يُعد الحق في حرمة الحياة الخاصة من أكثر الحقوق التي تواجه انتهاكا بعد التطور والانتشار السريع لشبكة الإنترنت والهواتف النقالة عالية الجودة، ووسائل التصوير الرقمي، التي أصبحت في أيدي الغالبية العظمى من الناس، واستعمال أجهزة التنصت عن بُعد، مما سهَّل التقاط ونقل وتسجيل الأحاديث والصور، واختراق البريد الإلكتروني والمواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، مما يعد انتهاكا شديدا لحق الفرد في الخصوصية.
فإذا كان الإبلاغ عن جريمة حق لكل مواطن، إلا أنه لا يصح الإبلاغ عن جريمة من خلال ارتكاب جريمة، فتلك التي نشرت على شبكة الإنترنت فيديو يصور تعرضها لجريمة اغتصاب، فقد ارتكبت جريمة هي نشر محتوى إلكتروني مخل وخادش للحياء، ومن حق، بل من واجب النيابة العامة أن تتصدى لهذا الجرم، ومن جَاهَرت على شاشة قناة فضائية، بأنها تشاهد أفلام "البورنو" الإباحية، وأن فيها قصصا جميلة، ودعت الشباب إلى مشاهدتها، فقد ارتكبت جريمة تحريض على الفسق، والإخلال بقيم المجتمع، ووجب على النيابة العامة التصدي لها.
جريمة الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتعلق بجريمة الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية وانتهاك حرمة الحياة الخاصة التي أصبحت محط اهتمام المجتمع المصري، ومما لا شك فيه أن شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت" صارت جزءا هاما من الحياة اليومية للمواطنين، ما جعل الناس يعتقدون أنها فضاءً مُباح يمرحون فيه بدون ضابط من أخلاق أو قانون، فتحولت بعض مواقع التواصل الاجتماعي من فضاءات للتعارف إلى منابر للتراشُق، وساحة لنشر ما لا يتفق وقيم المجتمع، فأفرز الواقع الإلكتروني والعالم الافتراضي العديد من التجاوزات الأخلاقية من خلال الاستخدام غير المشروع لمواقع التواصل الاجتماعي – بحسب دراسة اعدها المستشار محمد مرى رئيس محكمة الجنايات.
في البداية - نصت المادة "25" من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات على أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري أو انتهك حرمة الحياه الخاصة، أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الالكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات الى نظام أو موقع الكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته، أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبارا أو صورا وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة" – وفقا لـ"مرى".
للحياة الخاصة حرمة وهي مصونة لا تمس
ومن هنا كان قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رادعًا لمن لا يرتدع ذاتيا أو أخلاقيا عن إتيان مثل تلك الممارسات، ليعاقب المجرم المعلوماتي إذا ما اعتدى على الحرية الشخصية للناس أو أساء إليهم أو أزعجهم عمدا، أو اعتدى على القيم والمبادئ الأسرية، فقد نصت المادة 57 من دستور 2014 على أن: "للحياة الخاصة حرمة وهي مصونة لا تمس، وللمراسلات البريدية والبرقية والالكترونية والمحادثات الهاتفية وغيرها من رسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها، إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة وفى الأحوال التي يبينها القانون، كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها بشكل تعسفي وينظم القانون ذلك" – الكلام لـ"مرى".
ومما يجدر الاشارة إليه أنه حتى تاريخ موافقة البرلمان على قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في يونيو سنة 2018 لم يكن في مصر قانون يجرم العدوان على هذه الخصوصية عن طريق الإنترنت، وكان قانون العقوبات يجرمها بنصوص تم وضعها قديما قبل ظهور هذه التقنية، ومن ثم كانت هذه الجرائم إذا ارتكبت عن طريق أجهزة الاتصالات أو الانترنت، أي كانت هذه التقنية هي الأداة في ارتكابها واختصت بها المحاكم الاقتصادية نظرا لتجريم قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003 لإزعاج الغير بواسطة أجهزة الاتصالات وإساءة استعمال أو الاشتراك في اساءة استعمال هذه الأجهزة، أو قيام موظف الاتصالات بإذاعة أو نشر أو تسجيل لمضمون رسالة اتصالات دون سند قانوني، أو إفشاء الموظف بدون وجه حق أية معلومات خاصة بمستخدمي شبكة الاتصالات أو ما يتلقونه من اتصالات، كان وصف الجريمة يتعدد وتختص بها المحاكم الاقتصادية – هكذا يقول "مرى".
كيف تطورت الجريمة لانتهاك سمعة البيوت؟
ولكن المشكلة التي كانت تثور قبل صدور قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، هي أن قانون العقوبات عندما كفل حماية تلك الحرمات لم يكن العلم الحديث قد كشف لنا عن وسائل التقنيات الحديثة في مجال الاتصالات، والتي من شأنها تسهيل الاعتداء على تلك الحرمات بكل سهولة ويسر وسرعة اقتراف الجريمة، فلم يعد انتهاك المسكن بالطريقة المألوفة لدى كافة الناس بل يمكن أن تحدث داخل مكان مغلق من خلال أجهزة توضع خارج مسكنه أو تلصق بالنافذة أو عن بُعد عن طريق الإنترنت أو التليفون محمول أو أية وسيلة أخرى من هذا القبيل وما أكثرها.
كما أن قانون العقوبات قصر هذه الحماية على حرمة المساكن والمراسلات وأسرار المهنة والأحاديث الخاصة، في حين يعتبر دخول الشخص إلى النظام المعلوماتي الخاص بالأفراد والموجود في أجهزتهم الشخصية بداخل مساكنهم الخاصة "مثل الهارد ديسك" يعتبر تعديا واضحا وصارخا على حقوقهم وحرياتهم الشخصية، فقد أصبح من السهل اقتحام تلك الخصوصية والاطلاع على أمور الحياة الخاصة للأفراد وذلك اذا ما تم اختراق الحواسيب الشخصية لهم وأسرارهم التي تخزن عادة في "Hard Disk" بجهاز الكومبيوتر أو في ذاكرة الهاتف الذكي أو بريدهم الإلكتروني أو مواقعهم أو صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقائع وأمثلة للتعدي على القيم الأسرية
إن حماية المجتمع من جرائم الاعتداء على القيم الأسرية ومبادئ المجتمع واجب وطني يشارك فيه جميع المواطنين، الذين يقع عليهم واجب الإبلاغ عنها لا سيما الشباب، "وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا" - صدق الله العظيم - والحديث الشريف: "ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه" - سورة النساء.
فهناك من يَنعت نساء إحدى المحافظات بالزنا نظرا لسفر أزواجهن للعمل في الخارج سعيا على أرزاقهم، فقد ارتكب جريمة القذف في حقن عبر شبكة الإنترنت أو عبر قناة تليفزيونية علانية، ومن ينشر أغاني "المهرجانات" الهابطة، التي تنحدر بالذوق العام إلى الحضيض لاحتوائها على تحبيذ للمخدرات، وانطوائها على تلميحات جنسية، فهو يرتكب جريمة ضد قيم المجتمع فضلا عن خدش الحياء العام، ومَن تدعو الفتيات صغيرات السن إلى إنشاء علاقات خليعة مع الرجال على شبكات التواصل الاجتماعي بهدف تحقيق ربح، فهو سلوك ودعوة للرذيلة مما يقع تحت طائلة القانون، ومما يدخل في السلوك المادي المكون لجريمة الاتجار بالبشر، فمثل هذا - وغيره مما يماثله - لا يعدو أن يكون شرا غايته تبديد وإهدار قيم المجتمع، وتزيين الفواحش وتعاطي المخدرات والخلاعة للشباب والفتيات.
الغَيرة على القيم التي يجب أن تُحمَى
فهل المطلوب من النيابة العامة وجهات الدولة الشرطية والقضاء، غض الطرف بمقولة إن ضبط هذه الجرائم يعد حملة ضد المدونين على شبكة الإنترنت؟ وبدعوى الحرية الشخصية، التي يجب أن تقف حدودها عند عدم إهدار قيم المجتمع والأسرة، حيث إن الحرية الشخصية لا تعني أبدا خدش حياء الغير، وهدم قيم وأخلاقيات المجتمع، وقيم الأسرة، التي حث عليها الدين الحنيف، فماذا نصنع إذا رأينا الخناصر قد انعقدت على مَحو القيم وإهانة الفضائل بلغة سوقية ركيكة، تنهل من ألفاظ جنسية مُتدنية، ماذا نصنع؟ أنبتسم ابتسامة المُهادنة؟ أم ابتسامة المُداهنة؟ إن اللطف مع هذه الدسائس مَرض ينبغي علاجه، والإسراع في تقديم المتهمين لساحة العدالة أبسط قواعد العدل، غَيرة على القيم التي يجب أن تُحمَى، والأخلاق التي يجب أن تُصان – بحسب "مرى".
إن الآداب والفنون دعامتان رئيسيتان في بناء الأمم والحضارات، ينبغي أن تقدم غذاء صالحًا يبني ولا يهدم، يُعمِّر ولا يخرِّب، لقد خلَّد التاريخ عمالقة في الأدب والفنون قدموا فكرا بنَّاءً للمجتمع، حتى تجاربهم الشخصية صاغوها في قالب عَفٍّ نظيف بعيد عن الإسفاف، وما الأيام للدكتور طه حسين بمنكرة أو مستهجنة، ولكن لما اضْمَحلت البراعة الأدبية عند المُتأخرين في الألفاظ والمعاني، والفن وخلافه، اتجهوا إلى الابتذال في استثارة الغرائز.
رأى محكمة النقض في نشر أفكار تهدم الجمتمع
فمثل ما سَلَفَ من نماذج العدوان على قيم المجتمع، هو في الوقت نفسه عدوانا على الآداب العامة، التي هي كل ما يتصل بحُسن السلوك وحُسن القول، وحُسن الفن، والتي تراعى المبادئ الأخلاقية التقليدية، والمتفق بين أفراد المجتمع على وجوب الالتزام بها في العلانية على الأقل، فيكون انتهاك هذه المبادئ عن طريق إغفالها وعن التمسك بها، أو الدعوة بأي منشورات أو تغريدات، أو ما شابه، لابد من الوقوف في وجهها طبقا لأحكام القانون.
وقد أرست محكمة النقض هذه القيم فيما قضت به من أن: "الكتب التي تحوى روايات لكيفية اجتماع الجنسين، وما يحدثه ذلك من اللذة، كالأقاصيص الموضوعة لبيان ما تفعله العاهرات في التفريط في أعراضهن وكيف يَعرضن سلعتهن، وكيف يتلذذن بالرجال وكيف يتلذذ الرجال بهن، هذه الكتب يعتبر نشرها انتهاكا لحرمة الآداب وحسن الأخلاق لما فيه من الإغراء بالعُهر خروجا على عاطفة الحياء وهدمًا لقواعد الآداب العامة المصطلح عليها، والتي تقضى بأن اجتماع الجنسين يجب أن يكون سرِّيا وأن تُكتم أخباره، ولا يُجدى في هذا الصدد القول بأن الأخلاق تطورت في مصر بحيث أصبح عرض مثل تلك الكتب لا ينافى الآداب العامة استنادا إلى ما يجرى في المراقص ودور السينما وشواطئ الاستحمام لأنه مهما قلَّت عاطفة الحياء بين الناس فإنه لا يجوز للقضاء التراخي في تثبيت الفضيلة وفى تطبيق القانون.