هل تنزلق لبنان إلى حرب مع اسرائيل، وتلقى بيروت وضواحيها نفس مصير قطاع غزة؟، سؤال تم طرحه بقوة خلال الساعات الماضية خاصة فى ظل تصعيد غير مسبوق بين تل أبيب وحزب الله على الحدود الجنوبية للبنان، وبالتزامن مع تلميحات من صحافة عبرية إلى استعداد حكومة بينيامين نتنياهو لتوسيع حربها فى لبنان.
المؤشرات تؤكد أن الأوضاع على الحدود صارت على درجة كبيرة من الخطورة، خاصة مع إعلان محافظة النبطية بالجنوب اللبناني عن إغلاق جميع المصالح والدوائر الحكومية في المحافظة، اليوم الخميس، بسبب الأوضاع الأمنية الناتجة عن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وأكدت المحافظة أن إغلاق المصالح الحكومية يأتي حرصا على سلامة الموظفين وأصحاب المصالح، كما تم الإعلان عن إغلاق جميع المدارس والجامعات جراء الاستهداف الإسرائيلي الكثيف لبلدات القطاعين الأوسط والغربي من الجنوب اللبناني اليوم.
وعلى الجانب الأخر، هدد عضو حكومة الحرب الإسرائيلية بيني غانتس برد قوى على لبنان، وقال إن "الردّ على إطلاق الصواريخ باتّجاه الشمال سيكون قويّاً ووشيكاً"، وجاءت تهديدات غانتس، بعدما استهدف "حزب الله" منطقة "صفد" الإسرائيلية، بالصواريخ، صباح اليوم، ما أدّى إلى سقوط قتلى وجرحى، فكان الردّ بغارات إسرائيلية مكثّفة على بلدات الجنوب أسفرت عن مقتل أربعة وجرح تسعة.
واعتبر غانتس أن "المسؤول عن إطلاق الصواريخ من لبنان ليس "حزب الله" أو العناصر الإرهابية، فحسب، بل أيضا الحكومة اللبنانية والدولة اللبنانية التي تسمح بإطلاق الصواريخ من أراضيها"، وقالت مصادر إسرائيلية في وقت سابق اليوم، إن "مشاورات أمنية عاجلة تجرى حول طبيعة ردّ الجيش الإسرائيلي على القصف من جنوب لبنان".
وعلى الرغم من هذا التصعيد على الجانبين إلا أن مصادر وسيطة بين تل أبيب ولبنان اكدت أن الطرفان طلبا احتواء الموقف وعدم توسيع الحرب، في حين تعمل الجهود الدولية على منع اندلاع صراع أشمل، وترتيب الوضع الحدودي بين البلدين.
وتقف فرنسا بمثابة حائط صد بين بيروت وتل أبيب لما لها من مصالح فى لبنان، حيث طرحت خطة وساطة بين البلدين لمنع التصعيد، وقال وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، إن الوضع في لبنان "خطير لكنه لم يبلغ نقطة اللاعودة"، بعد مقتل أربعة مدنيين في جنوب لبنان في سلسلة غارات إسرائيلية وجندية إسرائيلية بصاروخ أُطلق من لبنان.
وقال سيجورنيه أمام الجمعية الوطنية "إن فرنسا منخرطة في حلّ النزاع خصوصا لتجنب التصعيد وحرب جديدة في لبنان"، أضاف الوزير الذي قدّم خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل ولبنان "مقترحات" لتجنّب اتساع نطاق التصعيد، "الوضع خطير لكنه لم يبلغ نقطة اللاعودة".
وتنص خطة سيجورنيه، على وقف الأعمال القتالية على جانبي الحدود وانسحاب مقاتلي حزب الله لمسافة تتراوح بين 10 إلى 12 كيلومتراً من الحدود والتطبيق الكامل للقرار 1701 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي عام 2006 لوضع حدّ لحرب بين الجانبين استمرت قرابة شهر.
وقالت مصادر مقربة من وزير الخارجية الفرنسي، إنه سلّم الاقتراحات الفرنسية "مباشرة الى السلطات العليا في البلدين"، وأكّد سيجورنيه أن باريس تعمل "بلا هوادة من خلال بث رسائل في كل مكان" لتجنب توسّع نطاق النزاع في الشرق الأوسط.
وقال وزير الخارجية الفرنسي، إن لبلاده مصالح مباشرة في لبنان حيث يوجد 20 ألفاً من المواطنين الفرنسيين، و700 جندي يشاركون في بعثة حفظ السلام جنوب لبنان، ونقل إلى المسؤولين اللبنانيين ما دفعه إلى التخوف من احتمال حدوث تصعيد واسع نتيجة لضغط كبير في تل أبيب بعد نزوح أكثر من 100 ألف مستوطن من شمال إسرائيل، خوفاً من "حزب الله"، وقواته الموجودة عند الحدود.
وطرح الجانب الفرنسى إعادة تطبيق للقرار 1701، الصادر عن الأمم المتحدة في 2006، وحظي بموافقة لبنان وإسرائيل، وتطبيقه يؤدي إلى التأكيد أن أمن شمال إسرائيل مرتبط بأمن جنوب لبنان، وأن عودة النازحين الإسرائيليين يجب أن تترافق مع عودة النازحين اللبنانيين من بلداتهم وقراهم، والمطلوب هو وقف الخروقات للقرار من الجانبين.
وتعمل فرنسا بالتعاون مع أمريكا من أجل تفادي توسع الصراع بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله على الحدود، وأكد الوسطاء أن "إسرائيل تتعامل مع ملفّيْ غزة ولبنان كملفّين منفصلين، أما في بيروت فيُنظر إليهما كملفين مرتبطين ببعضهما".
وقالت وسائل إعلام لبنانية، إن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري رد على اقتراح الموفد الفرنسي بانسحاب "حزب الله" 10 كيلومترات من الحدود وإجراء محادثات من أجل هدنة مع إسرائيل، قائلا: "لا ترتيبات أمنية بيننا".
ووفقا لصحيفة الأخبار اللبنانية، فإن بري ركز على أنه "في ظل عدم الحديث عن قرار دولي جديد، وبما أن القرار 1701 يمثل الإطار الناظم لكل ما يجرى على الحدود، وبما أن لبنان يجد في القرار مصلحته الوطنية، ويريد التقيد به، فإن الأفضل، هو عدم وضع اقتراحات لتفاهمات جانبية أو اتفاقات بديلة، وإنه يمكن العمل على تنفيذ هذا القرار".
وتوجه بري إلى الوفد الفرنسي قائلا: "اذهبوا واقنعوا إسرائيل بتنفيذ القرار الدولي، والانسحاب من النقاط التي لا تزال تحتلها، والتوقف عن كل الخروقات البرية والبحرية والجوية، وعندها ستجدون لبنان أكثر التزاما بما يتوجب عليه وفق القرار".
كذلك سمع الوفد الفرنسي من بري كلاما واضحا فيه "رفض لمقترح ترتيبات أمنية"، وأنه "لا وجود لشيء اسمه ترتيبات أمنية بين لبنان وإسرائيل، وأن لبنان يرى في الورقة نفسها خرقا للقرار 1701"، وسأل بري الوفد الفرنسي: "أين هو دور اليونيفيل ولماذا لا تتولى هي المراقبة؟".
وفي ما يتعلق بالمنشآت العسكرية التي يجب إزالتها، كان الجواب أنه "لا توجد في الجنوب قواعد عسكرية ظاهرة لتطلب إزالتها". أما بالنسبة إلى انتشار قوات الجيش اللبناني، فلفت بري إلى أن "جنود الجيش يدخلون إلى الجنوب كما إلى أي منطقة في لبنان والجيش يضع يده على أي سلاح ظاهر أو متفلت من دون تدخل أحد".
وكرر الوفد أن ما يطرحه عبارة عن أفكار تمت مناقشتها مع الجانبين الأمريكي والإسرائيلي، وهي قابلة للتعديل والتطوير.
وحتى اللحظة يعتبر التوصل إلى أى تفاهمات بين لبنان وتل أبيب أمر شبه مستحيل نظرا لعدم وجود رئيس منذ أكثر من عام، وذلك بسبب عدم التوافق بين القوات اللبنانية حول رئيس للبلاد، وفى ظل الشغور الرئاسى وتفرق المواقف السياسية ستظل التهدئة بين بيروت وتل أبيب أمر صعب المنال.