لم يعد يمر علينا يوما نستيقظ فيه دون أن يطفو على السطح جريمة من جرائم السب والقذف بين المشاهير وبعضهم البعض سواء فى مجالات الرياضة أو الفن أو الإعلام أو حتى السياسة، أصبحنا نعيش فى مستنقع الشتم والإساءة والتشهير بالغير وتسريب المكالمات والفيديوهات التى تمس أشخاصا بشكل لا يرضيهم، أو نقاشات حادة تثير انفعالات قد تجر صاحبها إلى فخاخ السباب، وإلقاء التهم جزافا على أشخاص بعينهم.
ليس ذلك فقط - بل تجد المحاكم المصرية نفسها أمام تلٍ من القضايا، ووقائع سب وقذف تحتاج حسما قضائيا، وتكون غالبا بين المشاهير فى مجالات مختلفة، مثل الفن والسياسة، بجانب قضايا النشر فى الصحف ووسائل الإعلام، حيث أصبح مع ثورة الاتصالات والتطور التكنولوجى تسجيل المكالمات والتجسس على التليفون أو غيرها من وسائل الاتصال الأخرى من الأمور اليسير حدوثه، وأن الأصل العام يعد هذا الفعل جريمة يعاقب عليها القانون.
خلى بالك.. انتهاك حياة الآخرين الخاصة "جريمة"؟
فى التقرير التالى، يلقى "برلمانى" الضوء على إشكالية السب والقذف وتسريب المكالمات وانتهاك حياة الآخرين الخاصة التى تشكل جريمة طبقا للقانون، وذلك فى محاولة لتوعية المواطن من جرائم السب والقذف والتشهير عبر الهاتف المحمول والسوشيال ميديا التى يقع فيها دون علم، ولكن جهله بالقانون هذا ليس عذرا مقبولا من الناحية القانونية، لأن قانون تقنية المعلومات تم إقراره منذ عام 2018، فضلا عن أن المحاكم أصبحت تكتظ بالقضايا الإلكترونية – بحسب الخبير القانونى والمحامى بالنقض هانى صبرى.
فى البداية - الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة سواء كان بالتنصت على المكالمات التليفونية أو تسجيلها، وكذلك التقاط الصور ونشرها يعد تعديا صارخا على نص دستورى يصون ويحمى الحياة الخاصة لكل إنسان، وتنص المادة 57 من دستور 2014 على أن: "للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس، وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائى مسبب، ولمدة محددة وفقا لأحكام القانون، كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين فى استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها" – وفقا لـ"صبرى".
المشرع يجرم تسجيل المكالمات الشخصية عبر الهاتف أو التقاط فيديوهات أو صور ونشرها أو الاعتداء على الحياة الخاصة دون الحصول على إذن من النيابة أو القاضى المختص حسب الأحوال، وإذا تم تسجيل مكالمة دون إذن قضائى أو بدون رضا المجنى عليه وكان مضمون المكالمة المسجلة قد يشكل جريمة فإن هذه التسجيلات لا يعتد بها قانوناً ولا ينتج أى أثر قانونى أمام المحكمة وتعرض الذى قام بتسجيلها للمساءلة القانونية، حيث أن التصنّت وتسجيل المحادثات عن طريق الهاتف أو أى وسيلة أخرى فى أماكن خاصة، بدون اتباع الطرق القانونية يعد جريمة جنائية وفقا لنص المادتين "309 مكرر، 309 مكرر أ" من قانون العقوبات – الكلام لـ"صبرى".
حزمة من الأفعال أبرزها تسجيل المكالمات والتقاط الصور
و"يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن، وقام بتسجيل محادثة أو التقاط صور وفيديوهات جرت فى مكان خاص أو عن طريق التليفون، وذلك فى غير الأحوال المصرح بها قانوناً أو بغير رضا المجنى عليه، ويحكم فى جميع الأحوال بمصادرة الاجهزة كما يحكم بمحو التسجيلات الحاصلة عنها أو إعدامها"، وتعتبر هاتان المادتان إضافة مهمة إلى ضمانات الحرية الشخصية، إذ أنهما يجرمان الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة عن طريق استراق السمع أو تسجيل المحادثات فى أماكن خاصة أو عن طريق التليفون أو التقاط صورة شخصية فى مكان خاص أو إذاعة هذه التسجيلات أو التهديد بها، وهاتان المادتان تتوافقان مع نص المادة 57 من دستور 2014 –هكذا يقول "صبرى".
فأسرار الحياة الخاصة التى فى المكالمات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال الأخرى هى ملك لأفرادها ولا يجوز استراق السمع، أو نقلها أو نشرها ويعد ذلك جريمة يعاقب عليها القانون كما استراق السمع "التنصت" على المكالمات التليفونية أو الرسائل الخاصة أو الإلكترونية أو تسجيل المحادثات التى تجرى فى مكان خاص أو عن طريق التليفون أو نقلها أو تصوير شخص فى مكان خاص، وتجدر الإشارة إلى أنه يستثنى من عقوبة التنصت على المكالمات ما جرى تسجيله أو نقله أو تصويره فى مكان عام لافتراض الرضا وعلانية ما تم نقله أو تسجيله أو تصويره، فأن التصوير فى الأماكن العامة غير مخالف للقانون طالما أنه لم يتناف مع الآداب العامة، وأن المكان غير محظور التصوير فيه، ولكن لابد من ضرورة الالتزام بالحفاظ على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين أثناء التصوير، باعتبار الاعتداء عليها جريمة يعاقب عليها القانون ، كما لا تعد جريمة إذا كانت تلك الأسرار متعلقة بالمهنة أو الوظيفة وذلك كونها ملك للعامة ويشترط فى ذلك عدم مساسها بالحياة الشخصية.
جرائم وعقوبات تخص الهاتف المحمول
أما إذا تم التهديد بإفشاء أمر من الأمور التى تم التحصل عليها عن طريق التنصت أو التسجيل أو التصوير يعاقب الفاعل بالسجن مدة قد تصل إلى 5 سنوات، كما إذا قام موظف عام بالتنصت أو التسجيل أو النقل أو التصوير يعاقب بالسجن من 3 سنوات إلى 15 سنة وإذا كان الفاعل صحفيا هنا تضاف إلى مواد الاتهام المادة 21 من قانون الصحافة ويحكم عليه بالعقوبة الأشد وفقا لنص المادة 32 من قانون العقوبات، وتنص المادة (25) من قانون تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 والمتعلقة بالاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتى غير المشروع:
"يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أى من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصرى، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات إلى نظام أو موقع إلكترونى لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته أو بالقيام بالنشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، لمعلومات أو أخبار أو صور وما فى حكمها، تنتهك خصوصية أى شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة".
دور القاضى فى تحديد شكل الإزعاج المرتكب
كما تنص المادة 76 فقرة 2 من قانون تنظيم الاتصالات 10 لسنة 2003 على أنه مع عدم الإخلال بالحق فى التعويض المناسب يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تتجاوز 20 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعمد إزعاج أو مضايقة غيره بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات، وهذا مؤداه إن القانون جرم فعل الإزعاج أو المضايقة المتعمدة، فأى إزعاج أو مضايقة تتم عبر جميع أجهزة الاتصالات يشكل جريمة طبقاً للمادة سالفة الذكر فمن يقوم بإرسال رسائل عبر شبكة الانترنت أو على التليفون المحمول تتضمن إزعاجا أو مضايقة لمستقبلها يكون مرتكبا لهذه الجريمة، ويجب ثبوت الاتهامات المنسوب صدورها إلى المتهم من قيامه بسب المجنى عليه عن طريق الهاتف وتعمده مضايقة وإزعاج المجنى عليه بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات التى تنطوى على توافر ركنى تلك الجرائم فى حق المتهم وهما:
1- الركن المادى والمتمثل فى قيامه بإرسال رسائل إلى المجنى عليه تشكل جريمة فضلاً عما سببته من إزعاج ومضايقة المجنى عليه.
2- الركن المعنوى وهو علمه بمباشرته نشاطه الإجرامى محل الركن المادى لتلك الجرائم واتجاه إرداته إلى تحقيق ذلك.
وعلى القاضى تحديد ما إذا كان الفعل المرتكب يشكل إزعاجاً أو مضايقة للمتلقى من عدمه فهى مسألة موضوعية تختلف من حالة إلى أخرى، حيث تنص المادة 166 مكرر من قانون العقوبات كل من تسبب عمداً فى إزعاج غيره بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات التليفونية يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على مائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كما أن الإزعاج وفقاً لنص المادة 166 مكرر عقوبات لا يقتصر على السب والقذف لأن المشرع قد عالجها فى المادة 308 مكرر بل يتسع لكل قول أو فعل تعمده الجانى يضيق به صدر المواطن، اما إذا كوّن الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التى عقوبتها أشد والحكم بعقوبتها دون غيرها عملاً بالمادة 32 /1 عقوبات، لذلك يجب أن تترسخ فى الثقافة الجمعية للمواطنين حماية الحرية الشخصية واحترام خصوصية الآخرين.
تعرف على صحة الإجراءات لعدم إفلات المتهم من العقوبة
معالجة قصور البعض من المحامين والمجنى عليهم فى كيفية اتباع الإجراءات التى رسمها القانون وفقاً للمادة 3 إجراءات جنائية، حيث أن هناك طريق رسمه القانون لرفع دعوى جنائية فى تهمتى القذف والسب، وفقاً للمادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية، التى تنص على أنه: "لا يجوز أن ترفع الدعوى الجنائية إلا بناء على شكوى شفهية أو كتابية من المجنى عليه، أو من وكيله الخاص، إلى النيابة العامة، أو إلى أحد مأمورى الضبط القضائى فى الجرائم المنصوص عليها فى المواد 185، 274، 279، 292، 293، 303، 306، 307، 308 من قانون العقوبات ، وكذلك فى الأحوال الأخرى التى ينص عليها القانون".
ومن ثم لا يجوز أن ترفع الدعوى الجنائية بجريمتى السب والقذف، إلا بناء على شكوى شفهية أو كتابية من المجنى عليه، أو من وكيله الخاص، إلى النيابة العامة أو أحد مأمورى الضبط القضائى، ويشترط لصحة التوكيل بالشكوى أن يكون خاصاً لا عاماً، أى أن تحدد فيه الواقعة التى تقوم بها الجريمة موضوع الشكوى، ويرتبط بذلك أن يكون التوكيل لاحقاً على الجريمة، ويترتب على ذلك أنه لا محل فى الشكوى لتوكيل عام، ولا يقبل توكيل خاص توقعاً لجريمة ترتكب فى المستقبل.
ولا تقبل الشكوى بعد 3 أشهر من يوم علم المجنى عليه بالجريمة وبمرتكبها، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وأن المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية تضع قيداً على حق النيابة فى تحريك الدعوى العمومية بجعله متوقفاً على تقديم الشكوى من المجنى عليه أو من وكيله الخاص فى الفترة المحددة بتلك المادة، وفِى حالة عدم رفع الدعوى بغير الطريق الذى رسمه القانون، فإن المحكمة تقضى المحكمة بعدم قبول الدعوى الجنائية لمخالفتها صريح نص القانون وفقاً للمادة الثالثة إجراءات جنائية.
شروط السب الإلكترونى
إن السب والقذف على "السوشيال ميديا" هى مجموعة جرائم يعاقب عليها القانون، لأن المشرع المصرى يتعامل مع أمر استخدام التكنولوجيا المتطورة لتوجيه السباب، على أنه "جرائم متعددة"، هى جريمة سب، وأخرى جريمة قذف، وكذلك جريمة إساءة استخدام التكنولوجيا، وأيضا جريمة تعمد الإساءة عن طريق النشر، فبعد إثبات ذلك يتم تحرير محضر، ثم إحالة الأمر إلى النيابة العامة أو المحكمة الاقتصادية، على اعتبار أن هذا السلوك يشكل ارتكابا لجرائم متعددة تستهدف الإهانة والحد من الكرامة، وهذا كله يستوحب العقاب.
شروط تحرير محضر
وهناك عدد من الشروط يجب توافرها لتقديم بلاغ من هذا النوع، هى ضرورة وجود "سكرين شوت" أو نسخة من صفحة المتهم مرتكب هذه الجريمة من قبل المجنى عليه، وبعد ذلك يتم تحرير محضر فى "مباحث الانترنت"، وأهم أركان جريمة السب والقذف، هو ركن العلانية، وهذا يتحقق عن طريق النشر، وأيضا ركن تعمد إهانة المجنى عليه، وهنا يعاقب المتهم بالغرامة أو الحبس، والحبس هنا يكون وجوبيا، وقد يصل الحبس إلى 3 سنوات بحد أقصى، وغرامة 200 ألف جنيه، والهدف من الحكم القضائى إثبات الإدانة لأخذ تعويض قد يصل إلى مليون حنيه.
تصفية حسابات.. وتشهير
والحقيقة فإن فى السنوات الأخيرة شهدت زيادة فى استخدام الانترنت وخاصة وسائل التواصل الاجتماعى، واستغل بعض ضعاف النفوس ذلك من أجل تصفية الحسابات أو التشهير، لذا فطن المشرع المصرى ذلك وأعد مادة فى قانون العقوبات بشأن "إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي"، حيث أن المشرع جعل الحبس وجوبيا فى هذه الحالة، وأن "السب والقذف" فى قانون العقوبات لا يشمل الحبس إلا فى حالة "الطعن فى الأعراض"، وإذا كان الهدف من التشهير أو "الابتزاز" على "فيس بوك" الحصول على منفعة مادية أو عينية أو جنسية ، فهنا تصل العقوبة إلى 5 سنوات سجن، كما أن مباحث الانترنت تكون البطل فى هذه الحالات، وتنجح فى رد اعتبار أى مواطن تعرض لإساءة على مواقع التواصل الاجتماعى.