جريمة جديدة بدات بها إسرائيل العام الجديد، بعد أن انتهكت سيادة الأراضى اللبنانية ونفذت عملية اغتيال في الضاحية الجنوبية من خلال استهداف مكتب لحركة حماس بطائرة مسيرة وراح ضحيته 7 من كوارد الحركة يتصدرهم الرجل الثانى في حماس صالح العارورى، تلك الجريمة التي من المنتظر أن تٌفجر الأوضاع في الأراضى اللبنانية وربما تؤدى إلى تصعيد الحرب في المنطقة.
وفكرة الاغتيالات هي فكرة راسخة في تاريخ وعقيدة الموساد الاسرائيلى، حيث اعتادت تل أبيب على أن تقطر يداها بدماء الأبرياء دون خجل، وعلى مر تاريخها الإجرامى قادت حربا في الخفاء ضد قادة المقاومة الفلسطينية وأرسلت عملائها في كل عواصم العالم لإغتيال وتصفية كل من تصل له يداها، اعتقادا منها أن صيد الرؤوس سيٌنسى أصحاب الحق حقوقهم.
وبعد ساعات من عملية الاغتيال، أعلن حزب الله اللبناني استهداف جنود إسرائيليين قرب موقع مرج، واعتبر حزب الله اللبناني جريمة اغتيال الشيخ العاروري ورفاقه في قلب الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت اعتداءً خطيرًا على لبنان وشعبه وأمنه وسيادته ومقاومته، مشددا على أن هذه الجريمة لن تمر أبدا دون رد وعقاب.
وكان حسن نصرالله، زعيم حزب الله، حذَّر في كلمة سابقة له، من أن "أي اغتيال على الأرض اللبنانية يطال لبنانيًّا أو فلسطينيًّا أو سوريًّا أو إيرانيًّا أو غيرهم، بالتأكيد سيكون له رد الفعل القوي، ولن نسمح أن تُفتح ساحة لبنان للاغتيالات ولن نَقبل على الإطلاق بتغيير قواعد الاشتباك القائمة".
وبالتزامن مع التصعيد على الحدود ناشدت متحدثة باسم قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، "يونيفل"، جميع الأطراف وقف إطلاق النار، داعية أي أطراف لها تأثير أن تحث على ضبط النفس، وقالت متحدثة "يونيفل": نشعر بقلق إزاء أي احتمال للتصعيد قد يكون له عواقب مدمرة على السكان على جانبي الحدود.
ويتزامن الاغتيال للعارورى مع إعلان تركيا القبض على 33 شخصا للاشتباه في ضلوعهم في أنشطة تجسس لصالح جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، مضيفة أن البحث مستمر عن 13 آخرين، وقالت وكالة الأناضول التركية للأنباء إن الشرطة نفذت مداهمات متزامنة في 57 موقعا في 8 أقاليم في إطار تحقيق أطلقه مكتب مكافحة الإرهاب التابع لمكتب النائب العام في إسطنبول، وأشارت الأناضول، دون ذكر مصادر، إلى أنه من المعتقد أن المشتبه بهم كانوا يسعون إلى رصد ومراقبة ومهاجمة وخطف مواطنين أجانب يعيشون في تركيا في إطار عمليات "تجسس دولية".
جريمة إسرائيل باغتيال العارورى كان قد كشف عنها رئيس الشاباك في فيديو تم تسريبه له منذ ما يقرب من شهر، تحدث خلاله عن خطة لملاحقة قادة حماس في الخارج، وأذاعت قناة كان 11 التابعة لهيئة البث الإسرائيلي، الفيديو حيث قال إن إسرائيل – بناء على تعليمات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو - ستلاحق قادة حركة "حماس" في قطر وتركيا ولبنان، حتى لو استغرق الأمر سنوات.
وتعتبر الاغتيالات السياسية سواء في الداخل أو الخارج جريمة بموجب القانون الدولى، وتسمى إعدامات خارج إطار القانون، إلا أن ارتكابها على أراضى دولة آخرى يٌضيف لها انتهاكات آخرى.
وتحظر مبادئ الأمم المتحدة الخاصة بالوقاية الفعالة من عمليات الإعدام خارج نطاق القانون تحت أي ذريعة حتى وإن كان في زمن الحرب، وحسب المبدأ الأول :" يجب على الحكومات أن تحظر قانونيًا جميع عمليات الإعدام خارج نطاق القانون، وأن تضمن اعتبار أي عمليات مثل هذه، جرائم حرب بموجب قوانينها الجنائية. ولا يجوز التذرع بالظروف السياسية الداخلية أو أي حالة طوارئ أخرى كمبرر لتنفيذ عمليات الإعدام هذه".
كما تعتبر عمليات الإعدام خارج نطاق القانون (الاغتيال السياسي) مخالفة صريحة وواضحة للمعاهدة الرابعة الموقعة في الثامن عشر من أكتوبر لعام 1907 في لاهاي والمتعلقة بقوانين وأعراف الحرب على الأرض، فالمادة (33) من نفس المعاهدة تؤكد أنه يحظر بشكل خاص قتل أو جرح أفراد يتبعون لدولة معادية أو جيش معاد بشكل غادر.
وبخلاف اغتيالات الداخل التي طالت رموز القضية الفلسطينية على مر سنين في مقدمتهم الشيخ أحمد ياسين قائد حركة حماس السابق، فإن سلسلة الاغتيالات في الخارج لا تنتهى، من أشهرها عام 1972، حيث اغتيل الروائي غسان كنفاني وأحد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بتفجير سيارته في منطقة الحازمية قرب بيروت.
وفي عام 1973 قبل عامين من حرب لبنان قام كوماندوس إسرائيلي بالنزول ليلا على شواطئ بيروت، حيث اغتال 3 من أبرز قادة حركة فتح هم كمال عدوان و كمال ناصر ويوسف النجار.
أما في عام 1979، اغتيل أبو حسن سلامة رئيس دائرة العمليات الخاصة في حركة فتح في انفجار استهدف سيارته في العاصمة اللبنانية بيروت، وفي نفس العام اغتيل المسؤول الإعلامي لمنظمة التحرير الفلسطينية ماجد أبو شرار، في العاصمة الإيطالية روما.
أما رسام الكاريكاتير الفلسطيني الشهير، ناجي العلي، الذي يعتبر من أهم الفنانين العرب الذين عملوا على فكرة التغيير السياسي باستخدام الفن، له عشرات آلاف الرسوم الكاريكاتورية، اغتيل في لندن عام 1987.
وبعدها بعام اغتيل خليل الوزير المعروف باسم أبو جهاد، الذي يعد من أبرز قيادات حركة فتح وجناحها المسلح، إذ اغتالته إسرائيل عام 1988 في تونس بالتزامن مع أحداث الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وفي عام 1992 اغتيل مسؤول الأجهزة الأمنية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عاطف بسيسو، في العاصمة الفرنسية باريس، وفي مالطا عام 1995، اغتيل مؤسس حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في مالطا.
وقالت المقررة الأممية لشؤون الإعدامات خارج نطاق القانون أغنيس كالامار أن الاغتيال خارج الحدود هو عملية قتل تعسفية تنتهك ميثاق الأمم المتحدة. وهي عمل عدواني، وقد جرى تعريف العدوان في محكمة نورمبرغ، ثم تم تدوينه لاحقاً جزئياً بموجب قرار الجمعية العامة رقم 3314 و المحكمة الجنائية الدولية.
وتستخدم المحكمة الجنائية الدولية تعريفاً للعدوان المنبثق عن القانون العرفي الدولي، والذي يحظر عموماً الغزو أو الهجوم بالقوات المسلحة لدولة ما ضد أراضي دولة أخرى من خلال قصف دولة أو حصار موانئها أو سواحلها أو إرسال وكلاء أو قوات شبه العسكرية. وقد وصفت محكمة نورمبرغ العدوان بأنه جريمة دولية "عليا" بموجب القانون الدولي.
ويعد الاغتيال السياسي "القتل" انتهاكاً فاضحاً لكافة معايير حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 أغسطس 1949.
واعتبرت المادة الثانية من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب أن سياسة القتل بجميع أشكاله في جميع الأوقات والأماكن هي من الأفعال المحظورة، هذا ويعتبر القتل العمد من المخالفات الجسيمة، حيث نصت المادة (147) من نفس الاتفاقية على تعريفها للمخالفات الجسيمة أنها " هي التي تتضمن أحد الأفعال التالية إذا اقترفت ضد أشخاص محميين أو ممتلكات محمية بالاتفاقية. واعتبرت أن القتل إحدى المخالفات الجسيمة".
وبخلاف جريمة القتل فإن القيام بها على أراضى دولة آخرى تعتبر خرق للسيادة يستوجب الدفاع عن النفس، فالمادة 2 الفقرة 4 نصت بالحرف على ضرورة الامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد سيادة الدولة بأية طريقة تتنافى وأهداف الأمم المتحدة المتمثلة في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ويعتبر الاغتيال استخدام غير شرعي للقوة ينافي القانون الدولي.