أصدرت محكمة النقض – حكما فريدا من نوعه – يتصدى لألاعيب المحضرين وتقاعسهم وإهمالهم فى عدم إتمام الإعلان، ما يؤدى للإضرار بصاحب المصلحة وضياع الحقوق، قالت فيه:
"1-تقديم صحيفة التجديد من الشطب لقلم المحضرين قبل انتهاء الـ60 يوما بوقت يكفى لإتمام الإعلان، معناه أداء طالب التجديد واجبه وبقاء تنفيذ الإعلان موكول إلى عمل المحضر دون سواه، وفى حالة تقصير الأخير أو تخليه عن إجرائه رغم اتساع الوقت لتقاعسه أو إهماله أو تواطئه متسببا فى عدم إتمام الإعلان وتمسك صاحب المصلحة بذلك، لا يسوغ القضاء باعتبار الاستئناف كأن لم يكن إلا بعد تحقيق دفاعه، أما ثبوت انتفاء خطئه يكون مقتضاه عدم اعتبار الدعوى كأن لم تكن".
2-إعلان الخصوم بتعجيل السير في الدعوى بعد شطبها وجوب إتمامــه خلال ستين يوما، أما علة ذلك المادة 82/1 مرافعات المعدلة بقانون 23 لسنة 1992، وسريان ذلك على الدعوى أمام الاستئناف طبقا للمادة 240 مرافعات .
3-الغش يبطل التصرفات وهى قاعدة قانونية سليمة ولو لم يجر بها نص خاص في القانون، أما مؤداها بطلان الحكم الصادر عن إجراءات تنطوي على غشٍ بقصد تفويت الإجراء على صاحب المصلحة رغم استيفائه من جانبه بما يجب عليه القيام به قانونًا، وجواز إثبـــات الغش بكافة الطـرق .
4-تمسك الطاعن بعدم تمام إعلان تجديد الاستئناف من الشطب لتواطؤ المحضر مع المطعون ضده رغم سبق إعلان الأخير على ذات العنوان أمام محكمتي أول وثاني درجة واستلامه بشخصه القيمة الإيجارية بموجب إنذار عرض هو دفاع جوهري، أما التفات الحكم المطعون فيه عن بحثه والرد عليه وعن دلالة المستندات المؤيدة له فهو خطأ وقصور .
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 5229 لسنة 80 القضائية، برئاسة المستشار جرجس عدلي، وعضوية المستشارين محمد منصور، منصور الفخراني، وصلاح المنسي، ومحمود أبو المجد.
الوقائع.. المؤجر يقيم دعوى فسخ عقد إيجار لعدم سداد الأجرة، وإلزامه بأداء المتأخر منها
الوقائع -على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق- تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 4 لسنة 2006 إيجارات محكمة طنطا الابتدائية على الطاعن بطلب الحكم بفسخ عقد الإيجار المؤرخ 1/7/1988 لعدم سداد الأجرة، وإلزامه بأداء المتأخر منها عن المدة من 1/5/2001 وحتى 1/3/2006، حكمت المحكمة بفسخ عقد الإيجار بحكمٍ استأنفه الطاعن بالاستئناف رقم 17 لسنة 59 ق طنطا، وبجلسة 15/6/2009 قررت المحكمة شطب الاستئناف، ثم جدد الطاعن السير فيه بصحيفة لم تُعلن للمطعون ضده، وتحدد لنظر الاستئناف جلسة 21/10/2009، ودفع المطعون ضده باعتبار الاستئناف كأن لم يكن لعدم الإعلان بالتجديد من الشطب في الميعاد القانوني.
محكمة أول درجة تقضى بالطلبات.. والمستأجر يستأنف الحكم لإلغاءه
إلا أن الطاعن تمسَّك بأنه قدم صحيفة التجديد من الشطب في الميعاد القانوني، وأن عدم الإعلان يرجع للمحضر المنوط به تنفيذ الإعلان، فقضت المحكمة باعتبار الاستئناف (كأن لم يكن)، ثم طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرةً أبدت فيها الرأي برفض الطعن، عُرض الطعنُ على المحكمة -في غرفة مشورة- فحددت جلسة لنظره، وفيهـا التزمت النيابة رأيها.
"الاستئناف" تقرر الشطب
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت إنَّ مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب؛ إذ تمسك بمذكرة دفاعه المقدمة بجلسة 21/12/2009 أن المطعون ضده حدد موطنه بصحيفة الدعوى المبتدأة، فقام بتوجيه الإعلان إليه بإنذاري العرض المؤرخين 25/6، 23/9/2006 بالأجرة المتأخرة على ذات العنوان، ولم يتم الإعلان لعدم الاستدلال، فطلب من محكمة أول درجة بإلزامه بتحديد موطنٍ يتم إعلانه عليه، فقام بتحديده دون ذكر رقم عقار، وتم إعلانه عليه بصحيفة الاستئناف وإنذار العرض المؤرخ 17/12/2009، وبموجبه تسلم بشخصه المبلغ المعروض ووقَّعَ باستلامه، وعلى نفس العنوان وَجَّه له صحيفة التجديد من الشطب، إلا أن المحضر تواطأ مع المطعون ضده، وجاءت إجابته –لم يعلن لعدم تحديد رقم العقار– مُدَلِّلًا على التواطؤ بسبق إعلانه أكثر من مرة ٍعلى العنوان ذاته، إلا أن الحكم المطعون فيه لم يرد على هذا الدفاع المؤيد بالمستندات، وقضى باعتبار الاستئناف كأن لم يكن، بما يعيبه ويستوجب نقضه.
المستأجر يجدد السير فيه بصحيفة لم تُعلن للمؤجر
المحكمة في حيثيات الحكم قالت إنَّ هذا النعي في محله؛ ذلك أن مفاد النص في المادة 82/1 من قانون المرافعات المعدلة بالقانون رقم 23 لسنة 1992 أنه إذا بقيت الدعوى مشطوبةً لمدة ستين يومًا، ولم يطلب أحد الخصوم السير فيها، أو لم يحضر الطرفان، اُعتبرت كأنْ لم تكن، وأن تجديد الدعوى بعد شطبها – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – يتطلب اتخاذُ إجراءين جوهريين هما تحديد جلسة جديدة لنظرها حتى تعاد القضية إلى جدول القضايا، وإعلان الخصم بهذه الجلسة، ويسري حكم تلك المادة على الاستئناف وفقًا لنص المادة 240 من قانون المرافعات.
المؤجر يدفع باعتبار الاستئناف كأن لم يكن لعدم الإعلان بالتجديد من الشطب في الميعاد القانوني
وبحسب "المحكمة": وأنه يتعين تقديم صحيفة التجديد من الشطب لقلم المُحضرين قبل انتهاء الميعاد الذي حدده القانون بوقتٍ يكفي لإتمام الإعلان ليتمكن المحضر من تنفيذه، فإذا قام طالب التجديد بذلك، فإنه يكون قد قام بما يجب عليه، وبقي تنفيذ الإعلان مَوكُولًا إلى عمل المحضر دون سواه، فإذا ما قصَّر أو تخلَّى عن إجرائه رغم اتساع الوقت لإجرائه سواءً كان ذلك راجعًا لتقاعسه أو إهماله أو تواطئِه، وكان فعله هذا هو السبب في عدم إتمام الإعلان وتمسَّك صاحب المصلحة بذلك، فإنه لا يسوغ للمحكمة القضاء باعتبار الاستئناف كأن لم يكن إلا بعد تحقيق دفاعه، أو القول بضرورة موالاة المستأنِف لإجراءات التجديد والإعلان به؛ إذ إن ذلك لا يكون إلا إذا كان عدم تمام الإعلان راجعًا إلى تقصيره؛ لأن القضاء باعتبار الدعوى كأن لم تكن إنما هو جزاءٌ يُوقَعُ لتقصير المدعي أو المستأنِف في عدم إتمامه الإجراء المنوط به في الميعاد، فإذا كشفت الأوراق عن انتفاء خطئه فلا وجه لتوقيعه.
المستأجر يتمسَّك بأنه قدم صحيفة التجديد من الشطب في الميعاد القانوني، وأن عدم الإعلان يرجع للمحضر المنوط به تنفيذ الإعلان
ووفقا لـ"المحكمة": وأن من المقرر أن قاعدة "الغش يبطل التصرفات" هي قاعدة قانونية سليمة ولو لم يجر بها نص خاص في القانون، وتقوم على اعتبارات خُلُقية واجتماعية في محاربة الغش والخديعة والاحتيال وعدم الانحراف عن جادة حسن النية الواجب توافرها في التصرفات والإجراءات عمومًا صيانةً لمصلحة الأفراد والجماعات؛ ولذا يبطل الحكم إذا ثبت أنه صدر عن إجراءاتٍ تنطوي على غشٍ بقصد تفويت الإجراء على صاحب المصلحة رغم استيفائه من جانبه بما يجب عليه القيام به قانونًا، ويجوز إثبات الغش –على ما جرى به قضاء هذه المحكمة– بكافة طرق الإثبات.
الإستئناف تقضى باعتبار الاستئناف (كأن لم يكن).. والنقض تنصف المستأجر
لمَّا كان ذلك، وكان الطاعن قد تمسَّك بالدفاع الوارد بأسباب الطعن وحاصله: أنَّ الإعلان بتجديد الاستئناف من الشطب وُجِّهَ على العنوان الذي حدده المطعون ضده أمام محكمة أول درجة، وهو ذات العنوان الذي سبق إعلانه عليه بصحيفة الاستئناف وإنذار عرض القيمة الإيجارية، والذي استلمه بشخصه، وأن عدم تمام الإعلان يرجع إلى تواطؤ المحضر معه، وقدم المستندات المؤيدة لدفاعه، إلَّا أن الحكم المطعون فيه قضى باعتبار الاستئناف كأن لم يكن، والتفت عن دفاع الطاعن الوارد بالنعي ودلالة المستندات المؤيدة له، ولم يُعنَ ببحثه وتمحيصه ولم يرد عليه مع أنه يتضمن دفاعًا جوهريًّا من شأنه –لو صح– أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، ممَّا يعيبه ويوجب نقضه.