العديد من التساؤلات المطروحة من العمال والموظفين حول قانون العمال، وبالأخص فيما يخص "الثقة" في الموظف من عدمه، حيث إن بناء ثقة الموظف مهم لنجاح عمله على المدى الطويل، ويمكن للموظفين الذين يثقون بمديريهم التأكد من أن الشركة تسير في الاتجاه الصحيح، والعكس، وسيكونون على الأرجح أكثر استعدادًا لفعل كل ما يلزم لمساعدة المديرين على تحقيق أهدافهم.
وفى الحقيقة خطأ واحد يمكن أن يتسبب في فقدان الثقة التي عمل الموظف بجد لبنائها، ويجب أن تكسب الشركة أولاً ثقة الموظفين، ومن ثم يجب على الموظفين الحفاظ عليها، وإذا فقدت ثقتهم، فقد فقدت أحد الأصول التجارية القيمة، وثقة الموظف هي الروح المعنوية الخاصة التي قد تقدمها بعض الشركات كميزة يمكن لأصحاب العمل إنشاء أنواع مختلفة من الصناديق الاستئمانية لصالح موظفيهم بسبب تلك الثقة.
لملايين العمال والموظفين.. هل يجوز فصل العامل حال "فقدان الثقة" فيه؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تخص ملايين الموظفين والعمال، حول مبدأ "فقدان الثقة" في العامل هل يجيز الفصل من العمل أم لا، وهل هناك شروط لجواز ذلك الأمر؟ وهل يجوز فصل العامل لو ارتكب خطأ غير منصوص عليه في المادة 69 من قانون العمل؟ وهل لو العامل أخذ براءة من الاتهام الذي أسند إليه من حق الشركة فصله؟ فهل تتخيل حصول العامل على حكم بالبراءة ثم تفصله الشركة بحجة "فقدان الثقة" وهو مبدأ لا يستسيغه الكثيرين ولا يقتنعون به، خاصة وأن كلمة "فقدان الثقة" كلمة "مطاطة" – بحسب الخبير القانوني المتخصص في الشأن العامالى والمحامى بالنقض مصطفى زكى.
في البداية – سبق لمحكمة النقض المصرية التصدي لمثل تلك الإشكالية في الطعن المقيد برقم 717 لسنة 63 قضائية بتاريخ 1994-01-27، حيث أكدت أن الثقة في العامل غير قابلة للتجزئة فإذا ما فقد صاحب العمل الثقة في العامل في إحدى الوظائف، فإنه يفقدها في أي وظيفة أخرى، وذكرت أن مفاد النص في المادة 61 من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 137 لسنة 1981 أن لصاحب العمل فسخ عقد العمل لإخلال العامل بأحد التزاماته الجوهرية المترتبة على هذا العقد ومرد ذلك أن عقد العمل ملزم لطرفيه، ويرتب في ذمتهما التزامات متبادلة تسوغ لأحدهما التحلل من رابطة العقد إذا امتنع الطرف الآخر عن تنفيذ التزامه أو أخل به بشرط أن يكون ذلك راجعا إلى خطئه سواء عن عمد أو إهمال، وقد جاء النص عاما ليشمل جميع حالات إخلال العامل بالتزام من التزاماته المترتبة على عقد العمل – وفقا لـ"زكى".
المشرع اعتبر كلمة "فقدان الثقة" مطاطة
ولما كانت المادة 685 من القانون المدني تنص على أنه: "أن يؤدي العمل بنفسه، وأن يبذل في تأديته من العناية ما يبذله الشخص المعتاد، وأن يأتمر بأوامر صاحب العمل الخاصة بتنفيذ العمل المتفق عليه أو العمل الذي يدخل"، مما مقتضاه وجوب تحلي العامل بالأمانة طوال مدة خدمته، وعدم الخروج على مقتضيات الواجب في أعمال وظيفته فكلها من الالتزامات الجوهرية التي يرتبها عقد العمل، وأن حسن السير والسمعة شرط واجب لبقاء العامل في الوظيفة، وأنه يجب على العامل تجنب الأفعال التي تمس الأمانة والنزاهة وتؤدي إلى احتقار الناس ونفورهم – الكلام لـ"زكى".
رأى محكمة النقض في الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لهذه الأزمة في الطعن المقيد برقم 717 لسنة 63 قضائية بتاريخ 1994-01-27، والذى جاء فيه: كانت الطاعنة قد تمسكت أمام محكمة الموضوع بأنها إنما فصلت المطعون ضدها وهي ضابط حركة بها لإخلالها بالتزاماتها الجوهرية لقيامها بتحصيل قسيمة من إحدى الراكبات بمبلغ ثلاثمائة دولار - دون أن تدرجه في تقرير الرحلة بما يلقى ظلالا كثيفا من الشك حول رغبتها في اختلاس المبلغ ولم تقم بوزن حقائبها ولم تدرج عددها ووزنها سواء في تذكرة السفر أو على شاشة الكمبيوتر فاهتزت ثقتها فيها بما يبرر فعلها.
وتضيف "المحكمة": وكان الحكم المطعون فيه استنادا إلى تقرير الخبير المنتدب قد حصل بمدوناته ثبوت هذه المخالفات في جانب المطعون ضدها إلا أنه انتهى إلى أن العقوبة المقررة لها في لائحة الشركة الطاعنة هي الانذار بالفصل طبقا للبندين 34، 50 منها في حين أن البند الأول يتضمن عقوبة الإهمال والتهاون الجسيم في العمل، والثاني يتضمن عقوبة التأخير في توريد النقود المحصلة لحساب المنشأة دون مبرر وكلاهما لا علاقة له بما أسند إلى المطعون ضدها من تحصيل مبلغ من إحدى الراكبات وما صاحب ذلك من عدم إثبات الأوزان الخاصة بها.
وأوضحت "المحكمة": مما أثار شك الطاعنة حول انصراف نيتها لاختلاسه على نحو يزعزع ثقتها فيها، وإذ كانت الثقة في العامل غير قابلة للتجزئة فإذا ما فقد صاحب العمل الثقة في العامل في إحدى الوظائف فإنه يفقدها في أي وظيفة أخرى مما يسوغ للطاعنة فصل المطعون ضدها بالاستناد من نص الفقرة الخامسة من المادة 61 المشار إليها وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النقض فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
رأى محكمة النقض في طعن أخر
وفى طعن أخر تصدت محكمة النقض لتلك الإشكالية في الطعن المقيد برقم 15276 لسنة 85 قضائية - الدائرة المدنية والتجارية - بتاريخ 2016-12-4 والذى جاء فيه: إذ كان مؤدى النص في المواد 56، 57، 69 من القانون رقم 12 لسنة 2003 أن حسن السير والسمعة شرط واجب لبقاء العامل في الوظيفة، وأنه يجب على العامل تجنب الأفعال التي تمس الأمانة والنزاهة وتؤدي إلى احتقار الناس ونفورهم، كما يحظر عليه الإقراض أو الاقتراض ممن لهم صلة بعمله بهدف إبعاده عن التردي في الإخلال بواجبات وظيفته تحت تأثير الرغبة في الاقتراض الذي قد يستر في معظم الأحيان رشوة، ويمتد الحظر إلى منع دخول العامل في أية معاملات مالية مع عملاء الجهة التي يعمل بها أو ممن يمارسون نشاطا مماثلا أو مرتبطا بنشاط تلك الجهة، فإذا ما خالف العامل الواجبات المفروضة عليه أو ارتكب المحظورات، فإنه يكون قد خرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته وأخل بالالتزامات الجوهرية المترتبة على عقد العمل.
وأكدت "المحكمة": حتى ولو لم يكن هذا الإخلال ضمن الحالات التسع التي عددتها المادة 69 من قانون العمل آنف البيان، لأن هذه الحالات وردت على سبيل المثال لا الحصر، ويكون لصاحب العمل في هذه الحالة فصل العامل، ومرد ذلك أن عقد العمل ملزم لطرفيه ويرتب في ذمتهما التزامات متبادلة تسوغ لأحدهما التحلل من رابطة العقد إذا امتنع الطرف الآخر عن تنفيذ التزامه أو أخل به بشرط أن يكون ذلك راجعا إلى خطئه سواء عن عمد أو إهمال.
طعن ثالث لمحكمة النقض يتصدى للأزمة
وفى طعن ثالث لمحكمة النقض جاء فيه: من المقرر في قضاء محكمة النقض أن خطأ العامل أو سلوكه مسلكًا يفقد ثقة صاحب العمل فيه يعد سببًا كافيًا لإنهاء عقد عمله، إلا أن انعدام الثقة يجب أن يبني على أسباب مشروعة وواقعية فيجب أن يكون خطأ العامل - كمبرر للإنهاء - متناسبًا مع إنهاء العقد جزاءً وفاقًا لخطأه، فاذا كان الخطأ يسيرًا أو تافهًا أو كان هناك شيوع في الخطأ بين أكثر من عامل أو لخلل في إدارة المنشأة لم يثبت منه على وجه التحديد نسبة الخطأ للعامل فانه لا يكون مبررًا للإنهاء بحيث يرتفع عنه وصف التعسف، إذ في حالة وجود مبرر غير كاف للإنهاء تكون المصلحة التي قصد الى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب مع الضرر المترتب على استعمال الحق؛ ففكرة الجزاء - جنائيًا كان أم تأديبيًا أم مدنيًا - تعني أن خطأ معينًا لا يجوز تجاوزه، وسلطة رب العمل في إنهاء عقد العمل ليست طليقة من كل قيد انما يلزم ألا تكون مشوبة بعدم التناسب الظاهر بین ما نسب للعامل و الجزاء الموقع عليه وفقًا لمبدأ التناسب.
9 حالات يجوز فيها فصل العامل بشروط
يشار إلى أن قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 حسم النزاع في تلك المسألة فى المادة 69، والتي نصت على أنه لا يجوز فصل العامل إلا إذا ارتكب خطأ جسيما، ويعتبر من قبيل الخطأ الجسيم الحالات الآتية:
1ـ إذا ثبت انتحال العامل لشخصية غير صحيحة أو قدم مستندات مزورة.
2ـ إذا ثبت ارتكاب العامل لخطأ نشأت عنه أضرار جسيمة لصاحب العمل بشرط أن يبلغ صاحب العمل الجهات المختصة بالحادث خلال أربع وعشرين ساعة من وقت علمه بوقوعه.
3ـ إذا تكرر من العامل عدم مراعاة التعليمات اللازم إتباعها لسلامة العمال والمنشأة - بشرط أن تكون هذه التعليمات مكتوبة ومعلنة فى مكان ظاهر - رغم التنبيه عليه كتابة بمراعاة ذلك.
4 - إذا تغيب العامل بدون مبرر مشروع أكثر من عشرين يوما متقطعة خلال السنة الواحدة أو أكثر من عشرة أيام متتالية، على أن يسبق الفصل إنذار كتابى بخطاب موصى عليه بعلم الوصول من صاحب العمل للعامل بعد غيابه عشرة أيام فى الحالة الأولى، وبعد غيابه خمسة أيام فى الحالة الثانية.
5 - إذا ثبت أن العامل أفشى أسرار المنشأة التى يعمل بها أدت إلى إحداث أضرار جسيمة بالمنشأة.
6- إذا قام العامل بمنافسة صاحب العمل فى ذات نشاطه.
7- إذا وجد العامل أثناء ساعات العمل فى حالة سكر بين أو متأثرا بما تعاطاه من مادة مخدرة.
8- إذا ثبت اعتداء العامل على صاحب العمل أو المدير العام، وكذلك إذا وقع منه اعتداء جسيم على أحد رؤسائه أثناء العمل أو بسببه.
9- إذا لم يراع العامل الضوابط الواردة فى المواد من (192) إلى (194) من الكتاب الرابع من هذا القانون، وتتحدث المواد من 192 إلى 194 عن الإضراب فى العمل وضوابطه، حيث أنه للعمال حق الإضراب السلمى ويكون إعلانه وتنظيمه من خلال منظماتهم النقابية دفاعا عن مصالحهم المهنية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك فى الحدود وطبقا للضوابط والإجراءات المقررة فى هذا القانون.
طعن فصل العامل لفقدانه الثقة 1
الخبير القانونى المتخصص فى الشأن العمالى والمحامى بالنقض مصطفى زكى