الجمعة، 22 نوفمبر 2024 02:08 م

"الوعى الأسرى 2".. الاعتداء على القيم الأسرية.. هل مقاطع "تيك توك" ابتذال؟ أم حرية رأى وتعبير؟.. وهل التصدى لها تقييد للحرية؟

"الوعى الأسرى 2".. الاعتداء على القيم الأسرية.. هل مقاطع "تيك توك" ابتذال؟ أم حرية رأى وتعبير؟.. وهل التصدى لها تقييد للحرية؟ التعدى على القيم الأسرية - أرشيفية
الخميس، 03 مارس 2022 09:00 م
كتب علاء رضوان

لازال الحديث مستمرا حول جريمة الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية، وانتهاك حرمة الحياة الخاصة، الذى يسعى البعض لتوجيه النقد لمثل هذه المادة من حيث غموضها وكونها مادة يصفها البعض بـ"المطاطية"، ما نتج عنه صدور أحكام بحبس وتغريم العديد من الفتيات والشباب، لإدانتهم بالتعدى على "القيم والمبادئ" الأسرية على مواقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" و"تويتر" من خلال نشر فيديوهات تحرض على الفسق والفجور.

 

ويرى السواد الأعظم فى الشارع المصرى أن المجتمع المصرى يشهد عهدا جديدا فى التصدى لكل من يحاول العبث بالقيم الأسرية فى المجتمع التى تضرب بجذورها منذ قدم التاريخ، والدليل على ذلك الوقائع التى حدثت خلال الفترة الماضية وهى معلومة لدى الجميع من فتيات وشباب، تلك الوقائع تكشف مخطط ضرب القيم الأسرية للمجتمع المصرى، وإزاء ظهور تلك الظاهرة لابد وأن يكون للقانون يد صارمة تضرب بسيف بتار على من ينتهك الآداب والحشمة العامة وقيم المجتمع، فكل شخص حر فى ممارسة حياته الجنسية والشخصية، ولكن فى السر ودون علانية بما لا يؤذى الآخرين ويهز كيان المجتمع ويعصف بثوابته من خلال البث العام على عيون الناس.

 

على-النيابة-العامة-التوقف-عن-فرض-تصوراتها-غير-القانونية-عن-القيم-الأسرية-862x485

 

القيم الأسرية بين التجريم والإباحة

فى التقرير التالى، يواصل موقع "برلمانى" إلقاء الضوء على جريمة الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية، وانتهاك حرمة الحياة الخاصة من خلال سلسلة "الوعى الأسرى" حيث سبق الحديث عن دور قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات فى التصدى لأى محتوى إلكترونى مخل وخادش للحياء من شأنه التعدى على المبادئ والقيم الأسرية، وانتهاك حرمة الحياة الخاصة، والعقوبة التى تصل للحبس 6 أشهر و100 جنيه غرامة، وتفنيد عملية النقد الدائم لجريمة الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية، وانتهاك حرمة الحياة الخاصة – بحسب دراسة أعدها المستشار محمد مرى رئيس محكمة الجنايات.

 

فى البداية – يدعى أمثال هؤلاء أن كل ما يفعله أمثال هؤلاء الفتيات والشباب الذى يستاء منه البعض بدعاوى الابتذال أو مخالفة التقاليد لا يخرج من أطر ممارستهم حقوقهم الشخصية سواء الخاصة بحرية الرأى والتعبير، أو حرية استخدام الإنترنت، أو حرية الجسد، أو الحق فى العمل، بينما التصدى له بمثابة قيد جديد على حرية التعبير، فهناك 3 قوانين تعاقب هؤلاء كالتالى:

 

download

 

3 قوانين تجرم التعدى على القيم الأسرية

1- فمواد قانون العقوبات التى تحاكم بها الفتيات والشباب تجرم نشر صور ومقاطع فيديو خادشة للحياء: يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تزيد عن 10 آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل من نشر صورًا بقصد العرض إذا كانت خادشة للحياء العام، حسبما تنص المادة 178 عقوبات.

 

2- الدعوة بالإغراء للدعارة على مواقع التواصل الاجتماعي: يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن 3 سنوات وبغرامة لا تجاوز 100 جنيه لكل من أعلن بأية طريقة من طرق الإعلان دعوة تتضمن إغراء بالفجور أو الدعارة أو لفت الأنظار، وفق المادة 14 من قانون رقم 10 لسنة 1960.

 

3- الاعتداء على مبادئ وقيم أسرية فى المجتمع المصري: يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أى من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصرى - المادة 25 من قانون 175 لسنة 2018 - فى شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات.

 

إنشاء حساب وإدارته على الإنترنت للتحريض على الفجور: يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تزيد عن ثلاثمائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أنشأ أو أدار أو استخدم موقعًا أو حسابًا خاصًا على شبكة معلوماتية يهدف إلى ارتكاب أو تسهيل ارتكاب جريمة معاقب عليها قانونًا "المادة 27 من قانون 175 لسنة 2018".

 

download (2)

 

هل بالفعل المواد متعددة التفسير والتأويل؟

فيما يرى العديد من الخبراء أنه فى ظل تلك المواد المتعددة التفسير والتأويل مثل: "التحريض على الفجور أو الاعتداء على مبادئ وقيم أسرية فى المجتمع المصري"، تخالف التعريف الأصيل للقواعد القانونية بإلزام أن تكون محددة الكلمات بتعريفات واضحة، وأن استخدام عبارات مطاطة تعيدنا مرة أخرى تحت سلطة منفذ القانون ليفسر النصوص كما يحلوا له، أو ليخالفها، كما أن القوانين بالذات الجنائية منها تحتاج إلى مراجعة شاملة فى احتوائها على عبارات لا يوجد قياس موضح لها ويمكن استغلالها فى العديد من الأمور التى لم يقصدها المشرع، وهو الأمر الذى لا يمكن التعايش مع خاصة فى مجتمع يحتوى على تراث ضخم من القوانين والتى تطورت عبر السنوات.

 

الدراسة محل التناول استعرضت الرد على هذه الأسباب والحيثيات من خلال التطرق إلى صور الركن المادى لجريمة الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية، وانتهاك حرمة الحياة الخاصة، بداية من المقصود بالأسرة والقيم الأسرية، وإرسال العديد من الرسائل الاليكترونية لشخص معين بكثافة دون موافقة، ومنح بيانات إلى نظام أو موقع إلكترونى لترويج السلع أو الخدمات بدون موافقة صاحبها، ثم القيام بالنشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، لمعلومات أو أخبار أو صور وما فى حكمها تنتهك خصوصية أى شخص دون رضاه – وفقا لـ"مرى".

 

1-30

 

صور الركن المادى للجريمة فى هذا القانون

1- الاعتداء على أى من المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصرى

يتمثل السلوك المادى فى هذه الصورة باستخدام تقنية المعلومات أو الشبكات المعلوماتية أو شبكة الانترنت لبث أو إرسال أو مخاطبة الأفراد على نحو يهدم الترابط الأسرى أو يقلل من شأن العمل الإيجابى من أجل الأسرة، أو الحث على التنافر فيما بين أفرادها أو النيل من الضوابط والمبادئ التى تحكمها – الكلام لـ"مرى".

 

المقصود بالأسرة والقيم الأسرية

الأسرة فى القانون هى كيان اجتماعى ينتمى له الأفراد وتختلف مواقعهم فيه، وهى نواة كل مجتمع كما نص دستور مصر 2014 فى مادته العاشرة: "الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق الوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها وترسيخ قيمها"، فما يسود فيها، يسود من المجموع فى المجتمع، ومن هنا وجب عدم الإخلال بالقيم والمبادئ التى تقوم عليها، والأسرة هى أول بيئة ينشأ فيها الطفل، وبالتالى هى أول من يُعلمه السلوك القويم، والعادات والتقاليد والأخلاق الحميدة، فإما أن ينشأ على المَودة والسكينة والوطنية والقيم الدينية، وإما يَشُب على القسوة والاضطراب والاغتراب والعنف.

 

وتعتبر الأسرة أكبر مجتمع تُدَعَم القيم فى داخلها، وبقدر وحدة القيم داخل الأسرة يكون تماسك المجتمع أو تفككه، ولذلك حرص المشرع المصرى على حماية هذه القيم سواء بالنص على ذلك فى قانون العقوبات، أم فى القوانين الجزائية الخاصة مثل قانون تنظيم الاتصالات، وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، لِما لتقنية المعلومات وشبكات المعلومات وشبكة المعلومات الدولية "الانترنت"، وأجهزة الاتصالات الحديثة من أثر بالغ على هذه القيم والمبادئ الأسرية فى المجتمع المصرى، وذلك لِما يتوافر على شبكة الإنترنت من أفكار وقيم وعادات وثقافات وسلوكيات تختلف فى معظمها وتتناقض فى الكثير منها مع أفكار وقيم وثقافات المجتمع المصرى والأسرة المصرية، مما يشكل تهديدا لهذه القيم والمبادئ.

 

download (1)

 

متى خرج على السطح مصطلح القيم الأسرية؟

وبدأ مصطلح القيم الأسرية فى الانتشار مع بدايات القرن العشرين والواحد والعشرين بعد الحرب العالمية الثانية، حيثُ كان الاعتقاد آنذاك؛ أن قيمة الأسرة فى تراجع لحساب الفرديّة والحريات الشخصية، ويُرمز "للعائلية" أيضا، بأنها أيدولوجيا مرتبطة بالقيم المحافظة، وما يُعرف بالعادات والتقاليد المُتوارثة عبر الأجيال، والقيم الأسرية هى أيضا مجموعة الأخلاقيات والمعايير الاجتماعية، التى يتم نقلها للأطفال عن طريق التربية، كالصدق، والأمانة، وحب الخير وعدم إيذاء الآخرين واحترام الكبير، والتسامح ...إلخ هذه الصفات الحميدة

 

إذا، فإن القيم الأسرية فى سياق المجتمع المصرى، لا تُحددها الأسرة، بل هى محددة بالقانون والدستور، ومفهوم القيم الأسرية وقيم المجتمع، مسألة موضوعية يقدرها قاضى الموضوع؛ مستندا فى ذلك إلى العُـرف السائد فى المجتمع، أى مما يَعتبره المجتمع ليس متصادمًا مع الأخلاق من عدمه، واستخدام مواقع التواصل والسوشيال ميديا عمومًا فى نشر فيديوهات راقصة وصور فاضحة، وأغانى تحتوى على إيحاءات جنسية، يمثل خطورة على المجتمع، لا سيما النشء، فقد يترسب فى وجدانه وذاكرته لشيوع هذا الهراء أنه أمر طبيعى أو عادى، وهى فى ذات الوقت تتجاوز حدود المقبول اجتماعيا – هكذا يقول "مرى".

 

917D2415-D10D-435F-A4DD-F0185E6AA431

 

مخاطر الوقوع تحت تأثير السوشيال ميديا 

ومن أمثلة القيم الأسرية: الترابط الأسرى، وبِر الوالدين واحترامهما، وتقوية العلاقة بين الزوجين، وحُب الأسرة والانتماء لها والعلاقة الحسنة بالجيران، إلخ.. ومما لا شك فيه أن الأسرة تواجه مشكلات شتى مع الأبناء نتيجة وقوعهم تحت التأثير البالغ للإنترنت والمحمول والحاسبات الآلية، وبرمجيات التكنولوجيا المعاصرة، مما يؤثر بالسلب على مبادئ وقيم الأسرة وأبرزها انقطاع التواصل والحديث والتجمع اليومى فيما بين أفرادها بسبب إفراطهم فى استعمال تلك الأجهزة على مدار الساعة، ومن هنا وجب ضبط هذه المسائل حتى لا تهدر القيم.

 

ويقع السلوك المادى فى هذه الصورة بالنشر عبر شبكة الإنترنت أو فى مواقع التواصل الاجتماعى أو البريد الالكترونى أو بأى طريقة إلكترونية كانت، ما يُحبذ أو يدعو أو يُروج لعدم الصدق والأمانة واحترام الوالدين والعفة، أو ما يدعو لهدم قيمة العلم والتدين سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وسواء بمقال أو رسالة الكترونية أو مادة مرئية أو مسموعة أو برسم أو كاريكاتير أو مسلسل أو فيلم ما دام كان النشر عن طريق تقنية المعلومات، فهل يُعتبر ما تحويه بعض المسلسلات والأفلام من مشاهد مُتوالية على مَدار المسلسل أو الفيلم من خيانة بين المحارم، أو القتل من أجل المال أو الميراث، وما يَتفوه به المُمثلون من عبارات بذيئة، أو تلميحات جنسية بُغية الإضحاك الهابط، أو التبذل فى خطاب الابن لأبيه أو أمِّه، أو لفتاة تبيت مع صديقها أو تتعاطى معه المخدرات، أو الترويج لتعاطى المخدرات كلما مرَّ البطل بأزمة ما، إلا هدمًا للقيم الأسرية.

 

2

 

هل القيم الأسرية تقع تحت تقدير قاضى الموضوع؟

ويستوى أن يقع هذا السلوك بالتخاطب والتواصل الصوتى أو المرئى أو الهاتف المحمول أو البريد الالكترونى أو المواقع وصفحات التواصل الاجتماعى أو التغريدات، وسواء كان ذلك بالصور أو الرسوم أو الإرسال التليفزيونى أو الارسال المسموع أو الألعاب الالكترونية، أو كان فى صورة مقال أو مسلسل أو فيلم، ما دام الجانى قد استخدم فى توصيلها للأفراد تقنية المعلومات أو شبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعى، ومسألة ما إذا كان سلوك الجانى يُعد اعتداء على المبادئ والقيم الأسرية من عدمه، فذلك مما يخضع لتقدير قاضى الموضوع يستخلصه فى ضوء قيم الأسرة المصرية ومبادئها التى استقرت فى أذهان الناس وتعارفوا عليها.

 

ولقد برز هذا النوع من الاعتداء على القيم الأسرية بعد شيوع استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعى عبر شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت"، ومنها ما شهده المجتمع المصرى 2020 من أحداث قضية عرفت إعلاميا بـ"فتيات التيك توك" اتهمت فيها فتاتين، قامت إحداهما بنشر صور ومقاطع مرئية مُخلة وخادشة للحياء العام على حسابها الشخصى على شبكة المعلومات الدولية الإنترنت، وقامت الثانية بالإعلان عن طريق حسابها الشخصى على ذات الشبكة لعقد لقاءات مخلة بالآداب عن طريق دعوة الفتيات البالغات والقاصرات إلى وكالة أسستها عبر تطبيق التواصل الاجتماعى المسمى "لايكي" للقاء الشباب عبر محادثات مرئية مباشرة وإنشاء علاقات صداقة خليعة؛ مقابل حصولهن على أجر يَتحدد بمدى اتساع مساحة المتابعين لهذه المحادثات وهذه الخلاعة، وهو ما قام به السلوك المادى لهذه الجريمة، فضلا عن جريمة الاتجار بالبشر.

 

7

 

على سبيل المثال.. جرائم فتيات التيك توك

 وتصدت النيابة العامة للقضية بالتحقيق وأحالتهما إلى المحاكمة الجنائية متهمة كلتاهما: أولا - "بالاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية فى المجتمع المصرى، بأن قامت الأولى بنشر صور ومقاطع مرئية مخلة وخادشة للحياء العام على حسابها الشخصى على شبكة المعلومات الدولية، وقامت الثانية بالإعلان عن طريق حسابها لعقد لقاءات مخلة بالآداب عن طريق دعوة الفتيات والبالغات والقاصرات على حد سواء إلى وكالة أسستها على تطبيق التواصل الاجتماعى المسمى "لايكي" للقاء الشباب عبر محادثات مرئية مباشرة وإنشاء علاقات صداقة مقابل حصولهن على أجر يتحدد بمدى اتساع المتابعين لتلك المحادثات التى تذاع للكافة دون تمييز. ثانيا: قامتا بإنشاء وإدارة واستخدام حسابات خاصة على شبكة المعلومات الدولية تهدف إلى ارتكاب الجريمة موضوع الاتهام السابق". وقضت محكمة أول درجة بعقابهما.

 

2- إرسال العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين بكثافة دون موافقة:

البريد الالكترونى هو من التقنية التى تُسهل الاتصال بالأشخاص سواء كتابة بإرسال رسالة نصية، أو بإرسال مقطع صوتى أو مقطع فيديو أو رسم أو صورة، وما شابه ذلك، ويتحقق السلوك المادى فى هذه الصورة من خلال إرسال الجانى للمجنى عليه رسائل الكترونية بكثافة على بريده الإلكترونى أو على الخاص فى صفحته على الفيس بوك بكثافة دون موافقته، أيا كان نوع وطبيعة هذه الرسالة، لأن إغراق بريده أو صفحته بهذه الرسائل الكثيفة بدون موافقته يعد اعتداء على حرمة حياته الشخصية.

 

 9

 

ويستوى أن تكون هذه الرسائل مخلة بالحياء، أو تنطوى على أى جريمة ما، أو كانت رسائل عادية ليس فيها شيئا من ذلك، ويعتبر إرسال إعلانات بكثرة من شركات الإعلانات أو الشركات المنتجة لأية منتجات ترغب فى تسويقها محققا للسلوك المادى لهذه الصورة من الجريمة، ومسألة ما إذا كانت الرسائل المرسلة من الجانى تعد من الكثافة بمكان من عدمه، فتلك مسألة موضوعية تخضع لتقدير قاضى الموضوع يستخلصها من ظروف وملابسات الدعوى.

 

3- منح بيانات إلى نظام أو موقع إلكترونى لترويج السلع أو الخدمات بدون موافقة صاحبها:

إن قيام الدولة والأجهزة التابعة لها أو قطاع الأعمال الخاص بإنشاء نُظم المعلومات الآلية، ليس من الأمور المُطلقة دون ضوابط، فقد وضعت التشريعات المقارنة مجموعة من هذه الضوابط والضمانات والتى تهدف إلى رقابة فاعلة على إنشاء نظم المعلومات وكيفية استخدامها وذلك حماية للحريات العامة ومنها الحريات الشخصية.

 

3

 

ومعلومات الأشخاص عموما تتوافر لدى الكثير من الجهات بسبب معاملاتهم الإلكترونية، لا سيما عندما يتم التسوق عبر شبكات الإنترنت أو عبر مواقع المراكز التجارية، فتكون بيانات الشخص الاسمية أو الشخصية والمهنية وغيرها متاحة لدى هؤلاء، وبصدور قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات أصبح محظورا تجميع البيانات عن الأشخاص وإجراء معالجة لها إلا برضاء الشخص طبقا للمادة "25" من هذا القانون.

 

 مخاطر ملفات "الكوكيز" فى تجميع بيانات الشخص

والتجميع قد يكون من عناوين البريد الإلكترونى للأشخاص بدون علمهم، وقد يكون عن طريق ملفات "الكوكيز"، وهى ملفات نَصية يُرسلها الخادم الخاص بالموقع الذى يتم زيارته أو عند الاتصال بالإنترنت إلى القرص الصلب للكمبيوتر المربوط بشبكة الإنترنت وتُسمى فى هذه الحالة "IP"، كما يوضح الكوكيز نوع الجهاز المتصل والبيانات التى يكون مطلوبا من المستخدم إدخالها كالاسم والبريد الإلكترونى ورقم البطاقة البنكية مثلا، وفى حالة الاتصال بأى موقع يحتفظ الموقع بنسخة من ملف الكوكيز المحتوى على هذه البيانات؛ فيتم التعرف على المستخدم عند زيارته للموقع مرة أخرى، ومن هنا يمكن تجميع البيانات عن الشخص، كما يتم من خلال الكوكيز معرفة المواقع التى يزورها المستخدم، وهو الأمر الذى يُستخدم فى إرسال الاعلانات للأشخاص، بل يمكن سرقة هذه المعلومات وإجراء تصفح بدلا من الشخص نفسه.

 

4

 

كما يتم تجميع البيانات عن طريق البريد غير المرغوب فيه، مثل رسائل معايدة أو تهنئة من مجهول، أو غرف الدردشة أو المجموعات الإخبارية، وتقوم الجهات التى تتولى تجميع هذه البيانات عن الأشخاص ببيعها إلى شركات تجارية أو مراكز تسوق أو مواقع الخدمات الأخرى، وأكثر ما تتوافر عليه بيانات عن الأشخاص هى مواقع التواصل الاجتماعي؛ لأنها تعتمد على الصفحات الشخصية التى تحتوى على خانات للبيانات الشخصية للمستخدمين "الاسم والعمر ومكان الإقامة والمهنة وتفضيلاتهم وصورهم وملفاتهم المرئية إلخ" فهى صفحات شخصية أصلا تمكنهم من الظهور بالأسلوب الذى يرغبون فى الظهور به للآخرين، ومن خلال معلومات الكوكيز هذه يتم اختراق المواقع والدخول إلى صفحة المستخدم أيضا.

 

دور قانون تقنية المعلومات فى التصدى لجمع البيانات الشخصية دون موافقة

كما تتوافر البيانات عن الأشخاص من المعاملات البنكية من ماكينات الصرف الآلى، وحجز الفنادق والمطاعم وتذاكر الطيران والسفر للخارج يتم بشكل رقمى، ودفع الفواتير المنزلية، وفى كل هذه العمليات يكون مطلوبا من الشخص إدخال بيانته الشخصية، فأنظمة المعلومات تزيد كمية البيانات المجمعة والمعالجة عن الأشخاص، وكثيرة هى الابتكارات التكنولوجية التى تجمع البيانات الشخصية حول الأشخاص وتخزنها وتعالجها معلوماتيا كتقنيات المراقبة الفيديوية ورقابة البريد الإلكترونى والاتصالات، مما يشكل اعتداءً على الحياة الخاصة للأشخاص لا سيما عندما تستخدم تلك المعلومات لغايات مختلفة بدون رضاء أصحابها.

 

5

 

وقبل صدور قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، لم يكن ثمة تنظيم أو حماية لبيانات الأشخاص، وكان مما يَحدث أن تتداول هذه البيانات لدى شركات التسويق والدعاية وكانت تغمر الأشخاص بعشوائية بالرسائل التسويقية أو الاعلانية وأيضا بالاتصال المباشر بهم مما يسبب لهم ازعاجا، وقد فطن المشرع المصرى إلى هذه المضايقات واعتبرها من صور العدوان على الحياة الخاصة للمواطن، فجرَّم كل من يمنح بيانات شخص إلى نظام أو موقع إلكترونى من المواقع الدعائية، كالتى تقوم بترويج السلع أو الخدمات المختلفة بدون موافقة الشخص.

 

وبالتالى يقوم الركن المادى لهذه الجريمة، فى حالة ما إذا قامت جهة من الجهات، أو حتى فرد، بمنح بيانات شخص ما لموقع من المواقع التسويقية للسلع أو أى نوع من الخدمات بدون موافقته، سواء اتصل به أو راسله هذا الموقع أم لم يتصل إذا ثبت هذا المنح للبيانات، وغالبا لن يتأتى للشخص الممنوح بياناته لأى من هذه المواقع إلا إذا راسلته إلكترونيا أو اتصلت به مباشرة بأى وسيلة اتصال والتى غالبا ما تكون الهواتف المحمولة، ومن ثم فإن البيانات المعالجة إلكترونيا فى نطاق أى تعامل عبر الشبكات المعلوماتية صارت لها حرمتها وسريتها، ولا يحق لأى شخص أو جهة أن تمنحها للمواقع التسويقية والخدمية بدون رضاء صاحب هذه البيانات.

 

8

 

البيانات الشخصية للأشخاص

مع انتشار شبكة الإنترنت وتطورها، لم تعد البيانات الشخصية قاصرة على الاسم واللقب والعنوان البريدى، بل اتسعت لتشمل صورة الشخص، واهتماماته ومهنته وسلوكياته وعاداته، وغيرها من البيانات، ويعتبر بيانا شخصيا يحميه قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات أى معلومة تتعلق بشخص طبيعى محدد الشخصية، أو من الممكن تحديدها من خلال تلك المعلومة.

 

والاسم واللقب من البيانات الشخصية، والاسم من الحقوق اللصيقة بالشخصية حسب المادتين 38، 51 من القانون المدنى المصرى وهو الذى يميز أفراد المجتمع عن بعضهم، ولا يشترط أن يكون اسم الشخص فى العالم الافتراضى أو فى مجال التعامل مع شبكة الإنترنت هو اسمه الحقيقى فقد يتخذ اسما افتراضيا أو مستعارا ولكنه يدل عليه ويمكن من خلاله الوصول إلى شخصه، ومن التطبيقات والاستخدامات التى يظهر فيها الاسم البريد الإلكترونى والصفحات الشخصية مثل صفحات الفيس بوك وتويتر وغيرها ومواقع التسوق الإلكترونى أو مواقع المراكز والمحال التجارية.

 

6

 

وبالتالى يقوم الركن المادى لهذه الجريمة؛ إذا ما منح أى من هذه الجهات معلومات عن الاسم لموقع من مواقع التسويق أو الخدمات بدون رضاء صاحب الاسم، والصور أصبحت من البيانات الشخصية للشخص الطبيعى، وبفعل التطور التقنى المستمر، فإنه يتم تخزين الصور عند التعامل الإلكترونى فى مناحى التعامل الإلكترونى المختلفة، فإذا ما قام الجانى بمنح صورة الشخص، فإنه يكون قد منح جزءا من بيانات هذا الشخص بدون رضائه، ويقوم بهذا المنح صورة من صور السلوك المادى للجريمة، والرقم الشخصى الذى يُمنح للشخص الطبيعى كالرقم القومى والرقم التأمينى يعتبر من البيانات والمعلومات الخاصة.

 

وعنوان المسكن أو العمل أو البريد الإلكترونى هى من البيانات الشخصية التى تتعلق بشخص معين أو بشخص من الممكن تحديده عن طريقها، ومن ثم كان منحها لمواقع التسويق والخدمات الأخرى بدون رضاء صاحبها يشكل صورة من صور السلوك المادى لهذه الجريمة، ورقم الهاتف المنزلى أو المحمول ورقم السيارة من البيانات الشخصية التى يكون منحها لمواقع التسويق والخدمات الأخرى بغير رضاء صاحبها سلوكا مكونا للركن المادى لهذه الجريمة معاقب عليه قانونا.

 

4- القيام بالنشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، لمعلومات أو أخبار أو صور وما فى حكمها تنتهك خصوصية أى شخص دون رضاه:

موضوع هذه الصورة من السلوك الإجرامى الذى يقوم به الركن المادى فى هذه الجريمة هو معلومات عن الشخص، أو أخباره، أو صوره وما فى حكمها، وللنشر تفاصيل أخرى سوف نتعرف عليها لاحقا.

 

 7

 
272477235_4798240293630527_2946030554031401541_n
المستشار بهاء المرى - رئيس محكمة الجنايات 
 
 

الأكثر قراءة



print