رغم تربعه على قمة وعرش الكوميديا فى المسرح، ورغم وصوله إلى قمة الآداء السهل الممتنع فى السينما والتليفزيون والإذاعة إلا أنه كان ينظر إلى القمة ويتساءل أنا فين وأنت فين؟ أما هي فقد وهبت نفسها للميكرفون وأصبحت راهبة بين جدران الاستديوهات، فهى صاحبة الصوت الذى لازم آذاناً ولامس إحساسا واستقر فى وجدان كل مصري، ليسجلها التاريخ أهم مذيعة جلست أمام ميكرفون الإذاعة.
صفية وفؤاد المهندس كانا شقيقين ضمن 4 أشقاء أكبر، هم درية وأصغرهم سامى وأوسطهم صفية وفؤاد، وهم أبناء العالم اللغوى الشهير زكى المهندس، عميد كلية دار العلوم وأحد رجال الرعيل الأول الذى أسهم فى وضع أسس جديدة للتربية والتعليم فى 1925م، فنشأوا فى منزل كان مدرسة للحفاظ على اللغة العربية.
صفية المهندس تتحدث عن شقيقها فؤاد "أخويا وصديقى".
وجود الأشقاء فى حياتنا يكون له تأثير كبيرعلى شخصيتنا، فهم يمثلون أحد أقوى العوامل التى تشكل الشخص الذى سنصبح عليه، وهذا ما كان عليه صفية وفؤاد، حيث تأثر الاثنان ببعضهما البعض رغم أنها كانت الأكبر سنًا إلا أنها وصفت علاقتها به فى لقاء تليفزيون جمعهما فى كلمتين "أخويا وصديقى" فعندما تحدث معى مشكلة يكون هو أول من أتحدث معه وهذا هو الحال بالنسبة لفؤاد الذى كان يلجأ إليها فى أى عقبة تواجهه أو قرارمهم يتخذه.
صدمة العائلة من دخول فؤاد المهندس الفن
نشأ فؤاد وصفية فى بيئة محافظة لها تقاليدها، ولم يكن من السهل على هذه الأسرة أن تقبل بسهولة أن ابنها الذى تخرج من كلية التجارة يحترف التمثيل، حيث وصفت صفية التحاق فؤاد بالفن أنه بمثابة صدمة كبيرة لعائلة تلتزم بتقاليد معينة ولا تتقبل بسهولة أن يكون ابنها ممثلا، وضاعف من شدة الصدمة أنه قبلها بحوالى عام ونصف التحقت هي بالإذاعة، وعلى حد وصفها كان مفهوم الإذاعة آنذاك عام 1946 غيرواضح لدى الناس ففى ذهنهم أن الإذاعة مثل أى ملهى "ليلى" فيه الغناء والطبل، لذلك كانت الصدمة صدمتين، الابنة فى الإذاعة والابن فى التمثيل، وضاع الاثنان وضاعت بسببهما تقاليد الأسرة بكل احترامها، لكن صفية وفؤاد واجها الأمر بشجاعة وكانا يداً واحدة .
إنذار بالفصل من المدرسة لفؤاد المهندس
كانت صفية أول المشجعين لفؤاد فقد كانت ترى فيه شيئاً مختلفاً عن غيره من الأطفال وأهم ما كان يميزه هو "التقليد" وذكرت فى لقاء تليفزيونى أن كل من كان يدخل منزلهم كان فؤاد يقلده بما فيهم والده، وأنه عندما دخل المدرسة كان يقلد المدرسين وهو ما عرضه للإنذار بألفصل، وأيضاً كان واسع الخيال، يقوم بحقص الحكايات بطريقة "ظريفة " ويجمع أطفال الجيران والأقارب ليحكى لهم عن مغامراته فى غابات الهند وأفريقيا ومع الأسود والنمور والفيله، وكيف أنه ذهب إلى الغابة وهجم عليه أحد الأسود ففتح فمه ووضع يده فى جوف الأسد وأمسك ذيله وقلبه مثل "فردة الشراب" وكان الأطفال يسعدون بسرد هذه الحكايات، واستمر الخيال الواسع معه عندما كبر فكل حكاية كان لابد لها من سيناريو، وله حكاية مشهورة مع الفنانة سميحة توفيق حيث كانا يقومان بعمل بروفات فى منزلها، ودخل فؤاد "الحمام" فوجد أسدا وقال وقتها إنه نظر للأسد والأسد نظر إليه ثم جرى وجرى وراؤه الأسد حتى الأوبرا.
ذكرت صفية أن فؤاد ولد بعد ابنتين وكان مدللاً ثم بعدها بعامين ولد سامى الشقيق الأصغر لهما وطلبا من فؤاد أن يراه وبالفعل دخل فؤاد ليرى شقيقه الصغير إلا أنه خرج يبكى بكاءً مرًا وقال "النانو شتمنى"، وتفهم الجميع الموقف بما فيهم صفية التى اجتهدت حتى يتقبل فؤاد الأمر بان يكون له شقيق يستحوذ على جزء من الدلع.
سبب خوف فؤاد المهندس من عسكرى "البوليس"
تحدثت صفية عن أكثر الأشياء التى كانت تجعل فؤاد يشعر بالخوف فى طفولته وهى عسكرى "البوليس"، حيث اتفقت والدتها مع "عسكرى الدورية فى المنطقة التى يسكنون بها" بأنه عندما يرتكب فؤاد شيئاً خطئاً تبلغه ويذهب إليهم ويصفق ويقول فى طفل هنا اسمه فؤاد المهندس ليجرى فؤاد ويختبأ ويقول "حرمت".
منذ الطفولة وصفية تستند على فؤاد وتعتبره السند حيث قالت أنها كانت تطلب منه أن يحملها على ظهره، وفى إحدى المرات طلبت منه ينقلها من كنبة إلى كنبة أخرى، وبالفعل حملها وحدث عدم توازن ووقعت على الأرض لينكسر إحدى ذراعيها ويتم وضعه فى الجبس 3 أسابيع، لكنها لم تكف عن أن تجعل فؤاد يحملها على ظهره .
فى أحد اللقاءات التليفزيونية قالت صفية إن والدها كان هو الوحيد الذى شجع فؤاد معها ووقف إلى جانبها أيضا ودائماً ما كان يقول لهما أن مهمته كأب تنتهى بعدما يكبرون ويحصلون على شهادات جامعية وبعد ذلك كل واحد يختار الطريق الذى يخطط له بعكس والدتها وباقى العائلة الذين كانوا يقفون ضدهما، وكان والدها يقول وهو سعيد ومبتسم بعدما نجح فؤاد " الناس تعرفنى أنى زكى المهندس عميد كلية دار العلوم، ونائب رئيس المجمع اللغوى، وحالياً يعرفونى أننى والد فؤاد المهندس وصفية المهندس".
سبب اهتمام فؤاد المهندس بتقديم فوازير للأطفال
وتوضح صفية السبب فى تميز فؤاد المهندس بتقديم فوازير للأطفال خلال مشواره الكبير واهتمامه بتقديم أعمال للطفل بها قيم أخلاقية ومجتمعية استفاد منها أجيال، وذلك يعود إلى طفولته فقد كان أطفال الجيران والأقارب جمهوراً له يسعدوا به فى طفولتهم ويلتفوا حوله عندما يحكى الحكايات والمغامرات.
فؤاد يؤيد قرار صفية برفض العمل مذيعة فى التليفزيون
فؤاد كان يرى دائماً أن صفية على الصواب، ففى عام 1960 رفضت صفية الظهور كمذيعة فى التليفزيون وشبهت الأمر وقتها برجل كان يعيش حياة مستقرة مع زوجته وأبنائه ثم فجأة أدار هذا الرجل ظهره لزوجته، وتزوج من امرأة أخرى صغيرة وجميلة، متسائلة هل من المنطق أن تطلب من أبناء الزوجة الأولى أن يتعايشوا من "ضرة أمهم" فالزوجة الأولى كما وصفت صفية هى الإذاعة والزوجة الثانية التليفزيون، وهو القرار الذى أيده فؤاد المهندس وقال ان الأمر ليس سهلاً بالنسبة لها وإقناعها صعب وأنا موافق تماماً على قرارها.
رحل فؤاد المهندس فى عام 16 سبتمبر عام 2006 عن عمر ناهز 82 عاما، أثر تعرضه إلى أزمة قلبية حادة، وبعدها بعدة أشهر وتحديداً فى 13 يونيو عام 2007 لحقت به صفية.