ما زالت الخلافات في الأوساط الإسرائيلية قائمة، بسبب الحرب على غزة، والحصار التي تفرضه قوات الاحتلال على القطاع منذ اليوم السابع من شهر أكتوبر الماضي، وزادة حدة الخلافات والانقسامات داخل حكومة بنيامين نتنياهو بسبب ما يسمى بـ"اليوم التالي" للحرب، وخاصة مع القادة العسكريين.
وفي تصريحات سابقة، أكد وزير دفاع جيش الاحتلال الإسرائيلي، يوآف جالانت، أن نهاية العملية العسكرية في غزة تتطلب عملا سياسيا في اليوم الذي يلي الحرب، لافتا إلى أنه يبدو أن هناك اتجاها بفرض سلطة عسكرية ومدنية إسرائيلية في غزة و"هذا أمر خطير".
وكشف وزير الدفاع الإسرائيلي، أنه لن يوافق على إقامة حكم عسكري إسرائيلي في غزة، داعيا نتنياهو للإعلان عن أن إسرائيل لن تدير غزة عسكريا ومدنيا.
وطلبت وزارة الدفاع الإسرائيلية وضع تقديرات للتكلفة التي ستتكبدها إسرائيل جراء إعادة الحكم العسكري الإسرائيلي إلى قطاع غزة في اليوم التالي للحرب.
وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" قالت إن "وثيقة" تم إعدادها بناء على طلب من وزارة الدفاع الإسرائيلية للوقوف على الخيارات البديلة لحكم حركة حماس في القطاع الفلسطيني، إلى رصد الآثار المترتبة على ميزانية إسرائيل في حالة إقامة حكم عسكري إسرائيلي في قطاع غزة.
وقدرت الوثيقة أن إعادة الحكم العسكري الإسرائيلي إلى قطاع غزة سيكلف إسرائيل حوالي 20 مليار شيكل (أي ما يعادل 5.5 مليار دولار) سنوياً، وذلك على صعيد عمليات التشغيل والإدارة فقط، فيما تقدر تكلفة بناء ممر إضافي إلى القطاع، على سبيل المثال، بنحو 150 مليون شيكل (حوالي 41 مليون دولار)، لا تشمل تكلفة التشغيل الجاري.
بالإضافة إلى هذه الأرقام، ستكون هناك تكلفة إضافية لإعادة إعمار قطاع غزة المدمر بشكل شبه كلي، سواء على صعيد البنية التحتية والطرق، أو المستشفيات والمدارس وغيرها من المباني والجهات المدمرة.
كما قدرت الوثيقة كذلك أن الحكم العسكري الإسرائيلي في غزة سيتطلب نحو 400 شخص، إضافة لبقاء 5 كتائب من الجيش الإسرائيلي في غزة، 4 هجومية وواحدة دفاعية، وهو ما يتطلب من إسرائيل تقليص عدد قواتها على الجبهة الشمالية (الحدود اللبنانية) وفي الضفة الغربية، فضلاً عن زيادة كبيرة في نطاق الاحتياطيات المخصصة للعمالة التشغيلية.
خسائر إسرائيل من الحرب على غزة
وأشارت هيئة البث الإسرائيلية إلى أن الحرب في غزة ألحقت أضراراً جسيمة باقتصاد إسرائيل وتكبدت خسائر بكافة القطاعات الاقتصادية والتجارية والأسواق، وتسببت في إجلاء ما يقارب 250 ألف إسرائيلي من منازلهم من الجنوب والشمال - حوالي 40% منهم لم يعودوا إلى منازلهم حتى اليوم - حيث تم إيواؤهم في 438 فندقاً ومنشأة إخلاء، وهو ما كلف الحكومة الإسرائيلية 6.4 مليار شيكل (ما يعادل 1.74 مليار دولار)، بحسب بيانات وزارة الرفاه والسياحة الإسرائيلية.
ونقلت وكالة "رويترز" عن ضابط المخابرات السابق وأحد أبرز الخبراء الإسرائيليين في شؤون حماس ميخائيل ميلشتاين قوله إن السيطرة الكاملة على غزة ستتطلب على الأرجح 4 كتائب أو نحو 50 ألف جندي.
وقال ميلشتاين عن حماس: "إنها منظمة مرنة للغاية ويمكنها التأقلم بسرعة كبيرة.. لقد اعتمدوا أنماطاً جديدة من حرب العصابات".
وقال يوسي ميكيلبيرج، الزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تشاتام هاوس: "الخيارات بالنسبة لإسرائيل هي إما أن ينهوا الحرب وينسحبوا، أو أن يشكلوا حكومة عسكرية لإدارة كل شيء هناك، وأن يسيطروا على المنطقة بأكملها لفترة من الوقت لا أحد يعرف نهايتها، لأنه بمجرد أن يغادروا منطقة ما، ستظهر حماس مجدداً".
وكان استطلاع، أجرته القناة 12 الإسرائيلية ونشرت نتائجه مساء الخميس، أظهر أن 40% من الإسرائيليين يؤيدون فرض الحكم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، في اليوم التالي للحرب التي تشنها إسرائيل على القطاع الفلسطيني منذ 7 أكتوبر.
وسُئل من شملهم الاستطلاع حول "الحل في قطاع غزة في اليوم التالي" للحرب الإسرائيلية، فأجاب 40% منهم بضرورة فرض الحكم العسكري الإسرائيلي على غزة، فيما أعرب 40% عن اعتقادهم بأن الأفضل هو إسناد إدارة القطاع إلى جهات فلسطينية مدعومة من دول ، وقال 20% إنهم لا يعرفون الإجابة عن هذا السؤال.
وحذّر غالانت، في المؤتمر الصحافي، من عدم استمراره في منصبه إذا كانت هناك سيطرة إسرائيلية على غزة. ويعتقد غالانت أن السلوك الحالي من قبل الحكومة أدى إلى وضع تسيطر فيه إسرائيل حالياً على القطاع، قائلاً إن "هذا وضع خطير".
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي: "هناك اتجاه يتطوّر، يعزز الحكم العسكري والمدني في غزة، هذا أمر خطير بالنسبة لنا ممنوع أن تسيطر إسرائيل مدنياً على قطاع غزة منذ أكتوبر الماضي، وأنا أثير هذه القضية في المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) دون الحصول على إجابة، نهاية العمل العسكري تكون بعمل سياسي". وليس غالانت الوزير الوحيد الذي يرى بحكم إسرائيل غزة كابوساً يترتب عليه أثمان كبيرة في الدماء والأموال، ونجد من بين المعارضين للسيطرة الإسرائيلية الوزيرين بني جانتس وغادي آيزنكوت.
وتعتبر عدة أوساط إسرائيلية أن رفض نتنياهو مناقشة "اليوم التالي" والجهات البديلة لحكم حركة حماس، يخلق وضعاً يدفع إسرائيل نحو إدارة الحياة في غزة. ويثير ذلك تساؤلات كثيرة حول قدرتها على ذلك أصلاً، حتى لو تمكنت من فرض سيطرتها على القطاع، وهي التي تتكبد خسائر كبيرة جداً، في مواردها وحياة جنودها الذين يسقطون بالجملة، كما حدث في الأيام الأخيرة.
وستعني السيطرة على غزة أزمة غير مسبوقة في الميزانية العامة، مما سيضر بشكل كبير بالخدمات المقدّمة للمواطن الإسرائيلي، كما سيثقل كاهل الميزانية. مع هذا، لا يستبعد نتنياهو قيام حكم عسكري إسرائيلي في غزة، ويتحدّث عن أن جيش الاحتلال سيكون مسؤولاً عن الأمن في غزة، ولكن عملياً سيعني ذلك، أنه سيكون مطالباً بإدارة الحياة المدنية أيضاً، في غياب بديل عن "حماس" وفي غياب السلطة الفلسطينية.
من جانبه، قال وزير المالية، بتسلئيل سموتريش، صراحة، وفي حديث سابق للقناة 12 العبرية، إنه ينبغي فرض حكم عسكري إسرائيلي في غزة. وعلى حد قوله: "إما نحن وإما هم. كل الحديث عن جهة مدنية معتدلة غير حماس، يأخذ مكاننا صباح الغد، هو مجرد أوهام. وأي حزب يدخل بموافقة حماس سيكون وكيلاً عنها وسيثبّت سلطة الإرهاب".