احتضنت الدولة المصرية الأشقاء السودانيين، بعد أن لجأ الآلاف منهم إلى مصر، عقب اندلاع حربا ضروس بين قوات الجيش السودانى وقوات الدعم السريع السودانية، ومنذ الوهلة الأولى قدمت مصر جهودا مكثفة لاحتواء الأزمة السودانية على مختلف الأصعدة والمسارات، السياسية والدبلوماسية وحتى الإنسانية.
الدور الذى لعبته مصر على مدار الأشهر الماضية، دفع القنصل العام فى السودان في محافظة أسوان السفير عبدالقادر عبدالله محمد، لقديم الشكر للسلطات المصرية في محافظة أسوان ومحافظات الصعيد الست التي تغطيها القنصلية على حسن استضافتهم لأشقائهم من السودان الذين وصلوا مصر بعد اندلاع حرب تمرد مليشيا الدعم السريع على القوات المسلحة والدولة السودانية في أبريل الماضي.
ووفقا لوكالة الأنباء السودانية سونا، قال السفير عبدالقادر في تصريحات إعلامية بمقر القنصلية في أسوان أن محافظة أسوان حكومة ومواطنين ومنظمات وجمعيات ترجموا توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي في فتح مؤسساتهم ومنازلهم وتسخير امكاناتهم لاستقبال أشقائهم السودانيين مشيداً بـ مبادرة الأشقاء السودانية المصرية لدعم الأسر السودانية التي تضم مجموعة من المتطوعين السودانيين والمصريين لخدمة السودانيين المتأثرين بالحرب.
وأضاف السفير أن وزارة الصحة المصرية قد وجهت فرقها الطبية وعياداتها المتنقلة منذ الاسبوع الأول للمعابر الحدودية للقيام بما يلزم وكذلك جمعية الهلال الأحمر إضافة إلى أن مستشفي أسوان الجامعي والمستشفيات الأخرى قد فتحوا أبوابهم لعلاج السودانيين مجاناً وكذلك للأطباء السودانيين لقضاء فترة الامتياز مضيفاً أن جامعات أسوان، قنا، أسيوط والوادي الجديد، سوهاج والاقصر تضم مئات الطلاب السودانيين في شتى المجالات.
وأشار القنصل إلى نماذج ناجحة للتعاون المشترك بين البلدين متمثلة في هيئة وادي النيل للملاحة ومشروع مكافحة الملاريا المشترك بين البلدين والاكاديمية العربية للنقل البحري التي تضم بعض الطلاب السودانيين. وختم السفير عبدالقادر تصريحاته بأهمية تعزيز الشراكة الاقتصادية ممثلة في استمرارية التجارة الحدودية.
الدور المصري فى الأزمة السودانية
وقبل نحو 9 أشهر وظفت الدولة المصرية مؤسساتها للتعامل مع الأزمة السودانية، فقد قادت وزارة الخارجية تحركات دبلوماسية بقيادة الوزير سامح شكري، وذلك فى إطار ريادة القاهرة ودورها الإقليمى المعهود فى القارة السمراء، وتمسكها بمبادرة "اسكات البنادق" تلك التى تبنتها الدولة المصرية فى فبراير عام 2019، لإنهاء النزاعات والحروب بالقارة.
ولأن استقرار السودان والمحيط الأفريقى لمصر يعد أحد أهم مرتكزات الأمن القومى المصرى، فإن الدول المصرية التى بذلت الكثير نم الجهود لاحتواء الأزمة والحيلولة دون الدخول فى نفق الحرب الأهلية المظلم، كانت ولاتزال تساند الدولة السودانية، على نحو ما طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي الأطراف السودانية بتغليب لغة الحوار والتوافق الوطني، وإعلاء المصالح العليا للشعب السوداني الشقيق.
وتمتلك الدولة المصرية رؤية لحل الأزمة، وتتضمن التوصل لوقف شامل ومستدام للإطلاق النار وبما لا يقتصر فقط على الأغراض الإنسانية، وترى الدولة المصرية وجوب الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية فى السودان، والتأكيد على أن الأزمة فى السودان أمر يخص الأشقاء السودانيين، وتؤكد مصر احترامها لإرادة الشعب السودانى.
وتشمل رؤية مصر فى عدم التدخل فى شئون السودان الداخلية، وعدم السماح بالتدخلات الخارجية فى أزمة السودان، وضرورة التنسيق مع دول الجوار لتدارك التداعيات الإنسانية للأزمة ومطالبة الوكالات الإغاثية والدول المانحة بتوفير الدعم اللازم لدول الجوار.
على المسار السياسي أيضا، قد احتضنت القاهرة قمة دول جوار السودان فى 13 يوليو، لبحث سُبل إنهاء الصراع والتداعيات السلبية له على دول الجوار، ووضع آليات فاعلة بمشاركة دول الجوار، لتسوية الأزمة في السودان بصورة سلمية، بالتنسيق مع المسارات الإقليمية والدولية الأخرى لتسوية الأزمة، وحرصاً من الرئيس عبد الفتاح السيسي على صياغة رؤية مشتركة لدول الجوار المُباشر للسودان، واتخاذ خطوات لحل الأزمة وحقن دماء الشعب السوداني، وتجنيبه الآثار السلبية التي يتعرض لها، والحفاظ على الدولة السودانية ومُقدراتها، والحد من استمرار الآثار الجسيمة للأزمة على دول الجوار وأمن واستقرار المنطقة ككل.
وفى سبتمبر 2023 عُقد الاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول جوار السودان، بمقر البعثة الدائمة لمصر لدى الأمم المتحدة بنيويورك واتفق وزراء الخارجية على استمرار التنسيق والتواصل، وعقد الاجتماع الوزاري الثالث لوزراء خارجية دول جوار السودان فى القاهرة في تاريخ قريب يتم الاتفاق عليه من خلال القنوات الدبلوماسية لتقييم ما تم إنجازه في سبيل تنفيذ بنود خارطة الطريق.
وفى نوفمبر، احتضنت مصر، مؤتمر "القضايا الإنسانية في السودان 2023"، بحضور أكثر من 400 مشارك ممثلين عن قطاع كبير من منظمات المجتمع السوداني، وهو الاجتماع الذي عُقد بعد أيام فقط من اجتماعات ائتلاف «قوى الحرية والتغيير» في السودان، التي أقيمت في القاهرة على مدى 3 أيام، وجرى خلالها التوافق على الدعوة إلى «توسيع مظلة القوى الداعمة لإيقاف الحرب في السودان».
ترجمت مصر حيادها على أرض الواقع وعدم الانحياز لأى طرف على حساب الطرف الاخر، وذلك من خلال تواصل المسئولين المصريين مع طرفى الأزمة ومنذ أول يوما بالحرب، أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي عدة اتصالات بنظراءه فى أفريقيا، كما أجرى وزير الخارجية سامح شكر، اتصالات هاتفية مع كل من الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالى السودانى، والفريق أول محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع، حيث ناشد بالوقف الفورى لإطلاق النار حفاظًا على مقدرات الشعب السودانى الشقيق، وإعلاء المصلحة الوطنية العليا بحسب متحدث الخارجية السفير أحمد أبو زيد.
وعلى الصعيد الإنسانى، لم تتخل مصر عن أشقاءها، بل فتحت أبوابها للشعب السودانى للفرار من جحيم الحرب، وما خلفه من مشاهد دمار وترويع، حيث أعلنت مصر استقبال أكثر 95 ألف نازح سوداني منذ اندلاع الحرب حتى مايو 2023، من منفذي قسطل وأرقين، وقامت وزارة التضامن الاجتماعي من خلال جمعية الهلال الأحمر المصري بالتنسيق مع نظيرتها السودانية واللجنة الدولية للصليب الأحمر والسفارة المصرية في السودان ومع كافة أجهزة الدولة للوقوف على تطورات الأحداث أولا بأول وتقديم كافة أشكال الإغاثة الإنسانية والطبية والاجتماعية والتي شملت الآتى: استقبال جميع العالقين وإنهاء جميع الإجراءات المالية بأيسر السبل.