في مدار عشرة أشهر من حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة جرف الاحتلال الاسرائيلى ألاف من الأفدنة الزراعية، استمرارا في نهج استخدام الجوع كسلاح، ولكن لم يتمكن الاحتلال من كسر إرادة الفلسطينيين الذى لجأوا إلى إعادة زراعة الأرض رغم القصف.
ونظرا للظروف الصعبة التي يعانى منها القطاع أطلقت جمعية العربية لحماية الطبيعة مشروع "إعادة إحياء مزارع غزة" وهو المشروع الذى قدم مساعدات للمزارعين داخل القطاع، وقالت مريم الجعجع المديرة العامة للعربية لحماية الطبيعة في حوار خاص أن الجمعية تعمل من خلال فريق داخل غزة بالتعاون مع متطوعين، وتم توفير الشتلات والبذور والمواد الخاصة بالإنبات.
وأوضحت الجعجع أن الجمعية استطاعت الوصول لـ162 مزارع في مناطق شمال ووسط القطاع، وأكدت أن المشروع جاء بشكل رئيسي استجابة لنداءاتهم، فهذه المحاصيل توفر لهم مصدراً للغذاء في ظل انتشار المجاعة وشح المواد الغذائية وفي حال توفرها فهي غالية السعر، المشروع انطلق في شهر آذار والأراضي التي زرعت بدأت بإنتاج المحاصيل بعد شهرين.
هذا ليس المشروع الأول الذي تطلقه العربية لحماية الطبيعة، حيث نعمل منذ تأسيسنا على تعزيز السيادة الغذائية وحماية الموارد الطبيعية في الوطن العربي وفي فلسطين على وجه التحديد، في ظل ما تواجهه من تحديات وأخطار متزايدة وعلى الأخص ما تتعرض له نتيجة الاحتلال، ولذلك أطلقنا عام 2001، برنامج "المليون شجرة" في فلسطين ويحمل شعار "يقلعون شجرة.. نزرع عشرة" وقد وثقنا نحو 3,500,000 شجرة اقتلعها الاحتلال منذ عام 2001، وقمنا بزراعة ما يقارب 3,000,000 شجرة مثمرة في كافة أنحاء الضفة الغربية، ونعمل خلاله على تثبيت المزارعين الفلسطينيين، ففي الضفة الغربية تنصب جهودنا على تعزيز صمود المزارعين لاسيما في المناطق المصنفة ج بحسب اتفاقيات أوسلو، إذ أنها معرضة للمصادرة من خلال عدة سبل منها مثلا استغلال تشريع عثماني قديم ينص على أنه؛ فإذا لم تزرع نصف مساحة الأرض أو كلها لمدة 3 أعوام يعتبرها الاحتلال "أراضي دولة"، علماً أنه منذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 بلغ مجموع مساحات الأراضي الفلسطينية التي أعلنتها الكيان الصهيوني كـ "أراضي دولة" حوالي 1,700 كيلومتر مربع أي ما نسبته 31% من مجمل أراضي الضفة الغربية.
وفي غزة، منذ تأسيس العربية قبل عقدين، نفذنا مشاريع شاملة لإعادة تأهيل القطاع الزراعي بعد حروب الأعوام 2008 و2009 و2014 و2021 وأسفرت عن زراعة 460,000 شجرة وتأهيل بيوت بلاستيكية وبرك زراعية وشبكات ري ومزارع دواجن وأغنام ومناحل ومعدات صيد وغيرها.
ولكن نتيجة لحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة والتي دمرت 60-70% من المساحات الزراعية الخضراء، وعملت على تدمير ممنهج لمصادر الغذاء واستهداف فرق وقوافل المساعدات، وإغلاق المعابر، وبالتالي تفشي المجاعة بين سكان القطاع، استجبنا في العربية لحماية الطبيعة لنداءات مزارعي غزة، وأطلقنا مشروع إغاثي تنموية طارئ لإعادة تأهيل القطاع الزراعي أثناء الحرب للمشاركة في مقاومة حرب التجويع، حيث إن القطاع الزراعي لديه الإمكانية لاسترجاع حيويته إذا تم إمداده بمدخلات الإنتاج الرئيسية.
أنجزت العربية لحماية الطبيعة بالشراكة مع مزارعي غزة، تأهيل وزراعة نحو 400 دونماً من أراضي قطاع غزة بالبذور الزراعية، وذلك ضمن المرحلة الأولى من مشروعها الأخير "إحياء مزارع غزة".
وباشرنا مشروعنا بالتعاون مع بلدية غزة بزراعة بذور وأشتال الخضروات في أرض المشتل التابع للبلدية بمساحة تقدر بنحو 6.5 دونم، الذي دمرته جرافات الاحتلال في بداية العدوان.
ونفذنا في المنطقة الوسطى ودير البلح وخان يونس وجزء من رفح زراعة نحو 500,000 شتلة خضار متنوعة من البندورة والخيار والباذنجان والفلفل الحار والحلو والشمام والكوسى بمساحة غطت ما يقارب 200 دونم.
وأعدنا زراعة ما يقارب 170 دونم في بيت لاهيا شمال القطاع بـ 900 كيلو من بذور الملوخية، و115 ألف بذرة من الباذنجان والفليفلة الحارة.
تجاوب المزارعون الغزيون مع المشروع بشكل إيجابي جدا، لأن المشروع جاء بشكل رئيسي استجابة لنداءاتهم، هذه المحاصيل توفر لهم مصدراً للغذاء في ظل انتشار المجاعة وشح المواد الغذائية وفي حال توفرها فهي غالية السعر، المشروع انطلق في شهر آذار والأراضي التي زرعت بدأت بإنتاج المحاصيل بعد شهرين.
استطعنا الوصول إلى نحو 162 مزارعاً من مناطق الشمال والوسط والجنوب حتى الآن، وتزويدهم بالمحاصيل الزراعية ذات القيمة الغذائية العالية والإنتاج السريع.
ما نقوم به في العربية لحماية الطبيعة هو "مقاومة خضراء"، وتعني تأمين ما يضمن بقاء الغزيين في أراضيهم من خلال توفير كل مدخلات الإنتاج الزراعي وتأمين الغذاء لهم ليستطيعوا بدورهم مواجهة ما يفرضه عليهم الاحتلال من حصار خانق ، والمشروع بدأ في مرحلته الأولى بزراعة المحاصيل سريعة الإنتاج، و المراحل التالية للمشروع ستتضمن زراعة الأشجار المثمرة، وتشييد وترميم البرك الزراعية، ومعدات الصيد، إضافة لإعادة تأهيل مزارع الدجاج اللاحم ومناحل العسل، كل ذلك بالاستفادة المباشرة من الموارد الموجودة داخل القطاع نفسه، ومراحله تعتمد على قدرتنا على التحرك والوصول للمدخلات.
لطالما استخدم الاحتلال الغذاء كوسيلة للإخضاع والتهجير، والآن للإبادة الجماعية، وإطلاقنا لمشروع "إحياء مزارع غزة" جاء من أجل تعزيز الإنتاج المحلي لخلق السيادة الغذائية وبالتالي السيادة السياسية، تعزيز الأمن الغذائي والتغذية، تحسين الأمن المائي، إنشاء مشاريع مدرّة للدخل، وكل هذا من شأنه خفض أسعار المواد الغذائية التي تضاعف سعرها كثيرا في ظل الحصار ومنع ادخال المساعدات بشكل كاف، وبات الحصول عليها صعباً.
ولكننا لا نستطيع التغلب تماما على تسليح الغذاء اذا لم تقم المنظمات الدولية والدول بأخذ دورها ليس فقط بالتدخل في إعادة تأهيل القطاع الزراعي من خلال المشاريع الإغاثية التنموية، بل وأيضا في إيقاف الأسباب الجذرية (الانتهاكات) في التدمير الممنهج والحصار على الغذاء وموارد إنتاجه الذي يمارسه الاحتلال.
لدينا فريق عمل في قطاع غزة مدعوم بفريق تطوعي يعمل في كافة مناطق القطاع، التدخل يتم من خلال تأمين مدخلات الإنتاج، ونتواصل مع المشاتل في قطاع غزة، ومن خلالهم يتم الاستنبات للبذور.
يساهم هذا المشروع بتشكيل خط أمان للمزارعين، وتجذيرهم في أرضهم، كما من شأنه أن يخفض الأسعار التي ارتفعت بشكل جنوني بسبب الحصار ونقص الموارد الغذائية.
حتى الان لم يحصل ذلك، وإن حصل سنعاود عملية تأهيل الأراضي مجددا بزراعتها وتزويدها بمدخلات الإنتاج اللازمة.
لا يوجد ضمانة، ولكننا نحاول استهداف الأراضي التي يمكن للمزارعين الوصول لها والعمل على زراعتها بأقل المخاطر.
بالتأكيد يوجد مبادرات فردية عديدة نعمل على الوصول لها، وأخرى تواصلت معنا لتعزيز الاكتفاء الذاتي لأكبر عدد من الأسر.
دمر الاحتلال نحو 70% من الأراضي الزراعية في غزة بمساحة تجاوزت 100 كيلومتر مربع.
لا يمكن تقدير هذا الرقم بالوقت الحالي، لكن الوضع الغذائي الحالي كارثي ويتطلب استغلال كل مساحة زراعية يمكن الوصول لها.
ولكن يجب أن نذكر أن مساحة الأراضي ليست العامل الوحيد الذي يحد من كمية الغذاء ونوع المنتج، فهناك منظومة متكاملة بمدخلاتها المختلفة تم تدميرها، فمثلا تم تدمير نحو 700 بئر ماء منذ بداية الحرب وحتى الان، إضافة إلى تدمير مصادر الطاقة والألواح الشمسية، وتدمير عدد كبير من معامل إنتاج الألبان والأجبان والمنتجات البقرية ومزارع الدواجن، ويلزم حتى تتكامل عملية إنتاج الغذاء أن نعمل على إعادة ترميم كل هذه القطاعات.