يعتبر التشغيل هو الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة، والذى يرمى إلى توفير العمل اللائق للجميع، مقابل أجر مناسب دون تفرقة بسبب النوع أو اللون أو العقيدة، ومن أجل تعزيز النمو الاقتصادى المطرد والشامل للجميع، وتحقيق نمو اقتصادى مستدام، وتحقيق الحماية خاصة للفئات منخفضة الدخل، حرصت الحكومة فى خطة 2024/2025 على حشد الجهود والتركيز على المشروعات التى تدعم تحقيق هذه المستهدفات، مع مراعاة المتغيرات والظروف الراهنة وتأثيرها على مسارات النمو، ولكن بالرغم كافة المستهدفات المعلنة فى خطة الحكومة هذا العام فيما يخص التشغيل والبطالة، إلا أنه لا يزال هناك العديد من المعوقات التى تواجه الحكومة فى تنفيذ تلك المستهدفات بخطة العام.
تقرير برلمانى صادر عن مجلس النواب بشأن خطة الحكومة لعام 2024/2025، رصد أبرز تلك المعوقات التى تواجه الحكومة فيما يخص التشغيل والبطالة، والتى جاء فى مقدمتها انخفاض مستوى العنصر البشرى الذى يعد من أهم عوامل نجاح أى خطة اقتصادية، مع عدم توافر بيئة جاذبة للمستثمر المحلى والأجنبى، هذا بالإضافة إلى تراجع ثقة القطاع الخاص فى سلامة المناخ الاستثمارى وتزايد المخاوف من عدم استقرار النظام المالى العالمى.
كما تضمنت المعوقات التى أوضحها التقرير البرلمانى، عدم توافر قاعدة بيانات كاملة عن الأشخاص والمهن المطلوبة وجميع السلع والخدمات المطلوبة أيضًا، هذا بجانب، قصور فى تحديد المجالات الاقتصادية المستهدفة بكل محافظة، وعدم توافق مخرجات التعليم بجميع أنواعه مع متطلبات سوق العمل، علاوة على، عدم وجود خطة واضحة لجذب الشباب واستقطابه للالتحاق بمراكز التدريب، وقصور فى قواعد المتدربين فى كل مركز.
وأكد التقرير البرلمانى، أنه من ضمن المعوقات التى تواجه الحكومة فيما يخص خطتها نحو الارتقاء بمستويات التشغيل وخفض البطالة هذا العام، ضيق الطاقة الاستيعابية لسوق العمل بما يفوق القدرة الاستيعابية للنشاط الاقتصادى، مع الارتفاع الملحوظ فى معدلات البطالة بين الفئات العمرية كافة، علاوة على التباين فى معدلات البطالة بين الحضر والريف وبين الأقاليم، وقصور سوق العمل أيضًا عن استيعاب الإناث الراغبات فى العمل كافة، هذا بالإضافة إلى عدم تفعيل قانون عمل جديد لتحسين بيئة العمل والتوسع فى إقامة مناطق استثمارية جاذبة، مع تنامى المعروض من قوة العمل بما يفوق القدرة الاستيعابية للنشاط الاقتصادى.
ولكن، بالرغم من تلك التحديات وإيمانًا من البرلمان بالجهود التى تبذلها الحكومة لمواجهة هذه المعوقات، تقدم مجلس النواب بعدد من التوصيات والنصائح البرلمانية للحكومة لمواجهة هذه التحديات وكمحاولة منه لإيجاد حلول وأساليب تحرك مناسبة، حيث أوصى البرلمان، الحكومة بضرورة التوسع فى الاستراتيجية الشاملة لإقامة المزيد من المشاريع التنموية الجاذبة للأيدى العاملة، مع زيادة حجم الاستثمارات الموجهة للتنمية البشرية التزامًا بالاستحقاقات الدستورية، هذا بجانب، ضرورة وجود استراتيجية واضحة لخطة وزارة القوى العاملة فى جذب الشباب واستقطابه للالتحاق بمراكز التدريب لتوفير عمالة مدربة ذات كفاءة عالية فيما يخص التدريب المهنى، وكذلك التدريب التحويلى لمواجهة الطفرة الصناعية الحديثة.
وبحسب التقرير، أوصى البرلمان أيضًا، بضرورة وجود آلية ملزمة للقطاع الخاص فى زيادة الحد الأدنى لأجور العاملين به، لتحقيق الاستقرار الوظيفى وتشجيع المواطنين للالتحاق به، وبالتالى خفض نسبة البطالة، كما أوصى البرلمان بزيادة فرص العمل الجديدة، وذلك من خلال تعزيز سياسات التشغيل فى القطاعات المختلفة، مع الاهتمام بالتدريب المهنى للموظفين والعاملين الحاليين ورفع وعيهم بحقوقهم وواجباتهم الوظيفية.
وتضمنت نصائح البرلمان للحكومة أيضًا فى هذا الشأن، ضرورة اتخاذ جميع التدابير التى من شأنها تفعيل دور الأجهزة الداعمة للنشاط التصديرى، مثل صندوق المساندة ومركز تحديث الصناعة وغيره، مما يساهم ذلك بشكل كبير فى دفع حركة الإنتاج وتوفير فرص عمل للشباب، علاوة على تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة وإدماج القطاع غير الرسمى فى منظومة الاقتصاد الرسمى، والعمل على تفعيل مشاركة المرأة فى سوق العمل، من خلال المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وتلك التى تحيل المرأة من معيلة إلى منتجة من خلال برامج الرعاية والحماية الاجتماعية وتوفير بيئة عمل ملائمة.
ولم تقتصر النصائح البرلمانية ومحاولات البرلمان لإيجاد حلول مناسبة لمواجهة المعوقات التى تقابل الحكومة فى خطة هذا العام للتشغيل والبطالة، على ما سبق ذكره فقط، وإنما تضمنت عددًا آخر من التوصيات والنصائح، تمثل أبرزها، فى التوصية بتطوير منظومة التشريعات عن طريق إقرار قانون عمل جديد من شأنه تحسين بيئة العمل وتشجيع القطاع الخاص وإضفاء المرونة اللازمة لسوق العمل، مع الاهتمام بالتعليم الفنى وتدريبهم على احتياجات سوق العمل المحلية والعالمية، هذا بجانب، الاتساق والتوافق مع مستهدفات برنامج الحوار الوطنى لتحقيق التنمية المستدامة من خلال التركيز على الإصلاحات الهيكلية فى القطاعات الإنتاجية والخدمية.
كما اشتملت التوصيات على ضرورة توفير مقومات لجذب المستثمر المحلى والأجنبى من خلال تسهيل إجراءات السياسات الاستثمارية الممنوحة له، بغرض توفير عمل للمواطنين، مع إحراز تقدم ملموس فيما يتعلق بدمج الاقتصاد غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى وإنشاء قاعدة بيانات دقيقة للعمالة غير المنتظمة، علاوة على، تسريع وتيرة خدمات الحكومة الإلكترونية فى المجالات الخدمية والإنتاجية المختلفة بشكل يواكب ما تقدمه الدول الأخرى لجذب الاستثمارات الأجنبية، والتوسع المطرد فى الاستثمارات المخصصة لأغراض الحماية الاجتماعية وتحسين الأحوال معيشية للطبقات محدودة الدخل.
هذا بالإضافة إلى، زيادة الوعى المجتمعى بحقوق الأشخاص ذوى الإعاقة ودمجهم فى سوق العمل، واللالتزام بتعيين النسبة القانونية منهم "5%"، مع توعية العمالة غير المنتظمة من خلال أجهزة دولة المختلفة، خاصة الصيادين والباعة الجائلين، وذلك من خلال التواصل مع منظمات المجتمع المدنى، بالاشتراك فى صندوق إعانة العمالة غير المنتظمة فور إنشائه وسداد حصصهم التأمينية التى تعادل 9% من الحد الأدنى لأجر الاشتراك التأمينة، بجانب تشجيع العمال خاصة غير المنتظمة على شراء "شهادة أمان" السابق إصدارها فى عام 2017 لتغطية التأمين على الحياة وإصابات العمل للعمالة غير المنتظمة.