بدأ الأحد اليوم الثالث من الهدنة بين حماس وإسرائيل في غزة، ويستمر بموجبها وقف إطلاق النار بعد 7 أسابيع من القصف الإسرائيلي المكثف على القطاع المحاصر، حيث يسود الترقب باطلاق سراح دفعة ثالثة من الأسرى الإسرائيليين والمعتقلين والرهائن الفلسطينية، بينما تتواصل عملية دخول المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، وتنص الهدنة على وقف شامل لإطلاق النار في غزة بجزئيها الشمالي والجنوبي، وإطلاق سراح 50 أسير لدى حماس و150 من الرهائن الفلسطينية، على مدار الأيام الأربعة لهذه الهدنة، والتي تضمنت مجموعة من الشروط الاتفاقية التي من أبرزها تبادل الأسرى والمحتجزين خلال أيام الهدنة الأربعة، والتوسع في إدخال المساعدات الإنسانية والوقود إلى سكان القطاع المحتل.
تضمنت الهدنة وقفا شاملا لإطلاق النار في شمال وجنوب غزة ومن المقرر أن يتم خلالها إطلاق سراح بعض الأسرى من بين نحو من 240 أسير احتجزتهم حماس خلال هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر، وردت تل أبيب بقصف مدمر استغرق 49 يوما وأدى، حسب حماس، لمقتل قرابة 15 ألفا من أهل غزة بينهم أطفال ونساء وشيوخ، ويعد غدا الإثنين اليوم الأخير للهدنة، في الوقت الذى تحاول فيه العديد من الدول الوسطاء لمد تلك الهدنة وعلى رأسها مصر التي تبذل جهود مضنية للوصول لعملية التمديد.
تمديد الهدنة في ميزان القانون الدولى
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على عملية تمديد الهدنة الإنسانية في ميزان القانون الدولى، والذى يُعد ضرورة ملحة للسماح للمنظمات الإنسانية بالعمل فى قطاع غزة، حيث يبدأ اليوم الأحد وهو ثالث أيام الهدنة بين إسرائيل وحماس، بحالة من الترقب لإطلاق سراح مزيد من الأسرى الإسرائيليين والرهائن الفلسطينية بعد الإفراج عن دفعتين الجمعة والسبت، وفى المجمل، سلّمت حماس يومي الجمعة والسبت إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 26 أسيرا إسرائيليا يحمل بعضهم جنسيات أخرى، بينما أطلقت إسرائيل سراح 78 رهينة فلسطينية، وكل المفرج عنهم هم من النساء والأطفال، كما أطلقت حماس على مدى اليومين سراح 15 من الأجانب غير الإسرائيليين، في إجراء لم يكن مدرجا في الاتفاق – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض محمود البدوى.
في البداية – هناك ضرورة ملحة لتمديد الهدنة بين فصائل المقاومة الفلسطينية ممثلة في حركة حماس والجانب الإسرائيلي بعد انتهاء الأيام الأربعة المقررة، غدا الإثنين، وذلك لتهيئة الجو لدخول المساعدات داخل قطاع غزة، وهناك عدد من السيناريوهات المحتملة بعد انتهاء مدة الهدنة المتفق عليها بين إسرائيل وفصائل المقاومة في غزة ودور القانون الدولي في ضمان استمرارها، حيث تنتهي مدة وقف إطلاق النار رسميًا بعد 4 أيام وفقًا لاتفاق التهدئة، وهناك عدة احتمالات بعد ذلك، أبرزها تمديد الهدنة وهو ما تحاول الجهود المصرية والقطرية الوصول إليه، وهو السيناريو المرجح، وبناء عليه سيستمر تبادل الأسرى ودخول المساعدات الإنسانية، أما إذا خرقتها إسرائيل، فالأمر يعود للمجتمع الدولي والجهات الراعية مثل مصر وقطر والولايات المتحدة لإعادة إحيائها والضغط على إسرائيل – وفقا لـ"البدوى".
القانون الدولي والإنساني يلزم الأطراف المتنازعة باحترام الهدنة
والقانون الدولي والإنساني يلزم الأطراف المتنازعة باحترام الهدنة، حيث إن المادة 23 من اتفاقية لاهاي، وقرار مجلس الأمن رقم 2175 لعام 2014 يدعوان جميع أطراف النزاعات إلى احترام هدنات وقف إطلاق النار الإنسانية، وكذلك تؤكد اتفاقيات جنيف وقرارات الأمم المتحدة بشأن وقف إطلاق النار الإنساني، كما أنه في حال انتهاء مدة الـ4 أيام دون تمديد الهدنة، سيكون من الضروري استئناف المفاوضات المكثفة بين جميع الأطراف بما في ذلك مصر وقطر والأمم المتحدة، لإنقاذ المدنيين في القطاع وتأمين احتياجاتهم الإنسانية والطبية العاجلة، كما أنه وفقًا للقانون الدولي والقانون الدولي الانساني، وعلى وجه الخصوص اتفاقيات جنيف، يجب على أطراف النزاع السماح بدخول المساعدات، احترام وتيسير عمل المنظمات والهيئات الإنسانية التي تقدم المساعدات والإغاثة للمتضررين خلال النزاعات المسلحة – الكلام لـ"البدوى".
المادة 23 من اتفاقية لاهاي وقرار مجلس الأمن رقم 2175 لعام 2014
وفى الحقيقة على الرغم من الارتباط الوثيق بين الهدنة وتعزيز السلم الدولي الذي تسعى الأمم المتحدة إلى تحقيقه، إلا أن ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 قد جاء خاليا من أية بنود محددة تتناول مفهوم الهدنة الإنسانية بشكل مباشر، والتأكيد على ضرورة الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وحل النزاعات بطرق سلمية وفقا لمبادئ القانون الدولي، والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها لتحقيق أهداف سياسية أو عسكرية – وعليه - فقد أجمع فقه القانون الدولي على تعريف الهدنة الإنسانية بأنها وقف مؤقت للعمليات الحربية بين طرفي القتال بناء على اتفاق المتحاربين، وذلك لأغراض إنسانية بحتة – طبقا للخبير القانونى.
ويكون للهدنة عادة وقت زمني محدد تنتهي بإنتهائه، بحيث يحق لكل طرف بعد ذلك العودة إلى القتال إذا لم يتم الاتفاق على تمديدها أو الصلح ووقف إطلاق النار بشكل نهائي، فالهدنة، أيا كانت مدتها التي تم تحديدها، تعني فقط وقف القتال بين الطرفين المتحاربين ولا تنهي حالة الحرب القائمة بشكل قانوني فحالة الحرب لا تنتهي إلا بإبرام الصلح، وإذا كان يترتب على بدء سريان الهدنة الإنسانية وقف القتال بشكل فوري وامتناع أي من طرفي النزاع عن القيام بأية أعمال هجومية أو قتالية، إلا أنها لا تشمل بالعادة ما يمكن أن تقوم به القوات المتحاربة من الاستعدادات اللازمة لاستئناف القتال حال انتهاء الهدنة، كإعادة التسليح والتدخير وترتيب صفوف القوات العسكرية – هكذا يقول "البدوى".
النصوص القانونية المنظمة للهدنة الإنسانية
هذا وقد وردت مجموعة من النصوص القانونية المنظمة للهدنة الإنسانية في الفصل الخامس من اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية، والتي جرى اعتمادها من قبل المؤتمر الدولي الثاني للسلام الذي عُقد في لاهاي في عام 1907، فالمادة "36" من لائحة لاهاي تنص على: "تعلق اتفاقيات الهدنة عمليات الحرب باتفاق متبادل بين الأطراف المتحاربة، ويجوز لأطراف النزاع في حالة عدم تحديد مدة الهدنة استئناف العمليات في أي وقت، شريطة أن يتم إنذار العدو في الأجل المتفق عليه، ووفقا لشروط الهدنة"، أما أنواع الهدن الإنسانية، فقد حددتها المادة "37" من لائحة لاهاي بأنها قد تكون هدنة شاملة أو محلية، فبموجب الهدنة الشاملة تعلق عمليات الحرب في كل مكان بين الدول المتحاربة، في حين تقتصر الهدنة المحلية على بعض أجزاء الجيوش المتحاربة وضمن نطاق معين.
أما عن الإلتزام بالهدنة الإنسانية فالأصل عند الاتفاق على شروط الهدنة الإنسانية أن يتم إيجاد آليات دولية لمراقبة تنفيذها، سواء أكانت الأمم المتحدة نفسها أو أي من الجهات الدولية الأخرى، ذلك بهدف منع الانتهاكات الجسيمة خلال فترة الهدنة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المحاصرين، وفي حال حدوث إخلال أو خرق جسيم للهدنة الإنسانية من قبل أي من الطرفين المتحاربين، فإن ذلك يعطي الحق للطرف الآخر بأن ينقضها، حيث تنص المادة "40" من لائحة لاهاي بالقول كل انتهاك جسيم لاتفاقية الهدنة من قبل أحد الأطراف يعطى للطرف الآخر الحق في اعتبارها منتهية بل واستئناف العمليات العدائية في الحالة الطارئة.
من يستطيع إبرام معاهدة سلام؟
أما إذا كان الإخلال باتفاق الهدنة الإنسانية قد جرى ارتكابه من قبل أفراد من أي من الطرفين من تلقاء أنفسهم، فللطرف الآخر أن يطلب معاقبة المسؤولين عن هذا الخرق ودفع التعويضات عن الأضرار التي نتجت عنه، وذلك استنادا لأحكام المادة "41" من لائحة لاهاي التي تنص على: إن خرق شروط الهدنة من طرف أشخاص بحكم إرادتهم، يعطي الحق في المطالبة بمعاقبة المخالفين فقط ودفع تعويض عن الأضرار الحاصلة إن وجدت".
في كثير من الحالات يكون وقف إطلاق النار الرسمي بمثابة مقدمة لمعاهدة سلام، والتي تنظم بعد ذلك السلام الدائم، ويمكن لدولة ما أن تعلن انتهاء الحرب - ولو من جانب واحد - دون الالتزام بشروط محددة، ولكن لا يمكن إبرام معاهدات السلام واتفاقيات السلام إلا بين حكومات معترف بها بموجب القانون الدولي، ولأن حركة حماس والفصائل الفلسطينية لا تتمتع بهذه المكانة، فهل يمكن عقد اتفاق سلام معها؟ خاصة وأنه يعترف أكثر من ثلثي أعضاء الأمم المتحدة بـ"دولة فلسطين"، لكن حكومتها الرسمية هي السلطة الفلسطينية في رام الله بالضفة الغربية.
واختتم قائلًا: الوقت لم يفت بعد لإنقاذ غزة ووقف معاناة أهلها، فالفرصة لا تزال سانحة، ويتوجب التحرك العاجل على كافة الأصعدة لحمل الكيان المحتل على وقف عدوانه ورفع الحصار وفتح المعابر أمام تدفق المساعدات الإنسانية والطبية، كما ندعوا المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية إلى ممارسة أقصى ضغوطها على الاحتلال الإسرائيلي لاحترام التزاماته القانونية الدولية بعدم خرق الهدنة ووقف العدوان على المدنيين في قطاع غزة.