اعتادت إسرائيل على أن تقطر يداها بدماء الأبرياء دون خجل، وعلى مر تاريخها الإجرامى قادت حربا في الخفاء ضد قادة المقاومة الفلسطينية بعد أن استعصى عليها إسكات أصوات الشعب المحتل، وأرسلت عملائها في كل عواصم العالم لإغتيال وتصفية كل من تصل له يداها، اعتقادا منها أن صيد الرؤوس سيٌنسى أصحاب الحق حقوقهم، ولم تحترم أي اتفاقيات ثنائية ودولية، حتى سالت دماء القادة الفلسطينيين في أغلب عواصم العالم من باريس وروما إلى بيروت وتونس وغيرها من الدول العربية والغربية.
وفى الوقت الذى تواجه فيه إسرائيل اخفاقا واضحا في حربها في غزة على مدار 60 يوما، حيث لم تتمكن من تحقيق أي من أهدافها التي أعلنت عنها، على الرغم من حجم الدمار الذى خلفته الضربات الإسرائيلية لقطاع غزة المحاصر، والـ16 ألف شهيد مدنى نتيجة القصف، اتجهت تل أبيب إلى اسلوبها الغادر المعتاد في اغتيالات قادة حماس.
وظهرت الخطة الإسرائيلية في تسجيل لرئيس الشاباك تحدث خلاله عن خطة لملاحقة قادة حماس في الخارج، وأذاعت قناة كان 11 التابعة لهيئة البث الإسرائيلي، الفيديو حيث قال إن إسرائيل – بناء على تعليمات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو - ستلاحق قادة حركة "حماس" في قطر وتركيا ولبنان، حتى لو استغرق الأمر سنوات.
هذا الفيديو يؤكد عقيدة إسرائيل الغادرة، والتي مارستها لسنوات ضد قادة المقاومة الفلسطينية، وهى جريمة تٌضاف لسجلها الإجرامى وانتهاكاتها للقانون الدولى، حيث تعتبر الاغتيالات انتهاكا لسيادة الدول واختراق لأمنها القومى، وانتهاكا لمعايير حقوق الإنسان الدولية، تستوجب ملاحقة أمام الجنائية الدولية.
وتعتبر الاغتيالات السياسية سواء في الداخل أو الخارج جريمة بموجب القانون الدولى، وتسمى إعدامات خارج إطار القانون، إلا أن ارتكابها على أراضى دولة آخرى يٌضيف لها انتهاكات آخرى.
وتحظر مبادئ الأمم المتحدة الخاصة بالوقاية الفعالة من عمليات الإعدام خارج نطاق القانون تحت أي ذريعة حتى وإن كان في زمن الحرب، وحسب المبدأ الأول :" يجب على الحكومات أن تحظر قانونيًا جميع عمليات الإعدام خارج نطاق القانون، وأن تضمن اعتبار أي عمليات مثل هذه، جرائم حرب بموجب قوانينها الجنائية. ولا يجوز التذرع بالظروف السياسية الداخلية أو أي حالة طوارئ أخرى كمبرر لتنفيذ عمليات الإعدام هذه".
كما تعتبر عمليات الإعدام خارج نطاق القانون (الاغتيال السياسي) مخالفة صريحة وواضحة للمعاهدة الرابعة الموقعة في الثامن عشر من أكتوبر لعام 1907 في لاهاي والمتعلقة بقوانين وأعراف الحرب على الأرض، فالمادة (33) من نفس المعاهدة تؤكد أنه يحظر بشكل خاص قتل أو جرح أفراد يتبعون لدولة معادية أو جيش معاد بشكل غادر.
وحذرت الدول التي أتى ذكرها في تصريحات رئيس الشاباك من هذا الانتهاك الخطير، وقال مسؤول في المخابرات التركية أن هذا التصرف ستكون له "عواقب وخيمة" وجرى إبلاغ إسرائيل بأن (مثل هذا التصرف) ستكون له عواقب وخيمة".
ومن أبرز قادة حماس في الخارج، تستضيف الدوحة العدد الأكبر والأهم سياسيا في قيادة الحركة، حيث رئيس الحركة إسماعيل هنية، وصلاح البردويل، عضو المكتب السياسي لحماس، وسامي أبو زهري، الناطق الرسمي بلسان الحركة، وطاهر النونو، مساعد رئيس الحركة، فيما استقر في لبنان نائب قائد حركة حماس صالح العاروري، وزاهر جبارين المسؤول عن ملف الأسرى والجرحى والشهداء، وخليل الحية المسؤول عن العلاقات العربية والإسلامية والذى يتحرك بين الدوحة وبيروت، فيما يستقر فتحي حماد، أحد قيادات حماس في تركيا.
وبخلاف اغتيالات الداخل التي طالت رموز القضية الفلسطينية على رأسهم الشيخ أحمد ياسين قائد حركة حماس السابق، فإن سلسلة الاغتيالات في الخارج لا تنتهى، من أشهرها عام 1972، حيث اغتيل الروائي غسان كنفاني وأحد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بتفجير سيارته في منطقة الحازمية قرب بيروت.
وفي عام 1973 قبل عامين من حرب لبنان قام كوماندوس إسرائيلي بالنزول ليلا على شواطئ بيروت، حيث اغتال 3 من أبرز قادة حركة فتح هم كمال عدوان و كمال ناصر ويوسف النجار.
أما في عام 1979، اغتيل أبو حسن سلامة رئيس دائرة العمليات الخاصة في حركة فتح في انفجار استهدف سيارته في العاصمة اللبنانية بيروت، وفي نفس العام اغتيل المسؤول الإعلامي لمنظمة التحرير الفلسطينية ماجد أبو شرار، في العاصمة الإيطالية روما.
أما رسام الكاريكاتير الفلسطيني الشهير، ناجي العلي، الذي تميز بالنقد اللاذع ويعتبر من أهم الفنانين العرب الذين عملوا على فكرة التغيير السياسي باستخدام الفن، له عشرات آلاف الرسوم الكاريكاتورية، اغتيل في لندن عام 1987.
وبعدها بعام اغتيل خليل الوزير المعروف باسم أبو جهاد، الذي يعد من أبرز قيادات حركة فتح وجناحها المسلح، إذ اغتالته إسرائيل عام 1988 في تونس بالتزامن مع أحداث الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وفي عام 1992 اغتيل مسؤول الأجهزة الأمنية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عاطف بسيسو، في العاصمة الفرنسية باريس، وفي مالطا عام 1995، اغتيل مؤسس حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في مالطا.
وقالت المقررة الأممية لشؤون الإعدامات خارج نطاق القانون أغنيس كالامار أن الاغتيال خارج الحدود هو عملية قتل تعسفية تنتهك ميثاق الأمم المتحدة. وهي عمل عدواني، وقد جرى تعريف العدوان في محكمة نورمبرغ، ثم تم تدوينه لاحقاً جزئياً بموجب قرار الجمعية العامة رقم 3314 و المحكمة الجنائية الدولية.
وتستخدم المحكمة الجنائية الدولية تعريفاً للعدوان المنبثق عن القانون العرفي الدولي، والذي يحظر عموماً الغزو أو الهجوم بالقوات المسلحة لدولة ما ضد أراضي دولة أخرى من خلال قصف دولة أو حصار موانئها أو سواحلها أو إرسال وكلاء أو قوات شبه العسكرية. وقد وصفت محكمة نورمبرغ العدوان بأنه جريمة دولية "عليا" بموجب القانون الدولي.
ويعد الاغتيال السياسي "القتل" انتهاكاً فاضحاً لكافة معايير حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 أغسطس 1949.
واعتبرت المادة الثانية من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب أن سياسة القتل بجميع أشكاله في جميع الأوقات والأماكن هي من الأفعال المحظورة، هذا ويعتبر القتل العمد من المخالفات الجسيمة، حيث نصت المادة (147) من نفس الاتفاقية على تعريفها للمخالفات الجسيمة أنها " هي التي تتضمن أحد الأفعال التالية إذا اقترفت ضد أشخاص محميين أو ممتلكات محمية بالاتفاقية. واعتبرت أن القتل إحدى المخالفات الجسيمة".
وبخلاف جريمة القتل فإن القيام بها على أراضى دولة آخرى تعتبر خرق للسيادة يستوجب الدفاع عن النفس، فالمادة 2 الفقرة 4 نصت بالحرف على ضرورة الامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد سيادة الدولة بأية طريقة تتنافى وأهداف الأمم المتحدة المتمثلة في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ويعتبر الاغتيال استخدام غير شرعي للقوة ينافي القانون الدولي.
وفي المقابل، يقر ميثاق الأمم المتحدة بحق الدفاع عن النفس، ضد أي عمل عدواني. كما أن الميثاق يضمن لكل دولة تعرضت لاحتلال أو لاختراق سيادتها الوطنية واستقلالها السياسي أن تفعل ما بوسعها لأجل استعادة تلك السيادة، وهذا ما أقرته صراحة المادة 52 من ميثاق الامم المتحدة التي تشير إلى أنه "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن نفسها إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة".