التصنيع الزراعي أحد التقنيات العلمية التي تسعى لتعظيم القيمة الاقتصادية للحاصلات الزراعية، بما يمثل قيمة مُضافة للمُنتج النهائي على صعيد القيمة الغذائية، والنواتج التي يمكن أن يحصل عليها المُزارعون بنهاية الموسم، وهو ما نادى به عدد من أعضاء مجلسى النواب والشيوخ بضرورة قيام الحكومة بوضع خطة موسعة لتعظيم التصنيع الزراعة لمواجهة تحديات الأمن الغذائي.
فتقدم الدكتور أيمن محسب، عضو مجلس النواب، بسؤال برلماني موجه إلى وزير الزراعة واستصلاح الأراضي بشأن خطة الحكومة والحلول المبتكرة لديها لمواجهة تحديات الأمن الغذائي، مشيرا إلى أن الدولة المصرية تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، أولت اهتماما كبيرا بالقطاع الزراعي، لتعظيم الاستفادة من مواردها الزراعية المحدودة من خلال استخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة، وتطوير منظومة البحث العلمي الزراعي، وتعزيز القدرة على الإبداع والابتكار.
وقال "محسب" في المذكرة الإيضاحية، إن الدولة تعمل على تعزيز دور الإرشاد الزراعي، والزراعة الذكية، والتوسع الزراعي أفقيا بزراعة الصحراء من خلال الاعتماد على مخزون المياه الجوفية ومصادر المياه غير التقليدية، كذلك من الضروري استنباط الأصناف عالية الإنتاجية وقليلة الاستهلاك المائي، مشيرا إلى أنه في ظل هذه الخطوات المهمة التي ساهمت في تحسين الإنتاج الزراعي بشكل ملحوظ، وهي خطوة مهمة من خطوات تحقيق الأمن الغذائي، لكن يجب أن يتزامن معها خطوات أخرى أهمها دعم التصنيع الزراعي الذي يُعد أحد الحلول المبتكرة لتعظيم الاستفادة من الإنتاج الزراعي، لمواجهة الطلب المتزايد على الغذاء في ظل النمو السكانى المٌطرد.
وأشار عضو مجلس النواب، إلى أن التصنيع الزراعي يساهم في زيادة الإنتاجية وتحسين الجودة وتقليل التكاليف في جميع مراحل سلسلة التوريد الزراعية، بالإضافة إلى خفض معدلات الهدر التي تتعرض لها الحاصلات الزراعية، مؤكدا أن هذا القطاع يواجه تحديات كبيرة يأتي على رأسها التكاليف الأولية المرتفعة، كذلك نقص العمالة الماهرة للتشغيل والصيانة، كما أنها أحد القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، ما يتطلب وضع رؤية لاعتمادها على مصادر آمنة على البيئة وأقل في التكلفة الاقتصادية، متسائلا عن خطة الدولة للتعامل مع هذه التحديات لدفع هذا القطاع للأمام.
واختتم النائب أيمن محسب، قائلا: "أنه في ظل حرص الدولة على تمكين القطاع الخاص وتوسيع دوره في الأنشطة الاقتصادية المختلفة، فلابد من وجود رؤية للدولة لتعزيز مشاركة القطاع الخاص في مجال التصنيع الزراعي، عبر إقرار حوافز واعفاءات ضريبية وتسهيلات للمستثمرين المحليين والأجانب لتشجيع الاستثمار في هذا القطاع الواعد، الذي يُشكل أحد ركائز الأمن القومي."
من جانبه أكد النائب إيهاب وهبة، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري بمجلس الشيوخ، أنه بعد تنفيذ مبادرة "حياة كريمة" فى الريف المصري، والتى أسهمت تدخلاتها التنموية بشكل كبير فى تحسين البنية الأساسية وشبكة الطرق فى معظم القرى، وهى من العوامل المهمة لتوطين صناعات قائمة على الإنتاج الزراعى والحيوانى فى ظل توافر المواد الخام والأيدى العاملة فى هذه المناطق.
وطالب وهبة، بعمل حصر شامل ودقيق لكل أنشطة ومشروعات التصنيع الزراعى بالقرى مهما صغر حجمها، وإعداد خريطة بتلك الأنشطة، بهدف تقديم قروض ميسرة لأصحابها تمكنهم من توفير معدات وآلات تساعدهم على تحديث وتطوير مشروعاتهم، والعمل على توفير مستلزمات الإنتاج المستورد بتخفيض الرسوم الجمركية.
وشدد وهبة، على أهمية تحسين جودة المنتج، وخفض الفاقد والتالف وتكاليف الإنتاج، وسهولة تطبيق معايير الجودة والاشتراطات البيئية والصحية، وتوفير برامج تدريبية لتنمية مهارة العمالة فى مجال التصنيع الزراعي ويصاحب كل ذلك الترويج للمنتجات وفتح أسواق خارجية جديدة، لاسيما والمنتجات بعد عمليات التحديث تستطيع أن تنافس فى الكثير من الأسواق الخارجية لما تتميز به من قيمة مضافة تتمثل فى جودة المنتج وانخفاض سعره.
وأكد وهبة، أهمية الربط بين الإنتاج الزراعى والحيوانى والتصنيع، باستخدام التكنولوجيا الحديثة فى الزراعة وإنتاج الألبان، وزراعة أصناف من الخضر والفاكهة مناسبة لعمليات التصنيع، وتشجيع الزراعة التعاقدية، التى تتضمن الاتفاق على أسعار المحاصيل الزراعية قبل زراعتها، وهو الأمر الذى يجنب المزارع مخاطر انخفاض أسعار المنتجات الزراعية، ويضمن له توفير مستلزمات الإنتاج والإرشاد الزراعى، والمساعدة فى معاملات ما بعد الحصاد.
ولفت وهبة، إلى أهمية الربط بين الاستثمار الزراعى والتصنيع الزراعى، بطرح مساحات كبيرة من أراضى الاستصلاح لشركات التصنيع الزراعى، لزراعة ما يلزمها من محاصيل زراعية، وإقامة مصانع داخل مناطق الاستصلاح الجديدة، وتخصيص مساحات صغيرة للشباب بجوار هذه المساحات، مع توقيع عقود بينهم وبين هذه الشركات الكبرى لتوريد إنتاجهم لمصانعهم، وتعظيم استفادة المزارعين من المخلفات النباتية والحيوانية ونواتج الصناعات الغذائية، بإعادة تدويرها وتحويلها إلى منتجات نافعة ذات قيمة اقتصادية مضافة، وإقامة صناعات جديدة تعتمد على تلك المخلفات، كتصنيع الأعلاف الحيوانية غير التقليدية، والورق وبعض ألواح الخشب، والأسمدة، واستخدامها كمصدر لتوليد الطاقة.
ولفت وهبة، إلى أن هذا يسهم فى تحسين أحوال البيئة الريفية، سيما وأن التخلص منها بالطرق الخاطئة (الحرق أو التحلل) يتسبب فى تلوث البيئة- الهواء، التربة- ويعتمد نجاح مشروعات التصنيع الزراعى الصغيرة على كيفية ابتكار العديد من الصناعات التى تعتمد على المخلفات الناتجة عن المصانع المقامة لإنتاج منتجات يمكن تسويقها لاسترجاع رأس المال، وتوفير مصاريف نقل المخلفات إلى أماكن بعيدة، منوها بأن هناك العديد من الدراسات والبحوث حول كيفية تخطيط المجتمعات الصناعية المتوافقة بيئيا، واختيار صناعات تتكامل مخلفاتها لإقامة صناعات عليها، وعدم إنتاج أى مخلفات تتطلب مدافن صحية.
وشدد وهبة، على أهمية وضع استراتيجية شاملة لتطوير قطاع التصنيع الزراعى تأخذ فى اعتبارها التمايز النطاقى والاختلافات القائمة بين الأقاليم الجغرافية، حيث تقسم محافظات الوجه القبلى إلى إقليم مصر العليا ويضم محافظات أسيوط وسوهاج وقنا وأسوان والوادى الجديد، الذي بإنتاج قصب السكر والتمور الجافة وشبه الجافة، ويضم إقليم مصر الوسطى محافظات الجيزة وبنى سويف والفيوم والمنيا، ويتميز بإنتاج النباتات الطبية والعطرية، وتقسم محافظات الوجه البحرى إلى ثلاثة أقاليم، الأول وسط الدلتا ويضم محافظات القليوبية والمنوفية والغربية والدقهلية وكفر الشيخ ودمياط، ويتركز فى هذا الإقليم إنتاج اللبن والأرز والخضر، والثانى شرق الدلتا ويضم محافظات الشرقية وبورسعيد والإسماعلية والسويس وشمال وجنوب سيناء، ويتميز بإنتاج الفاكهة والزيتون، والإقليم الثالث غرب الدلتا ويضم محافظات البحيرة والإسكندرية والنوبارية ومرسى مطروح، ويتميز بإنتاج الفاكهة.
وطالب وهبة، بإدراج مشروعات التصنيع الزراعى ضمن خطة تحديث الصناعة والسياسات الزراعية، مدخل ملائم لتحقيق التنمية الريفية المستدامة بأبعادها الثلاثة- البيئى، الاقتصادى، الاجتماعي- إذ تستوعب بعض هذه الصناعات المخلفات النباتية والحيوانية ومخلفات التصنيع الغذائى وتحولها من مواد ملوثة للبيئة إلى منتجات ذات قيمة اقتصادية، وفيما يتعلق بالبعد الاقتصادى تساعد على تقليل الفاقد من الحاصلات الزراعية، وتنويع مصادر الدخل، وتحسين مستوى المعيشة، ويتحقق البعد الاجتماعى بخلق فرص عمل مستدامة للشباب والمرأة، حال انتشار وحدات التصنيع الصغيرة والمتوسطة داخل القرى.
فيما قال النائب عمرو فهمي عضو مجلس الشيوخ عن حزب مستقبل وطن، إن الغذاء يمثل حجر الزاوية بالنسبة للدولة والمواطن، مشيرا إلى أن هناك ما يقرب من 7 سلع أساسية لا غنى للدولة ولا المواطن عنهم، جميعها يتم استيرادها من الخارج، باستثناء سلعة واحدة فقط بينها يكون فيها فائض وهي الأرز.
وأوضح فهمي، أن القمح يتم استهلاك 22 مليون طن سنويا، تنتج مصر منه تقريبا 8 ملايين طن، ما يعني أن القمح فقط يستورد بقرابة الـ6 مليارات دولار سنويا، أيضا الزيون يُستهلك ما يقرب من 2.4 مليون طن سنويا، والألبان 7 ملايين طن سنويا، الفول مليون طن سنويا، السكر 3 ملايين طن سنويا المكرونة مليون طن سنويا، لافتا إلى أن حجم الواردات المصرية خلال عام 2023 وصل نحو 80 مليار جنيه، يمثل حجم الغذاء فقط منها أكثر من 30٪، ما يؤكد أن التوسع في مجال التصنيع الزراعي أصبح أمرا حتميا وتحديا للدولة وللمصريين ولا تنازل عنه.
وأكد عضو مجلس الشيوخ، أن الدولة المصرية ممثلة في القيادة السياسية الحكيمة قدمت الكثير لدعم القطاع الزراعي ومن أهمها تبطين وتأهيل الترع وكروت الفلاح المصري، وإطلاق مشروع المليون فدان وطرح العديد من المشروعات الوطنية التي استهدفت تطوير منظومة الري واستصلاح الأراضي، وغيرها من المبادرات الرئاسية والمشروعات الداعمة للإنتاج الزراعي، بما يفرض علينا جميعا التوسع أيضا في الصناعات الزراعية ودعم التقنينات الحديثة لهذا المجال.
ولفت فهمي، إلى أن مجال الصناعات الغذائية الزراعية تساهم في أكثر من 5٪ من الناتج المحلي، منها الحبوب على سبيل المثال من قمح وذرة من أبرز المنتجات الزراعية التي تدخل في مجال التصنيع الزراعي، ويمكن لمصر التوسع فيها للاستفادة منها اقتصاديا بشكل كبير، وكذلك أيضا القطن من المحاصيل الزراعية المهمة والسكر والزيوت النباتية المستخلصة من النخيل وبذور الكتان والقطن، وأيضاً الطماطم والفواكه التي تدخل في صناعة الحلوى والعصائر والمشروبات والخضراوات والبقوليات.
ونوّه عضو مجلس الشيوخ، إلى أن التوسع في التصنيع الزراعي يسهم في تعزيز مجال الاستثمار في قطاع الزراعة، بمعنى تحقيق المطلوب من النمو الاقتصادي وتقليل بل منع الفاتورة الاستيرادية، وأيضا زيادة العائد للمزارع والمستثمر، كما أنه يتيح خلق العديد من فرص عمل خاصة في المناطق الريفية، وزيادة وتوسع الصادرات المصرية، بما يترتب عليه مكسب للاقتصاد المصري على شتي الأصعدة.
وطالب فهمي، بتعزيز مفهوم التصنيع الزراعي والتوسع في إقامة مجمعات صناعية زراعية متكاملة، وتقديم التيسيرات اللازمة للاستثمار بشكل أقوى وأكبر في هذا القطاع الحيوي للاستفادة من مقومات مصر الزراعية والصناعية والبشرية، بهدف تحقيق تنمية اقتصادية أوسع وأكبر تدعم الاقتصاد المصري وتضمن تحقيق الاكتفاء الذاتي غذائيا واقتصاديا سواء من الإنتاج الزراعي أو من الصناعات الزراعية.