في الفترة الأخيرة شاهدنا العديد من الجرائم الغريبة والعجيبة التي يندى لها الجبين، مما يدفع البعض لتفسير ذلك بأن من ارتكبها مُصاب بآفة في عقله أو نوع من أنواع الجنون والبعض الآخر يفسر بأن صاحبها مريض نفسيًا، وآخرون يفسرون ذلك بأن الجريمة كانت في حالة الغيبوبة، مما جعل البعض يخشى من إفلات الجاني من العقاب، وذلك نظرًا لأن الجنون أو حالة الغيبوبة مانع من موانع المسئولية الجنائية التي لا يسأل الشخص عن ارتكابه الجريمة، نظرًا لانعدام الإرادة وانعدام الإدراك، لذا وجب التوضيح ما المقصود بالغيبوبة أو السكر سواء الاختيارى أو الإجبارى ومتى لا يسأل الشخص عن جريمته، وما المسئولية الجنائية؟
وفى الحقيقة هناك إشكالية كبيرة حول ثبوت المسئولية الجنائية في حالتي الغيبوبة والسكر الاختياري في الجرائم ذات القصد الخاص يقتضي توافرها قبل ارتكاب الجريمة، وكذا إشكالية اعتراف السكران بالجريمة، وذلك في الوقت الذي تقرر فيه بعض التشريعات مسؤولية السكران باختياره على أساس العمد مثل القانون الألماني والسويسري، وهو ما اتجهت إليه محكمة النقض الفرنسية، أما المشرع المصري ففي المادة 2/62 عقوبات رفع المسئولية عن السكران إذا ما تناول المخدر أو المسكر قصراً أو قهرا عنه، ولكنه سكت عن حالة ما إذا تناول المسكر باختياره.
الغيبوبة والسكر الاختيارى والسكران قهرا عنه والمجنون
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على حالتي الغيبوبة والسكر الاختياري في الجرائم ذات القصد الخاص، ومسألة الجنون وأنواعه التي يعتبرها البعض من موانع المسئولية الجنائية، فلقد انتشرت ظاهرة السكر في المجتمع وباتت تهدد بقاءه ووجوده ولم يسلم منها أحد، فلقد فشت في النساء، كما تضخمت في الرجال، وبعض أنواع المخدر والمضاف عليه مادة "الاستروكس" تجعل الإنسان في عالم منفصل عن الواقع لا يرى فيه سوى نفسه ولا يتبع سوى نفسه ولا يستمع إلا لنفسه، عالم يجعله لا يشعر بالأخرين من حوله فلا يرى الناس حوله إلا ما يري هو، فكونه يقدم على المسكر هو إنسان مضطرب الشخصية لا يرى سوى نفسه طمست مشاعرة وإحساسيه تجاه من حوله.
وفى هذا السياق – يقول أستاذ القانون الجنائي والمحامي بالنقض ياسر الأمير فاروق، إن السكر سواء أكان خمورا أو عقاقير أو نباتات طامة كبرى، إذ من الثابت علمياً أن الإفراط في تناول المواد المخدرة أو المسكرة يفضي إلى خلل في القدرات الذهنية وفي سيطرة الشخص على ما يصدر عنه من أفعال ومقتضى ذلك رفع المسئولية الجنائية العمدية عن السكران فيما يرتكبه من جرائم سواء أكان قد تناول المخدر أو المسكر قهراً عنه أو باختياره مادام أنه لحظة ارتكاب الجريمة كان فاقد الشعور والاختيار بسبب المسكر وهما مناط المسؤولية الجنائية.
نص المادة 62 يدل بمفهوم المخالفة على مسئولية السكران باختياره
ووفقا لـ"فاروق" في تصريح لـ"برلماني": جمهور الفقه يرى أن نص المادة 62 يدل بمفهوم المخالفة على مسئولية السكران باختياره، ولكن يدق الأمر حين يصدر اعتراف من المتهم وهو تحت تأثير المخدر أو المسكر فهل يبطل الاعتراف أم يصح؟ وترى محكمة النقض مسئولية السكران باختياره مطلقا سواء كانت الجريمة عمدية أو إهمالا، فالأصل لديها أن الغيبوبة المانعة من المسئولية – على مقتضى المادة 62 من قانون العقوبات – هي التي تكون ناشئة عن عقاقير مخدرة تناولها الجاني قهراً عنه أو بغير علم منه بحقيقة أمرها بما مفهومه أن من يتناول مادة مخدرة أو مسكرة عن علم بحقيقة أمرها يكون مسئولا عن الجرائم التي تقع منه وهو تحت تأثيرها سواء كانت عمدية أم بإهمال.
جمهور الفقه يرى بطلان اعتراف السكران
وبحسب "فاروق": جمهور الفقه يرى بطلان الاعتراف إذ من شروط صحة الاعتراف الإدراك والاختيار بمعني أن تكون إرادة المتهم واعية كي يدرك ما يقول ويكون مستعدا لتحمل تبعة اعترافه وهو ما لا ينطبق علي حال السكران لعطب شاب إرادته والعمد في ذلك أن يؤدي السكر إلى فقدان الشعور والاختيار بغض النظر عما إذا كان تناول المسكر اختيارا أم قهرا لأن ما يصدر عن السكران لا يعد اعترافا بل محض هزيان.
غير أن محكمة النقض ترى عكس ذلك إذ أقامت تفرقة بين ما إذا كان المتهم المعترف قد تناول المسكر باختياره أم جبرا عنه ولا تقبل الدفع ببطلان الاعتراف إلا إذا كان تناول المسكر جبرا عن إرادة المعترف أما أن تناوله باختياره فإن النقض تشترط لبطلان الاعتراف أن يكون المسكر أفقده الشعور والاختيار تماما - وفي ذلك تقول ولإن كان السكُر من العوامل التي تفقد الشعور والإدراك، فيبطل الاعتراف إذا كان السكر نتيجة لتناول المعترف للخمر قهراً عنه، أما إذا كان تناوله باختياره، فلا يبطل الاعتراف، إلا إذا كان السكر قد أفقده الشعور والإدراك تماماً، أما إذا لم يفقده الشعور والإدراك تماماً فيصبح الأخذ به – الكلام لأستاذ القانون الجنائى.
رأى محكمة النقض في الأزمة
محكمة النقض سبق لها التصدى لمثل هذه الأزمة في الطعن المقيد برقم 26136 لسنة 66 قضائية، حيث ذكرت في حيثيات حكمها: "وإذ كان الحكم المطعون فيه لم يرتب على اعتراف الطاعن وحده الأثر القانونى للاعتراف وإنما أقام قضاءه على ما يعززه من أدلة الدعوى الأخرى وكان الثابت من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يدع أنه كان وقت ارتكاب الجريمة متناولاً مادة مسكرة قهراً عنه أو على غير علم منه بحقيقة أمرها بل أطلق القول بأن الطاعن كان في حالة سكر أثناء سؤاله في محضرى الشرطة والنيابة العامة دون أن يبين ماهية هذه الحالة ودرجتها ومبلغ تأثيرها في إدراك الطاعن وشعوره وبغير أن يقدم دليلاً على أنها أفقدته تماماً الإدراك والشعور أثناء اعترافه، فإنه لا يكون للطاعن من بعد النعى على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يثر أمامها ولا يقبل منه التحدى بذلك الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض ويضحى نعيه في هذا الخصوص على غير أساس.
التفرقة بين السكران الاضطراري والسكران الاختياري
هذا الحكم محل نظر إذ وضع تفرقة تحكيمية بين السكر الاضطراري والسكر الاختياري، وقرر ضمنا أن اعتراف من تناول المسكر قهرا عنه مبطل للاعتراف سواء أفقده المسكر الشعور والإدراك أم لم يفقده بخلاف السكر الاختياري، إذ طبقا للحكم محل النظر لا يبطل الاعتراف إلا إذا افقد المعترف الإدراك والشعور تماما في حين أن مناط صحة الاعتراف أن تكون أرادة المتهم واعيه فإن كانت عاطله لأي سبب كفقد الشعور والإدراك لتناول مسكر سقط الاعتراف سواء عطلت الإرادة تماما أم ألم بها عطب أثر فيها وجعلها فاقدة الإدراك والاتزان، إذ في الحالين تكون الإرادة معيبة لا تعبر عن حقيقة، ولا فرق في ذلك بين السكر الاختياري والسكر الاضطراري ولا أهمية لكون المحكمة اعتبرت ما صدر عنه اعتراف كامل أم مجرد قرينه تعزز الأدلة لأن من شروط القرينة أن تكون صحيحة – طبقا لـ"فاروق".
وفى سياق أخر – يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض حسام حسن الجعفرى - المسئولية الجنائية هى مقدرة الشخص على فهم سلوكه لحظة ارتكابه للجريمة، أي ما يفكر به الشخص وقت ارتكاب الجريمة، وما هي النتيجة المتوقعة عندما يرتكب الجريمة، وتعتبر الحالة العقلية من الأسس المهمة لتعريف الجرائم في القانون، بمعنى آخر المسئولية الجنائية ترتبط بالحالة العقلية للجريمة، أركان المسئولية الجنائية في القانون المصري تقع المسئولية الجنائية على الفرد عند توافر جميع أركان الجريمة وهي: الركن المادي للجريمة ويعبر عنه بالسلوك أو بالفعل، الركن القانوني للجريمة ويتمثل بوجود نصوص قانونية تُجرم الفعل الصادر من الجاني على المجني عليهم، أما الركن المعنوي ويعني القصد جنائيًا للشخص الفاعل، أي أن يكون الجاني واعيًا ومدركًا لأفعاله، وتوافر الثلاثة أركان يكون أمام جريمة يسأل عنها المتهم جنائيًا.
الفرق بين الجنون الكامل والجزئى لموانع المسئولية الجنائية
ويضيف "الجعفرى" في تصريحات خاصة: الجنون هو التطبيق الـثاني لموانع المسئولية الجنائية الناشئة عن انعدام الإدراك والوعي، فتنص المادة 62 من قانون العقوبات على أن: "لا عقاب على من يكون فاقد الشعور أو الاختيار وقت ارتكاب الفعل، إما لجنون أو عاهة في العقل، وإما لغيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أيا كان نوعها إذا أخذها قهرًا عنه أو كان على غير علم بها"، والجنون قد يكون مستمرًا وهو يمنع المسئولية، وقد يكون متقطعًا يجيء في مراحل متباينة تعقبها مراحل إفاقة، وفي هذه الحالة يمنع من المسئولية متى كان الجنون معاصرًا لارتكاب الجريمة، وساوى المشرع بين الجنون والعاهة العقلية، ولامتناع المسئولية الجنائية يجب أن يكون الجنون تامًا أي غياب الوعي والإدراك، أما الجنون الجزئي فيكون الشخص سليمًا من ناحية قواه العقلية ولكن يأتي بأفعال إجرامية كالسرقة والحريق والأفعال المنافية للحياء فيكون مسئولًا عن الأفعال التي ارتكبها وهو غير خاضع لتأثير أي اضطراب عقلي وبعض الفقهاء دعا إلى أنه يسأل ولكن مع تخفيف العقوبة فهو يعد من أنصاف المجانين.
ويوضح "الجعفرى": لكن حتى يستفيد الشخص من عدم مسئوليته جنائيًا يجب أن يكون الجنون معاصرًا لارتكاب الجريمة، وهناك ما يسمى بالجنون الطارئ وهو ما يكون بعد ارتكاب الجريمة فلا يستفيد الشخص من الظرف المانع من المسئولية الجنائية بل يقتصر أثره على إجراءات رفع الدعوى إذا طرأ في إثنائها أو على تنفيذ العقوبة إذا حدث بعد الحكم النهائي ويكون بوقف الإجراءات أو بوقف تنفيذ العقوبة، فتنص المادة 339 فقرة "أ" من قانون الإجراءات الجنائية على أنه: "إذا ثبت أن المتهم غير قادر على الدفاع عن نفسه بسبب عاهة في عقله طرأت بعد وقوع الجريمة يوقف رفع الدعوى عليه أو محاكمته حتى يعود إليه رشده"، ويجب أيضًا أن يكون الجنون ثابتًا أي أن تثبت محكمة الموضوع أن المتهم كان فاقدًا للإدراك والشعور وقت ارتكاب الفعل، لذا فالجنون والعاهة العقلية هما فقط مانعا المسئولية الجناية، أما سائر الأمراض النفسية التي لا يفقد فيها الشخص شعوره وإدراكه فلا تعد سببًا لانعدام المسئولية.
رأى محكمة النقض في الأزمة
هذا وقد سبق لدائرة توحيد المبادئ لمحكمة النقض التصدي لأزمة ثبوت المسئولية الجنائية في حالتي الغيبوبة والسكر الاختياري في الجرائم ذات القصد الخاص يقتضي توافرها قبل ارتكاب الجريمة، وذلك في الطعن المقيد برقم 72594 لسنة 75 القضائية، والذى جاء في حيثياته:
من المقرر أن الغيبوبة المانعة من المسئولية على مقتضى المادة 62 من قانون العقوبات هي التي تكون ناشئة عن عقاقير مخدرة تناولها الجاني قهراً عنه أو على غير علم منه بحقيقة أمرها بما مفهومه أن من يتناول مادة مخدرة أو مسكرة وإن علم بحقيقة أمرها يكون مسئولاً عن الجرائم التي تقع منه وهو تحت تأثيرها فالقانون يجري عليه - في هذه الحالة - حكم المدرك التام الإدراك مما ينبني عليه توافر القصد الجنائي لديه، إلا أنه لما كانت هناك بعض الجرائم يتطلب القانون فيها ثبوت قصد جنائي خاص لدى المتهم فإنه لا يتصور اكتفاء الشارع في ثبوت هذا القصد باعتبارات وافتراضات قانونية، بل يجب في هذه الجرائم - وعلى ما استقر عليه قضاء محكمة النقض - في تفسير المادة 62 من قانون العقوبات التحقق من قيام القصد الجنائي الخاص من الأدلة المستمدة من حقيقة الواقع، فلا تصح معاقبة الجاني عن القتل العمد إلا أن يكون قد انتوى القتل من قبل ثم أخذ المسكر ليكون مشجعاً له على ارتكاب جريمته، وحيث إن قضاء محكمة النقض في هذا الصدد أقيم على أسباب صحيحة ويحقق العدالة والصالح العام ويتفق وصحيح القانون وتقره الهيئة وترفض العدول عن هذه المبادئ وتعدل بالأغلبية المقررة في هذا القانون عن الأحكام الأخرى التي خالفت هذا النظر.
الوقائع.. الهيئة العامة للنقض تتصدى للأزمة
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم: اشتركوا في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب جرائم القتل المقترن بجناية السرقة بالإكراه وإحراز الجواهر المخدرة بقصد التعاطي وإحراز الأسلحة البيضاء بدون ترخيص بأن اتفقوا واتحدت إرادتهم على ارتكابها فوقعت منهم تنفيذاً لذلك الجرائم الآتية:
أولاً: قتلوا "........." عمداً بأن طعنه المتهم الأول بسلاح أبيض "مطواة" في صدره فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته بينما تواجد المتهمان الثاني والثالث بمسرح الجريمة لشد أزره وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنهم في ذات الزمان والمكان سالفي البيان سرقوا المبلغ النقدي والأشياء المملوكة لـ"....." بطريق الإكراه الواقع عليه بالطريق العام وباستخدام الأسلحة البيضاء بأن استوقفوه حال سيره وأشهروا في وجهه الأسلحة البيضاء "مديتين وشفرة موس" مهددين إياه بها وبثوا الرعب في نفسه وشلوا بذلك مقاومته فتمكنوا بتلك الوسيلة من الإكراه من إتمام السرقة.
ثانياً: أحرزوا بقصد التعاطي جوهراً مخدراً "الفلوبنز ايبام" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً.
ثالثاً: أحرزوا أسلحة بيضاء "مديتين وشفرة موس" دون مسوغ من الضرورة الشخصية أو الحرفية. وطلبت معاقبتهم بالمواد 48، 234/ 1، 315 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1، 2، 37/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 122 لسنة 1989 والبند رقم 131 من القسم الثاني من الجدول رقم (1) الملحق بالقانون الأول والمضاف بقرار وزير الصحة رقم 21 لسنة 1999 والمواد 1/ 1، 25 مكرراً/ 1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 26 لسنة 1978 والبندين رقمي 10، 11 من الجدول رقم (1) الملحق بالقانون الأول والمعدل بقرار وزير الداخلية رقم 97 لسنة 1992 - والمادتين 95، 112/ 1 - 2 من القانون رقم 12 لسنة 1996 وأحالتهم إلى محكمة أحداث القاهرة لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بالسجن لمدة عشر سنوات لكل منهم والمصادرة.
وفى تلك الأثناء - استأنفوا ومحكمة شمال القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف، فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض........ إلخ، ومحكمة النقض قضت بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة شمال القاهرة الابتدائية لتحكم فيها من جديد هيئة استئنافية أخرى، ومحكمة الإعادة "بهيئة مغايرة" قضت بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف، فطعن المحكوم عليهما الثاني والثالث في هذا الحكم بطريق النقض (للمرة الثانية)....... إلخ، وبجلسة 21 من مايو سنة 2006 قررت محكمة النقض - الدائرة الجنائية - الأحد - أ - إحالة الطعن إلى الهيئة العامة للمواد الجنائية للفصل فيه.
المادة 62 من قانون العقوبات
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: حيث إن المادة 62 من قانون العقوبات تنص على أنه "لا عقاب على من يكون فاقد الشعور أو الاختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل. إما لجنون أو عاهة في العقل. وإما لغيبوبة ناشئة من عقاقير مخدرة أياً كان نوعها إذا أخذها قهراً عنه أو على غير علم منه بها". وقد اختلف في أمر تفسير هذه المادة بالنسبة للجرائم ذات القصود الخاصة فهناك عدة اتجاهات منها من يرى بمسئولية فاقد الشعور أو الاختيار بسبب تعاطيه لعقاقير مخدرة باختياره عن الجرائم ذات القصود الخاصة استناداً إلى افتراض ثبوت هذا القصد الخاص.
وأضافت "المحكمة": منها من يرى عدم مسئولية فاقد الشعور أو الاختيار بسبب تعاطيه لعقاقير مخدرة باختياره عن الجرائم ذات القصود الخاصة إلا أن يكون قد أنتوى ارتكاب الجريمة ثم أخذ المسكر مشجعاً له على ارتكابها، وهو ما جرى عليه قضاء محكمة النقض. وإذ رأت الدائرة التي نظرت الطعن العدول عن هذا المبدأ القانوني الذي قررته الأحكام السابقة، فقد قررت بجلستها المنعقدة بتاريخ 21 من مايو سنة 2006 إحالة الطعن إلى الهيئة العامة للمواد الجنائية للفصل فيه وذلك عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972.
كيف ترى محكمة النقض الغيبوبة المانعة من المسئولية؟
وتابعت: حيث إن أحكام محكمة النقض قد استقرت على أن الغيبوبة المانعة من المسئولية على مقتضى المادة 62 من قانون العقوبات هي التي تكون ناشئة عن عقاقير مخدرة تناولها الجاني قهراً عنه أو على غير علم منه بحقيقة أمرها بما مفهومه أن من يتناول مادة مخدرة أو مسكرة وعن علم بحقيقة أمرها يكون مسئولاً عن الجرائم التي تقع منه وهو تحت تأثيرها فالقانون يجري عليه - في هذه الحالة - حكم المدرك التام الإدراك مما ينبني عليه توافر القصد الجنائي لديه، إلا أنه لما كانت هناك بعض الجرائم يتطلب القانون فيها ثبوت قصد جنائي خاص لدى المتهم فإنه لا يتصور اكتفاء الشارع في ثبوت هذا القصد باعتبارات وافتراضات قانونية، بل يجب في هذه الجرائم - وعلى ما استقر عليه قضاء محكمة النقض - في تفسير المادة 62 من قانون العقوبات التحقق من قيام القصد الجنائي الخاص من الأدلة المستمدة من حقيقة الواقع، فلا تصح معاقبة الجاني عن القتل العمد إلا أن يكون قد انتوى القتل من قبل أخذ المسكر ليكون مشجعاً له على ارتكاب جريمته.
وحيث إن قضاء محكمة النقض في هذا الصدد قد أقيم على أسباب صحيحة ويحقق العدالة والصالح العام ويتفق وصحيح القانون وتقره الهيئة وترفض العدول عن هذه المبادئ وتعدل بالأغلبية المقررة في هذا القانون عن الأحكام الأخرى التي خالفت هذا النظر. لما كان ذلك، وكانت المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية قد نصت على أن "تشكل الجمعية العامة لمحكمة النقض هيئتين بالمحكمة كل منها من أحد عشر قاضياً برئاسة رئيس المحكمة أو أحد نوابه إحداهما للمواد الجنائية والثانية للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها وإذا رأت إحدى دوائر المحكمة العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة أحالت الدعوى إلى الهيئة المختصة للفصل فيها وتصدر الهيئة أحكامها بالعدول بأغلبية سبعة أعضاء على الأقل. وإذا رأت إحدى الدوائر العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة صادرة من دوائر أخرى أحالت الدعوى إلى الهيئتين مجتمعتين للفصل فيها، وتصدر الأحكام في هذه الحالة بأغلبية أربعة عشر عضواً على الأقل".
والمستفادة مما ورد في هذه المادة سواء ما تعلق منها بتشكيل الهيئة الواحدة فقرة (2) أو بتشكيل الهيئتين مجتمعتين فقرة (3) هو أنه كلما رأت إحداها العدول عن مبدأ قررته أحكام سابقة أصدرت حكمها بالعدول بأغلبية سبعة أعضاء بالنسبة للهيئة وأربعة عشر عضواً بالنسبة للهيئتين مجتمعتين ولم تلزم أياً من التشكيلين بعد الفصل في مسألة العدول بالفصل في موضوع الطعن وهو ما تشير إليه عبارة "وتصدر الأحكام في هذه الحالة بأغلبية أربعة عشر عضواً على الأقل التي وردت بعجز المادة إذ أن العدول هو الذي يلزم له الأغلبية المشار إليها فيها دون الحكم في الطعن نفسه الذي يكفي فيه بعد ذلك الأغلبية العادية المقررة لإصدار الأحكام، لما كان ذلك، فإن الهيئة بعد الفصل في المسألة المعروضة عليها تعيد الطعن - وهو مرفوع للمرة الثانية - إلى الدائرة التي أحالته إليها للفصل فيه طبقاً لأحكام القانون.