منصة القضاء، هى المكان الذي يلجأ إليه أصحاب الحق ليحصلوا على حقهم، وأمام القاضي لا فرق بين مواطن فقير أو غنى، ضعيف أو قوى، حاكم أو محكوم، وعندما يصدر القاضي حكمه فهو عنوان الحقيقة أمام الخصوم، القاضي ممثل السلطة القضائية، إحدى السلطات الثلاث الأساسية، والقاضي يصدر حكمه استنادا للقانون، وبالرغم من أنه لا يمتلك إلا قلماً رصاصاً يخط به الحكم، فإن الحكم يغير مواقع قانونية، يثبت ملكية أو ينفيها، يحبس شخصا أو يقضى عليه بالإعدام أو يبرئه لكل هذا يحصل القاضي على الحصانة، بالدستور.
ولأجل ذلك وضع المشرع العديد من الإجراءات الرقابية على عمل القضاة وعلى الأحكام بشكل قانونى من أجل الوصول للعدالة المأمول لها، أبرزها أن يكون للحكم مراحل أخرى للحكم، ففي حال إذا كان الحكم صادر من محكمة الجنح يكون هناك مرحلة أخرى من التقاضي وهي مرحلة الجنح المستأنف، وإذا كان أمام محكمة الجنايات تكون الرقابة من قبل محكمة النقض – كأحد مراحل التقاضي الطبيعية – وكل هذه المراحل بمثابة حق طبيعي للمتقاضين، بينما هناك رقابة أخرى بعيدا عن الأحكام تتعلق بالسلوك والتعامل مع القضايا، ولأجل ذلك شُرع "مجلس التأديب والصلاحية"، للتصدي لأي مخالفات، وللحفاظ على هيبة القضاء.
مجلس التأديب والصلاحية.. باب "العدل" الخلفي لمراقبة المنصة
"مجلس التأديب والصلاحية" يصدر عنه العديد من القرارات والأحكام أبرزها العزل، أو الإحالة للمعاش المبكر، أو التنبيه، أو اللوم أو النقل لوظيفة غير قضائية أو البراءة والعودة للعمل القضائي من جديد، حيث إن مجلس التأديب والصلاحية يحال إليه القاضي كإجراء تأديبي ضده حال ارتكابه مخالفات متعلقة بوظيفته وليست مخالفات جنائية مثل المخالفات المتعلقة بالسلوك أو قدرته على إنجاز القضايا المكلف بها أو خلافاته مع زملائه في العمل أو تكرار الشكاوى منه وثبوت فعله أو مخالفات التعليمات القضائية الواجب اتباعها مثل الإسراف في الظهور الإعلامي أو الانتماء لحزب، أو المشاركة في أي عمل سياسي.
وتنص المادة 99 و100 من قانون السلطة القضائية على: تقام الدعوى التأديبية من النائب العام بناءً على طلب وزير العدل من تلقاء نفسه بناء على اقتراح رئيس المحكمة التي يتتبعها القاضي ويخطر رئيس مجلس التأديب الطلب، فإذا لم يقوم النائب العام يرفع الدعوى خلال 30 يوما من تاريخ الطلب جاز لمجلس التأديب أن يتولى بنفسه الدعوى تبين فيه الأسباب، وترفع الدعوى التأديبية بعريضة تشمل التهمة والأدلة وتقدم لمجلس التأديب ليصدر قرار بإعلان القاضي للحضور أمامه.
إجراءات مساءلة القضاة المحالين
وبعد ذلك تبدأ إجراءات مساءلة القضاة المحالين، وتكون على درجتين بعد صدور الحكم من مجلس التأديب والصلاحية، يحق للقاضي الطعن أمام مجلس التأديب الأعلى برئاسة رئيس مجلس القضاء الأعلى، حيث أنه من أول جلسة في المحاكمة يمكن وقف سير الإجراءات من قبل المجلس ويعود القاضي إلى عمله من جديد مباشرة، بينما إذا قرر المجلس عدم وقف سير الدعوى سيمثل أمام هيئة المحاكمة وسماع الدفوع الخاصة به لتبرئته ومطالبته بسماع شهود أو غيره، وفى الحقيقة إحالة القاضي للتأديب والصلاحية، لا تعني وقفه عن العمل بينما يأخذ إجازة إجبارية لحين انتهاء إجراءات المحاكمة، وتصرف كل حقوقه ومستحقاته المالية في ذلك الحين.
وتنص المواد من 101 إلى 103 من قانون السلطة القضائية: "يجوز للمجلس يجرى ما يراه لازمًا من التحقيقات ولو لم يندب أحد أعضائه للقيام بذلك، أما إذا رأى مجلس التأديب وجها للسير في إجراءات المحاكمة عن جميع التهم كلف القاضي الحضور بميعاد أسبوع على الأقل بناءً على أمر من رئيس المجلس، وعند تقرير السير في إجراءات المحاكمة يجوز لمجلس التأديب أن يأمر بوقف القاضي عن مباشرة أعمال وظيفته أو يقرر انه في أجازه حتى تنتهي المحاكمة.
هل هناك فرق بين لفظ التأديب والصلاحية؟
لفظا التأديب والصلاحية هناك فارق بينهما، فـ"مثول القاضي أمام التأديب تعني عقوبته على فعل بعينه صدر منه، بينما مثوله أمام الصلاحية تعني النظر في مدى صلاحية القاضي في استكمال عمله بالقضاء أم لا، أي النظر في أرشيف عمله منذ تعيننه لإصدار الحكم من المجلس"، وفيما يتعلق بالسيناريوهات المتعاقبة بعد مثول القاضي للمحاكمة، فإن الأحكام التي تصدر يكون أغلبها الإحالة للمعاش المبكر أو العزل من القضاء، بينما الأحكام الأخرى تكون عقوبة التنبيه أو نقل القاضي لوظيفة غير قضائية، أو البراءة، إلا أنه في حالة التنبيه يمنع القاضي من الترقية والإعارة لمدة خمس سنوات، والمستحقات المالية لن تتأثر نهائيًا ويتم صرفها وفقًا للراتب المحدد لدرجة وظيفة القاضي الموقع عليه العقوبة.
وقرار الإحالة للمعاش أو العزل لابد أن يكون بقرار جمهوري ينشر في الجريدة الرسمية، ليكون واجب النفاذ، ويمكن للرئيس يمنح القاضي البراءة عند صدور القرار الجمهوري حيث يتم الرجوع اليه، على عكس الأحكام القضائية الأخرى تكون واجبة النفاذ دون العودة لرئيس الجمهورية، أما في حالة البراءة النيابة العامة تطعن على الحكم أمام مجلس التأديب الأعلى لإعادة المحاكمة، ويكون القرار بين يديهم فيما يقضي قانون السلطة القضائية.
تشكيل مجلس التأديب والصلاحية
ويتشكل مجلس التأديب والصلاحية من رئيس ثلاثة من رؤساء محاكم الاستئناف، أقدم ثلاثة من مستشاري محكمة النقض، وعند خلو وظيفة رئيس محكمة النقض أو غيابه أو وجود مانع لديه يحل محله الأقدام فالإقدام من أعضاء المجلس وعند غيابه أو وجود مانع لديه يحل محله الإقدام فالإقدام من أعضاء المجلس، وعند غياب أحد رؤساء محاكم الاستئناف أو وجود مانع لديه يكمل العدد بالأقدم من رؤساء محاكم الاستئناف ثم من أعضائهم ولا يمنع من الجلوس في هيئة مجلس التجديد سبق الاشتراك.
ماذا تعنى "عقوبة التنبيه"؟
أما "عقوبة التنبيه" تعني لفت نظر القاضي لفعل صدر منه، لعدم العودة إليه مرة آخرى مستقبليًا، حيث إن المخالفات الإدارية داخل الهيئات القضائية تستوجب التنبيه على فاعلها من خلال مجلس القضاء الأعلى، كما أن "التنبيه" يمنع الترقية والإعارة لمدة 5 سنوات، بينما المستحقات المالية لا تتأثر نهائيًا ويتم صرفها وفقًا للراتب المحدد لدرجة وظيفة القاضي الموقع عليه العقوبة، و"عقوبة التنبيه" جاء نصها بالمواد "93 ،94" بالفصل التاسع من قانون السلطة القضائية في مساءلة القضاة تأديبيًا.
ونصت المادة 93: لوزير العدل حق الإشراف على جميع المحاكم والقضاة، ولرئيس كل محكمة وللجمعية العامة لكل محكمة حق الإشراف على القضاة التابعين لها، والمادة 94: لرئيس المحكمة من تلقاء نفسه أو بناء على قرار الجمعية العامة بها تنبيه القضاة إلى ما يقع منهم مخالفًا لوجباته أو مقتضيات وظائفهم بعد سماع أقوالهم، ويكون التنبيه شفاهيًا أو كتابة وفى حالة الاخيرة يبلغ صورته لوزير العدل، وللقاضي أن يعتبر على التنبيه الصادر إليه كتابة من رئيس المحكمة بطلب يرفع، خلال أسبوع من تاريخ تبليغه إياه إلى اللجنة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة السادسة من القانون رقم 82- لسنة 1969 بشأن المجلس الأعلى للهيئات القضائية.