دشن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف (الدليل الدينى للتوعية الأسرية)، والذى يأتى فى إطار استراتيجية الدولة المصرية لتحقيق الوعى الأسرى فى المجتمع، وذلك بالتعاون بين مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف والمجلس القومى للسكان بوزارة الصحة، والكنيسة المصرية.
الدليل يعد الإصدار الأول ومن المقرر أن يتبعه سلسلة من الكتب التى تسعى لمعالجة كل القضايا التى تهم الأسرة وتشكل تحديًا مجتمعيًا قد يعوق كل جهود التنمية، وشهد إشرافًا مشتركًا من الجانبين الإسلامى والمسيحى وبرعاية من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وإشراف وكيل الأزهر الدكتور محمد الضوينى لتصحيح المفاهيم المغلوطة حول بعض القضايا الأسرية.
وحصل اليوم السابع على نسخة من هذا الدليل والذى تضمن حقوق الزوجين، حيث وضعت كل الرسالات السماوية الأسرة فى بؤرة اهتمامها؛ لأن الأسرة هى الخَلِيَّة الأولى فى البناء المجتمعى إذا صلحت صلح المجتمع والعكس بالعكس.
فللمرأة حقوق تتمتع بها، ويجب على الرجل أن يلتزم بهذه الحقوق، وعليها واجبات تجاه الرجل يجب عليها أن تؤديها، وكذلك الرجل سواء بسواء، ولكل منهما حقوق مشتركة، اما عن حقوق الزوجة فهى كالتالي:
شرع الإسلام للزوجة حقوقاً أصيلة لها، وَمِنْ هذه الحقوق ما يأتي:
1. حق اختيار الزوج
للمرأة حقها فى اختيار شريك حياتها، ذلكم الرجل التى تقضى معه المرأة باقى أيام عمرها، فلا يفرض عليها فرضًا، بل تختاره بعناية، وقد كفل الإسلام للمرأة هذا الحق؛ فقد جَاءَتْ فَتَاةٌ إلى النَّبِى، فَقَالَتْ: أن أَبِى زَوَّجَنِى ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِى خَسِيسَتَهُ، قَالَ : فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ : قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِى، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أن تَعْلَمَ النِّسَاءُ أن لَيْسَ إلى الْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ ).
فقد بين النبى ﷺ أن المرأة أحق باختيار من يصلح لها، بل إنه أوقف العقد على إجازتها، وفى هذا بيان أن العقد قد يبطل إذا أرغمت المرأة على رجل لا تريده، وعليه فالمرأة هى المنوطة باختيار زوجها على أوصاف بينها الشرع الشريف.
ولا شك فى أن هذا الحق غير مطلق للأبناء، بل يجب على الوالدين أن يتمثلا النصح والتوجيه بالحكمة والموعظة الحسنة دون أن يُجبِرًا أَولادَهُم عَلَى زواجٍ لَا يرضونَهُ، فالاختيار الأخير فى هذا للأبناء، ما لم يتجاوز الأولاد فيختاروا لأنفسهم اختيارًا فاسدًا لا كفاءة فيه من ناحية الدِّينِ، أَوِ الخُلُق، أو الواقع، فإن حدث هذا فللو الدين حق الاعتراض، وعلى الأبناء السمع والطاعة؛ لأن طاعة الوالدين حينئذ تقرير لطاعة الله.
2. حق المهر :
للمرأة مقدار من المال تأخذه عند عقد الزواج، وجعله الإسلام حقا لازما لها، وشرطاً لا يصلح العقد إلا به، وليس لأحد الحق فى التصرف فيه غير الزوجة؛ فقد قال تعالى: ﴿وَءَاتُوا النِّسَاءَ صَدُقَتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ [النساء: ٤]، وقال عز وجل: ﴿ وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَعَاتَيْتُمْ إِحْدَهُنَّ قِطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَنَا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴾ [النساء: ٢٠].
ويلفت نظرنا فى النص كلمتان، الأولى: أنه عبر عن المهر بكلمة: صَدُقَتِهِنَّ بمعنى (الصداق)، وهذه التسمية تفيد أن الله جعل المهر دليلا على صدق رغبة الرجل فى الارتباط بهذه المرأة، وتحقيق زوجية مثلى معها، والثانية كلمة نحْلَةً، وتعنى : أنها عطية دون مقابل، وأنها نابعة من المودة والرحمة.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ أن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، جَاءَ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَبِهِ سُقْتَ إِلَيْهَا ؟ قَالَ : زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ). وتنص الأعراف الكنسية على أن يلتزم الخاطب بتقديم هدايا غير مستهلكة (الشبكة) للخطيبة بما يتلاءم مع ظروفه الاقتصادية والمستوى الاجتماعى لهما. ومن تعاليم الكتاب المقدس: «وَإِنْ خَطَبَهَا لابنِهِ فبحَسبَ حَقٌّ البَنَاتِ يَفْعَلُ» ( ۲۱: ۹).
3. حق النفقة والكسوة
أمر الرجل بالنفقة على الزوجة، وجعل ذلك حقا لها، بـل نـص الـقـرآن الكريــم على أن من أسباب أفضلية الرجل على المرأة إنفاقه على بيته، فإذا لم يكن ينفق على بيته تحولت الأفضلية عنه ؛ فقد قال الله تعالى : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء: ٣٤]. وقد وقف النبى ﷺ فى آخر خطبة خطبها فى أكثر من مائة ألف مسلم يحثهم على جماع أمر الدين، ومبينا حقوق الزوجين - المرأة والرجل - فى صراحة لا هوادة فيها: «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )، وعن عَائِشَةَ زَوج النبى ﷺ: أن هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ، أن أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِى مَا يَكْفِينِى وَوَلَدِى إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَقَالَ: «خُذِى مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ ».
وقد أجمع الفقهاء على وجوب هذه النفقة، متضمنة : المسكن الصالح، والطعام المناسب، واللباس الصحيح، ولا حرج إذا كانت المرأة عاملة وأرادت باختيارها أن تشارك فى نفقة البيت غير مأمورة بذلك من باب قول الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة: ٢].
وفى الثقافة المسيحية يلتزم الزوج بتوفير المسكن الآمن واللائق بمستواهما الاقتصادى والاجتماعى بما يحقق معيشة هانئة للأسرة.
4. وجوب العدل عند التعدد:
لم يُنشئ الإسلام التعدد، فليس التعدد بدعًا فى الإسلام، وإنما كان قبل الإسلام فى بعض الأقاليم من كوكب الأرض، وكان بلا شروط ولا ضوابط، ولم يكن للمرأة حق الاعتراض أو طلب الانفصال، وفى الإسلام إذا أراد الزوج أن يتزوج امرأة أخرى فعليه أن يعدل بين الزوجات، على أن الأصل عدم التعدد؛ لخوف الجور وعدم العدل ؛ فقد قال الله تعالى: ﴿ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَثَ وَرُبَعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا [النساء : ٣] وَلَن تَسْتَطِيعُوا أن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ﴾ [النساء : ١٢٩]، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِى ﷺ قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إلى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ ».
على أن التعدد بنفسه ليس فيه ظلم للمرأة، فحاشا لله أن يشرع شرعًا فيه ظلم للمرأة أو الرجل، والتعدد ليس أمرًا خاضعا للهوى، أو خاليا من الشروط، بل أن الله - تعالى - أوقفه على أمر أشبه بالمحال؛ وهو العدل بين الزوجات، وهذا أمر صعب على الرجل.
فوضعت الضوابط، ونظمت الحقوق والواجبات، وبين وجوب العدل بين الزوجات فى الأمور المادية، بيد أن الأمور الوجدانية لم يشترط الإسلام العدل فيها؛ لكونها خارجة عن إرادة الإنسان، ويُعطى الإسلام الحق للزوجة فى أن تطلب الطلاق لزواج زوجها بأخرى، باعتبار ذلك إضرارًا أدبيا بها، ويجيبها القاضى إلى طلبها إذا أصرت عليه.
وللزوجة حق الخلع بشروطه وأحكامه إذا طلبت إلى زوجها أو القاضى ذلك، ودرس القاضى القضية، وَتَبَيَّن له أنها مُحِقِّةٌ.
5. تعليم المرأة ما تحتاج إليه من أمر دينها ودنياها:
تعد من الأمور الإنسانية والواجبات الاجتماعية، والأوامر الدينية طلب العلم فعلى المجتمع الراقى ترغيب أبنائه فى العلم، وحذرهم من الجهل، والمرأة والرجل سواء فى ذلك؛ فقد قال الله تعالى لعباده المؤمنين : ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتِ﴾ [المجادلة: ١١]، وقال النبى ﷺ: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ).
والله - تعالى - أوصى الرجال بأن يبعدوا أهلهم من النار، ولا سبيل إلى ذلك إلا العلم بأمور الدين والدنيا، قال الله تعالى: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: ٦].
ومن ثم، فإذا كانت الزوجة عالمة بأمر دينها، وخبيرة بشئون دنياها انعكس ذلك على الأسرة كلها، وهو مطلوب الشرع الشريف.