أصدرت الدائرة الاستئنافية الأولى جنايات – بمحكم طنطا الاقتصادية – حكما فريدا من نوعه، ببراءة متهم من جريمة الاتجار في النقد الأجنبي، على الرغم من أن البيع والشراء كان مع المصدر السرى وضابط الواقعة، مستندة على عدم اطمئنانها إلى ما جاء بمحضر الضبط المؤرخ 28 أغسطس 2023 إذ أن ما جاء به وأثبت فيه لا يستقيم عقلا ولا منطقا سيما وأن ما قام به ضابط الواقعة يعد في حد ذاته من قبل الإجراءات الباطلة المنعدمة، إذ أنه كان يتعين عليه استصدار إذنا من النيابة بضبط وتفتيش شخص المتهم.
صدر الحكم في الجناية رقم 366 لسنة 2023 جنايات اقتصادية شبين الكوم، والمقيدة رقم 67 لسنة 2023 كلى اقتصادية شبين الكوم، والمقيدة برقم 418 لسنة 2023 جنايات اقتصادية طنطا، لصالح المحامى بالنقض الدكتور محمود رجب فتح الله، برئاسة المستشار محمد حلمى النجدى، وعضوية المستشارين محمد فاروق الغنيمى، وأحمد مصطفى مشرف، وبحضور كل من وكيل النيابة أحمد شهاب، وأمانة سر محمد صلاح.
الوقائع.. النيابة العامة تحيل متهما للمحاكمة بتهمة الاتجار في النقد الأجنبى
أحالت النيابة العامة المتهم إلى المحاكمة الجنائية العاجلة، لأنه في يوم 28 أغسطس 2023 بدائرة قسم شرطة شبين الكوم - محافظة المنوفية:
1- تعامل في النقد الأجنبى على خلاف الشروط والأوضاع المقررة قانوناً بأن أجرى عمليات استبدل العملات الأجنبية بما يعادلها من العملة الوطنية دون أن يكون ذلك عن طريق المصارف والجهات المرخص لها قانوناً على النحو المبين بالتحقيقات.
2- باشر عملاً من أعمال البنوك بأن اعتاد التعامل في النقد الأجنبى والمصرى بيع وشراء دون أن يكون من المسجلين في البنك المركزى المصرى الممارسة هذا النشاط على النحو المبين بالتحقيقات.
وفى تلك الأثناء – قدمته النيابة العامة إلى هذه المحكمة لمعاقبته طبقاً لمواد الاتهام الوارد بأمر الإحالة، وطلبت عقابه بالمواد 63/1، 2، 225/1، 233/1، 4، 236، 238 من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد الصادر بالقانون رقم 194 اسنة 2020، وقدمت النيابة العامة المتهم المذكور لمحاكمته أمام هذه المحكمة، وطلبت القضاء بإدانته ومعاقبته وفقا لمواد الاتهام المشار إليها بأمر الإحالة وركنت النيابة العامة في إسناد الاتهام للملهم إلى قائمة بأدلة الثبوت ضمنتها أقوال الضابط: أيمن ابراهيم الشاذلى، مقدم شرطة مفتش بالإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة فرع وسط الدلتا.
شهادة ضابط الواقعة
وإذ شهد المقدم أيمن ابراهيم الشاذلى بمحضرة المؤرخ 28 أغسطس 2023 بأنه وردت إليه معلومات من مصادرة السرية أكدتها تحرياته السرية والتي مفادها قيام المدعو الحاصل على بكالوريوس تجارة، ومقيم محافظة المنوفية بالتعامل غير المشروع بالنقد الأجنبي خارج نطاق السوق المصرفية وباسعار السوق السوداء بيعا، وبناء على ما توافر من معلومات فقد قام بالدفع بأحد المصادر السرية الذي استطاع اكتساب ثقة المتحري عنه واتفق معه على شراء مبالغ من اليورو الأوربي بأسعار السوق السوداء على أن يكون موعد تنفيذ الاتفاق قبل ظهر يوم الضبط بجوار كلية الهندسة - دائرة قسم شبين الكوم، ونظرا لضيق الوقت وعدم تمكنه من استصدار إذن النيابة العامة ومحافظ البنك المركزي قام باعداد مأمورية ضمته وقوة من الشرطة السريين عقب التنسيق مع ادارة البحث الجنائى بمديرية أمن المنوفية ووحدة مباحث قسم شبين الكوم.
وفى تلك الأثناء - توجه إلى حيث مكان التقابل، وقام بعمل أحد الأكمنة بطريقة مستقرة غير ظاهرة بحيث تمكنه من رؤية تعامل ومقابلة المتحري عنه مع المصدر السري وبعد فترة قصيرة حضر المتحري عنه وتقابل مع المصدر السري وتبادلا عبارات الترحيب فيما بينهما، وحين ذاك قام المتحري عنه بإخراج مبالغ مالية من العملات الأجنبية اليورو الأوربي، " قام بعدها للمصدر السري على مرأي منه وعلى الفور قام بالتوجه إليهما فتبين له تواجد المتحري عنه، وبعد إطلاعه على شخصه وضيعة المأمورية القائم بها تم ضبطه وبحوزته الآتي: مبلغ "5100" - خمسة آلاف ومائة يورو أوروبي وكذا هاتف محمول ماركة العكس.. وبتفتيشه لم يعثر على ثمة ممنوعات أخري وبمواجهته بما ورد اليه من معلومات واكدته تحرياته السرية والسفر عنه الضبط اقرا بصحتها وملكيته للمبالغ المالية المضبوطة، وأنه كان يرغب في بيعها خارج نطلاق السوق المصرفية وبأسعار السوق السوداء للاستفادة من فارق السعر.
المتهم ينكر
وباستجواب المتهم بتحقيقات النيابة العامة أنكر ما أسند إليه من اتهام، وقرر أنه أثناء توجهه للبنك لإيداع مبلغ اليورو المضبوط بحوزته ألقى القبض عليه وما بحوزته، وأقر بملكيته للمبلغ المالي والهاتف المحمول المضبوط.
البيع والشراء كان مع المصدر السري وضابط الواقعة
وبسؤال المقدم أيمن إبراهيم الشائلي - مفتش بالإدارة العامة لمباحث الأموال العامة بوسط الدلتا: قرر بمضمون ما أثبته محضر جمع الاستدلالات المؤرخ 28 أغسطس 2023، وأرفقت النيابة العامة أصل تقرير في صادر من قطاع نظم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات منطقة وسط، يحتوى على بعض اللقطات المأخوذه من تطبيق "واتس أب، فيس بوك ماسنجر" للمحادثات المجراء بين المتهم واحد الأشخاص بشأن إبداء الأول رغبته في تغيير عمله أجنبية "يورو أوروبي" بالجنيه المصرى والتقرير محرر في أربع ورقات، وبجلسات المحاكمة مثل المتهم بوكيله محام والذي طلب براءته، مما أسند إليه وشرح طروف الدعوى وملابستها ودفع ببطلان القبض والتفتيش، وإنتفاء أركان الجريمة، مشروعية حيازة العملة، حجب المصدر السرى عن الشهادة، عدم جدية التحريات"، وقدم مذكرة بدفاعه وحوافظ مستندات طالعت المحكمة محتواها وقررت حجز الدعوى ليصدر فيها الحكم.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت أن المحكمة تمهد لقضائها: بأنه ومن المقرر قضاءا من إن "القاضي الجنائي بحكم في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته، وأنه يكفى أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة كي يقضى له بالبراءة إذ المرجع في ذلك إلى ما يضمن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة وأقام قضاءه على أساف تحمله " وأن "الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين من الوقائع الذى يثبته الدليل المعتبر ولا تؤسس على الظن، والاحتمال من العروض والاعتبارات المجردة " .
"الاقتصادية" تبرئ شخص من تهمة الاتجار في النقد الأجنبي
وبحسب "المحكمة": وحيث أنه ولما كان ما تقدم، وهديا به، وكانت المحكمة قد أحاطت بوقائع الدعوى المائلة وظروفها، وملابساتها، وبأدلة الاثبات فيها، والتي قام الاتهام عليها عن بصر، وبصيره فإن يساورها الشك، والريبة في صحة الإتهام، واسناده للمتهم، إذ أنها ترى من مجمل ما حوته الأوراق أن إسناد الاتهام إلى المتهم لا يبلغ من وجدان المحكمه أدنى مراتبه، ولا يرقى إلى دائرة اقتناعها في أدنى درجاته، لاسيما وأن الثابت للمحكمة أن الدليل القائم قبل المتهم في تلك الدعوى على ارتكاب الجريمة المسندة اليه من قبل النيابة العامة قد جاء قاصرا عن طمأنة المحكمة إليه واقتناعها به، إذ أنه ومن أصول الاستدلال يتعين أن يكون الدليل الذي يعول عليه الحكم مؤديا إلى ما رتبه عليه من نتائج من غير تصف في الاستنتاج، ولا تنافر في حكم العقل، والمنطق، وأن اثبات الاتهام في حد ذاته قبل المتهم يقع على عاتق النيابة العامة والتي يقع عليها وحدها عبء تقديم الدليل الجازم على ارتكاب المتهم للوقائع المثارة بالأوراق، وللجريمة محل أمر الأحالة، ولا يلزم المتهم في شأن ذلك بتقديم دليل براءته كما لا يملك المشرع أن يفرض قرائن قانونية لإثبات الاتهام أو ينقل عبء الإثبات إلى عاتق المتهم، وأن العبرة دائما وأبدا في المحاكمات الجنائية هي باقتناع المحكمة بالأدلة المطروحة عليها، وللمحكمة وحدها سلطة تقدير تلك الأدلة، والجزم بمدى صحتها من عدمه .
وإذ أن المحكمة، وفقا لما سلفا بينه من قواعد قانونية مستقره لا تطمئن إلى ما جاء بمحضر الضبط المؤرخ 28 أغسطس 2023 إذ أن ما جاء به وأثبت فيه لا يستقيم عقلا ولا منطقا سيما وأن ما قام به ضابط الواقعة يعد في حد ذاته من قبل الإجراءات الباطلة المنعدمة، إذ أنه كان يتعين عليه عند ورود معلومات له بشأن قيام المتهم بمباشرة نشاطه المؤثم قانونا بشأن التعامل في النقد الأجنبي على خلاف القانون، وفقا لما اثبته محضر الضبط سالف البيان أن صح الأمر عرض الأمر على سلطات التحقيق المتمثلة في النيابة العامة لاستصدار إذنا منها بضبط وتفتيش شخص المتهم، وهو ما خلت معه الأوراق، وثابت للمحكمة من خلال الاطلاع على الأوراق أنه لم يتم ضبط أيا من المتعاملين مع المتهم في نشاط التعامل في النقد الأجنبى خارج نطاق السوق المصرفية للوقوف على طبيعة تلك التعاملات التي كانت تمت بين المتهم، والمتعاملين معه للوقوف على صحة ما جاء باقوال ضابط الواقعة محرر محضر الضبط على النحو الوارد بمحضر الضبط المرفق بالأوراق دليل الاثبات الوحيد المقدم من قبل النيابة العامة قبل المتهم في الدعوى الماثلة حتى تتبين المحكمة من ثبوت الاتهام قبل المتهم، وهو مالا تطمئن اليه المحكمة في ذلك الشأن.
والحيثيات تؤكد: عملية القبض والتفتيش جاءت "باطلة منعدمة"..
وخلت الأوراق أيضا من تحديد محرر محضر الضبط السعر الصرف الذي تعامل، ويتعامل به المتهم مع المترددين لديه، والذي يفوق الأسعار المعلنة من قبل الجهات المختصة على النحو ما سطره بمحضر الضبط سالف البيان، وما قرره بالقوالة بتحقيقات النيابة العامة للوقوف على صحة تلك الأقوال وخلت الأوراق أيضا من تحديد سعر صرف العملات الأجنبية بالمقارنة بالعملة الوطنية، والمعلنة سلفا من الجهات المختصة بذلك الشأن حتى يستقيم معه الدليل قبل المتهم في الدعوى المائلة، كما خلت الأوراق من سؤال المصدر السرى بإعتباره شاهد إثبات رئيسي في تلك الدعوى للوقوف على حقيقة ما سطره، وقرره ضابط الواقعة سالف الذكر استدلالاً وما شهد به بالتحقيقات حتى يستقيم معه دليل الإثبات قبل المتهم في تلك الدعوى.
وبحسب "المحكمة": الأمر الذي تكون معه المحكمة ومن جماع ما تقدم قد داخلها الشك والريبة في صحة دليل الإثبات الوحيد المتمثل في أقوال محرر محضر الضبط سالف الذكر، وتتشكك معه المحكمة في صحة إسناد الاتهام للمتهم، ولا تطمئن إليه، ولا تعول عليه في شأن إدانة المتهم في تلك الدعوى ولا تعول عما اثبته ضابط الواقعة استدلالا من القرار المتهم ذلك الإقرار أن صح من قبل الدليل المنعدم في حد ذاته لا سيما وأن الأحكام الجنائية تبنى دائما على الجزم واليقين لا على الشك والتأويل، وإذ خلت الأوراق من وجود ثمة دليل يقيني حقيقي يكفي لتكوين عقيدة المحكمة بشأن إدانة المتهم ويؤكد معه لإدانه المتهم بإرتكاب الوقائع المثارة بالأوراق لا يقدح في ذلك ما أرفق بالأوراق قبل المتهم الذي ساقته النيابة العامة في الدعوى الماثلة، والذى عماده اقوال ضابط الواقعة قد أحاط به الشك من جميع جوانبه بما لا ينهض بمفرده كدليل ادانة تطمئن إليه المحكمة على صحة الاتهام، وثبوته في حق المتهم.
وتضيف "المحكمة": وخلت الأوراق من وجود ثمة دليل يقيني حقيقي أخر ومشروع يمكن للمحكمة أن تعول عليه، ويكفى معه لإدانة المتهم بارتكاب الوقائع المثارة بالأوراق لا يقدح في ذلك ما ارفق بالأوراق من تقرير فحص في من قسم تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات منطقه وسط الدلتا إذ أن ذلك التقرير لا يكفى في حد ذاته لصحة اسناد التهمة للمتهم واتيانه الركن المادى لها واتجاه ارادته لإرتكابها ولا سيما وأن اللقطات المرفقة بالتقرير والخاصة بالمحادثات النصية المجراه جاء بعضا منها قد تم مع من يدعون " ذكي، يوسف بتاع العملة إبراهيم فضة، ابراهيم خليفه، لوب محمود، محمد "، والذين لم يتبين للمحكمة صلتهم بالمتهم أو الواقعة المرتكبة أو ما إذا كان أيا منهم هو من تقابل مع المتهم حال ضبطه على حد قالة محرر محضر الضبط حتى تقف المحكمة على مشروعية الدليل المخول لواقعة ضبطه من عدمه.
والسبب عدم استصدار إذن من النيابة بالإجراءات
كما أن المحكمة بطالعتها لتلك المحادثات لم تظهر منها على ما يدل على إتيان المتهم للفعل المادى المكون للجريمة موضوعها واتجاه ارادته لذلك، إذ أن تلك المحادثات لا تعدو سوى أن تكون من الأعمال التمهيدية والتحضيرية التي لا عقاب عليها قانونا لا سيما، وأن المتهم قد أرفق بالأوراق حوافظ مسندات انطوت على أصل كشف الحساب البنكي الخاص به بالعملة الأجنبية، وهو ما يشكك تارة أخرى في صحة الدليل واسناد الاتهام بناء عليه للمتهم، الأمر الذى تقضى معه المحكمة والحال كذلك ببراءة المتهم مما أسند إليه عملا بنص المادة 304/1 من قانون الإجراءات الجنائية.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة: حضوريا: ببراءة المتهم مما أسند إليه من إتهام.
المحامى بالنقض الدكتور محمود رجب فتح الله - دفاع المتهم