أدرج المشرع الضريبي منذ زمن علي فرض جزاءات جنائية علي أنماط معينه من سلوك الخاضعين للضريبة بغية تحصيل الضريبة علي وجها الصحيح علي اعتبار أن الضريبة أحد موارد الدولة الاقتصادية التي تساعدها في تحقيق الرخاء والنمو والاذهار لشعبها، وهذه الجزاءات الجنائية أو بالأحرى الجرائم والعقوبات وردت في صلب تشريعات الضرائب ذاتها لدرجة أن نشأ قانون عقوبات تكميلي بجانب قانون العقوبات العام اطلق عليه قانون العقوبات الضريبي كأحد فروع قانون العقوبات الاقتصادي.
هذا ولقد صدر القانون رقم 206 لسنة 2020 بشأن الإجراءات الضريبية الموحد، ونشر بالجريدة الرسمية العدد رقم 42 مكرر"ج" بتاريخ 19 أكتوبر 2020 ولقد فرض هذا القانون في المواد "69"، وما بعدها العديد من العقوبات الجنائية علي مخالفة ما تضمنه من أحكام ومن هذه الجرائم التأخير في تقديم الاقرارا الضريبي ونظرا لحداثة هذه الجرائم كانت عنايتنا بدراستها عملا بقاعدة أن البيان لأ يتأخر عن وقت الحاجه إليه.
للمستثمرين.. كيف تصدى القانون للتأخير فى تقديم الإقرار الضريبى؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في حزمة من الأسئلة الشائكة والإجابة عليها حول قانون العقوبات الضريبي، والتعريف بطبيعة جريمة التأخير في تقديم الاقرارا الضريبي؟ وما هو الركن المفترض في الجريمة؟ وما هي المواعيد المحددة فى التأخير عن تقديم الإقرار؟ وما هي مواعيد تقديم الإقرار؟ وما هي حالات الإعفاء من تقديم الإقرار؟ وما هي مواعيد تقديم الإقرار عند الوفاة وتوقف النشاط والتنازل عن المنشأة؟ وما هي العقوبة المقررة قانونا؟ - بحسب أستاذ القانون الجنائي والمحامي بالنقض ياسر الأمير فاروق.
1-طبيعة جريمة التأخير في تقديم الاقرارا الضريبي:
في البداية – هناك طبيعة خاصة بجريمة التأخير في تقديم الإقرار الضريبي، فقد نصت علي هذه الجريمة الفقرة "أ" من المادة "69" بقولها يُعاقب بغرامة لا تقل عن 3 آلاف جنيه ولا تجاوز 50 ألف جنيه فضلاً عن الضريبة والمبالغ الأخرى المستحقة، كل تأخر في تقديم الإقرار وأداء الضريبة عن المدد المحددة في المادة "31" من هذا القانون بما لا يجاوز 60 يومًا، وليس الجديد في هذه الجريمة فرض عقاب علي إخلال الممول بتقديم الإقرار الضريبي، إذ هناك التزام علي الممول بتقديم هذا الإقرار، لأن المفروض أن يعاون الممول مصلحة الضرائب بإرشادها عن الواقعة المنشئ للضريبة وعناصر وعاء الضريبة – وفقا لـ"فاروق".
وإنما الجديد فرض عقاب علي مجرد التأخير في تقديم الاقرار عن مواعيد قصيرة جدا، ويلاحظ في هذا الشأن أن تلك الجريمة ليست من جرائم الامتناع المحض ولا من الجرائم الإيجابية بل هي من جرائم الإهمال المتمثل في التأخير عن تقديم الإقرار الضريبي، فلا يلزم لقيامها تعمد التأخير إذ يستوي في التاخير أن يكون عن سهو أو خطأ أو عدم مبالاه أو عن قصد وهي جريمة وقتية ذات أثر مستمر إذ تقع بمجرد فوات مدة تقديم الإقرار، ومن ثم يبدأ تقادمها من هذا التاريخ، ويلاحظ أن الجريمة من جرائم القالب الحر فأي سلوك إيجابي أو سلبي أو عمدي أو خطأ يترتب عليه عدم تقديم الإقرار يحقق الجريمة – الكلام لـ"فاروق".
2-الركن المفترض:
يشترط في الجاني أن يكون ممول أو مكلف ملزم بتقديم الإقرار الضريبي وفوات مدة 60 يوم علي الموعد المحدد لتقديم الاقرار وهو أمر لا يصح أبدا أن ينطبق علي مورث الممول بخلاف ما ذهب هذا القانون كما سوف نرى لاحقا، إذ الزم المشرع بمقتضى المادة "29" كل ممول أو مكلف أو من يمثله قانونًا بأن يقدم إلى مأمورية الضرائب المختصة إقرارًا عن الفترة الضريبية على النموذج المعد لهذا الغرض مرفق به الفواتير والمستندات وغيرها من الأوراق والبيانات التي يتطلبها القانون الضريبي بالصورة الرقمية المعتمدة بتوقيع إلكتروني غير أن المشرع علق ذلك علي النظم التي يصدر بها قرار من الوزير ويحدد هذا القرار الجدول الزمنى لبدء الالتزام بهذا الحكم بحسب طبيعة فئات الممولين والمكلفين المخاطبين به، وذلك خلال مدة لا تجاوز عامين من تاريخ العمل بهذا القانون، ويجوز مدها لمدة مماثلة، ومن ثم لا عقاب قبل اصدار قرار وزاري بهذه النظم – طبقا لأستاذ القانون الجنائى.
واشترط المشرع أن يكون الإقرار الضريبي المشار إليه مستوفيًا لبيانات النموذج المشار إليه علي أن وتؤدى الضريبة المستحقة من واقع الإقرارولا يُحتج بهذا الإقرار في مواجهة المصلحة حال عدم توقيعه أو عدم استيفاء بيانات النموذج المنصوص عليه في الفقرة الأولى من هذه المادة، ويسدد الممول أو المكلف رسمًا يصدر بتحديده قرار من الوزير نظير استخدامه للمنظومة الإلكترونية، على ألا يجاوز هذا الرسم ألف جنيه سنويًا – طبقا لـ"فاروق".
3-التأخير عن تقديم الإقرار في المواعيد المحددة لمدة 60 يوما
ينهض الركن المادي علي قعود الممول أو المكلف عن تقديم الإقرار الضريبي لمدة 60 يوما تبدأ من الموعد الذي حدده المشرع في المادة 31 لتقديم الاقرار سواء كان ذلك عن عمد أو سهوا أو خطأ أو عدم مبالاة، إذ يعتبر التأخر في تقديم تلك الاقرارات لمده 60 يوما تبدأ من تاريخ انتهائها مشكل لهذه الجريمة، فإذا الزم المشرع مثلا الممول بتقديم الإقرار كل شهر أو سنة تعين تقديم الإقرار قبل فوات 60 يوما محسوبة من نهاية الشهر أو السنة وإلا وقعت الجريمة.
4-مواعيد تقديم الإقرار
مواعيد التقديم تختلف بحسب نوع الاقرار والمكلف به علي النحو التالي:
أ-إقرارات شهرية إذ على كل مكلف أن يقدم للمأمورية المختصة إقرارًا شهريًا عن الضريبة على القيمة المضافة، وضريبة الجدول المستحقة أو إحداهما، بحسب الأحوال، وذلك على النموذج المعد لهذا الغرض خلال الشهر التالي لانتهاء الفترة الضريبية، كما يجب على المكلف تقديم الإقرار ولو لم يكن قد حقق بيوعًا أو أدى خدمات خاضعة للضريبة على القيمة المضافة أو ضريبة الجدول خلال الفترة الضريبية.
ويجوز لرئيس المصلحة أو من يفوضه بالنسبة للمصدرين أو المستوردين أو مؤدى الخدمات الذين يقومون بالتصدير أو الاستيراد أو أداء الخدمة مرة واحدة أو مرتين في السنة الموافقة على الاكتفاء بتقديم الإقرار عن الشهر الذى تتم فيه عملية التصدير أو الاستيراد أو أداء الخدمة، إذا ما اقترنت بواقعة بيع خلال هذه الفترة أو سداد مقابل تأدية الخدمة في الفترة ذاتها، دون حاجة إلى تقديم إقرار شهري.
ب-إقرارات ربع سنوية إذ يلتزم أصحاب الأعمالوالملتزمون بدفع الإيرادات الخاضعة للضريبة على المرتبات وما في حكمها بما في ذلك الشركات والمشروعات المقامة بنظام المناطق الحرة بالآتي تقديم إقرار ربع سنوي إلى مأمورية الضرائب المختصة في يناير وأبريل ويوليو وأكتوبر من كل عام على النموذج المعد لهذا الغرض، موضحًا به عدد العاملين وبياناتهم كاملة، وإجمالي المرتبات وما في حكمها المنصرفة لهم خلال الثلاثة أشهر السابقة والمبالغ المستقطعة تحت حساب الضريبة والمبالغ المسددة عن ذات المدة، وصورة من إيصالات السداد.
وبيان بالتعديلات التي طرأت على هؤلاء العاملين بالزيادة أو النقص، إعطاء العامل بناءً على طلبه كشفًا يبين فيه اسمه ثلاثيًا ومبلغ ونوع الدخل وقيمة الضريبة المحجوزة إعداد إقرار ضريبي بالتسوية النهائية في نهاية السنة وتقديمه لمأمورية الضرائب المختصة خلال شهر يناير من كل سنة ، موضحًا به إجمالي الإيرادات التي تقاضاها العامل خلال السنة مخصومًا منها جميع الاستقطاعات والإعفاءات المقررة قانونًا، وعلى صاحب العمل أو الملتزم بدفع الإيراد سداد ما يستحق من فروق الضريبة، إن وجدت، دون الإخلال بحقه في الرجوع على العامل بما هو مدين به.
ﺠ - إقرارات سنوية اذ يلتزم كل ممول خاضع لأحكام قانون الضريبة على الدخل بأن يقدم لمأمورية الضرائب المختصة إقرارًا ضريبيًا سنويًا على النموذج المعد لهذا الغرض وملحقاته، ثم نص القانون علي أنه لا يعتد بالإقرار المقدم دون استيفاء جميع الجداول والبيانات الواردة بنموذج الإقرار وملحقاته في الميعاد المحدد لتقديم الإقرار، ويجب تقديم ذلك الإقرار خلال المواعيد الآتية:
-قبل أول أبريل من كل سنة تالية لانتهاء الفترة الضريبية عن السنة السابقة لها بالنسبة إلى الأشخاص الطبيعيين.
-قبل أول مايو من كل سنة أو خلال 4 أشهر تالية لتاريخ انتهاء السنة المالية بالنسبة إلى الأشخاص الاعتبارية.
5-لزوم الإقرار رغم الإعفاء المؤقت:
يلاحظ أن الممول يلتزم بتقديم الإقرار عن فترات إعفائه من الضريبة ويعتبر تقديم الإقرار لأول مرة إخطارًا بمزاولة النشاط.
6-حالات الإعفاء من تقديم الإقرار
يعفى الممول من تقديم الإقرار، وبالتالي يستحيل وقوع الجريمة في الحالات الآتية: إذا اقتصر دخله على المرتبات وما في حكمها أو إذا اقتصر دخله على إيرادات الثروة العقارية ولم يتجاوز صافى دخله منها المبلغ المحدد في الشريحة المعفاة من قانون الضريبة على الدخل إذا اقتصر دخله على المرتبات وما في حكمها وإيرادات الثروة العقارية، ولم يتجاوز صافى دخله منهما المبلغ المحدد في الشريحة المعفاة من قانون الضريبة على الدخل وتعديلاته.
7-مواعيد تقديم الإقرار عند الوفاة وتوقف النشاط والتنازل عن المنشأة:
يلاحظ أن الفقرة (د) من المادة 31 حددت مواعيد خاصة لتقديم الإقرارات في حالة وفاة الممول أو انقطاع إقامته بمصر أو توقفه عن النشاط أو تنازله عن المنشأة، فنصت علي أنه في حالة وفاة الممول أو المكلف خلال الفترة الضريبية، يجب على الورثة أو وصى التركة أو المصفى بحسب الأحوال أن يقدم الإقرار الضريبي عن الفترة أو الفترات السابقة التي لم يحل ميعاد تقديم إقراراتها حتى تاريخ الوفاة، وذلك خلال 90 يومًا من هذا التاريخ وأن تؤدى الضريبة المستحقة على الممول أو المكلف من مال التركة .
وعلى الممول أو المكلف الذى تنقطع إقامته بمصر أن يقدم الإقرار الضريبي قبل انقطاع إقامته بـ60 يومًا على الأقل ما لم يكن هذا الانقطاع لسبب مفاجئ خارج عن إرادته، وعلى الممول الذى يتوقف عن مزاولة نشاطه بمصر توقفًا كليًا أن يقدم الإقرار الضريبي خلال 60 يومًا من تاريخ التوقف، كما أن على الممول المتنازل في حالة التنازل عن كل أو بعض المنشأة أن يتقدم خلال ستين يومًا من تاريخ التنازل بإقرار مستقل مبينًا به نتيجة العمليات بالمنشأة المتنازل عنها مرفقًا به المستندات والبيانات اللازمة لتحديد الأرباح حتى تاريخ التنازل على أن تدرج بيانات هذا الإقرار ضمن الإقرار الضريبي السنوي للمتنازل.
8-ما هي العقوبة المقررة قانونا؟
هذه الجريمة جنحة يُعاقب عليها بغرامة لا تقل عن 3 آلاف جنيه ولا تجاوز 50 ألف جنيه فضلاً عن الضريبة والمبالغ الأخرى المستحقة .
الجريمة الثانية: تضمين الإقرار الضريبي بيانات خاطئة
1-نصت على هذه الجريمة الفقرة "ب" من المادة 69 بقولها يُعاقب بغرامة لا تقل عن 3 آلاف جنيه ولا تجاوز 50 ألف جنيه فضلاً عن الضريبة والمبالغ الأخرى المستحقة كل من قدم ببيانات خاطئة بالإقرار إذا ظهرت في الضريبة زيادة عما ورد به.
2-وأول ما يلاحظ في شأن هذه الجريمة أن تغيير الحقيقة في الاقرارات التي يقدمها الممول للضرائب عن دخله لأ يعد تزويرا إذ يعد من قبيل الإقرارات الفردية والتي لأ عقاب علي تغيير الحقيقة فيها إذ تخضع لفطنه مصلحه الضرائب.
3-ويلاحظ ثانيا أن العقاب عن هذه الجريمة يستحق سواء كان تغيير الحقيقة في الإقرار قد تم عمدا أو خطأ وهو أمر محل نظر بالنسبة للخطأ في ذكر الضريبة.
4-ويلاحظ أخيرا أنه يلزم لتحقق الجريمة حدوث نتيجة معينه وهي ظهور أن الضريبة المستحقة تزيد عما ذكر في الاقرار ومن ثم فإن مجرد تضمين الاقرار الضريبي بيانات غير صحيحه لا يحقق الجريمة إلا إذا ثبت أن تلك البيانات ترتب عليها استحقاق ضريبة أقل عما هو واجب فعلا.