ترتكب اليوم العديد من الجرائم الشديدة الخطورة ضد آحاد الناس وقد تصيبهم في مالهم أو شخصهم أو عرضهم، وهذه الجرائم قد تتمثل في القتل أو السرقة والتي يحترفها البعض لتكون مهنتهم، في العصر الراهن ومصدر رزقهم الملوث، إلا أن التشريعات الجنائية الحديثة تهدف بكل توجهات رغم اختلاف وتباين مرجعياتها الفلسفية والفكرية، وقد سبقها الإسلام إلى الحفاظ على حياة الناس وأعراضهم وممتلكاتهم.
ومنذ عدة أيام ــ تابعنا جميعاً قضية الفتاة الصومالية التي تعرضت مؤخراً لمحاولة اغتصاب من أحد سائقي "التوك توك"، وقد أصدرت النيابة العامة قرارها بإخلاء سبيل المتهمة بضمان محل إقامتها، وثار التساؤل لدى البعض حول مدى إباحة القتل "العمد" فى هذه الحالة، وهو ما نسلط عليه الضوء بإيجاز، حيث أن هناك العديد من الإشكاليات حال الدفاع عن النفس فيجب أن يكون حين تحقق الاعتداء لا مجرد التوهم وأن يتناسب مع جسامة العدوان.
هل يجيز لك القانون الدفاع عن نفسك؟
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل مدى إباحة القتل "العمد" عند الدفاع عن النفس؟ وما هي الشروط الواجب توافرها في ذلك الحق حتى لا يقع الشخص في المحظورة وتعرضه للاتهام ليصبح هو المتهم بدلاَ من المجني عليه في مثل هذه الحالات؟ وذلك في الوقت الذى يتعرض فيه الكثيرين للاعتداء، من الطبيعي أن تلجأ لأية وسيلة تراها ضرورية لإيقافه، لكن هل يجيز القانون لك ذلك؟ وهل يسمح لك باستخدام القوة لإيقاف الاعتداء الموجه إليك؟ - بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض سامى البوادى.
في البداية - دفاعك عن نفسك أو مالك أو عِرضك إذا ما تعرضت للاعتداء، هو ارتداد طبيعي لما يقع عليك، وليس من المنطق أن يمنعك القانون من الدفاع عن نفسك، بأن تقف مكتوف اليدين أمام المعتدي، بل يمنحك هذه الرخصة لمنع وقوع الأذى عليك أو لمنع استمراره إذا وقع، ولكن هذا الحق مقيد بعدم التجاوز أو التعدي المفضي إلى إيذاء الآخر بدون وجه حق، وهنا نشير بداية إلى أن القاعدة العامة فى إباحة الدفاع الشرعي أو تجريمه هى "التناسب" بين جسامة الخطر الذى يتعرض له الإنسان وبين رد الفعل، وبالتالي فمثلاً من يتعرض للسرقة ويمكنه درأ الاعتداء عن طريق الضرب أو الجرح لا يُباح له القتل العمد – وفقا لـ"البوادى".
فما هي الحالات التي أباح فيها القانون المصري القتل العمدى في حالة الدفاع الشرعي؟
تنقسم هذه الحالات إلى قسمين:
- أولهما: الدفاع عن النفس: ونصت عليه المادة 249 من قانون العقوبات من أنه: حق الدفاع الشرعي عن النفس لا يجوز أن يبيح القتل العمد إلا إذا كان مقصودا به دفع أحد الأمور الآتية:
أ- فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة.
ب-إتيان امرأة كرها أو هتك عرض إنسان بالقوة.
ج-اختطاف إنسان.
ــ وثانيهما: هو الدفاع عن المال: ونصت عليه المادة 250 من قانون العقوبات من أنه: "حق الدفاع الشرعي عن المال لا يجوز أن يبيح القتل العمد إلا إذا كان مقصودا به دفع أحد الأمور الآتية:
أ-فعل من الأفعال المبينة في الباب الثاني من هذا الكتاب – وهى جرائم الحريق العمد.
ب-سرقة من السرقات المعدودة من الجنايات.
ج-الدخول ليلا في منزل مسكون أو في أحد ملحقاته.
د-فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة.
ــ وكل هذه الحالات تحتاج إلى شرح وتفصيل وإيضاح لكل حالة على حدة، ولكن الذي يهمنا فى هذا المقال هو الدفاع الشرعى فى جرائم الاعتداء على العِرض:
ــ وهذه الجرائم تتلخص فى جريمتين:
أولاً: جريمة مواقعة أنثى دون رضاها: وقد عاقب المشرع على تلك الجريمة فى المادة 267 من قانون العقوبات بالإعدام أو السجن المؤبد، ويُعاقب الفاعل بالإعدام إذا كانت المجني عليها لم يبلغ سنها 18 سنة ميلادية كاملة أو كان الفاعل من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادماً بالأجر عندها أو عند من تقدم ذكرهم، أو تعدد الفاعلون للجريمة.
ثانياً: جريمة هتك العرض بالقوة أو التهديد "وتشمل الإناث والذكور": وقد عاقب المشرع على تلك الجريمة فى المادة 268 من قانون العقوبات بالسجن المشدد، وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان مرتكبها أو أحد مرتكبيها ممن نُص عليهم في الفقرة الثانية من المادة "267" تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنوات، وإذا اجتمع هذان الظرفان معاً يُحكم بالسجن المؤبد.
ــ فى الحالات السابقة - وبالطبع فى حالة الشروع فى ارتكابها – تتوافر لدى المجنى عليه حالة الدفاع الشرعي التى تبيح له قتل المُعتدى ولا تكون عليه أية عقوبة مطلقاً وفقاً لنص المادة 245 من قانون العقوبات، وغنى عن البيان أن كل ما سبق يخضع فى تقديره وإثباته للسلطة التقديرية لمحكمة الجنايات وتحت رقابة محكمة النقض.