أصدرت الدائرة المدنية "ب" – بمحكمة النقض – حكما قضائيا حديثا، يهم ملايين المُلاك وأصحاب الحقوق، بشأن "دعوى الاستحقاق"، رسخت فيه لعدة مبادئ قضائية، قالت فيه: "دعوى الاستحقاق التي لا تسقط بالتقادم، وهى الدعوى التي يرفعها المالك لاسترداد ملكه من غاصبه"، مستندة في حيثياتها على أن الاستيلاء على العقار جبرا يعتبر "غصبا" ولا ينقل الملكية.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم المقيد في جدول المحكمة برقم 10000 لسنة 90 قضائية، برئاسة المستشار محمد خليفة البري، وعضوية المستشارين أحمد جلال عبد العظيم، وأحمد كمال حمدي، ورضا كرم الدين، وعمرو عبد الحكم غانم، وبحضور رئيس النيابة أحمد غانم، وأمانة سر عبد الفضيل صالح.
الوقائع.. نزاع قضائى للتعويض بالفوائد عن نزع ملكية للمنفعة العامة
الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنين أقاموا على المطعون ضدهما بصفتيهما الدعوى رقم 11 لسنة 2015 مدني محكمة طنطا الابتدائية بطلب الحكم بإلزامهما بأن يؤديا لهم - كل حسب حصته الميراثية في الأرض تعويضا عن نزع ملكية الأرض المملوكة لمورثهم وتخصيصها للمنفعة العامة دون اتباع الإجراءات التي أوجبها القانون، والزامهما بالفوائد القانونية بواقع 4% من قيمة التعويض من تاريخ المطالبة وحتى تمام السداد.
وقالوا بيانا لذلك: إن مورثهم يمتلك قطعة الأرض محل النزاع بموجب عقد مسجل برقم 925 لسنة 1982 شهر عقاري طنطا وقد آلت إليهم بالميراث الشرعي، وإذ قام المطعون ضدهما بنزع ملكيتهم في جزء من تلك الأرض لتدخل ضمن خطوط التنظيم دون اتباع الإجراءات القانونية مما ألحق بهم الضرر، ومن ثم أقاموا الدعوى، ثم ندبت المحكمة خبيرا وبعد أن أودع تقريره النهائي، فتدخل الطاعنون سابعا وثامنا انضماميا لباقي الطاعنين.
محكمة أول درجة تقضى بسقوط الحق في التعويض بالفوائد بالتقادم الطويل
وفى تلك الأثناء - حكمت المحكمة بقبول التدخل وبسقوط حق الطاعنين بالتقادم الطويل، ثم استأنف الطاعنون ذلك الحكم أمام محكمة استئناف طنطا وقيد الاستئناف برقم 1256 لسنة 69 ق طنطا، وبتاريخ 5 فبراير 2020 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، ثم طعن الطاعنون في ذلك الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بعدم قبول الطعن بالنسبة للمطعون ضده الأول بصفته وفي الموضوع بنقضه، وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
أصحاب الحق يستأنفون الحكم لإلغائه
المحكمة في حيثيات الحكم قالت عن الدفع المبدى من النيابة بعدم قبول الطعن بالنسبة للمطعون ضده الأول بصفته فهو في محله، ذلك أن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أنه لا يكفي فيمن يختصم في الطعن أن يكون خصما في الدعوى التي صدر فيها الحكم المطعون فيه، بل ينبغي أن يكون خصما حقيقيا وذا صفة في تمثيله بالخصومة، وكان مفاد نص المادتين 52/1، 53 من القانون المدني أن الأشخاص الاعتبارية هي الدولة والمديريات والمدن والقرى والشروط التي يحددها القانون والإدارات والمصالح وغيرها من المنشآت العامة التي يمنحها القانون شخصية اعتبارية، ويكون لها حق التقاضي، ولكل منها نائب يعبر عن إرادتها، وكان مفاد نصوص المواد 4، 26، 27 من قانون نظام الحكم المحلي رقم 43 لسنة 1979 بالقانون 50 لسنة 1981 أن المحافظ في دائرة اختصاصه هو الرئيس لجميع الأجهزة والمرافق، وأنه هو الذي يمثل المحافظة أمام القضاء وفي مواجهة الغير.
محكمة ثانى درجة تؤيد حكم أول درجة
لما كان ذلك - وكان النزاع المطروح في الطعن الراهن يدور حول إلزام المطعون ضدهما بصفتيهما بأن يؤديا للطاعنين تعويضا عن نزع ملكيتهم في الأرض المبينة بالصحيفة والفوائد القانونية، وكان المحافظ دون غيره الذي يمثل المحافظة فيما ترفعه أو يرفع عليها من دعاوى أو طعون، وكان المطعون ضده الأول تابع لمحافظ الغربية، ولا يمثل المحافظة أمام القضاء، ومن ثم فإن اختصامه في الطعن يكون اختصامًا لغير ذي صفة، وهو ما يتعين معه عدم قبول الطعن بالنسبة له لرفعه على غير ذي صفة.
المُلاك يطعنون على الحكم أمام النقض
وحيث إن الطعن فيما عدا ما تقدم قد استوفى أوضاعه الشكلية، وحيث إن الطعن أقيم على سبب وحيد ينعى به الطاعنون على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي بيان ذلك يقولون: إن الدعوى قد أقيمت في الميعاد القانوني ولا يسري عليها التقادم باعتبار أنها دعوى استحقاق فضلا عن أن محكمة الموضوع بدرجتيها قد استندت في قضائها بسقوط حق الطاعنين في إقامة الدعوى بالتقادم تأسيسا على ما انتهى إليه تقرير الخبير الأول الذي اعتبر أن تاريخ الاستيلاء الفعلي على أرض التداعي واستطراقها هو تاريخ العقد المسجل في 24 فبراير 1982 رغم أن الخبير أورد في تقريره الختامي بأن تاريخ الاستيلاء الفعلي هو تاريخ صدور تراخيص البناء في 26 أبريل 2015 ودللوا على ذلك بالمستندات المقدمة أمام الخبراء وقرارات محافظ الغربية باعتماد خطوط التنظيم بالمنطقة الواقع بها عقار التداعي، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
مذكرة الطعن تستند على أن دعوى الاستحقاق لا يسرى عليها التقادم
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: إن هذا النعي في محله، ذلك أن النص في المادة 13 من القانون 106 لسنة 1976 بشأن توجيه وتنظيم أعمال البناء على أنه يصدر باعتماد خط التنظيم للشوارع قرار من المحافظ بعد موافقة المجلس المحلي ومع عدم الإخلال بأحكام القانون رقم 577 لسنة 1954 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة أو التحسين على أن يعوض أصحاب الشأن تعويضا عادلا، مفاده أن صدور قرار من المحافظ باعتماد خطوط التنظيم لا يترتب عليه بمجرده خروج الأجزاء الداخلة في خط التنظيم عن ملك صاحبها بل تبقى له حق ملكيتها إلى أن يتم الاستيلاء الفعلي عليها وفق الإجراءات المنصوص عليها في القانون آنف الذكر، وإنه لئن كان لا يجوز لذوي الشأن طبقا لأحكام القانون 577 لسنة 1954 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة المعدل بالقانون 252 لسنة 1960 الالتجاء مباشرة إلى المحكمة بطلب التعويض المستحق عن نزع الملكية إلا أن ذلك مشروط بأن تكون الحكومة قد اتبعت من جانبها الإجراءات التي أوجب القانون اتباعها.
وبحسب "المحكمة": أما إذا لم تلتزم بهذه الإجراءات فإن استيلاءها على العقار جبرا عن صاحبه يعتبر بمثابة غصب، وليس من شأنه أن ينقل ملكية العقار بل تظل هذه الملكية لصاحبه رغم هذا الاستيلاء، فيحق له الالتجاء مباشرة إلى المحكمة ورفع دعوى الاستحقاق لاسترداد ملكه من الغاصب عينا أو أن يطلب التعويض النقدي إذا تعذر التنفيذ العيني، وإن دعوى الاستحقاق التي يرفعها المالك لاسترداد ملكه من غاصبه لا تسقط بالتقادم لكون حق الملكية حقا دائما لا يسقط بعدم الاستعمال، ومطالبة المالك بقيمة العقار محل الغصب تعتبر مطالبة بإلزام المدين بتنفيذ التزامه بالرد بطريق التعويض في حالة تعذر التنفيذ عينا، ومن ثم فإن دعوى المطالبة بقيمة العقار موضوع الغصب لا تسقط بالتقادم.
المادة 14 من القانون 10 لسنة 1990 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة
وتضيف "المحكمة" كما أن المادة 14 من القانون 10 لسنة 1990 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة المقابلة لنص المادة 16 من القانون رقم 577 لسنة 1954 - الملغي - تنص في فقرتها الثالثة على أن يكون لذوي الشأن الحق في تعويض مقابل عدم الانتفاع بالعقار من تاريخ الاستيلاء الفعلي إلى حين دفع التعويض المستحق عن نزع الملكية إلا أن مناط تطبيق حكم هذه الفقرة هو أن يكون الاستيلاء على العقار قد تم باتباع الإجراءات التي يوجبها قانون نزع الملكية، أما إذا كان الاستيلاء على العقار قد تم بدون اتباع تلك الإجراءات، فإنه يكون بمثابة الغصب ويكون محكوما بالقواعد العامة للغصب، ومن مقتضاها أن الغاصب يلزم بمقابل حرمان المالك بالانتفاع بالعين المغصوبة منه من تاريخ غصبها حتى تقدير كامل قيمتها المستحقة بالحكم النهائي ما دام أنه قد استحال ردها عينا.
وأوضحت "المحكمة": لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه المؤيد لحكم أول درجة قد أقام قضاءه على ما أثبته الخبير في تقريره من أن أرض النزاع مملوكة للطاعنين مشاعا، ولم يصدر قرار بنزع ملكيتها، وأنه تم الاستيلاء عليها منذ عام 1982 دون اتباع إجراءات نزع الملكية - واستطراقها كشارع للمنفعة العامة، حيث يضع المطعون ضده الثاني بصفته اليد عليها دون وجه حق والذي لم يدع كسب ملكيتها بالتقادم، مما يترتب عليه أن يصبح رد هذه الأرض إلى الطاعنين مستحيلا، ولا يكون لهم من سبيل إلا المطالبة بالتعويض النقدي، وإن خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بسقوط حق الطاعنين في رفع الدعوى بالتقادم الطويل تأسيسا على رفعها بعد أكثر من 15 عاما من تاريخ الاستيلاء الفعلي على أرض التداعي، في حين أن الدعوى بهذه المثابة من دعاوى الاستحقاق التي لا تسقط بالتقادم، فإنه يكون معيبا بما يوجب نقضه.
لذلك:
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وألزمت المطعون ضده الثاني بصفته المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة، وأحالت القضية إلى محكمة استئناف طنطا.