عادة ما يصدر حكم على المتهم مع إيقاف التنفيذ، فيكون السؤال لماذا لا تصدر المحكمة حكم بالبراءة مباشرة بدلا من الحكم مع الإيقاف؟ وما الفرق بينهما؟ يأتي ذلك في الوقت الذي يقصد بإيقاف التنفيذ أن يأمر القاضي بوقف تنفيذ العقوبة التي حكم بها على الجاني لمدة معينة يحددها القانون، فإذا لم يرتكب المحكوم عليه جريمة أخرى خلال هذه المدة يعفى نهائيًا من تنفيذ العقوبة ويعتبر الحكم الصادر بها كأن لم يكن، أما إذا ارتكب جريمة خلال المدة المذكورة ألغى وقف التنفيذ، وتنفذ فيه العقوبة المحكوم بها.
مبدئيا يجب أن نعلم أن إيقاف التنفيذ يكون في حالة لو كان الحكم يقضي بالحبس مدة سنة أو أقل، يعني لا يجب أن يصدر حكم بالحبس 3 سنوات مثلا مع الإيقاف، فيأتى السؤال الذي يطرح نفسه كالتالي: لماذا القاضي يحكم بحبس المتهم مع إيقاف التنفيذ، ولماذا لا يقضى بالبراءة مباشرة دون إيقاف؟ وما هو الفرق بينهما؟ وما معني كلمة الحكم مع إيقاف تنفيذ العقوبة من الناحية القانونية؟ وما أهمية نظام إيقاف التنفيذ؟
يعني يحصل إيه في خلال الـ 3 سنوات وهي فترة الإيقاف؟
وللإجابة على حزمة الأسئلة – يقول الخبير القانوني والمحامي محمد الصادق – أن إيقاف التنفيذ يعنى أن المتهم مدان والجريمة ثابتة، إلا أن المحكمة راعت اعتبارات معينة مثل: أخلاق المحكوم عليه أو ماضية أو سنه أو ظروف ارتكاب الجريمة، فقضت بالحبس مع الإيقاف، لذلك هو غير البراءة، وهنا أيضاَ نصطدم بالسؤال ما الغرض من الإيقاف طالما الشخص مدان؟ فتكون الإجابة أن القاضي يشعر بأن المتهم صاحب اخلاق ولن يعود لارتكاب الجريمة مرة أخرى، فيحكم على المتهم بالحبس "مدة أقل من سنة" مع ايقاف التنفيذ لمدة 3 سنوات طبقا للمادة 56.
وحول إشكالية ما الذي يحدث في خلال الـ3 سنوات وهي فترة الإيقاف؟ يُجيب "الصادق" في تصريح لـ"برلمانى" – هذا السؤال هو جوهر الفكرة كلها وهى أن الشخص أو المتهم خلال الـ 3 سنوات لو ارتكب جريمة عقوبتها الحبس أكثر من شهر، تنطبق عليه العقوبة الأولى التي سبق للقاضي وأن أوقف تنفيذها، وذلك بالإضافة لعقوبة الجريمة الجديدة، لأن المتهم يكون قد أثبت للمحكمة أنه غير جدير بوقف التنفيذ، وأنه يميل لارتكاب الجرائم، وكذلك لو اتضح أن المتهم سبق صدور حكم ضده قبل الايقاف، ولم تكن المحكمة تعلم به، هنا يجب إلغاء وقف التنفيذ.
طيب لو عدت الـ3 سنوات ولم يرتكب الشخص جريمة؟
أما في حالة مرور الـ 3 سنوات دون أن يرتكب الشخص جريمة - يؤكد "الصادق" - هنا يعتبر الحكم الصادر مع الايقاف "كأن لم يكن" ويسقط بكل اثاره الجنائية، وكذلك لا يعتبر سابقه من سوابق المحكوم عليه، وتعود صحيفة الشخص ناصعة البياض، وبالمناسبة - لاستكمال المعلومة - لو عندك جنحه مثلا ومحكمة أول درجة قضت بالحبس 3 سنوات، وعملت استئناف، فلا تملك محكمة الاستئناف أن توقف تنفيذ الـ 3 سنوات مباشرة، بل ينبغي عليها أن تعدل الحكم إلى الحبس لمدة سنة أو أقل، مع الايقاف.
ويجب أن يؤخذ في الاعتبار أن الغاء وقف التنفيذ يعتبر تشديدا للعقوبة حتى مع تخفيف مدة الحبس.. بمعنى.. لو عندك متهم اتحكم عليه بسنة مع الايقاف، فقمت بعمل استئناف "والنيابة لم تستأنف" فلا يصح لمحكمة الاستئناف أن تلغي ايقاف التنفيذ، حتى لو عدلت مدة الحبس بجعلها أقل من سنه، وذلك نفاذا للقاعدة المعروفة ألا يضار الطاعن بطعنه، ويجب أن نعلم أيضاَ أن إيقاف تنفيذ العقوبة عند الحكم في جناية أو جنحة مقصور على العقوبات الجنائية البحتة دون غيرها من جزاءات، ولو كان فيها معنى العقوبة، أما إيقاف التنفيذ في التعويضات غير جائز، وذلك طبقا للطعن رقم 13853 لسنة 4 القضائية.
5 مواد تلخص مسألة إيقاف تنفيذ العقوبة
المادة 55 من قانون العقوبات تنص على أنه يجوز للمحكمة عند الحكم فى جناية أو جنحة بالغرامة أو الحبس مدة لا تزيد على سنة، أن تأمر في نفس الحكم بإيقاف التنفيذ إذا رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون، ويجب أن تبين في الحكم أسباب إيقاف التنفيذ، ويجوز أن يجعل الإيقاف شاملا لأي عقوبة تبعية ولجميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم".
- المادة 56 تنص على: أن يصدر الأمر بإيقاف التنفيذ لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم الذى يصبح فيه الحكم نهائيا ويجوز إلغاؤه في الحالات الآتية:
1-إذا صدر حكم بالحبس ضد المحكوم عليه لأكثر من شهر عن فعل ارتكابه قبل الأمر بالإيقاف أو بعده.
2-إذا ظهر فى خلال هذه المدة أن المحكوم عليه صدر ضده قبل الإيقاف حكم ولم تكن المحكمة قد علمت به.
- المادة 57 تنص على: أن يصدر حكم الإلغاء من المحكمة التى أصدرت إيقاف التنفيذ بناء على طلب النيابة العامة.
- المادة 58 تنص أنه: يترتب على الإلغاء تنفيذ العقوبة المحكوم بها وجميع العقوبات التبعية الجنائية والآثار الجنائية المترتبة عليها.
- المادة 59 تنص أنه: إذا انقضت مدة الإيقاف ولم يكن يصدر فى خلالها حكم بإلغائه فلا يمكن تنفيذ العقوبة المحكوم بها ويعتبر الحكم بها كأن لم يكن.
أهمية نظام إيقاف التنفيذ:
1- يساهم نظام إيقاف التنفيذ بدور كبير في تأهيل المحكوم عليه وحمايته من العودة إلى الجريمة مرة أخرى.
2- يجنب المحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة، وبصفة خاصة المجرمين بالمصادفة وبعض المجرمين المبتدئين، دخول السجن والاختلاط بمن هم أشد منهم خطورة، وبالتالي يكفل تفادى الآثار السيئة لهذا الاختلاط.
3-يجعل الإعفاء من تنفيذ العقوبة غير نهائى خلال مدة معينة تمثل فترة اختبار للمحكوم عليه ينبغى أن يكون سلوكه حسنا خلالها، أى أنه يتضمن تهديدًا للمحكوم عليه – طوال مدة إيقاف التنفيذ – بتنفيذ العقوبة المحكوم بها عليه إذا ارتكب جريمة، ولا شك أن هذا التهديد يمنع المحكوم عليه من التفكير في الأقدام على ارتكاب الجريمة، ويجعله حريصا على الالتزام بالسلوك المطابق للقانون.
رأى المشرع الفرنسي وطريقة تطبيقه لإيقاف تنفيذ العقوبة
وعلى الرغم من هذه المزايا التي ينطوى عليها نظام وقف تنفيذ العقوبة، فقد وجهت إليه بعض الانتقادات، لعل أهمها أنه يترك المحكوم عليه وشأنه خلال مدة إيقاف التنفيذ دون أن يفرض عليه أي تدابير للرقابة أو المساعدة في حين أن تأهيل المحكوم عليه يتطلب في كثير من الأحوال اتخاذ مثل هذه التدابير، وقد دفع هذا النقد بعض التشريعات الجنائية، ومنها التشريع الفرنسى، إلى الأخذ بنظام وقف التنفيذ مع الوضع تحت الاختبار، إلى جانب نظام وقف التنفيذ البسيط.
ولوحظ أنه لا يمكن الاستغناء عن نظام وقف التنفيذ في صورته البسيطة التي لا تفترض اتخاذ تدابير للرقابة أو المساعدة لأهميته الكبيرة على الأقل بالنسبة لطائفة المجرمين الذين يكفي لتأهيلهم اجتماعيًا مجرد الإنذار الذى يتضمنه الحكم بعقوبة المشمول بوقف تنفيذها.
شروط إيقاف التنفيذ:
ينبغي لكى يأمر القاضي عند النطق بالعقوبة بوقف تنفيذها أن تتوافر عدة شروط تتعلق بالجاني، وبالجريمة التي ارتكبها، وبالعقوبة المحكوم بها ويحرص المشرع على تحديد هذه الشروط بهدف حصر نظام وقف التنفيذ في النطاق الذى يكفل تحقيق تأهيل المحكوم عليه دون أن يتعارض مع اعتبارات العدالة والردع العام.
أولا: الشروط المتطلبة في الجانى:
أن ترى المحكمة "من أخلاق المحكوم عليه أو ماضية أو سنة أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون"، طبقا للمادة 55 من قانون العقوبات، ويجب أن يلاحظ أن الظروف التي أشار إليها هذا النص لم ترد على سبيل الحصر، إنما جاءت على سبيل المثال، وبالتالى يستطيع القاضى في ضوء سلطته التقديرية أن يستخلص إيقاف التنفيذ من أى ظروف أخرى خاصة بالجانى، سواء أكانت تتعلق بحياته قبل ارتكاب الجريمة أو سلوكه اللاحق على ارتكابها أو الظروف التي يتوقع أن يعيش فيها بعد الحكم عليه بالعقوبة المشمول بإيقاف التنفيذ، ما دام أنه يظهر من هذه الظروف أن المتهم قد ارتكب الجريمة لأسباب عارضة ويغلب ألا يعود إلى ارتكاب الجريمة مرة أخرى.
ولا يشترط، وفقا للقانون المصرى، أن يكون الجانى الذى يستفيد من نظام إيقاف التنفيذ مجرمًا مبتدئًا، وإنما يجوز للمحكمة أن تأمر في الحكم بإيقاف تنفيذ العقوبة حتى وإن كان المحكوم عليه عائدًا ما دامت ترى من ظروفه أو الظروف التي ارتكب فيها جريمته أنه لن يعود إلى ارتكاب الجريمة، ومع ذلك، فإنه من الناحية العملية نادرًا ما تقضى المحكمة بإيقاف تنفيذ العقوبة بالنسبة للمجرم العائد، وتختلف خطة القانون المصري في هذا الصدد عن الخطة التي اتبعها القانون الفرنسى، حيث يجيز هذا الأخير الأمر بوقف التنفيذ إذا لم يكن سبق الحكم على المتهم بالحبس لجناية أو جنحة ينص عليها القانون العام في خلال الخمس سنوات السابقة على الوقائع المسندة إليه، طبقا للمادة 734/1 من قانون الإجراءات الجنائية.
وتنص المادة 132-30 من قانون العقوبات الفرنسي الجديد على أنه في مواد الجنايات والجنح لا يجوز أن يؤمر بوقف التنفيذ بالنسبة للشخص الطبيعي إلا إذا لم يكن قد سبق الحكم على المتهم بالسجن أو الحبس لجناية أو جنحة ينص عليها القانون العام في خلال الخمس سنوات السابقة على الوقائع المسندة إليه، ولا يجوز أن يؤمر بوقف التنفيذ بالنسبة للشخص المعنوي إلا إذا لم يكن سبق الحكم عليه بالغرامة التي يزيد مقدارها على 45000 يورو لجناية أو جنحة ينص عليها القانون العام في خلال نفس المدة.
ثانيًا: الشروط المتطلبة في الجريمة:
يشترط المشرع المصري في المادة 55 من قانون العقوبات أن تكون الجريمة المرتكبة هي جناية أو جنحة، لكي يجوز للمحكمة أن تأمر بإيقاف التنفيذ، ومؤدى ذلك، أنه لا يجوز وقف تنفيذ العقوبة في المخالفات، كما يستبعد المشرع بعض الجنايات والجنح من نطاق إيقاف التنفيذ نزولًا على اعتبارات الردع العام.
ومن أمثلتها: الجرائم المنصوص عليها في المواد 77 و77ب و77ج و77د من قانون العقوبات إذا وقعت من موظف عام أو شخص ذى صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة، حيث حظرت المادة 77 (د) عقوبات تطبيق المادة 17 من هذا القانون المتعلقة بظروف الرأفة "الظروف القضائية المخففة"، بالنسبة لهذه الجرائم، كذلك تنص المادة 46 من القانون رقم 182 لسنة 1962 في شأن مكافحة المخدرات على أنه لا يجوز وقف تنفيذ الحكم الصادر بعقوبة الجنحة على من سبق الحكم عليه في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون.
أما القانون الفرنسي فإنه يجيز كأصل عام إيقاف التنفيذ أيا كان نوع الجريمة المرتكبة، سواء كانت جناية أو جنحة أو مخالفة، إذا توافرت الشروط الأخرى المتعلقة بالمتهم وبالعقوبة المحكوم بها، بل ويجيز أيضا تطبيق نظام إيقاف التنفيذ في الجرائم العسكرية والجرائم السياسية.
ثالثًا: الشروط المتطلبة في العقوبة:
وفقًا للمادة 55 من قانون العقوبات المصري ينبغي أن تكون العقوبة التي يجوز الأمر بإيقاف تنفيذها هي الغرامة أو الحبس الذي لا تزيد مدته على سنة، وتتضح أهمية إيقاف تنفيذ عقوبة الغرامة بصفة خاصة إذا لاحظنا أن المشرع يجيز تنفيذها عن طريق الإكراه البدني إذا لم يدفعها المحكوم عليه اختيارًا، وبالتالي فإن إيقاف التنفيذ يكفل تفادى سلب حرية المحكوم عليه في هذه الحالة.
ويبرر تحديد مدة عقوبة الحبس على النحو السابق الحرص على تجنب المحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية قصيرة المدة أضرار الاختلاط بالمجرمين الأشد منهم خطورة داخل السجن، ويجوز أن يكون إيقاف التنفيذ شاملًا لأية عقوبة تبعية أو تكميلية، بل لجميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم طبقا للمادة 55/2 من قانون العقوبات.
ويلاحظ أن القانون الفرنسي يجيز الأمر بوقف تنفيذ عقوبة الحبس التي لا تزيد مدتها على خمس سنوات، والغرامة، وعقوبة أيام الغرامة والعقوبات السالبة أو المقيدة للحقوق والعقوبات التكميلية فيما عدا المصادرة، وغلق المنشأة، ونشر الحكم الصادر بالإدانة "المادة 132 – 31 من قانون العقوبات الفرنسي الجديد".
آثار إيقاف التنفيذ:
إذا توافرت شروط إيقاف التنفيذ يجوز للمحكمة أن تأمر به، وذلك في نفس الحكم الصادر بالعقوبة، ويجب عليها أن تبين في الحكم الأسباب التي دعتها إلى ذلك "المادة /55 من قانون العقوبات"، وتختلف الآثار التي تترتب على إيقاف التنفيذ خلال مدة الإيقاف عن تلك التي تترتب عليه عند انقضاء هذه المدة دون إلغاء الإيقاف.
أ - خلال مدة إيقاف التنفيذ:
وقد حدد المشرع المصري مدة إيقاف التنفيذ في المادة 56 من قانون العقوبات التي نصت على أنه: "يصدر الأمر بإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات، تبدأ من اليوم الذى يصبح فيه الحكم نهائيًا"، وفي خلال هذه المدة يعفي المحكوم عليه مؤقتا من تنفيذ العقوبة، فيظل متمتعًا بحريته أو يفرج عنه إذا كان محبوسًا احتياطيا، ولا تفرض عليه أية تدابير لمساعدته أو مراقبته.
فإذا عاد المحكوم عليه إلى مخالفة القانون يلغى وقف التنفيذ وتنفيذ فيه العقوبة المحكوم بها ضده.
وقد أجازت الفقرة الثانية من المادة 56 من قانون العقوبات إلغاء إيقاف تنفيذ العقوبة في حالتين:
1-إذا صدر ضد المحكوم عليه خلال مدة الإيقاف حكم بالحبس أكثر من شهر عن فعل ارتكبه قبل الأمر بالإيقاف أو بعده.
2-إذا ظهر في خلال مدة الإيقاف أن المحكوم عليه صدر ضده قبل الإيقاف حكم بالحبس أكثر من شهر ولم تكن المحكمة قد علمت به.
ب - انقضاء مدة الإيقاف دون إلغائه:
أما إذا انقضت مدة الإيقاف دون أن يصدر خلالها حكم بإلغائه، فلا يمكن، وفقًا للمادة 59 من قانون العقوبات، تنفيذ العقوبة، ويعتبر الحكم بها كأن لم يكن، أى يعفي المحكوم عليه من تنفيذ العقوبة بصفة نهائية، وتزول الآثار الجنائية للحكم الصادر بها، بحيث لا يعتبر سابقة في العود، ولا يكون المحكوم عليه في حاجة إلى رد اعتباره، وذلك لأن رد الاعتبار في هذه الحالة يتم بقوة القانون.