يناقش مجلس النواب، غدا الإثنين، مشروع قانون استئناف أحكام محاكم الجنايات المُقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم "150" لسنة 1950، والذى وافقت عليه نهائيًا لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، والذى يأتى تنفيذا للدستور الذى حدد مدة 10 سنوات لتطبيق استئناف الأحكام الصادرة فى الجنايات، وتنتهى هذه العشر سنوات فى 17 يناير الجارى.
وتنص المادة 240 من الدستور على أن: "تكفل الدولة توفير الإمكانيات المادية والبشرية المتعلقة باستئناف الأحكام الصادرة فى الجنايات، وذلك خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستور، وينظم القانون ذلك"، خاصة وأن قانون الإجراءات الجنائية كفل بأحكامه حق الدولة فى العقاب بقدر اهتمامه بحماية الأبرياء، ويشكل ضمانة هامة للمحاكمة الجنائية، وقد صدر قانون الإجراءات الجنائية بهدف ترسيخ مبادئ وضمانات حقوق الإنسان.
تقاضى الجناية هيكون على درجتين
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على مستقبل استئناف أحكام الجنايات فى ضوء أحكام محكمة النقض، خاصة وأن دستور 2014 نص في المادة 96 منه على أن: "المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه وينظم القانون استئناف الإحكام الصادرة في الجنايات"، ولكن نظرا لما يحتاجه استئناف الجنايات من إمكانات مادية ومعنوية نصت المادة 240 من الدستور على امهال المشرع العادي 10 سنوات لتنظيم موضوع استئناف الجنايات - بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
في البداية - استجاب المشرع الدستوري لحلم ظل يراود الفقه المصري لعقود طويلة، إذ لم يكن مقبولا أبدا أمام خطورة الجنايات وعقوباتها القاسية التي قد تصل الى الإعدام أن تنظر على درجة واحدة وبخاصة أن الجنح وهي أقل خطورة تنظر على درجتين، ولاسيما وأن الطعن بالنقض في أحكام الجنايات ليس درجة ثانية، إذ تقتصر رقابة النقض على تطبيق مدي صحة القانون على وقائع الدعوي دون اعادة نظر وفحص هذه الوقائع وهو ما يتسع له الاستئناف، كما رمي المشرع المصري بالتخلف عن مواكبة التشريعات المقارنة التي أقرت استئناف أحكام الجنايات كالتشريع الفرنسي منذ تسعينات القرن قبل الماضي والعديد من التشريعات العربية – وفقا لـ"فاروق".
غدا مناقشة مشروع قانون استئناف أحكام محاكم الجنايات
وهنا السؤال عن أسباب التأخر فى إصدار قانون يجعل التقاضى في الجناية على درجتين، وذلك فى الوقت الذى أصبح فيه التقاضى فى محكمة النقض مرحلة واحدة بعد أن كان على مرحلتين، مما ضيع على المتقاضين مرحلة قد يعوضها نظام استئناف الجنايات، وهو ما جاء في مشروع قانون استئناف أحكام محاكم الجنايات المُقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم "150" لسنة 1950، فقد جاءت خطة الدستور في إمهال المشرع 10 سنوات محل نظر لأنها مدة طويلة جدا، وهو ما دعا الفقه إلي حث المشرع الي تنظيم الاستئناف قبل حلول الآجل وهو 17 يناير المقبل، وبديهي أن حلول الآجل دون تقرير حق الطعن بالاستئناف يصم النصوص المنظمة للاستئناف في قانون الإجراءات الجنائية بعدم الدستورية لإغفالها حق قرره الدستور، أما قبل ذلك فلا سبيل للتمسك بحق الاستئناف في الجنايات مادام أن المشرع العادي لم ينظمه ويقره – الكلام لـ"فاروق".
رأى محكمة النقض في الأزمة
غير أن محكمة النقض كان لها رأي مختلف، وذلك في الطعن المقيد برقم 29658 لسنة 86 قضائية حيث ذكرت في حيثيات حكمها: إذ نعي أحد المتهمين أمام النقض علي حكم الجنايات اغفال الرد على دفعه بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 381 اجراءات لمخالفتها للدستور لعدم تقريرها حق الطعن بالاستئناف، فرأت النقض أنه دفع ظاهر البطلان لا جناح علي محكمة الجنايات أن التفت عنه ايرادا وردا وأسست النقض الرفض علي سببان الأول أن مهلة العشر سنوات التي ضربها الدستور لم تكتمل بعد، والسبب الثاني أنه يلزم صدور قانون ينظم الطعن بالاستئناف.
الدستور في المادة 224 منه أن كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور الدستور تبقى نافذه، ولا يجوز تعديلها، ولا إلغائها إلا وفقًا للقواعد والإجراءات المقررة في الدستور، وتلتزم الدولة بإصدار القوانين المنفِّذة لأحكام الدستور، وكانت مدة الخمس سنوات التي حدَّدها المشرع الدستوري في المادة 240 من الدستور لإعمال الفقرة الثانية من المادة 96 من ذات الدستور بموجب قانون جديد لم تنقضِ بعد، ولم يصدر حتى تاريخه تشريع جديد ينظم استئناف الأحكام الصادرة في الجنايات، الأمر الذي يكون معه النعي أيضًا واردًا على غير سند من الجد، ومن ثم يكون النعي بعدم دستورية المادتين، والقرار، والقانون آنفي الذكر، والفقرة الأخيرة من المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية واردًا على غير محل، عارٍ من سنده، بما يستوجب الرفض لعدم جديته، بل ولا تلتزم المحكمة حتى بالرد عليه، باعتبارها دفوعًا قانونية ظاهرة البطلان.
رأى أخر لمحكمة النقض حول الإشكالية
كما ذكرت محكمة النقض أيضا في حكم أخر لها في الطعن المقيد برقم 9835 لسنة 83 قضائية – حيث ذكرت في حيثيات الحكم: بأن ما يثيره الطاعن بشأن الدستور الجديد فيما تَضمنه من جعل المُحَاكمة في الجنايات على درجتين مما يبيح له التقرير بالاستئناف على الحُكم الصادر قِبَله ، فمردود بأن ما تَضمَّنه الدستور في هذا الشأن لا يُفيد وجوب تطبيق هذا التعديل إلا باستجابة المُشرع والتَدخُل منه لإفراغ ما تضمنه في نص تشريعي محدد ومنضبط ينقله إلى مجال العمل والتنفيذ يلتزم الكافة بمقتضاه بدءاً من التاريخ الذي تُحدده السُلطة التشريعية لسريان أحكامه، ومن ثم يكون هذا الوجه من النعي على الحُكم بالخطأ في تطبيق القانون ولا سند له.
ويضيف أستاذ القانون الجنائي: وهذا القضاء صحيح في نتيجته، ولكنه محل نظر في أساسه إذ لا يملك المشرع العادي تعطيل حق أقره الدستور بالتقاعس عن تنظيمه، وإلا كان لصاحب الشأن الطعن بعدم الدستورية لإغفال المشرع حق قرره الدستور بغض النظر عن ما أذا كان هذا الحق قابل للإعمال المباشر أم يلزم تدخل المشرع العادي لإنفاذه ذلك أن الحقوق تلقي مظلة حمايتها من الدستور ذاته وما القانون إلا وسيلة لتنظيمها، ومن ثم فمجرد مرور مدة العشر سنوات المقررة في الدستور دون تنظيم المشرع حق استئناف أحكام الجنايات يكون لكل ذي مصلحة أن يطعن بعدم الدستورية من زاوية الاغفال التشريعي، إذ لا يملك المشرع وقف تنفيذ حق قرره الدستور من خلال امتناعه عن تنظيم الحق بعد أن قرره الدستور.
ملامح مشروع القانون
يشار إلى أن ملامح مشروع القانون، جاء فى ثلاث مواد بخلاف مادة النشر، حيث استبدلت المادة الأولى من مواد المشروع الفصلين الأول والثانى من الباب الثالث من الكتاب الثانى من قانون الإجراءات الجنائية وقد استحدث المشروع فى الفصل الأول من الباب الثالث الأحكام المنظمة لتشكيل محاكم الجنايات المستأنفة، وتحديد أدوار انعقادها ومكان الانعقاد ومواعيده، وكيفية اختيار قضاتها، كما استحدث المشروع فى الفصل الثانى من الباب الثالث تنظيما للإجراءات المتبعة أمام محكمة الجنايات المستأنفة، بما فى ذلك إجراءات إعلان المتهم بالجلسة المحددة لنظر الاستئناف، ودرجة المحامى الذى يحق له المرافعة أمام المحكمة، ودوره وجزاء إخلاله بهذا الدور، وأتعاب المحامى المنتدب للدفاع عن المتهم.
ووفقا للمذكرة الإيضاحية المقدمة من الحكومة، تضمن مشروع القانون نصوصا جديدة مستحدثة حددت أصحاب الحق فى الطعن بطريق الاستئناف فى الأحكام الصادرة فى مواد الجنايات من محكمة جنايات أول درجة، سواء فى الدعوى الجنائية أو المدنية، وإجراءات الطعن وشروط قبوله، والإجراءات التى تتبع حيال الطعن بالاستئناف، وتنظيم التزام النيابة العامة بعرض الأحكام الحضورية الصادرة بالإعدام على محكمة النقض وفقا لقانون حالات وإجراءات الطعن بالنقض.
مشروع قانون استئناف أحكام محاكم الجنايات 4