استيقظ المصريون، صباح اليوم الثلاثاء، على حادثة غرق سيارة من أعلى معدية نهرية منتهية الترخيص (عبّارة تنقل الركاب والبضائع والسيارات بين ضفتي نهر النيل)، حملت السيارة الميكروباص على متنها عدد من الفتيات سقطت من أعلى معدية في الرياح البحيري بمنشأة القناطر في الجيزة "معدية أبو غالب"، وتعرضت بعض الفتيات للغرق، بينما تم إنقاذ ما يقرب من 10 منهن، وانتقلت قوات الإنقاذ النهري لانتشال الضحايا، واللاتى وصلن لـ6 ضحايا حتى هذه اللحظة.
تكررت الحوادث المتعلقة بمعديات النيل، مثلما حدث في أغسطس 2023 وعبّارة الوراق، حيث حمّل أهالي الضحايا المسئولين المسؤولية مرارًا، بسبب تراخيها في التأخر في إنقاذ الضحايا وإهمال الجهات المسؤولة في تفعيل التفتيش على القوارب - المعديّات النيلية، خاصة وأن قطاع النقل النهري يعانى من تدهور شديد، دون النظر إلى المعديات خصيصًا رغم أهميتها، لأنها وسيلة تنقل الفقراء والأكثر احتياجًا السريعة والرخيصة، حسب شهادات بعض الأهالي.
واقعة معدية أبو غالب تفتح ملف "معديات الموت"
وفى أغسطس 2023 استيقظ المصريون على حادثة غرق سيارة من أعلى معدية نهرية، حملت على متنها 23 شخصًا من عزبة التفتيش بمركز أشمون، أغلبهم أطفال لم تكن أعمارهم قد تجاوزت 15 عامًا وقتئذ، كانوا من عمال التراحيل العائدين من دوامهم الليلي في مزرعة للدواجن، وراح ضحية الحادث شخصين بالغين و8 أطفال، ما صعّد الحديث حول عمالة الأطفال في القرى الريفية وخطورة المعديات النهرية، في محاولة للتصدى لتلك الحوادث والكوارث التي تنتج عن الإهمال.
المعديات هي في حقيقة الأمر تعتب رالوسيلة الوحيدة للانتقال في معظم الجزر والمناطق الداخلية الممتدة بطول النهر، والتي حسب الموقع الرسمي لهيئة الاستعلامات المصرية فإن عددها 144 جزيرة "أعلنت كمحميات طبيعية ويسكنها 3 ملايين نسمة"، منها 95 جزيرة على طول المجرى الرئيسى من أسوان حتى قناطر الدلتا، و30 جزيرة على فرع رشيد و 19 جزيرة على فرع دمياط، أما وزارة الري فأعلنت في إحصاءات رسمية للعام 2022 أن مصر تمتلك 526 جزيرة نهرية متعددة المساحات، كما أوضحت تقارير معهد بحوث النيل أنها 128 جزيرة، فيما أعلنت الهيئة العامة للمساحة أنها 181 جزيرة، ومعهد بحوث الأراضي والمياه قدرها بحوالي 209 جزيرة، وقد استصدر مجلس الوزراء قراره رقم 1969 لعام 1998 بتحديد عدد الجزر بـ144 جزيرة فقط.
كوبرى مشاة.. كلمة السر لإنقاذ الأهالى من الجسور المتهالكة
هذا وقد برزت التساؤلات حول وضعية أهالي الجزر، حيث لا يجدون وسيلة للتنقل سوى معدِّيات صدئة متهالكة، أو مراكب صيد صغيرة وغالبيتها أهلية، في غياب شبه كامل للجهات المسؤولة لتوفير بدائل لتلك المعديات المتهالكة، رغم ما يمثله ذلك من خطورة على حياة السكان، إضافة إلى الحوادث التي يتعرضون لها عند العبور والتي تكررت بشكل مأساوي، خاصة في السنوات الأخيرة، وقد تركت بشكل يبدو متعمد، للإهمال والعشوائية ونقص خدمات الصرف الصحي والتعليم ومياه الشرب والأمن
وحسب تقرير رسمي، فإن هناك 15 حادثة معدية وقعت خلال 15 عامًا بدءًا من العام 2007 وحتى العام 2020، بمعدل حادثة سنويًا، أدت إلى وفاة 180 شخصًا على الأقل، فيما حصر مركز "دفتر أحوال" للأبحاث والأرشفة والتوثيق عدد المعديات في مصر يقارب 9 آلاف و500 معدية، أكثر من 45% منها غير مرخصة وغير مطابقة للمواصفات القياسية، كما أن 70 في المئة من بحاريها لا يحملون تراخيص مزاولة المهنة - حسب مركز الدراسات الاقتصادية، ووزارة التنمية المحلية، المسئول الأول عن تراخيص المعديات النيلية، وذلك في ظل غياب القبضة الرقابية، وتقادم القانون وفقدانه جوهره، والاستسهال فى عملية منح تراخيص المراكب والمعديات النيلية، خاصة فى محافظة الصعيد التى تعيش واقعًا أسود مريرا.
استبدال المعديات النيلية بكباري خرسانية
يأتي كل هذا في الوقت الذى تسعى فيه وزارة النقل لتنفيذ مشروع "استبدال المعديات النيلية بكباري خرسانية" باعتباره واحدًا من أهم مشروعات الوزارة، لما يحمله من أهمية كبيرة لحماية المواطنين المقبلين على استخدام هذه المعديات عبر صفاف النيل، خاصةً في صعيد مصر، حيث تنفذ الوزارة المشروع أمام القرى التي يزيد عدد سكانها على 10 آلاف نسمة، وذلك بعد موافقة الرئيس السيسي على مقترح الوزارة بشأن إنشاء كباري خرسانية على المجاري المائية بديلة للمعديات، مع إلغاء جميع المعديات، ويشار إلى أنه وفقًا لخطة هذا المشروع خلال العام المالي 2020 / 2021، تم إنشاء 15 كوبري علويا بتكلفة تقدر بـ 1،5 مليار جنيه، على أن يكون كل كوبري عبارة عن حارتين لكل اتجاه، إضافة إلى أرصفة مشاة.
طلب إحاطة للتصدى لكوارث معديات الموت
وفى غضون عام 2022 - قدم النائب محمد عبدالله زين الدين، عضو لجنة النقل بمجلس النواب، بطلب إحاطة موجه لوزارات النقل والري والإدارة المحلية، بشأن أزمات المعديات المتهالكة والتي يروح ضحيتها عشرات الأبرياء من وقت لآخر، وكان آخرها سقوط سيارة نصف نقل محملة بالعمال من معدية خاصة بفرع رشيد بمنطقة المناشى دائرة قسم منشأة القناطر، وكانت في اتجاه البر الآخر اتجاه المنوفية، حيث تشهد المعديات على النيل والمنتشرة بالعديد من المحافظات على مستوى الجمهورية، حالة من التهالك وعدم الملائمة في نقل الأفراد والممتلكات لتكون النتيجة حوادث غرق تخلف وراءها وفيات وإصابات.
ووفقا لـ"زين الدين"، في طلب الإحاطة، إلى أن مصر بها ما يقرب من 10 آلاف معدية على مستوى الجمهورية، لخدمة حوالي 144 جزيرة تقع على طول نهر النيل، فضلًا عن قرى تفصلها عن مناطق أخرى فرع النيل، وأن جميع هذه المعديات في أمس الحاجة إلى عمليات صيانة فورية أو استبدالها بكباري لتسهيل حركة المواطنين، خاصة وأن سبق ووجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، بسرعة استبدال معديات الموت بكباري، حفاظاً على أرواح المواطنين وهو من أهم المشروعات التي تنفذها وزارة النقل، ووفقًا لخطة العام المالي 2020 /2021، تم الإعلان عن إنشاء 15 كوبري علوي على النيل بتكلفة تقدر بنحو 1.5 مليار جنيه.
وطالب عضو لجنة النقل بالبرلمان، الحكومة بسرعة عمل حصر عاجل وفوري للمعديات المتهالكة، وتحديد جدول زمني لتطويرها، بالإضافة إلى دراسة إنشاء كباري على النيل في المناطق التي بها كثافات سكانية ولا يصلح بها عمل المعديات، مشيدا بموافقة الرئيس السيسي عام 2020 على مقترح وزارة النقل بشأن إنشاء كباري خرسانية على المجاري المائية بديلة للمعديات، مع إلغاء جميع المعديات، وذلك أمام القرى التي يزيد عدد سكانها على 10 آلاف نسمة، خاصة أن حوادث غرق المعديات فى نهر النيل قد تضاعفت، يسقط جراءها عشرات الضحايا سنويًا، بسبب مراكب نيلية غير مرخصة تحصد الأرواح، بسبب طمع وجشع أصحابها الذين لا همّ لهم إلا جمع المال بأي ثمن، ولو كان حياة الركاب، حيث يتم تحميل المراكب والمعديات بأضعاف أعدادها، وعدم إجراء الإصلاحات والصيانة الدورية لها، والسير بها بدون أي أوراق أو تراخيص، وعدم وجود أطقم نجاة كافية، مما يساهم فى زيادة أعداد الوفيات والغرقى إذا تعرض المركب أو المعدية لظروف طارئة.
النائب محمد عبدالله زين الدين، عضو لجنة النقل بمجلس النواب
ضرورة التحرك بشكل عاجل وسريع لإنقاذ حياة المواطنين
وفى هذا الإطار تقول الخبير القانوني والمحامية رحاب سالم: المعديات في حقيقة الأمر هي فكرة قديمة جدًا منذ قديم الزمن كان يستخدمها الإنسان كوسيلة حديثة لنقل المواطنين من شط إلى شط آخر عبر مجرى مائي باستخدام المراكب النيلية، التي تسيير بمسار ثابت، وهي غير مؤمنة بشكل كافي، وقد تحمل عدد من المواطنين أكثر من حمولتها المحددة أو المعروفة، وبالتالي هذا الأمر نتج عنه العديد من الحوادث على مدى السنوات الماضية مما راح ضحيتها كثير من المواطنين، كما أن المعديات الموجودة في الوقت الراهن موجودة منذ سنوات طويلة، فهي قديمة جدًا ومتهالكة، فلم تشهد أي تطوير أو استخدام للتكنولوجيا الحديثة لها، مما يتطلب استبدالها وتغيير هذا الوضع الذي يشكل خطورة كبيرة على حياة المواطنين.
وبحسب "سالم" في تصريحات لـ"برلماني": والمواطنين يستخدمون المعديات كوسيلة للعبور ما بين ضفاف النيل أو الترع داخل القرى، وبالتالي فإن عمل كباري بدلًا منها سيكون حل جيد جدًا، يُتيح للمواطنين والسيارات العبور في آمان في اتجاهات الذهاب والعودة، كما أن المعديات الموجودة الحالية تستخدم منذ أكثر من 50 عامًا دون تطوير أو متابعة دورية لها طوال هذه السنوات، الأمر الذي تسبب في العديد من الحوادث التي تهدد حياة المواطنين على متسوى محافظات الجمهورية، كما أن أي مشروع لاستبدال المعديات يكون له دراسة جدوى تحدد ما يتناسب داخل القرى مع التخطيط العمراني وتنفيذ عمل "كوبري" في هذه المناطق بشكل مناسب يتماشى مع الوضع الحالى.
الخبير القانوني والمحامية رحاب سالم
مشروع قانون منذ 2016 مع إيقاف النظر إليه
لذلك مطلوب من البرلمان حل جزءًا من الأزمة، من خلال إصدار مشروع قانون لتغليظ العقوبات، لأن القانون المعمول به حاليًا حدد عقوبة مخالفات انتهاء رخصة أصحاب المعديات النيلية بـ10 جنيهات فقط، على الرغم من موافقة مجلس الوزراء، في أول أغسطس 2015 برئاسة المهندس إبراهيم محلب، على مشروع قرار بقانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم 10 لسنة 1956، والمعدل بقانون رقم 57 لسنة 1962 في شأن الملاحة الداخلية، لتغليظ العقوبات (عدلت الغرامة فى مشروع القرار بقانون جديد من 10 جنيهات إلى مبلغ يتراوح بين 10 إلى 50 ألف جنيه)، إلا أن الهيئة العامة للنقل النهري ما زالت تعمل وفقًا للقانون رقم 10 لسنة 1956 الذي يفرض غرامة 10 جنيهات فقط على سائق المركب النيلي المخالف – الكلام لـ"سالم".
الحبس سنتين وغرامة 50 ألف جنيه
ووفقًا لمشروع القانون المقدم منذ 2016 فإن عقوبة كل من قاد وحدة نهرية وتسبب بإهماله ورعونته في إصابة شخص أو أكثر، تتضمن الحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، وإذا ترتب على فعله وفاة شخص أو أكثر أو إصابته بعجز كلي، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على 5 سنوات، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه، وفى جميع الأحوال يقضى بإلغاء ترخيص الوحدة النهرية، ولا يجوز منح واحدة جديدة إلا بعد مرور مدة مساوية لمدة الحبس المقضي بها عليه، مع جواز مصادرة الوحدة النهرية، ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على 3 سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز مائتي ألف جنيه، كل من تسبب عمدًا في هدم أو إتلاف شيء من المباني أو المنشآت المخصصة لخدمات النقل النهري أو بنيتها الأساسية أو جعلها غير صالحة للاستعمال، بما يؤدي إلى توقف المرفق ولو مؤقتًا عن أداء الخدمة – طبقا للخبير القانونى.
عقوبة قياد معدية بدون رخصة
يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد على 3 سنوات، أو بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه، ولا تجاوز 50 ألف جنيه كل من ارتكب فعلًا من الأفعال الآتية: "كل من قاد وحدة نهرية أو عمل ضمن أفراد طاقمها دون ترخيص بذلك من الجهة المختصة، وعرض حياة المواطنين وأرواحهم وممتلكاتهم للخطر، من قام بإشغال المياه الداخلية بوحدة نهرية بدون ترخيص بذلك، من قام بتشغيل الوحدة النهرية المرخص لها في منطقة غير المنطقة المرخص له بالعمل فيها".