أزمة جديدة تواجهها الحكومة اللبنانية لتضاف إلى رصيد أزماتها المتفاقم، وذلك بعد أتهامات البرلمان للحكومة بأنها أنفقت أموال صندوق النقد الدولى دون رقابة من أي جهة، ولم يقف الأمر عند حد الاتهامات بل قام المجلس النيابى بإحالة الأمر للقضاء، الأمر الذى سيفاقم من صعوبة الوضع الاقتصادى.
وتفجرت الأزمة في ظل شبهات بحصول هدر كبير، وقامت لجنة المال والموازنة برئاسة النائب ابراهيم كنعان بإحالة ملف حقوق السحب الخاصة الى القضاء المالى ممثلا فى ديوان المحاسبة، بعد اجتماع حضره وزير المالية في حكومة تصريف الاعمال يوسف الخليل وممثل عن مصرف لبنان، لمتابعة موضوع إنفاق اموال حقوق السحب الخاصة ، ومناقشة السند القانوني الذي إتبعته الحكومة لهذا الإنفاق.
وحقوق السحب الخاصة كان قد قررها صندوق النقد الدولي، على أثر جائحة كورونا وقام بتوزيع مخصصات حقوق السحب من أجل دعم سيولة الدول الأعضاء، وتم تخصيص مبلغ يقارب مليار ومئة مليون دولار الى لبنان، وبعد أن تم إيداع المبلغ لدى مصرف لبنان، عملت الحكومة على الإستعانة به لتغطية نفقات تتعلق بالقطاعات الحيوية، منها الكهرباء والأدوية والقمح وغيرها.
في المقابل، تعتبر لجنة المال والموازنة أن هذه المبالغ قد صرفت من دون تأمين الحكومة لغطاء تشريعي يخولها التصرف بها، وأحالت الملف الى ديوان المحاسبة، لا سيما وأن أعضاء اللجنة لم يتلقوا أجوبة مقنعة من الفريق المالي الحكومي لأسباب صرف المبلغ الذي يتعدى المليار دولار.
وأوضحت اللجنة أن المخالفة الأولى تتمثل في الصرف من دون رقابة ومن دون العودة إلى مجلس النواب، وبمخالفة لمبدأ الشمولية الذي تنص عليه المادة 83 من الدستور، أي إما من خلال الموازنة أو اعتماد إضافي أو اعتماد استثنائي، وهو ما لم يتم.
وأكدت لجنة المال والموازنة أن المخالفة الثانية تمثلت بفتح اعتمادات خاصة في مصرف لبنان، موضحة أنه لا يحق لمصرف لبنان والحكومة فتح حسابات خاصة لا تمر بالخزينة بمخالفة واضحة للمادة 242 من قانون المحاسبة العمومية.
وأكد كنعان رئيس اللجنة :"ان صرف اموال حقوق السحب الخاصة من الحكومة تم بشكل مخالف للقانون، لأنها لم تأت الى مجلس النواب ولم تحصل على موافقته، ولهذا قررت اللجنة إحالة ملف حقوق السحب الخاصة الى ديوان المحاسبة، لوجود مخالفات فيه من فتح حسابات خاصة في مصرف لبنان الى عدم العودة لمجلس النواب لقوننة الانفاق".
وأضاف انه :"لا يحق للحكومة ومصرف لبنان فتح حسابات من دون المرور بالخزينة"، من جهته، قال رئيس "لجنة الادارة والعدل" النائب جورج عدوان: "أن المخالفات حصلت ويجب أن يعرف الجميع أنّ الصرف لا بدّ أن يحصل من ضمن الموازنة، وإذا استمرينا بالصرف "عالقطعة" سننحدر أكثر، وما فعلناه اليوم هو بإطار إعادة الانتظام العام".
وقالت صحيفة الديار اللبنانية أن حكومة تصريف الاعمال ستواجه ازمة كبيرة بتغطية احتياجاتها بالدولار، بعدما استنفدت رصيد حقوق السحب الخاصة البالغة نحو 1140 مليون دولار، والتي تسلمتها قبل عامين من إدارة صندوق النقد الدولي، ولم يبق في حساب السحب الخاص الا نحو 76 مليون دولار، ما يوازي تغطية شهرين فقط من دعم فاتورة الأدوية المخصصة للأمراض المزمنة والمستعصية، في حين يتكفل مصرف لبنان بتأمين ضخ نحو 79 مليون دولار لتغطية الرواتب والمخصصات الشهرية لنحو 400 ألف موظف في القطاع العام.
ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة، ان البلاد امام أزمة مالية خطيرة، خصوصا ان الحكومة تصطدم برفض حاكم المصرف المركزي بالإنابة وسيم منصوري، بعدم تغطية أي تمويل جديد لصالح القطاع العام، لا سيما من مخزون احتياطات العملات الصعبة، وهذا الوضع الصعب يفتح الباب امام انهيار جديد لسعر الصرف ويزيد التضخم.
وقال عضو لجنة "المال والموازنة"، النائب رازي الحاج، أن هذه الأموال تعطى للدول بعد الأزمات النقدية أو المالية أو الاقتصادية، والهدف منها تعزيز احتياط الدول من العملات الصعبة كي تتمكن من تخفيف التباطؤ بالنمو أو أي انكماش اقتصادي.
وأضاف، وفقا لوسائل إعلام محلية، : "هذه الأموال عادة لا تصرف على نفقات جارية، بل تستعمل لإنعاش الاقتصاد إن كان في السياسة النقدية للحفاظ على ثبات نقدي ما، أو في السياسة المالية لإنعاش الاقتصاد، المخالفة الأولى أن الأموال استخدمت بغير الطبيعة المخصصة لهم من صندوق النقد الدولي".
وتابع: "المخالفة الكبيرة، أن هذه الأموال صرفت من دون سند قانوني، لأن السند القانوني في لبنان حسب الدستور وحسب قانون المحاسبة العمومية هناك شمولية للموازنة، لا يجب أن يكون هناك أي إنفاق دون سند قانوني، أو إجازة من مجلس النواب".
واعتبر الحاج أن "أموال السحب الخاصة لم تتضمنها أي موازنة، ولم تذكر هذه الأموال في موازنة 2023، وبالتالي عندما أرسلت هذه الأموال إلى لبنان تقدم تكتل "الجمهورية القوية" باقتراح قانون لعدم المس بهذه الأموال إلا من خلال طريقة واضحة، هذا القانون كان معجل مكرر وسقطت صفة العجلة عنه، وتحول إلى اللجان، وبالتالي في ذلك الوقت تعهد رئيس الحكومة في مجلس النواب بعدم المس بهذه الأموال من دون العودة إلى المجلس".
وأشار الحاج إلى أنه "تم الاتفاق على تحويل الملف إلى ديوان المحاسبة، ليعطي القرار بشأنه، وسيتابع إلى النهاية، لأنه إذا لم نستطع التأسيس لعملية شفافة ولموضوع الصرف وقطع الحساب لمعرفة النفقات وللتأسيس لموازنة إصلاحية، فسنبقى بنفس الأزمة المالية التي نتخبط فيها".
وفى ظل تصاعد هذا الخلاف فمن المتوقع أن تواجه الحكومة اللبنانية انسداداً كبيراً في تغطية احتياجاتها بالعملات الصعبة خلال الفترة المقبلة، في ظل أنها استنفدت رصيد حقوق السحب الخاصة البالغة نحو 1140 مليون دولار، والتي تسلمتها قبل عامين من إدارة صندوق النقد الدولي، وأيضا رفض البنك المركزى تمويل الحكومة بدون غضاء قانونى وتشريعى، فضلا عن تفاقم الأزمات السياسية في ظل غياب رئيس للدولة.