الأصل أن النطق بالعقوبة يقتضي تنفيذها وإلا كان الحكم بها لغوا، بيد أن هذا الأصل غير مطرد إذ هناك أحوال يقض بها بالعقوبة، ورغم ذلك لا تنفذ لعلة، خاصة بحيث يكون الحكم بها بمثابة إنذار للمحكوم عليه كي يصلح أحواله وألا ينغمس في الإجرام مرة أخرى، ويتحقق ذلك متى رأى القاض أن المتهم بحسب ظروف الجريمة وطبيعته الشخصية ومكانته الاجتماعية أن عاد به الزمن ما كان يقدم علي الجريمة، وأنه من الصعب معاودة الإجرام في المستقبل.
فوقف تنفيذ العقوبة يعنى تعليق تنفيذها على شرط موقف خلال مدة تجربة يحددها القانون وبشروط معينة متي ارتأت المحكمة أن عودة الجاني إلي الإجرام مرة أخرى نذر يسير وأنه في هذا النطاق الهزيل لا يشكل ثمة خطورة إجرامية، وأن إيداع المتهم السجن واختلاطه بأرباب السوابق لا يحقق أغراض العقوبة، ونظام وقف تنفيذ العقوبة تنصرف آثاره إلى إجراءات تنفيذها إذ يعنى تعطيل اتخاذها، فإن كان الحكم بعقوبة سالبة للحرية لا تنفذ العقوبة وإن كان الحكم بغرامة فلا يطالب بأدائها.
للمحكوم عليهم.. "وقف تنفيذ العقوبة" من حيث العقوبات ومدى سلطة المشرع في الحد منه
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية نطاق وقف التنفيذ من حيث العقوبات ومدى سلطة المشرع في الحد منه في ضوء قضاء النقض والدستورية العليا، خاصة أن صدور الحكم على المحكوم عليه مع إيقاف التنفيذ يشابه من لم يوقع عليه عقوبة كل ما في الأمر أن الأول وضع له القانون شروط معينة خلال مدة معينة، فإذا تحقق الشرط خلال المدة نفذت العقوبة، وإذا لم يتحقق الشرط خلال تلك المدة، فلا تنفذ العقوبة ويعتبر الحكم كأن لم يكن – بحسب الخبير القانوني وأستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
في البداية - وقف التنفيذ ليس حقا للمتهم بل هو رخصة للقاضى يستعملها بغض النظر عما إذا كان الجاني عائدا أو جديدا أو خلو صحيفة سوابقه من عدمه مادام تلمس أن الجاني لم ينزلق إلى الإجرام مرة أخرى، ويلاحظ أن ما ذكره المشرع في المادة 55 عقوبات من ظروف للمتهم قد تدعو القاضى إلى إيقاف التنفيذ بقولها إذا رأت المحمكة من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب الجريمة فيها ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون لا يعدوا الأمثال – وفقا لـ"فاروق".
وقف التنفيذ ليس حقا للمتهم بل هو رخصة للقاضى
والرأي مستقر أنه إذا تعدد المتهمين في واقعة واحدة كان للقاضي الحرية المطلقة في أن يوقف تنفيذ العقوبة على متهم ولا يوقف التنفيذ على باقي المتهمين، وأن تعددت العقوبات التي حكم بهاعلى المتهم، فالقاضي له السلطة التقديرية في تحديد إذا كان يشمل الإيقاف كل العقوبات أم بعضها وكذا كل آثار حكم الإدانة أم بعضها، فمثلاً إذا كانت العقوبة هي الحبس أقل من عام والغرامة معاً، فللقاضي أن يحكم بوقف العقوبتين أو الحبس دون الغرامة أو الغرامة دون الحبس – كما ورد في الطعن رقم 11103 لسنة 80 قضائية، جلسة 17 ديسمبر 2016.
والقاضي له السلطة التقديرية في الحكم بوقف تنفيذ العقوبة الأصلية والتكميلية والتبعية معاً أو الأصلية فقط دون الباقي، ولقد نظم المشرع أحكام وقف تنفيذ العقوبة في المواد 55 من قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937، ولعل أهم ما يثار بشأن وقف تنفيذ العقوبة هو نطاق العقوبات التي يشملها الوقف من جهة، وهل يملك المشرع حظر إيقاف تنفيذ بعض العقوبات بصدد جرائم بعينها من جهه أخرى – الكلام لـ"فاروق".
و4 معايير تضعها المحكمة لإصدار الحكم
فأما بالنسبة للعقوبات التي يشملها الوقف فإن المادة 55 من قانون العقوبات لا تجيز للمحكمة أن تأمر بإيقاف تنفيذ العقوبة إلا عند الحكم فى جناية أو جنحة بالغرامة أو الحبس مدة لا تزيد على سنة، بما مؤداه أنه إذا زادت عقوبة الحبس المقضي بها عن سنة أو كانت العقوبة هي السجن أو الأشغال الشاقة، فإنه لا يجوز للمحكمة أن تأمر بإيقاف تنفيذها، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بمعاقبة المطعون ضده بالحبس لمدة 3 سنوات وأمر بإيقاف تنفيذ العقوبة، فإنه يكون قد أخطأ لمخالفته نص المادة 55 من قانون العقوبات، طبقا للطعن رقم 22541 لسنة 61 قضائية، وكذلك لو حكم بالحبس سنتين، طبقا للطعن رقم 19487 لسنة 59 قضائية، ويستقر قضاء النقض على أن نظام وقف تنفيذ العقوبة يقتصر على العقوبات الجنائية البحتة فلا ينصرف إلى الإزالة أو إغلاق محل، أو التعويضات المحكوم بها في الدعوى – طبقا لـ"فاروق".
وفي ذلك تقول النقض، إن نظام وقف التنفيذ يقتصر على العقوبات الجنائية البحتة دون غيرها من جزاءات ولو كان فيها معنى العقوبة، ومن ثم لا يجوز إيقاف التنفيذ في التعويضات، وفي ذلك تقول النقض من المقرر أن المادة 55 من قانون العقوبات حين نصت على جواز وقف تنفيذ العقوبة عند الحكم في جناية أو جنحة بالحبس أو الغرامة إنما عنت العقوبات الجنائية بالمعنى الحقيقي دون الجزاءات الأخرى التي لا تعتبر عقوبات بحتة حتى ولو كان فيها معنى العقوبة فهو إذن لا يجوز في التعويضات التي لا تعد عقوبات إذا المقصود منها جبر الضرر بأنواعه، كما ورد فى الطعن رقم 13853 لسنة 4 قضائية، كما قضت النقض أيضأ أن العقوبة التكميلية لا يجوز وقف تنفيذها ومن ثم فإن الحكم بوقف تنفيذ ضريبة الاستهلاك والتعويض وبدل المصادرة المقضى بها خطأ فى القانون، طبقا للطعن رقم 8421 لسنة 58 قضائية.
محكمتا النقض والدستورية تتصديان للأزمة
وأما بالنسبة لسلطة المشرع في استبعاد العقوبات المحكوم بها في بعض الجرائم من نطاق وقف التنفيذ مثل حظر وقف التنفيذ في الجنح على من سبق الحكم عليه في الجرائم الخاصة بمكافحة المخدرات أو جرائم التبوير فإن ذلك ينطوي علي مخالفة دستورية للتدخل في أعمال السلطة القضائية، إذ نظام وقف التنفيذ يدخل في سياسة تفريد العقوبة التي هي التطبيق المباشر للعقوبة، وهذا التطبيق حكرا علي القضاء ولا يملك المشرع وضع قيود عليه تحد منها أو تقلصها آيما كانت الجريمة، فذلك من اختصاص القاض وليس المشرع، ولهذا حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 157 من القانون رقم 53 لسنة 1966 المعدل بالقانون رقم 116 لسنة 1983 فيما تضمنه من عدم جواز وقف تنفيذ عقوبة الغرامة، كما ورد في حكم المحكمة الدستورية العليا في 2 فبراير 1995، في القضية المقيدة برقم 15 لسنة 17 قضائية، وفى القضية رقم 24 لسنة 18 قضائية، بتاريخ 5 يوليو 1997.