في الوقت الذي ينصب فيه نفسه البرلمان الأوروبي حاميا للحريات ونصيرا للمستضعفين في الشرق الأوسط، يتغافل الاتحاد الأوروبي ما تقوم به إسرائيل من عمليات قتل وإبادة للشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة، كما يتغافل قضايا التحرش والفساد التي تلاحق نوابه، وقبل الخوض في تفاصيل هذه القضايا ، لابد الإشارة إلى تشكيله وتاريخه بالكامل
نشأة البرلمان الأوروبي
وظهرت فكرة تأسيس البرلمان الأوروبي مع تبلور الوحدة الأوروبية، وظهر مفهوم البرلمان الأوروبي في معاهدة روما عام 1957، التي أدت إلى تأسيس المجموعة الاقتصادية الأوروبية، وعقدت جلسة تأسيس الجمعية البرلمانية الأوروبية بستراسبورغ في مارس 1958، وانتخاب روبرت شومان رئيسا لها.
وجرت أول انتخابات برلمانية أوروبية مباشرة في يونيو 1979، أي بعد 34 سنة فقط من نهاية الحرب العالمية الثانية، التي تقاتلت فيها الأمم الأوروبية، وكانت تلك الانتخابات أقوى إعلان عن المصالحة الأوروبية.
وزادت المعاهدات الأوروبية اللاحقة البرلمان الأوروبي قوة في التأثير، خاصة معاهدة ماستريخت 1992، ومعاهدة أمستردام 1997، اللتين حولتا البرلمان الأوروبي إلى مؤسسة تشريعية تقوم بدور مشابه لدور البرلمانات الوطنية.
ويقع المقر الرسمي للبرلمان الأوروبي بمدينة ستراسبورغ الفرنسية، حيث ينعقد 48 يوما في العام، وله مقر آخر أكبر بالعاصمة البلجيكية بروكسل تنعقد فيه معظم الجلسات العامة واجتماعات اللجان، كما يمتلك البرلمان مقرا لأمانته العامة في دولة لوكسمبورغ.
يمثل الرئيس البرلمان الأوروبي مع العالم الخارجي وفي العلاقات مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي الأخرى، ومهمته تنصب في إدارة عمل البرلمان والهيئات التابعة له والمناقشات العامة، ومراقبة الامتثال للقواعد الإجرائية.
مهام البرلمان الأوروبي
ــ يشكل البرلمان الأوروبي مع مجلس الاتحاد الأوروبي -المكون من وزراء حكومات الدول الأعضاء- الجهاز التشريعي للاتحاد، ولا يمتلك البرلمان سلطة اقتراح أو صياغة مشاريع قوانين لأن هذا يندرج ضمن سلطة المفوضية الأوروبية.
ـــ يشترك البرلمان الأوروبي مع مجلس الاتحاد الأوروبي في ممارسة السلطة المالية والميزانية، ويمكنه أن يقوم بتغييرات على الإنفاق العام للاتحاد الأوروبي، وهو الذي يعطي الموافقة النهائية على الميزانية.
ـــ يقوم البرلمان بالإشراف على أعمال مجلس الاتحاد الأوروبي، ويصدّق على ترشيح المفوّضين، ويمتلك حقّ سحب الثقة من مجلس الاتحاد، ويمارس إشرافا سياسيا أيضا على كلّ مؤسسات الاتحاد.
ـــ يندرج ضمن صلاحيات البرلمان الأوروبي توجيه النقد للمفوضية أو إقالتها بأغلبية ثلثي النواب، وإقرار الاتفاقيات الخارجية للاتحاد الأوروبي، والتصديق على المنح والمساعدات المالية التي يقدمها الاتحاد لدول العالم المختلفة، ولا تتوفر للبرلمان آلية لمتابعة تنفيذ ما يصدره من قوانين وقرارات، تاركا هذه المهمة لبرلمانات الدول الأعضاء في الاتحاد.undefined
ـــ يمتلك مهمة السيطرة على المؤسسات الأوروبية الأخرى وتعزيز حقوق الإنسان في أوروبا وخارجها.
انتخاب الأعضاء
يتكون البرلمان الأوروبي من 751 نائبا يمثلون 380 مليون ناخب من الدول الأعضاء الـ28 في الاتحاد الأوروبي الموسع (قبل قرار بريطانيا بالخروج من الاتحاد)، ومنذ عام 1979 يتم انتخاب الأعضاء بالاقتراع العام المباشر لخمس سنوات، وجرى وقتها اختيار وزيرة الصحة الفرنسية السابقة سيمون فيل أول رئيسة للبرلمان.
ويتم تخصيص المقاعد وفقا لعدد السكان في كل دولة من الدول الأعضاء، وما يزيد قليلا عن ثلث أعضائه من النساء، ولا يتم تجميع أعضاء البرلمان الأوروبي حسب الجنسية، ولكن وفقا للانتماءات السياسية.
ومنذ دخول معاهدة ماستريخت 1993 حيز التنفيذ، أصبح بإمكان جميع المواطنين الأوروبيين الترشيح للبرلمان أو التصويت حتى من خارج وطنهم، أي حتى من بلد أوروبي آخر يقيمون فيه.
يذكر أن مرتب عضو البرلمان الأوروبي يساوي مرتب عضو البرلمان الوطني، ويتم دفعها من خزانة دولة العضو، ولذلك هناك فروق بين مرتبات أعضاء البرلمان الأوروبي، غير أنه كانت هناك جهود بمؤسسات الاتحاد الأوروبي لتوحيد مرتبات النواب.
ومن خصائص البرلمان الأوروبي أنه يبتعد عن الأشكال الموجودة في البرلمانات التقليدية من أحزاب حكومية ومعارضة، وتنتظم داخله ثماني كتل برلمانية رئيسية تنتمي إلى أحزاب أوروبية، كما يضم بعض الأعضاء المستقلين.
أهم الكتل البرلمانية
ومن أهم الكتل البرلمانية الموجودة بالبرلمان الأوروبي اتحاد الأحزاب الشعبية الأوروبية المعبرة عن الأحزاب المسيحية المحافظة، وتحالف الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية، وتحالف أحزاب البيئة الخضراء، واتحاد الأحزاب الليبرالية.
وهناك أيضا عشرون لجنة برلمانية، تتكون من أعضاء البرلمان الأوروبي، الذي يجوز له أيضا إنشاء لجان فرعية مؤقتة للتعامل مع مشاكل محددة أو تشكيل لجان التحقيق لانتهاك قانون المجتمع أو التطبيق غير الصحيح منها.
فضائح فساد بالجملة
تتضمن فضيحة الفساد المرتبطة بالبرلمان الأوروبي وقطر كافة عناصر الإثارة في المسلسلات البوليسية ويبرز فيها برلمانيون ومساعدون لهم، معظمهم إيطاليون، إذ أنكرت النائبة اليونانية في البرلمان الأوروبي إيفا كايلي ما وُجّه إليها من اتهام بتلقّي رشوة من دولة قطر، ووجّهت الاتهامات إلى أربعة مشتبه بهم، بينهم كايلي، بعد أن عثرت سلطات التحقيق البلجيكية على مبالغ مالية ضخمة في منازل وحقيبة.
وصوّت 625 عضواً في البرلمان الأوروبي لصالح تجريد كايلي من صلاحياتها كنائبة من بين 14 نائباً لرئيسة البرلمان الأوروبي. فيما صوّت عضو واحد في البرلمان ضد هذا القرار، فيما تحدثت رئيسة البرلمان روبرتا ميتسولا عن "أيام صعبة تعايشها الديمقراطية الأوروبية".
وأضاف المحامي ميشاليس ديميتراكوبولوس للتلفزيون اليوناني أن موكلته "تعلن براءتها، وأنه لا علاقة لها برشوة من قطر".
وأجرت سلطات التحقيق سلسلة من عمليات التفتيش على مدى عدة أيام، وأعلنت العثور على أموال نقدية تناهز قيمتها 632 ألف دولار في منزل أحد النواب المشتبه بهم. كما عثر على ما يزيد على 158 ألف دولار في شقة نائب آخر، فضلاً عن عدة مئات الآلاف من اليوروهات في حقيبة بأحد الفنادق في بروكسل. كما صادرت الشرطة أجهزة كمبيوتر وهواتف محمولة لفحص محتوياتها.
ونشرت الشرطة البلجيكية صورة تظهر رزمات من الأوراق النقدية فئات 200 و50 و20 و10 يورو. وتفيد تقارير بأن إجمالي هذا المبلغ يناهز 1.5 مليون يورو.
كما حصل النائب بالبرلمان الأوروبي، أفراموبولوس، الذي حصل على 60 ألف يورو كمكافأة مقابل عمله التطوعي في مجلس الإشراف على المنظمة. ويدعي أفراموبولوس أنه أنهى عمله مع المنظمة مطلع عام 2022. ولم يلتق زملاء سابقين له، من المفوضين في المفوضية الأوروبية، إلا للحديث الودي، وليس لأي مصالح أو أعمال لوبي، كما قال متحدث باسم المفوضية الأوروبية.
محامو النائبة اليونانية يصرون على أن موكلتهم بريئة من التهم. ولكن بسبب وجود خطر إخفاء الأدلة أو التلاعب بها، قرر قاضي التحقيق وضعها في الحبس الاحتياطي وتمديد ذلك شهرا إضافيا. ولم تعط المحكمة أي معلومات أخرى بهدف الحفاظ على مسار التحقيق.
تبعات القضية ورد فعل البرلمان الأوروبي
وبسرعة كبيرة وموقف موحد رد البرلمان الأوروبي على ما تكشف، فقام بإقالة إيفا كايلي من منصبها كنائبة لرئيسة البرلمان. والكتلة الاشتراكية في البرلمان الأوروبي وكذلك الحزب الاشتراكي اليوناني، الذي تنتمي له كايلي قاما بفصلها أيضا. كما أعلنت رئيسة البرلمان الأوروبي، روبيرتا ميتسولا، عن إصلاحات لأعمال جماعات الضغط (اللوبيات) في البرلمان. كما أجل البرلمان محادثات انضمام قطر إلى منطقة شينغن. وجمّد الاتصالات مع الدوائر والسياسيين في قطر، وهو أمر انتقده الجانب القطري.
البرلمان الأوروبي وعداء دول الشرق الأوسط
أصدر البرلمان الأوروبي قراره المتعلق بما أسماه ” بوضعية حقوق الإنسان” في المغرب، و هو القرار الذي يشير لطبيعة التحول الذي جرى منذ مدة داخل البرلمان الأوروبي، وكان هذا القرار بداية الإعلان عن كل التحولات التي شهدتها أوروبا وبعض مؤسساته على رأسها هذه المؤسسة التي أصبحت رهينة لوبيات سياسية ومالية أوروبية تريد أن تغطي على فشلها في تدبير الانعكاسات السلبية الاقتصادية لكورونا، ثم بعدها للحرب الروسية الأوكرانية-الغربية، ثم قبلهما صدمة خروج المملكة البريطانية من الاتحاد الأوروبي مع ما يعني ذلك من فقدانها لخزان مالي، اقتصادي هام كانت أوروبا تستفيد منه.
كل هذه العوامل الذاتية المرتبطة بترهل أوروبا وحالة الانقسام التي أبانت عنها زمن تدبير الجائحة، جعلت من بعض اللوبيات تعمل على التحرك ضد المغرب لاعتبارات عديدة منها أن هذا الأخير اختار ألا يكون “سوط” أوروبا على أفريقيا بقدر ما اختار أن يكون صوت هذه الأخيرة أمام العالم، وأن تكون تحركاته تخدم القارة السمراء ورهاناتها الكبيرة في التقدم والتنمية والديموقراطية.
وقد تعزز هذا الخط بعودة واسترجاع المغرب لمقعده بالاتحاد الإفريقي وعمله على أن يكون هذا التكتل القاري في خدمة شعوب القارة لا أداة من أدوات الاستعمار الجديد و تعبيراته السياسية والاقتصادية.
إن كل هذه العوامل ساهمت في شحن مختلف هذه اللوبيات التي باتت ترى في قربها من دوائر معادية للمغرب و ترى مصلحتها في التقارب مع أنظمة غير ديموقراطية، تهدف إلى الدفع بالشراكة المغربية الأوروبية للباب المسودة بافتعال أزمة سياسية بين المؤسسات الأوروبية والمغربية نتيجة ارتهان بعض البرلمانيين الأوروبيين من “تكتلات يساراوية” التي أصبحت تشكل التعبير السياسي بالبرلمان الأوروبي لقوى المحافظة والنكوص الأوروبية للأسف، بدل أن تكون داعمة لقضايا حقوق الإنسان الحقيقية.
القرار في عمومه يرتبط بتوجس اللوبيات المعادية داخل أوروبا للمغرب من التقارب الإسباني المغربي، هذا التوجس مرده إلى كون إسبانيا وحزبها الاشتراكي الذي يترأس حكومتها هو من سيقود أوروبا، ويريد أن يكون هذا الملف المفتعل أداة لدفع المغرب و إسبانيا بشكل خاص للاصطدام، خاصة وأن التقارب بين الجانبين شمل قضايا سياسية كبرى و اقتصادية، ثم ما يرتبط بقضية الصحراء ودعم إسبانيا للمبادرة المغربية لطي ملف الصحراء.
علاوة على ذلك، هناك داخل أوروبا من لم ينظر بعين الرضى لنتائج التفاوض الذي جرى بين المغرب و اسبانيا وكانت الملكيتان المغربية والإسبانية فاعلتان فيه وحققا معاً إلى جانب رئيس الحكومة الإسبانية نتائج سياسية أعطت دفعة كبيرة لشراكة البلدين، مما خلق رد فعل سلبي داخل أوروبا مما جعلها تستغل كل الآليات الأوروبية و المناسبات لدفع هذه العلاقة للتوتر باختلاق كل عناصر التوتر لإسبانيا، لأنه مباشرة بعد توليها للرئاسة الأوروبية سيكون هذا الملف مطروحا عليها.
و بالتالي يجب أن نتوقع لحين توليها لمنصبها بالاتحاد الأوروبي، أن تكون هناك تحركات سياسية أخرى، قوية ضاغطة على أوربا ومؤسساتها من أجل معاداة المغرب، ومحاولة جره لأي استفزاز على مستوى ملف الصحراء لمعرفتهم ويقينهم أن المغرب لن يبقى مكتوف الأيدي أمام أي مس محتمل بوحدته الترابية،