على وقع أصوات القصف وأزيز طائرات الاحتلال الإسرائيلية، أحيا مسيحيو مدينة غزة، الذين يسيرون حسب التقويم الشرقي، عيد الفصح المجيد، دون أي مظاهر احتفالية، وذلك مع استمرار العدوان على غزة من قبل الجيش الإسرائيلي، وارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 34683 شهيدا و78018 إصابات منذ السابع من أكتوبر الماضي، فلازال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم، وبحسب إحصائيات رسمية للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن جيش الاحتلال دمر 237 مسجدًا بشكل كلي، فضلا عن تدمير 313 مسجدًا بشكل جزئي، فضلا عن استهداف 3 كنائس من أقدم الكنائس في العالم.
فبينما يحتفل المسيحيون حول العالم بعيد من أعظم الأعياد وأهمّها في الدين المسيحى هو عيد القيامة المجيد الذى يرمز إلى قيامة السيّد المسيح من بين الأموات بعد 3 أيام من موته وفقاً للعهد الجديد، وينتهي بهذا العيد الصوم الكبير كما ينتهي أسبوع الآلام، وموت وقيامة المسيح من أهم الأحداث التى يرويها الكتاب المقدس عن حياة السيد المسيح، فيذكر إنجيل العهد الجديد أن المسيح صلب فى يوم الجمعة بيد الرومان، بعد أن قدمه رؤساء كهنة اليهود للحاكم الرومانى بيلاطس البنطى ليقتل بتهمة أنه يحرض الشعب على قيصر، وفى اليوم الثالث أى الأحد قام من بين الأموات بحسب المعتقدات المسيحية، لذا فالقيامة فى الفكر المسيحى هى الأمل والقدرة على التغيير، فالمسيح قام من موته بعد ألم وعذاب وكذلك هى القيامة رجاء بعد يأس.
"عيد الفصح المجيد" على أصوات القصف وأزيز طائرات الاحتلال الإسرائيلية
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على معاناة دور العباة (كنائس ومساجد) في غزة وتدميرها والتي تُعد جريمة حرب يحاكم عليها نتنياهو جنائياً، خاصة فى ضوء السوابق القضائية للمحكمة الجنائية الدولية، فمع مرور 212 يوما على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لم تقتصر الممارسات ومخططات الإبادة الجماعية لجيش الاحتلال، على استهداف المدنيين وقصف المنازل والمباني الحكومية والمستشفيات فحسب، بل امتد الأمر إلى استهداف دور العبادة التاريخية، حيث تحتضن غزة أكبر وأقدم مساجد وكنائس في العالم – بحسب الدراسة التي اعدها المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، بعنوان : "محاكمة قادة إسرائيل عن جرائم الإبادة الجماعية للمدنيين بغزة والإكراه على التهجير القسرى إلى سيناء أمام المحكمة الجنائية الدولية.. العقبات والحلول".
نتنياهو ما زال يخدع العالم المسيحى ولم يتورع عن تفجير جثث موتى المسلمين والمسيحيين بفلسطين
في البداية - نتنياهو مازال يخدع العالم المسيحى فى جميع أنحاء العالم فى عيد القيامة المجيد، وهو لم يتورع عن تفجير جثث موتى المسلمين والمسيحيين بفلسطين، وعلى الرغم من أن عدد المسيحيين في إسرائيل بلغ 177 ألف نسمة تقريباً بما يشكل نحو 2.1% من عدد الإسرائيليين البالغ عددهم (9) مليون و450 ألف نسمة إلا أنه مازال يخدعهم مع مسيحى العالم، وهل تعلم دول التطبيع أن حلم الصهاينة بـ"إسرائيل الكبرى" تشمل حدود مصر جنوباً وإيران شمالاً ودول الخليج العربي وتغطي منطقة الشرق الأوسط بأكملها، دون أن يتعمقوا دهاليز التاريخ ويدركوا أنه لولا مصر لأصبحوا لقمة سائغة فى فم إسرائيل، خاصة وإن قادة إسرائيل بحربهم على قطاع غزة بهذا الدمار وتلك الوحشية ليسوا قادة بل شياطين الجحيم وقوى الظلام، لا فرق عنده بين مسلم ومسيحى – وفقا لـ"خفاجى".
نتنياهو قصف 3 أقدم كنيسة في العالم للروم الأرثوذكس بمدينة غزة و3 أخريات
نتنياهو قصف الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية التاريخية بقطاع غزة على حد سواء، ومثالها المسجد العمري الكبير الذي يعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر، وكنيسة القديس برفيريوس التى كان يحتمى بها مئات من المسيحيين والمسلمين قبل قصفها، وموقع التنقيب في الميناء القديم وتدمير عشرات المواقع التراثية، وآلاف القتلى، حيث وضعت جثثهم في جنازة جماعية في باحة الكنيسة، ملفوفة بملاءات بيضاء بجانب الأنقاض التي قتلتهم، منه الأطفال، وأعربت حينذاك بطريركية القدس الأرثوذكسية، التي تدير الكنيسة،عن حزنها العميق، لأن العديد من الذين كانوا بداخل الجنيسة من النساء والأطفال، وليس بها أى مقاومين واتهمت إسرائيل باستهداف الكنائس، وأن استهداف الكنائس ومؤسساتها والملاجئ التي توفرها لحماية المواطنين الأبرياء يشكل جريمة حرب لا يجب تجاهلها – طبقا لـ"خفاجى".
فقد تعرضت 3 كنائس تاريخية لأضرار في مناطق مختلفة من القطاع وتعرضت الكثير من المنشآت المسيحية إلى أضرارٍ جمّة منها مبنى جمعية الشباب المسيحيين والمركز العربي الأرثوذكسي، كما أعرب رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس بالقدس، أن الاحتلال الإسرائيلي قضى على 2.25% من باقي المسيحيين في غزة، الذين استشهدوا في قصف واحدة من أقدم كنائس العالم، وكنيسة القديس بورفيريوس تعد أقدم كنيسة نشطة في المدينة، وهي مخصصة للأسقف الذي دمر معابد المدينة الوثنية وحول المدينة إلى المسيحية، وتأسست في أوائل القرن الخامس، بعد وقت قصير من وفاته، ودفن في الكنيسة. وبدأ البناء بوضعها الماثل من قبل الصليبيين الذين جاءوا عبر المدينة بعد 700 عام، على الرغم من أنه تم تجديده بشكل كبير في وقت لاحق بعد عهدهم – هكذا يقول نائب رئيس مجلس الدولة.
نتنياهو يستخدم الدين لمحو فلسطين ويدمر 215 مسجداً وكنيسة فى أكبر جريمة حرب فى التاريخ ضد الأديان
تعد غزة موطنًا لأقدم الكنائس والمساجد في العالم، التى تعرضت للتدمير من قوات الاحتلال الإسرائيلى حيث أن نتنياهو دمر 215 مسجداً وكنيسة فى أكبر جريمة حرب فى التاريخ ضد الأديان، ووفقاً للقانون الإنساني الدولي، يعد استهداف المباني الدينية عمداً أثناء النزاع جريمة حرب، رغم أن هناك استثناءً معفياً من العقاب إذا تم استخدام هذه المواقع لأغراض عسكرية، وهو غير منطبق على حالة نتنياهو لأن التدمير من جانبه على شعب أعزل وضد مواقع دينية تراثية يقصد محوها من الوجود، كما يقصد محو الوجود الفلسطينى من سياق التاريخ، كما إن قصف إسرائيل لدور العبادة الإسلامية والمسيحية يشكل انتهاكاً واضحاً للقانون الإنساني الدولي وقوانين الحرب، ويعد استهداف إسرائيل لدور العبادة يعد انتهاكا صارخا للحق في حرية الدين والمعتقد الذي يكفله القانون الدولي لحقوق الإنسان، ويحظر على إسرائيل مهاجمة أماكن العبادة بموجب هذا الحق.
إن نتنياهو استخدم الدين فى السياسة ويربط الصراع الإسرائيلي الفلسطينى بالدين، واستخدام الرموز والنصوص الدينية لمحو فلسطين وللتحريض على الهجمات ضد الفلسطينيين وطردهم من أراضيهم، وحرمانهم من حقوقهم الإنسانية الأساسية، وهو جزء من خطاب الكراهية الدينية المتزايد الذي تغذيه الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بالمخالفة للقوانين والاتفاقيات الدولية تحظر بشكل صارم استهداف دور العبادة أثناء الحرب، وهى جرائم حرب وإبادة جماعية، إن حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة جعلت الحياة أسوأ للمسيحيين عن مهد المسيحية، وهو ما عبر عنه بصدق رئيس الكنيسة الكاثوليكية الرومانية في الأراضي المقدسة من أن صعود حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة جعل الحياة أسوأ بالنسبة للمسيحيين في مهد المسيحية.
مفاجأة: السوابق القضائية للمحكمة الجنائية الدولية تعتبر تدمير دور العبادة جريمة حرب توجب السجن
ويشير الدكتور محمد خفاجى: إلى نقطة مهمة على مستوى القضاء الدولى فيقول: "إن السوابق القضائية للمحكمة الجنائية الدولية تعتبر قيام نتنياهو بتدمير دور العبادة الإسلامية والمسيحية جريمة حرب توجب محاكمته، ففى 27 سبتمبر 2016، أدانت المحكمة الجنائية الدولية أحمد الفقي المهدي بتهمة توجيه هجمات عمدا ضد المباني الدينية والتاريخية في تمبكتو، وهى مدينة في شمال مالي، وهي من أهم العواصم الإسلامية في غرب أفريقيا، وذلك أثناء احتلال أنصار الدين وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا وتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلاميعام 2012 بصفته قائدًا للحسبة، وقد أمر المهدي بشن هجمات على المساجد والأضرحة باستخدام الفؤوس والأزاميل والآلات الثقيلة".
كانت أفعال الفقي المهدي بمثابة جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي ــ القانون الدولي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية ــ ولم تكن إدانته موضع شك حقيقي على الإطلاق، وقد اعترف المهدي في محاكمته بذنبه وطلب العفو، وفي مقابل اعترافه، وافق الادعاء والدفاع على عقوبة السجن الموصى بها لمدة تتراوح بين تسعة أعوام و11 عامًا، فقد حكمت المحكمة الجنائية الدولية على المهدي بالسجن تسع سنوات.
وحشية نتنياهو بتدمير التراث الدينى والثقافي فى غزة
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يعترف فيها أحد المدعى عليهم في المحكمة الجنائية الدولية بالذنب، والمرة الأولى أيضاً التي توجه فيها المحكمة الجنائية الدولية تهمة ارتكاب جرائم حرب إلى متهم بتهمة تدمير دور العبادة والمواقع الثقافية، ورغم عظمة هذا الحكم الذى ينطبق تماما على نتنياهو إلا أن الرأى عندى أننى اتوجس خيفة من أن المحكمة الجنائية الدولية قد تفعل مع نتنياهو مثلما فعلت مع المهدى فتمنح تدمير دور العبادة اهتماما ينسى جرائمه الأخرى، مثل قتل المدنيين يزيد عن نصفهم الأطفال والنساء الذين تخطوا 34 ألفاً وتجويعهم كوسيلة حرب.
إن قيام نتنياهو بتدمير التراث الدينى والثقافي فى غزة ليس جريمة من الدرجة الثانية، لكنها عمل وحشي لمحو شعب، والرأى عندى أنه بقدر ما نقدر الأماكن المقدسة والفن والتراث الثقافى، فإن قلوب البشر تنجذب نحو الحماية القضائية للحياة والكرامة، مقارنة بالجرائم المرتكبة ضد حياة الإنسان وأماكن مقدساته وثقافته، وأرى أن نتنياهو عند قيامه بإلحاق الأذى بقتل المدنيين لديه هدفان: القضاء على هؤلاء سكان قطاع غزة وإزالة أي دليل مادي على وجودهم. وإن القتل الجماعي والدمار للمقدسات الدينية والثقافية هما ببساطة مرحلتان مغايرتان في نفس العملية العنيفة للتطهير العرقي والإبادة الجماعية، فهو الحد الفاصل بين الجرائم ضد حياة الإنسان والجرائم ضد الدين والثقافة، ونتنياهو لا يرى هذا التمييز في إبادته لقطاع غزة معنى ومبنى.
القانون الدولي يُجرم
إن دور العبادة تعد من الأعيان المحمية في قوانين الحرب والدساتير الدولية، كما أن اتفاقية لاهاي لعام 1954، التي وقع عليها الفلسطينيون والإسرائيليون تحمي المعالم الدينية من ويلات الحرب، وينص القانون الإنساني الدولي، على أن الاستهداف المتعمد للمباني الدينية أثناء النزاعات يعد جريمة حرب، وهناك مناشدات دولية لمنظمة "اليونيسكو" للحفاظ على الكنوز الأثرية المتبقية في القطاع المحتل، بعدما أدى القصف الإسرائيلي في الحرب، إلى تدمير أو إلحاق الضرر بمعالم مثل أقدم كنيسة وآخر الحمامات الأثرية والمساجد التاريخية.
المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة