الواقع والحقيقة يؤكدان أن الغالبية العظمى لسكان هذا العالم أن لدى الأقمار الصناعية القدرة على القيام بعمليات في غاية الدهشة والغرابة وأحيانا مرعبة ومخيفة، وعلى الجميع ألا يبدى أي استغراب من هذه الحقيقة التي تخفى عن الكثيرين خاصة عندما نأخذ بالإعتبار الجهود المضنية والإستثمارات الهائلة التي وُجّهت لتطوير تكنولوجيا الأقمار الصناعية منذ إطلاق القمر الصناعي السوفيتي سبوتنيك (Sputnik) عام 1957م، والذي سبب الذعر في الولايات المتحدة الأمريكية.
والدراسات البحثية والواقع يؤكدان أن الأقمار التجسس الصناعية تستطيع مراقبة كل حركة من حركات الشخص المستهدف حتى وإن كان الهدف موجوداً في منزله أو في أعماق مبنى ضخم أو مسافراً في سيارة على الطريق السريع، ومهما كانت حالة الطقس - غائم أو ممطر أو عاصف - باختصار، لا يوجد مكان على وجه الأرض يمكن الإختباء فيه، فلا يتطلب الأمر سوى ثلاثة أقمار صناعية لجعل الكرة الأرضية تحت المراقبة التجسسية المستمرة، هكذا تؤكد الدراسات البحثية.
تهكير الأقمار الصناعية وتأثيرها على الأمن الفضائي والعالمي
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية تهكير الأقمار الصناعية وتأثيرها على الأمن الفضائي والعالمي، والتحديات وسبل المواجهة، ففي 4 أكتوبر من عام 1957م، أطلق الاتحاد السوفيتي القمر "سبوتنيك 1" وكان أول قمر صناعي في العالم، ومنذ ذلك الحين توالت عمليات إطلاق الأقمار الصناعية إلى أن وصل عددها إلى حوالي 8900 قمر صناعي ومن أكثر من 40 دولة - بحسب أستاذ القانون الجنائى والخبير القانوني الدولى محمد أسعد العزاوي.
في البداية - يعرف القمر الصناعي بأنه جسم اصطناعي يتم إرساله عمدًا إلى مدار في الفضاء، عادةً من أجل إرسال المعلومات أو استقبالها أو ارتدادها إلى مناطق مختلفة من الأرض، كما أن الأقمار الصناعية هي هياكل من صنع الإنسان، وهي تختلف عن الأقمار الطبيعية مثل القمر الذي يدور حول الأرض والأرض نفسها التي تدور حول الشمس – وفقا لـ"العزاوى".
استخدام الأقمار الصناعية بصورة غير مشروعة كالتجسس
إلا وفي الآونة الأخيرة - فقد بدأ استخدام الأقمار الصناعية بصورة غير مشروعة كالتجسس وتهكير الأقمار الصناعية وما شابه ذلك، والذي يعد هذا الأخير جريمة جديدة تتطلب تقديم المسؤولية الجزائية للأفراد أو الجهات المسؤولة عن ذلك، بحيث يمكن أن تتضمن العقوبات القانونية العوائق المالية الكبيرة والعقوبات الجنائية بناءً على التأثير السلبي الذي يمكن أن يتسبب فيه هذا العمل على الأمن القومي والأمن العام – الكلام لـ"العزاوى".
ويعد تهكير الأقمار الصناعية هو عملية يتم خلالها اختراق نظام الاتصالات أو التحكم في الأقمار الصناعية لأغراض مختلفة، سواء كانت استخباراتية أو تجارية أو حتى لأغراض تخريبية، وفي ضوء ذلك فقد تناولت الأفلام الأجنبية هذه المسائل بشكل واسع ومن ضمنها فيلم - Geostorm 2017 - وهو فيلم من إخراج دين ديفلين وبطولة جيرارد باتلر وكاترين وينيك وإد هاريس، وتدور أحداث هذا الفيلم "Geostorm" حول شبكة "Dutch Boy" للتحكم بالمناخ، وهي شبكة من الأقمار الصناعية تم تصميمها للتحكم في ظروف الطقس على الأرض – هكذا يقول "العزاوى".
أفلام سينمائية أجنبية عالجة الأزمة
ويبدأ الفيلم عندما يبدأ أحد أقمار "Dutch Boy" بالعمل بشكل خاطئ، مما يتسبب في حدوث عواصف مدمرة في جميع أنحاء العالم، وفي فيلم "message man" للمخرج الأمريكي كوري بيرسون، والمنتَج عام (2018م)، يقدم فريق العمل أفكارًا لافتة، من خلال رصد التحرك للإنسان عبر تقنيات إحداثية مصورة من القمر الصناعي، يستخدمها الإنسان هذه المرة في القضاء على مجموعة من القراصنة، والفيلم من بطولة بول أوبيرون، الذي قدم شخصية راين، وفيردي سليمان، الذي قدم شخصية إلي، وآجي سانتوزا، الذي قدم شخصية الطفل دوني.
وتتطرق أحداث الفيلم إلى جزيرة في شرق آسيا، يعيش فيها مجتمع من الفقراء والكادحين، وتقوم مجموعة منظمة من القراصنة بالإعتداء بشكل دوري على أهل هذه الجزيرة، بهدف اختطاف البنات والاعتداء عليهن، ومن ثم بيعهن كإماء، بالإضافة إلى القرصنة على أموال الفقراء، الذين كانوا يعطونهم ما يريدون من أجل الحفاظ على حياتهم، وفي الحقيقة الأمر أن أغلب الأفلام الأجنبية التي نشاهدها اليوم وبالأخص أفلام الخيال العلمي، مع مرور الوقت أصبحت حقيقة واقعية ملموسة – طبقا لـ"العزاوى".
مخاطر تشجيع المتسللين الإلكترونيين الذين يستهدفون أقمارها الصناعية
وفي ضوء ذلك - فقد تمكنت مجموعة من قراصنة الكمبيوتر تسمى "شاديتل" من اختراق قمر اصطناعي كندي انتهت مهمته، وبات يحلق في ما يسمى "المدار المقبرة"، ولم يستلزم ذلك الاختراق الفضائي سوى معدات تكلف قرابة ثلاثمئة دولار تسمى "هاك آر أف"، وبفضل تلك الأداة سيطرت مجموعة "شاديتل" على القمر الاصطناعي الكندي "أينك إف1 آر" التابع لشركة "تليسات" في كندا.
وفي نفس السياق فقد بادرت الإدارة الأمريكية إلى تشجيع المتسللين الإلكترونيين الذين يستهدفون أقمارها الصناعية، في مسابقة أطلقتها القوات الفضائية والقوات الجوية الأمريكية، وذلك حسبما قال موقع Business Insider الأمريكي 13 أغسطس/آب 2023، ومن الجدير بالملاحظة أن مسابقة القوات الفضائية والقوات الجوية الأمريكية، Hack-A-Sat 4، تشبه منافسات العثور على الثغرة، وتتكون عادةً من فعاليات تأهيل وأحداث نهائية، يستخدم خلالها المتسللون أجهزة تحاكي اختراق قمر صناعي حقيقي والوصول إلى بياناته، وفقاً لتفاصيل المسابقة.
8 مخاطر لعملية التهكير للأقمار الصناعية
وفي نفس الصدد فإن تهكير الأقمار الصناعية قد يأتي في عدة جوانب، بما في ذلك – هكذا يقول "العزاوى":
1-العواقب الاقتصادية حيث يتسبب تهكير الأقمار الصناعية في خسائر اقتصادية هائلة للشركات أو الحكومات المتضررة من تلك الأعمال، وبالتالي يمكن فرض غرامات مالية كبيرة على المتهمين.
2-وفيما يتعلق بالعواقب القانونية حيث يمكن محاكمة المتهمين بموجب قوانين القرصنة الإلكترونية أو الجرائم السيبرانية الأخرى، مما يمكن أن يؤدي إلى عقوبات جنائية تتضمن السجن، وليس هذا فقط بل يمكن أن يؤثر على الأمن القومي، وبالتالي يمكن تصنيف ذلك كجريمة ذات أولوية عالية تتطلب استجابة سريعة وفعالة من السلطات القانونية.
3-إضافة إلى ما تسببه هذه الجريمة من أضرار بيئية ففي بعض الحالات، قد يتسبب تهكير الأقمار الصناعية في أضرار بيئية جسيمة، وأيضا العواقب الدبلوماسية فقد قد تؤدي عمليات القرصنة السيبرانية التي تستهدف الأقمار الصناعية إلى توترات دبلوماسية بين الدول، وقد تطلب هذه القضايا معالجة دبلوماسية خاصة بين الدول المعنية.
4-ومن الجدير بالملاحظة فإن تأثيرها قد يكون على الأمن السيبراني حيث تزداد عمليات القرصنة السيبرانية المستهدفة للأقمار الصناعية من القلق بشأن الأمن السيبراني على الصعيدين الوطني والدولي، فقد يتعرض الأفراد والمؤسسات لخطر التجسس أو سرقة البيانات الحساسة بسبب تهكير الأقمار الصناعية، مما ينذر بانتهاكات خطيرة للخصوصية والأمن الشخصي، مما يمكن أن يشجع على تعزيز التشريعات والتدابير لحماية البنية التحتية السيبرانية.
5-وليس هذا فحسب بل إن تأثيراتها قد تصل إلى أن تكون على الاتصالات والتواصل، وهذا ما سيؤدي إلى تعطل أو تغيير إعدادات الأقمار الصناعية إلى تعطيل الاتصالات الهاتفية والإنترنت والتواصل السلكي واللاسلكي في مناطق واسعة، مما يؤثر على حياة الناس وأعمالهم وحتى على السلامة العامة.
6-ومن زاوية أخرى تعريض السلامة الجوية والفضائية إلى الخطر فقد يتسبب تهكير الأقمار الصناعية في زيادة خطر الاصطدامات الفضائية، مما يعرض الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية الأخرى والمحطات الفضائية وحتى الطائرات الجوية لخطر الضرر أو الدمار.
7-وكذلك أيضا التأثير على النظام العالمي لتحديد المواقع (GPS) فقد يؤدي تهكير الأقمار الصناعية إلى تعطيل أو تشويش على إشارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، مما يؤثر على النقل والملاحة والأنشطة العسكرية وحتى على الأنظمة الطبية التي تعتمد على GPS.
8-ومما لا شك فيه أن تأثيرها قد يصل إلى البحث العلمي والاكتشاف، فقد يعرقل تعطل أو تدمير الأقمار الصناعية البحث العلمي والاكتشاف في مجالات مثل الأرصاد الجوية، ودراسة المناخ، وعلم الفلك، والعلوم البحرية، مما يحد من قدرة البشرية على فهم الكون والأرض والتنبؤ بالظواهر الطبيعية، وهذا ما سيؤثر بدرجة كبيرة على الاقتصاد العالمي والذي سيؤدي في النهاية إلى خسائر اقتصادية كبيرة نتيجة لتوقف الخدمات والصناعات التي تعتمد بشكل كبير على تلك الأقمار.
خلاصة القول:
في نهاية المطاف يقول "العزاوى": يتطلب هذا الأمر تعزيز الأمن السيبراني من خلال تعزيز الحماية السيبرانية للأقمار الصناعية من خلال تطوير تقنيات التشفير والتحقق الثنائي للهوية وتحسين إجراءات الكشف عن الاختراق والاستجابة له، وفي نفس المقام ضرورة تعزيز التعاون الدولي وتبادل المعلومات والخبرات بين الدول لمكافحة تهديدات القرصنة السيبرانية التي تستهدف الأقمار الصناعية، ومن المهم جداً تطوير التشريعات والتنظيمات بحيث يجب تطوير وتنفيذ تشريعات وسياسات فعالة لمكافحة تهكير الأقمار الصناعية وتحميل المسؤولية للمرتكبين والجهات المسؤولة.
ولعل من المفيد أن نؤكد على تعزيز الوعي والتدريب بمخاطر تهكير الأقمار الصناعية وتدريب الموظفين والمتخصصين على أفضل الممارسات الأمنية وكيفية التعامل مع تهديدات القرصنة السيبرانية، وهذا ما سيؤدي في النهاية إلى الابتكار التكنولوجي بحيث قد تدفع حوادث القرصنة السيبرانية الشركات والحكومات إلى تطوير تقنيات جديدة لتعزيز الأمن السيبراني وحماية الأقمار الصناعية، مما يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى تقدم تكنولوجي جديد – بحسب أستاذ القانون الجنائى والخبير القانوني الدولى.