ألعاب المراهنات ظاهرة جديدة وخطيرة انتشرت سريعا بين الشباب على الشبكة العنكبوتية، ولا نبالغ عندما نقول إنها من أخطر الألعاب الإلكترونية الموجودة حاليا، ليس فقط لأنها تسبب الإدمان أكثر من المواد المخدرة، إنما نتيحة الخسائر الكبيرة التي يتكبدها الشباب داخل وخارج اللعبة، نتيجة مقامرته بمبالغ مالية ضخمة وإغراقه في دوامة من المشاكل يمكن أن تؤدي بصاحبها إلى القتل أو الانتحار، وهنا يصدق قول النبى (ص) حين قال: (يأتى على الناس زمان لا يبالى المرء ما أخذ منه، أم من الحلال أم الحرام).. فقد تحقق حديث رسول الله فى أحدث التطبيقات الإلكترونية على منصات التواصل الاجتماعي.
وألعاب المراهنات ليست كما تبدو، حيث تتبع منصات المقامرة أسلوب احتيال خطير، يتمثل في إيهام الشباب بتحقيق الربح السريع بكبسة زر واحدة، لكن ما لا يفهمه المراهن أن بداية الاشتراك بالمنصة يفتح عليه باب خطر لا نهاية له، يهدد أمواله ومستقبله، وكثرت وقائع ألعاب المراهنات مؤخرا، حيث بدأ العديد من اللاعبين بالحديث على منصات السوشيال ميديا عما تعرضوا له على منصة المراهنات الرياضية الإلكترونية، بعد أن سقطوا ضحية في فخ الاحتيال لمنصة مراهنة على الإنترنت تدعي وان إكس بت "1xBet".
"ترابيزة مراهنات في كل بيت".. منصات المقامرة الإلكترونية
وبسبب الخسائر الفادحة التي يتلقاها الشباب المصرى يوما بعد يوم من ألعاب المراهنات، فقد تلقى مجلس الدولة دعوى قضائية من المحامى محمود أشرف الروبى، للمطالبة بحجب وأغلاق تلك المواقع، نظراً لخطورة ألعاب المراهنات ولما لها من تأثير شديد على معدلات الجرائم فى مصر بشكل غير مسبوق، ولما تسببه من اضرار وأمراض نفسية وعصبية ولما تشكله من تهديد للأسر المصرية ولمخالفة كل ذلك الشريعة الإسلامية والدين المسيحى، ولمخالفة القانون المصرى الذى يجرم القمار والذى قد خلا للأسف من تجريم القمار الإلكترونى باعتباره من المستحدثات، وقيدت الدعوى برقم 71094 لسنة 78 ق وتحديد الدائرة الثانية لنظرها، كم تم تقديم بلاغ للنيابة العامة قُيد برقم 763081 قيد الفحص بالمكتب الفني للنائب العام.
وذكرت "الدعوى" المقيدة برقم 71094 لسنة 78 ق: لقد انتشرت فى الأونة الأخيرة تطبيقات المراهنات والقمار الإلكترونى كالنار فى الهشيم وعلى رأسها هذا التطبيق الذى جذب الملايين فى مصر معظمهم من الشباب والأطفال، وبات هذا الإدمان يجرى مجرى الدم فى عروقهم ويتمكن من عقولهم ويسلب إرادتهم التى خلقها الله حرة ليحولهم إلى عبدة للمال الحرام ليخسرون دينهم وأنفسهم وأموالهم دون أن يتفكروا أو يتدبروا أمرهم ويدفعهم للهاوية دون أن يشعرون، وهذا الموقع والتطبيق هو الأكثر رواجاً بين مواقع المراهنات ويعتبر الموقع الأم لكل تلك المواقع وانتجته شركة مقامرة عبر الإنترنت مسجلة بدولة قبرص بواسطة شخص روسى الجنسية أدانته روسيا نفسها بالسجن.
منصات المقامرة الإلكترونية
وحجزت على عقارات بحوالى مليار ونصف روبل لشبهتها بشركة "وان إكس بت"، وضعت المملكة المتحدة الأشخاص الثلاثة على قائمة المطلوبين دولياً وهربوا إلى قبرص كمستثمرين بأموالهم بسبب ظروف الدولة الاقتصادية وعدم وجود اتفاقية تسليم مع روسيا، حيث يقدم الموقع أكثر من 30 مراهنة للحدث الواحد فمثلاً: فى مباراة كرة قدم هو يسأل المراهن: هل تريد أن تراهن على النتيجة النهائية أم على عدد الإنذارات أم الكروت الحمراء أو الركلات الحرة وغير ذلك، ولا تخلو صالة القمار المتحركة من كافة الألعاب الرياضية وغير الرياضية فتوجد ألعاب أخرى مثل: التنس وكرة اليد وغيرها وألعاب غير رياضية، فيوجد مثلاً لعبة تسمى الطائرة، فإذا قفز الشخص من الطائرة قبل أن تنفجر يفوز بالرهان وإذا توقع بشكل خاطئ يخسر ويفوز الشخص الآخر – وفقا لـ"الدعوى".
وتطور الأمر الى المراهنات والمقامرة على الأحداث السياسية والانتخابات حول العالم فى مختلف الدول، فبتصفح الموقع نجد قسم خاص للمراهنات السياسية لتختار من بين الدول من تراهن على أحداثها هل كندا؟ أم أمريكا ؟ أم أستراليا ؟ أم تريد أن تراهن على الاتحاد الأوروبى؟ ويكتظ الموقع بعدد لا نهائى من المراهنات حتى يغرق الشخص فى دوامة لا تنتهى تقوده فيها شهوة القمار المحرمة ولذة المال إلى الدمار، فإذا فاز انتصر وانتقم إذا خسر سعى للتعويض الزائف – بحسب "الدعوى".
إذا طرقت الباب كلاعب مقامر فلا مجال للتراجع أبداً
ففى جميع الأحوال إذا طرقت الباب كلاعب مقامر فلا مجال للتراجع أبداً ولا محل للإرادة فيدفعك اللعب للإفلاس بعد أن تتذوق لذة المال ثم يدفعك للديون لتعويض الخسارة، ثم يدفعك لارتكاب جرائم لم تكن يوماً تتخيل أن ترتكبها فقط من أجل الحصول على المال، واستخدم الموقع وسائل مختلفة لجذب المستخدمين أبرزها الإعلانات التى أصبحت فى كل مكان على مواقع التواصل الاجتماعى، فمن منا لم تظهر له إعلانات تعد هؤلاء الأشخاص بالثراء بمجرد ضغطة زر واحدة فقط - طبقا لـ"الدعوى".
وأيضاً سمح الاتحاد الإفريقى لكرة القدم بأن تكون تلك اللعبة هى الراعى لبطولة أفريقيا الماضية، فأصبحنا نشاهد علامتها التجارية فى جميع أركان الملعب لتضفى على هذه اللعبة المزيد من الثقة والشهرة والمشروعية الزائفة ووافق الاتحاد الأفريقى تحت سطوة المال دون أى اعتبار، فهل هذا يقتصر على اللاعبين المراهنين فقط؟ بالقطع لا فهو أيضاً يسمح للمستخدم أن يعمل وكيلاً مروجاً للتطبيق بأن يقوم بإدخال أصدقاء، ويحصل على مكافات مقابل مكسبهم المتوقع عندما يفوز وكيلهم، وللأسف روج لتلك اللعبة لاعبين وشخصيات مشهورة وتورط فى ذلك بعض اللاعبين بأن تلاعبوا فى نتائج فرقهم فى دوريات كثيرة فى العالم – الكلام لـ"الدعوى".
ما أنواع الجرائم التى من المحتمل ارتكابها لهذا السبب؟
وفى نفس سياق الجرائم ولكن هذه المرة كان الدم حاضراً فأبرز الجرائم الناتجة عن استخدام هذا التطبيق مؤخراً هى جريمة القتل الشهيرة التى قام بها مدرس الفيزياء والذى أقر بذنبه علناً أمام المحكمة والإعلام الذى وثق هذا الاعتراف لهذا الشاب المثقف الواعى الهادئ الطباع المتدين الذى تحول فى لحظة الى قاتل مجرم يخطف تلميذه ويساوم أهليته ثم يقتله، فكيف قادته المراهنات الالكترونية فى هذا التطبيق الى تلك الجريمة البشعة؟ فقد اعترف أن هذه التطبيقات هى التى قادته الى هذه الجريمة، فما بالنا بشباب لم يبلغ الثامنة عشر من عمره يدمنها دون أن يدرى – هكذا سردت الدعوى التفاصيل.
التجربة أثبتت أن جميع أنواع جرائم النفس والمال يمكن أن تكون نتيجة، فأنت كلاعب تحمل فى جيبك صالة قمار متحركة فلن تحتاج الى أن تذهب الى مكان معد للعب القمار ولن يتمكن أحد من القبض عليك او محاسبتك فأنت تغيب عن أعين جهات إنفاذ القانون، والقانون الذى نص فى مادته 352 من قانون العقوبات: "كل من أعد مكاناً لألعاب القمار وهيأه لدخول الناس فيه يعاقب هو وصيارف المحل المذكور بالحبس وبغرامة لا تجاوز ألف جنيه وتضبط جميع النقود والأمتعة في المحلات الجاري فيها الألعاب المذكورة ويحكم بمصادرتها".
الفراغ التشريعى وغياب قانون خاص يجرم القمار الإلكترونى
ولعل الفراغ التشريعى وغياب قانون خاص يجرم القمار الإلكترونى بشكله الحديث فتح الباب على مذراعيه لضعاف النفوس كى يهربوا من الواقع أو يستسلموا لشهواتهم المحرمة بالدين والمجرمة بقانون العقوبات، وذلك بالمخالفة للمادة الثانية من الدستور التى تنص على أن: "الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع"، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) - صدق الله العظيم - قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) - صدق الله العظيم – طبقا لما ورد بـ"الدعوى".
وأيضاً فى المسيحية نجد أنه لا مكان للقمار المحرم: بعد أن ذكّر تيموثاوس أن يقنع بالمأكل والملبس، حذره بولس قائلا، "وأما الذين يريدون أن يكونوا أغنياء فيسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرة تُغرق الناس في العطب والهلاك" (1 تيموثاوس 9:6)، وأيضاً تيموثاوس 6:10 يقول لنا: أن محبة المال هى أساس كل الشرور الذى إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا انفسهم باوجاع كثيرة، وكذا عند اليهود أيضاً لا يسمح بالقمار فنجد منع الدولة التى تدعى اليهودية اسرائيل ذاتها إقامة صالات قمار على أراضيها وتعاقب على ذلك بقانون العقوبات البند 224 من الفصل الثانى عشر من قانون العقوبات لعام 1977 وتكون العقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات أو مضاعفة الغرامة.
إفراز الدوبامين في دماغ الشخص المقامر
فنجد أن الدولة التى ترتكب أبشع الجرائم فى تاريخ البشرية لا تسمح لأفرادها بلعب القمار وتعامله معاملة المخدرات ولا تسمح بإفساد شعبها، لأنها تعلم جيداً نتيجة ذلك، فما بالنا بمصر وتاريخها وحضارتها كيف نقف عاجزين أمام هذا الفساد الذى يزداد انتشاراً يوماً تلو الأخر، ونجد أيضاً أن تلك الألعاب تؤدى الى تدمير كثير من الأسر المصرية وارتفاع نسب الطلاق بسبب ممارسة تلك اللعبة التى بداخلها مئات الألعاب والخيارات للمراهنة، وذلك بأن ينفق الرجل أمواله وراتبه ويبيع ممتلكاته من أجل ارضاء تلك الشهوة الخطيرة التى نراها من الخارج عادية ولكن يتحدى كل من مارسها أى شخص ينخرط باللعبة أن يستطيع الخروج منها.
بالاضافة الى أن عدد كبير من الأبحاث أشارت الى أن التأثير نتيجة لعدم الانتظام في افراز الدوبامين في دماغ الشخص المقامر لأنه يعرض أمواله للمخاطرة، فتتأثر كيمياء مخه، فيؤثر ذلك على نفسيته تأثيراً كبيراً، وكما هو معلوم فإن الدوبامين، وكما (Dopamine) يوجد مادة كيميائية يؤثر على الكثير من الأحاسيس والسلوكيات بما في ذلك الانتباه والتوجيه، وتحريك الجسم ويؤدي الدوبامين دوراً رئيسياً في الإحساس بالمتعة والسعادة والإدمان، كما أكدت الابحاث أن المقامرة تؤثر على وعي المقامر والتأثير النفسي عليه نتيجة الفوز أو الخسارة قد يشمل الإحباط وتقلب المزاج وتغير الشخصية، لأنه يخاطر بشيء عزيز عليه وهو المال، وقد يخسره بكل سهولة، فالدراسات قارنت بين نسب الأمراض النفسية بين المقامرين وغير المقامرين ووجدوا أنها مرتفعة في المقامرين بنسب كبيرة مثل الإحباط والهلع الشديد وانفصام الشخصية وغيرها.
ارتفاع نسبة البطالة بسبب المقامرة
ويؤدى هذا الى ارتفاع نسبة البطالة فنجد غالبية من يمارسون تلك الألعاب لا يهمهم السعى وراء العمل بل كل تفكيرهم يتجه نحو الحصول السريع على المال دون بذل أى مجهود خاصةً إذا صادف أحدهم أن فاز بأحد المراهنات فسيصعب على من تذوق لذة الكسب السريع دون مجهود أن يذهب الى عمل شاق قد لا يوفر له نفس القدر من المال، كما يؤدى ذلك للإضرار بالاقتصاد القومى، فنجد أن تلك اللعبة تؤدى الى خروج أرقام كبيرة من العملة الاجنبية (الدولار)، لأن الدولة ملزمة بسداد تلك المبالغ عن طريق تحويل العملة المحلية المصرية التى يدفعها المقامر الى دولار يتم دفعه للخارج فى ظل أزمة دولارية طاحنة تمر بها البلاد، إضافة الى أن هؤلاء المقامرين لا يقومون بدفع أى أموال للدولة أو ضرائب ولم تقم تلك الشركات بالترخيص لأن القانون المصرى يمنع ذلك.
بالاضافة إلى إعلانهم توظيف وكلاء لهم دون أن يكون لهم مهام غير أنهم يفتحون حسابات بالدولار ويعملون بالمقاصة مع المراهنين الاطفال أو الذين ليس لهم حسابات بنكية أو بطاقات دفع تسمح بالدفع الدولى ويقومون بالتحويل عبر نظام كاش (فودافون واورانج واتصالات)، فيقوم المقامر بتحويل المبالغ بواسطة أى بائع فى أى محل أو حتى من حساب كاش الخاص به وبذلك يكون الشخص رابحاً للمال دون بذل اى مجهود أو خسارة ولكن لو كانت تلك الأموال تخضع للمراقبة والمحاسبة من قبل الجهات المسئولة لكان من الممكن أن تتهم النيابة هؤلاء الأشخاص بغسيل الأموال بالاضافة الى استخدام حقوق الملكية الفكرية للأندية المصرية دون أى تدخل من وزارة الشباب والرياضة.
دعوى قضائية لغلق وحجب المواقع.. والتصدى لمعدلات الجرائم الناتجة عنها
وفى الأخير طالبت "الدعوى": بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار السلبى بإمتناع المطعون ضدهم عن إصدار قرار بحجب تطبيق وموقع "وان إكس بت" من أجهزة الحواسب والمحمول وكافة مواقع المراهنات والتطبيقات الخاصة بالمراهنات وذات الصلة بالقمار الإلكترونى، وما يترتب على ذلك من آثار لحين الفصل فى الموضوع وتنفيذ الحكم بمسودته الأصلية دون إعلان، ومواصلة العمل الدؤوب لمنع تلك الشرور التى تفسد المجتمع المصرى وتخلخله وتعمل على تدميره بتلك الحروب الحديثة الإلكترونية وملاحقة كل من يروجون ويبثون لنا السموم الخبيثة.
أما عن تحريم القمار أو التراهن فى الإسلام فقد حسم الله هذا الجدل بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِى الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِين)، حيث أجابت دار الإفتاء على سؤال يخص مدى حرمانية التراهن والقمار أم لا فكان الرد أن الميسر هو القمار والمراهنة بالأموال، ومن معانيه السهولة؛ لأن الرجل يأخذ مال غيره بيسر وسهولة من غير كدّ ولا تعبٍ، وهو محرّم شرعًا إلا ما استثناه الشارع وأجازه لدوافعَ مشروعةٍ؛ كالتَّسابق بالخيل والإبل، والرّمي، وبالأقدام، وفى العلوم.
وأوضحت دار الإفتاء، أنه لا مانع شرعًا من المراهنة فى مجال الرياضة إذا كانت مما استثناه الشارع وأجازه، وكانت الجائزة مقررة من ولى الأمر، أو كانت من أحد المتسابِقَين دون الآخر، أو كانت من كِلَا المتسابِقَين ودخل بينهما ثالث، فإن كانت الجائزة من كلٍّ من المتسابقين فهو من القمار المحرم.