف المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، بما فيها قرار مجلس الأمن رقم 833"، داعيا إلى احترام سيادة الكويت وعدم انتهاك القرارات الدولية حول ترسيم الحدود بين البلدين، معربا عن رفضه القاطع لأى انتهاك يمس السيادة الكويتية واحتفاظها بحقها فى الرد وفق القنوات القانونية.
ووفقا لخبراء قانون عراقى هناك ثلاث سيناريوهات تحدثت عنهم بى بى سى فى هذا الخلاف، السيناريو الأول يتمحور حول دعوة مجلس النواب العراقى لإعادة التصويت على الاتفاقية بهدف إقرارها، الأمر الذى يتطلب تصويت ثلثى أعضاء مجلس النواب العراقى، وفى هذه الحال، يعاد العمل بالاتفاقية.
أما السيناريو الثانى، فيتضمن إرسال كتاب إلى الطرف الآخر (أى الكويتى) وإبلاغه بتعليق الاتفاقية والعودة للمفاوضات، فى حال فشل المفاوضات بين الطرفين، يصبح البلدان أمام السيناريو الثالث وهو رفع المسألة إلى المحكمة الدولية لقانون البحار، والتى تنظر فى النزاعات البحرية بين الدول.
وأيا كان السيناريو الأقرب إلى الواقع فإن الخلاف بين العراق والكويت سيأخذ فى التصعيد، خاصة أن دول الخليج العربى أعلنت انحيازها الكامل للكويت ومساندتها أمام المنظمات الدولية، الأمر الذى يٌنذر بشهور من التوتر الجديد بين منطقة العراق والخليج ربما لم يحدث منذ الغزو العراقى للكويت فى تسعينيات القرن الماضى.