بعد مرور 47 يوما من مجازر العدوان الإسرائيلى داخل قطاع غزة والتي خلفت أرقام لا حصر لها من الشهداء والمصابين تضمنت أكثر من (13,300) شهيد، بينهم أكثر من (5,600) طفل، و(3,550) امرأة، نجحت الجهود المصرية والقطرية في التوصل لاتفاق لوقف إطلاق نار مؤقت في قطاع غزة وإعلان هدنة إنسانية لمدة 4 أيام قابلة للتمديد، تُفرج خلالها الحركة الفلسطينية عن 50 من الرهائن الذين تحتجزهم في قطاع غزة مقابل إطلاق الكيان المحتل سراح 15 سجيناً فلسطينياً، في أول خطوة فعلية نحو التهدئة في الحرب المستعرة منذ شهر ونصف الشهر.
ويعد الاتفاق الذى جرى التوصل إليه بداية حقيقية في خطوات وجهود خفض التصعيد الجاري بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وقد يدفع جميع الأطراف للوصول بأن يتبعه هدن إنسانية وصفقات أخرى لتبادل الأسرى والمحتجزين، وعملت الجهود الأمريكية والمصرية والقطرية على مدى أكثر من أسبوعين للتوصل لهذا الاتفاق والصفقة، حيث جرت جولات مكوكية من المباحثات والاجتماعات شهدتها القاهرة سواء مع مسئولين إسرائيليين أو قيادة حركة حماس بتنسيق كامل مع الطرف الأمريكي بهدف تذليل كافة العقبات أمام إتمام اتفاق الهدنة وصفقة تبادل الأسرى.
هدنة 4 أيام بين حماس وإسرائيل بعد مرور 47 يومًا من الحرب
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على موقف القانون الدولى من ماهية الهدنة والشروط والإجراءات والآثار المترتبة عليها، خاصة أن فقهاء القانون يرونها وقف العمليات الحربية بين طرفي القتال بناءً على اتفاق المتحاربين، وهو إجراء يحمل الطابع السياسيّ إلى جانب الصفة العسكرية، يلجأ إليه المتحاربون عادةً كمقدمة لإيجاد أساس لعقد صلح بينهما، فالذي يملك الحق في عقد الهدنة هي حكومات الدول المتحاربة ذاتها، وليس رؤساء القوّات المتحاربة الذين يملكون، حسب قواعد القانون الدوليّ، وقف القتال مؤقتاً فقط – بحسب الخبير القانوني الدولى والمحامى بالنقض رجب السيد قاسم.
في البداية - يتولى التفاوض لعقد الهدنة وتحديد شروطها ممثلون عن الطرفين المتحاربين يتم تعيينهم خصيصاً لذلك، ولا تصبح الهدنة ملزمة إلا إذا أقرتها حكومات الدول الأطراف فيها، وقد تكون الهدنة عامة تشمل وقف جميع العمليات الحربية في كل الاتجاهات، كالهدنة التي أقرها مجلس الأمن الدولي في العام 1948 بشأن الحرب "الإسرائيلية العربية"، وقد تكون الهدنة محلية، أو داخلية كما حدث من قبل في سوريا، ويكون للهدنة عادة زمن محدود تنتهي بانتهاء المدة المحددة لنهايته، ويحق لكل طرف بعد ذلك العودة إلى القتال إذا لم يتم الاتفاق على الصلح، وفي الحالة التي لا يتم فيها تحديد وقت معين لانتهاء الهدنة يحق للطرفين المتحاربين العودة إلى القتال في أي وقت أرادا ذلك – وفقا لـ"قاسم".
كيف يرى القانون الدولى وقف إطلاق النار وما الهدنة ومتى يمكن أن تتحول لمعاهدة سلام؟
وعند بدء سريان الهدنة، بعد تحديد موعدها، يجب على كل طرف أن يبلغ قواته العسكرية لإيقاف القتال فوراً، وعندما يتم وقف القتال لا يجوز لأي طرفٍ من الطرفين القيام بأي أعمال هجومية أو دفاعية، ولكن اتفاق الهدنة لا يشمل عادة ما يمكن أن تقوم به قوّات الطرفين المتحاربين من الاستعدادات اللازمة لاستئناف القتال حال انتهاء الهدنة، من إعادة التسليح والتذخير وترتيب صفوف القوّات، وذلك حسب المادة 38 من لائحة لاهاي، والتي تنص على أنه طبقا للخبير القانوني الدولى:
ينبغي إخطار السلطات المختصة والجيوش رسمياً، وفي الوقت المناسب، باتفاقية الهدنة، وتتوقف العمليات العدائية بعد استلام الإخطار وفوراً أو في الأجل المحدد، وفي حال حدوث إخلال أو خرق جسيم للهدنة من قبل أيّ من الطرفين المتحاربين فإن ذلك يعطي الحق للطرف الآخر أن ينقضها، ولكن إذا كان الإخلال قد تم ارتكابه من قبل أفراد من أي من الطرفين من تلقاء أنفسهم فللطرف الآخر أن يطلب معاقبة المسؤولين عن هذا الخرق ودفع التعويضات عن الأضرار التي نتجت عنه، وذلك حسب المادتين 40 و41 من لائحة لاهاي، اللتين تنصان على:
هل الهدنة تنهى حالة الحرب؟
مادة 40: كل خرق جسيم لاتفاقية الهدنة من قبل أحد الأطراف يعطي الطرف الآخر الحق في اعتبارها منتهية، بل واستئناف العمليات العدائية في الحالة الطارئة.
مادة 41: إن خرق شروط الهدنة من طرف أشخاص بحكم إرادتهم يعطي الحق في المطالبة بمعاقبة المخالفين فقط، ودفع تعويض عن الأضرار الحاصلة إن وجدت.
والهدنة، أياً كانت مدتها التي تم تحديدها، تعني فقط وقف القتال بين الطرفين المتحاربين ولا تنهي حالة الحرب القائمة بشكل قانوني، فحالة الحرب لا تنتهي إلا بإبرام الصلح، ومن الأمور التي لا تمنع استمرار الهدنة ممارسة كافة الحقوق ما عدا أعمال القتال، كحق تفتيش الطرق والآليات وغير ذلك، ومصادرة أموال العدو ضمن نطاق معين، وحتى الحصار، ما لم تتضمن شروط الهدنة وبنودها صراحةً خلاف ذلك – هكذا يقول "قاسم".
من يستطيع إبرام معاهدة سلام؟
في كثير من الحالات يكون وقف إطلاق النار الرسمي بمثابة مقدمة لمعاهدة سلام، والتي تنظم بعد ذلك السلام الدائم، ويمكن لدولة ما أن تعلن انتهاء الحرب - ولو من جانب واحد - دون الالتزام بشروط محددة، ولكن لا يمكن إبرام معاهدات السلام واتفاقيات السلام إلا بين حكومات معترف بها بموجب القانون الدولي، ولأن حركة حماس والفصائل الفلسطينية لا تتمتع بهذه المكانة، فهل يمكن عقد اتفاق سلام معها؟ خاصة وأنه يعترف أكثر من ثلثي أعضاء الأمم المتحدة بـ"دولة فلسطين"، لكن حكومتها الرسمية هي السلطة الفلسطينية في رام الله بالضفة الغربية.
تفاصيل اتفاق الهدنة بين حماس وإسرائيل
ويعد الجزء الأكبر في أهمية اتفاق الهدنة وصفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل، هو أنه سيسمح بنفاذ كافة المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى كافة مناطق قطاع غزة بما فيها شمال القطاع والذي كانت ترفض إسرائيل وصول أي مساعدات له، وسيخفف كثيرا من معاناة مئات الآلاف من الفلسطينيين ممن ظلوا في الشمال ورفضوا النزوح للجنوب، كما أن الاتفاق يتضمن تدفق السولار والغاز إلى كافة مناطق قطاع غزة، ويعد هذا تقدم ملموس خاصة وأن إسرائيل كانت ترفض خلال الأيام الماضية وصول شاحنات الوقود لشمال القطاع اللازم لتشغيل المخابز ومحطات الكهرباء ومحطات تحلية المياه والمستشفيات وكل القطاعات المدنية، بجانب تغطية كافة احتياجات المنظمات الأممية كالأونروا.
وأشادت حركة حماس بالجهود المصرية والقطرية في التوصل للاتفاق من خلال الجهود الحثيثة والمقدرة من قيادة الحركة للبلدين، مؤكدة أن الاتفاق يشمل إدخال مئات الشاحنات الخاصة بالمساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية والوقود، إلى كل مناطق قطاع غزة، بلا استثناء شمالاً وجنوباً، وإطلاق سراح 50 من محتجزي الاحتلال من النساء والأطفال دون سن 19 عاما، مقابل الإفراج عن 150 من النساء والأطفال من أبناء الشعب الفلسطيني من سجون الاحتلال الاسرائيلي دون سن 19 عاماً وذلك كله حسب الأقدمية، وبحسب حماس، يشمل الاتفاق وقف حركة الطيران في جنوب غزة على مدار الأربعة أيام، وقف حركة الطيران في شمال القطاع لمدة 6 ساعات يوميا من الساعة 10:00 صباحا حتى الساعة 4:00 مساء.
أرقام مفزعة من الشهداء والمصابين والخسائر على يد قوات الاحتلال
قائمة الخسائر في الأرواح تضمنت أكثر من (13,300) شهيد، بينهم أكثر من (5,600) طفل، و(3,550) امرأة، وبلغ عدد شهداء الكوادر الطبية (201) من الأطباء والممرضين والمسعفين، كما واستشهد (22) من طواقم الدفاع المدنى، وكذلك (60) صحفيًا، فيما وصل عدد إجمالى المجازر التى ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلى أكثر من (1,340) مجزرة، فيما بلغ عدد المفقودين أكثر من (6,500) مفقودٍ إما تحت الأنقاض أو أن جثامينهم ملقاة فى الشوارع والطرقات ويمنع الاحتلال أحدًا من الوصول إليهم، بينهم أكثر من (4,400) طفلٍ وامرأة، فيما زاد عدد الإصابات عن (31,000) إصابة، أكثر من 75% منهم من الأطفال والنساء.
وبلغت عدد المقرات الحكومية المدمرة (98) مقرًا حكوميًا، و(266) مدرسة منها (66) مدرسة خرجت عن الخدمة، وكانت آخر المدارس التى تعرضت إلى استهداف ومجازر المدرسة الماليزية بالنصيرات ومدرسة الكويت شمال غزة ومدرسة الأونروا فى مخيم البريج، فيما بلغ عدد المساجد المدمرة تدميرًا كليًا (83) مسجدًا، وبلغ عدد المساجد المدمرة تدميرًا جزئيًا (170)، إضافة إلى استهداف (3) كنائس، كما بلغت عدد الوحدات السكنية التى تعرضت إلى هدم كلى (43,000) وحدة سكنية، إضافة إلى (225,000) وحدة سكنية تعرضت للهدم الجزئى، وهذا يعنى أن حوالى 60% من الوحدات السكنية فى قطاع غزة تأثرت بالعدوان ما بين هدم كلى وغير صالح للسكن وهدم جزئي، واستهدف جيش الاحتلال الإسرائيلى على المستشفيات بشكل خاص وتهديد الطواقم الطبية، فقد خرج عن الخدمة نتيجة العدوان الإسرائيلى (25) مستشفى و(52) مركزًا صحيًا، كما واستهدف الاحتلال (55) سيارة إسعاف، فيما خرجت عشرات سيارات الإسعاف عن الخدمة بسبب نفاد الوقود.