الجمعة، 22 نوفمبر 2024 08:04 ص

جلسة الاستماع الأولى لقضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل.. 5 عناصر تؤكد صدور قرار بالتدابير المؤقتة بوقف حرب الإبادة بغزة خلال شهر أو شهرين.. نرصد أبرز 3 قضايا نظرتها المحكمة واتخذت بشأنها تدابير لصالح الدول المتضررة

جلسة الاستماع الأولى لقضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل.. 5 عناصر تؤكد صدور قرار بالتدابير المؤقتة بوقف حرب الإبادة بغزة خلال شهر أو شهرين.. نرصد أبرز 3 قضايا نظرتها المحكمة واتخذت بشأنها تدابير لصالح الدول المتضررة محاكمة إسرائيل - أرشيفية
الأربعاء، 10 يناير 2024 08:00 م
كتب علاء رضوان

الواقع والحقيقة يؤكدان أنه منذ أعلن الموقع الرسمى لمحكمة العدل الدولية من أنها ستعقد جلستى استماع علنية يومى 11 و 12 يناير 2024 الجارى الموافقين الخميس والجمعة بمقر المحكمة في قصر السلام بلاهاي، في القضية التى رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل متهمة إياها بانتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948 فى قصفها العسكرى المسلح وقتل سكان قطاع غزة وتدمير بنيتها والمنازل والتصفية الجسدية والعرقية والتهجير القسرى لسكانها  عقب هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر2023، انشغل القانونيون حول العالم برؤاهم عن أهم قضية فى القرن الـ 21 التى شغلت بال شعوب العالم أجمع وقاداته، خاصة وأن كلاً من إسرائيل وجنوب أفريقيا قد صادقت على اتفاقية منع الإبادة الجماعية مما يجعل المحاكمة لا تقل سخونة عن نار الحرب الدائرة حتى الآن. 


العالم أجمع يترقب، يوم الخميس، الجلسة المرتقبة في محكمة العدل الدولية في لاهاي، وهى أعلى هيئة قانونية تابعة للأمم المتحدة، وتستمر الجلسات يومى الخميس والجمعة 11 و12 يناير، بناءً على الدعوى التى رفعتها دولة جنوب أفريقيا فى الـ 17 نوفمبر 2023، ضد دولة الاحتلال الإسرائيلى للتحقيق حول الأوضاع فى غزة، لاسيما ارتكاب القوات الإسرائيلية جرائم إبادة جماعية فى حرب غزة، وتطالب بوقف عاجل لحملتها العسكرية، وتتألف الدعوى من 84 صفحة وتقر بأن: "حرب إسرائيل على غزة تنتهك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948"، والتى تعرفها على أنها "أفعال ترتكب بقصد التدمير، كليًا أو جزئيًا، لمجموعة قومية أو إثنية أو وطنية أو دينية". 

 

ححص

 

جلسة الاستماع الأولى لقضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل

 

في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على حزمة من الأسئلة وإجاباتها حول محاكمة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بـ"لاهاى" بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية لشعب فلسطين، أبرزها هل من الممكن أن تصدر المحكمة الدولية قرارا بالتدابير المؤقتة بوقف حرب الإبادة بغزة خلال شهر أو شهرين من جلسة الاستماع العامة؟ وما هي أبرز القضايا التي نظرتها محكمة العدل الدولية عن الإبادة الجماعية وأصدرت بشأنها تدابير مؤقتة في جميعها؟ وهل تتمتع جنوب أفريقيا بالمصلحة فى رفع القضية ضد إسرائيل عن فلسطين؟ وهل نصوص اتفاقية منع الإبادة الجماعية تجعل لكل دولة مصلحة فى الانضمام لجنوب إفريقيا؟ - بحسب الدراسة التي أعدها القاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، تحت عنوان: "التدابير المؤقتة فى فكر محكمة العدل الدولية عن جرائم الإبادة الجماعية فى قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل".

 

أولاً: محكمة العدل الدولية نظرت أهم ثلاث قضايا عن الإبادة الجماعية وأصدرت تدابير مؤقتة في جميعها  

 

في البداية - محكمة العدل الدولية نظرت أهم ثلاث قضايا عن الإبادة الجماعية وأصدرت تدابير مؤقتة في جميعها، حيث المرة الأولى التي تم فيها رفع قضية إلى محكمة العدل الدولية تزعم انتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية كانت في عام 1993 من جانب البوسنة ضد يوغوسلافيا، أما القضية الثانية فكانت في عام 2019 من جانب جامبيا ضد ميانمار، أما القضية الثالثة فكانت من أوكرانيا ضد روسيا إثر الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 – وفقا لـ"خفاجى". 

 

ط

 

وطلب جنوب أفريقيا لإصدار حكم مؤقت يتماشى مع الاتجاه الأوسع لفكر ومنهج السوابق القضائية لمحكمة العدل الدولية لمثل هذه القضايا المتعلقة بالتدابير المؤقتة وفقاً لاتفاقية منع الإبادة الجماعية، فسجل تاريخ يشير إلى أن المحكمة أصدرت تدابير مؤقتة في 11 قضية، مقارنة بعشر قضايا في الخمسين سنة الأولى من وجود المحكمة (1945-1995) – الكلام لـ"خفاجى".

 

الفرق بين الشق العاجل والشق الموضوعى في القضية

 

ويجب التفريق بين الشق العاجل المتعلق بالتدبير المؤقتة من ظاهر الأوراق، والشق الموضوعى المتعلق بأصل الحق وهو يستغرق عدة سنوات، فقد تتأخر المحكمة فى إصدار الحكم الموضوعى لمدة تصل إلى عشر سنوات، لكن الشق العاجل الخاص بالتدابير المؤقتة فقد سبق أن أصدرت محكمة العدل الدولية تدابير مؤقتة في جميع قضايا اتفاقية منع الإبادة الجماعية، في غضون أشهر قليلة بعد عرض القضايا على المحكمة – طبقا لـ"خفاجى".   

 

ىى

 

كما أن التدابير المؤقتة عبارة عن  أوامر من المحكمة لمنع وقوع ضرر محدق يتعذر تداركه ولا يمكن إصلاحه، وهي تلزم الدولة المدعى عليها بالامتناع عن اتخاذ إجراءات معينة حتى تصدر المحكمة حكمها النهائي، ومثالها ما أصدرته المحكمة من إجراءات مؤقتة تبنتها المحكمة في يناير 2020، من اتخاذ إجراءات ضد أقلية الروهينجا من خلال:

أ- قتل أعضاء الجماعة.

ب- التسبب في ضرر جسدي أو عقلي خطير لأعضاء الجماعة.

ج- فرض ظروف معيشية على الجماعة عمداً يقصد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.

د- فرض تدابير تهدف إلى منع الولادات داخل المجموعة، وهو عين ما أرتكبته إسرائيل ضد الفلسطينيين بقطاع غزة. 

 

د

 

ثانياً: أتوقع قرار التدابير المؤقتة خلال شهر أو شهرين من جلسة الاستماع العامة التى تستغرق ساعتين  

 

الخطوة الأولى في قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل عن تهمة الإبادة الجماعية والتهجير القسرى هى أن تعقد محكمة العدل الدولية جلسة استماع عامة المعلن عنها يومى 11 و12 يناير الجارى 2024 بشأن التدابير المؤقتة، حيث وفقا لمنهج المحكمة يتم تخصيص ساعتين لكل من جنوب أفريقيا وإسرائيل لتقديم حججهما بشأن تلك التدابير المؤقتة، ونتوقع أن يتم اتخاذ القرار بشأن التدابير المؤقتة من جانب محكمة العدل الدولية في غضون شهر أو شهرين بعد جلسة الاستماع العامة وفقا لمنهجها والسوابق القضائية التى توترت عليها فى القضايا الماثلة – هكذا يقول "الجعفرى".

ويجب التنويه عن نقطة أخرى غاية فى الأهمية، وهى أن محكمة العدل الدولية تقوم بإجراء تقييم مؤقت من ظاهر الأوراق للقضية لإصدار تدابير مؤقتة، ولكن هذا لا يمنعها أن تنظر فى الموضوع بعكس ما انتهى إليه قرارها العاجل، بمعنى الشق العاجل فى التدبير المؤقت لا يقيدها عند نظر موضوع القضية، فحتى لو أصدرت محكمة العدل الدولية تدابير مؤقتة ضد إسرائيل، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن المحكمة سوف تجد - في حكمها الموضوعى النهائي - أن إسرائيل قد انتهكت اتفاقية منع الإبادة الجماعية، فلا تلازم بين الشقين العاجل المتعلق بالتدابير المؤقتة والموضوعى المتعلق بإدانة انتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية، لأن أسس الفصل فيهما مختلف النظرة، وإن كان الأعم الأغلب من الحالات يؤدى إصدار أوامر بالتدابير المؤقتة إلى إدانة إسرائيل فى القضية الموضوعية – طبقا لـ"خفاجى".  
 

905be2ea-25d9-40aa-9332-35222e22e1c6

 

ويوضح أنه بعد الانتهاء من اتخاذ قرار عاجل بشأن التدابير المؤقتة، ستشرع محكمة العدل الدولية في نظر اعتراضات أولية تثيرها إسرائيل، مثل ما إذا كانت المحكمة تتمتع بالاختصاص القضائي للنظر في القضية من حيث موضوعها أم لا، وما إذا كانت جنوب أفريقيا تتمتع بأهلية رفع القضية أم لا؟ ونتوقع أن الحكم النهائى بشأن موضوع القضية الذى تحدد فيه المحكمة ما إذا كانت إسرائيل قد انتهكت اتفاقية الإبادة الجماعية عدة سنوات قد تصل إلى 10 سنوات – وفقا لنائب رئيس مجلس الدولة.

 

ثالثاً: هل تتمتع جنوب أفريقيا بالمصلحة فى رفع القضية ضد إسرائيل عن فلسطين؟

 

أما التساؤل الذى يشغل بال كثير من شعوب العالم هي الإجابة على السؤال، هل تتمتع جنوب أفريقيا بالمصلحة فى رفع القضية ضد إسرائيل عن فلسطين؟ ذلك لأن الكثير يعلم إن جنوب أفريقيا تبعد أكثر من 4000 ميل عن غزة، ولا تتأثر بشكل مباشر بالهجمات الإسرائيلية على غزة، لذا قد تتساءل شعوب العالم: كيف يمكن أن يكون له أساس قانوني وما مصلحتها فى رفع هذه القضية نيابة عن فلسطين؟ 

 

تسر

 

ويعطى الدكتور خفاجى مثلاً لنا على غرار ما اتخذته دولة جانبيا – وهى دولة في غرب أفريقيا- من الإجراءات التى أتخذتها ضد ميانمار - وهي دولة تقع في جنوب شرق آسيا - بسبب انتهاكها لاتفاقية الإبادة الجماعية، تماماً كما تعتمد جنوب أفريقيا – وهى دولة في أفريقيا الجنوبية - في موقفها ضد إسرائيل – وهى تقع في غرب آسيا - على المبدأ اللاتينىerga omnes parts ( تجاه كافة الأطراف)  ويسمح هذا المبدأ للدولة الطرف في معاهدة تحمي الحقوق القانونية العامة بإنفاذ تلك الحقوق حتى لو لم تتأثر الدولة بشكل مباشر بالانتهاك، ومن ثم لها مصلحة فى وقف الإبادة الجامعية لدولة فلسطين العربية - وهى في غرب آسيا – فى موقع استراتيجي بين مصر ولبنان وسوريا والأردن، وهي أرض الرسالات السماوية ومهد الحضارات الإنسانية.

ويذكر أن عريضة الإتهام الواقعة فى 84 صفحة تؤكد على الطبيعة الآمرة لحظر الإبادة الجماعية، والالتزامات المترتبة على الدول بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية تجاه الكافة وعلى الكافة، ونظرًا لأن جميع الدول الأطراف في اتفاقية منع الإبادة الجماعية لديها "مصلحة مشتركة في ضمان منع أعمال الإبادة الجماعية، وعدم إفلات مرتكبيها، في حالة وقوعها من العقاب"، فإن قواعد ونصوص تلك الاتفاقية تولد التزامات تجاه الكافة، وبمعنى أكثر وضوحا ً فإن لكل دولة طرف مصلحة في الامتثال لها في أي حالة بعينها، حيث إن جميع الدول الأطراف إلى اتفاقية الإبادة الجماعية مطالبة باحترام التزامها بمنع الإبادة الجماعية. 

 

طططي

 

رابعاً: هل نصوص اتفاقية منع الإبادة الجماعية تجعل لكل دولة فى العالم مصلحة فى الانضمام لجنوب إفريقيا؟

 

يقول الدكتور محمد خفاجى: إن هناك شروطاً عامة لعرض القضية أمام محكمة العدل الدولية، حيث يجب أن يكون هناك أساس قضائي موضوعي لرفع الدعوى، قد يكون عن طريق اتفاق الأطراف أو أن تكون كلا من الدولتين طرفين في معاهدة متعددة الأطراف - كما في حالة  قطاع غزة  - تنص على أن يتم الاستماع إلى النزاعات بين الدول الأطراف أمام محكمة العدل الدولية وفقا للمادة التاسعة من تلك الاتفاقية، فقد صدقت إسرائيل على اتفاقية منع الإبادة الجماعية فى عام 1950 وجنوب أفريقيا فى عام 1998 وفلسطين طرف فى اتفاقية منع الإبادة الجماعية منذ عام 2014 وكان يمكنها رفع القضية إلا أنها لم تفعل ذلك لاعتبارات جعلت العالم مسئولاً عما يحدث فيها.

ويشير إلى أن الأصل العام فى التقاضى الدولى – كما هو الشأن فى التقاضى الوطنى - أن يكون للدولة التي ترفع الدعوى عادة مصلحة في الدعوى، لكن هذا الأصل العام لا ينطبق على أنواع معينة من الانتهاكات التي تعتبر فيها جميع دول العالم لها مصلحة مباشرة فيها، وتشمل الأمثلة الانتهاكات لاتفاقية الإبادة الجماعية واتفاقية مناهضة التعذيب، ومثال ذلك في حكم محكمة العدل الدولية  في قضية 2022، كما أوضحنا من جامبيا وهى إفريقية  ضد ميانمار وهى اَسيوية بشأن الاعتراضات الأولية، حيث ذكرت محكمة العدل الدولية أنه يمكن لأي دولة رفع قضية إليها فيما يتعلق بانتهاك مشتبه به من قبل دولة أخرى طرف في اتفاقية الإبادة الجماعية. 

 

ططي

 

خامساً: نتوقع أن تصدر المحكمة الدولية تدابير مؤقتة بوقف الحرب ومنع التهجير القسري وفقا لمنهجها فى قضايا أخرى  

 

يذكر الدكتور محمد خفاجى: تشمل التدابير المؤقتة التى طلبتها جنوب إفريقيا أن تقوم إسرائيل بتعليق أنشطتها العسكرية في غزة، والتوقف عن قتل الفلسطينيين، ومنع التهجير القسري والحرمان من الحصول على ما يكفي من الغذاء والماء والوقود والمأوى والصرف الصحي، ونتوقع وفقًا لمنهج محكمة العدل الدولية فى قضايا سابقة بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وإزاء انتهاك إسرائيل لاتفاقية منع الإبادة الجماعية أن تصدر محكمة العدل الدولية تدابير مؤقتة لوقف الحرب خاصة إزاء منع المساعدات الإنسانية الذي يؤدي إلى المجاعة والتهجير القسري المجرم دولياً والقصف العشوائى.

ولو أننا بحثنا عن نهج محكمة العدل الدولية بشأن اتفاقية منع الإبادة الجماعية نجد أنها أصدرت أوامر تفسيرية في حكمها النهائي لعام 2007 في قضية البوسنة ضد صربيا والجبل الأسود، حيث وجدت محكمة العدل الدولية أن صربيا انتهكت اتفاقية الإبادة الجماعية من خلال عدم اتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية في "سربرينيتسا"، ومن خلال فشلها في نقل "راتكو ملاديتش" الذي قاد جيش صرب البوسنة التي ارتكبت مجازر ضد المدنيين البوسنيين، إلى المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، ورفضت أغلبية المحكمة ادعاءات أخرى بالإبادة الجماعية، ورأت المحكمة أن الإعلان عن الانتهاك يعد علاجًا كافيًا، وأنه لا ينبغي للمحكمة أن توفر أي سبل انتصاف أخرى في القضية مثل التعويض. 
 

متى_تأسست_محكمة_العدل_الدولية

 

ويختتم الدكتور خفاجى رؤيته التحليلية بقوله: إنه على الرغم من أن أوامر محكمة العدل الدولية ملزمة للدول، إلا أنه أحياناً ما يتم تجاهلها مما يمثل إحدى إشكالات إنفاذ أحكام تلك المحكمة فى ظل الصعوبة العامة في إنفاذ القانون الدولي، سيما القانون الدولى الإنسانى، إلا أن قضية الإبادة الجماعية لقطاع غزة صعب تجاهلها أو الغض عن تنفيذ ما سوف يصدر فيها، لأنها تختلف فى أنها تعتمد على رأى عام عالمى للشعوب الغربية جعل منها القضية الأبرز فى العالم المتمدين بعيدا عن العرب أصحاب القضية، وتلك معادلة تحتاج إلى تفسير خاص ليس مجاله الآن.   
 

رئيسية

  
daab4670-9539-469c-907e-ff028b4290b0
القاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة
 

 


print