دائمًا ما يحتفي وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، بهويته اليهودية، ويؤكد أنه "ما دامت الولايات المتحدة الأمريكية قائمة، فستظل تدافع عن إسرائيل" ويظهر مدى الدعم الذي توجهه بلاده لتل أبيب، معتبرا أن "إسرائيل ليس لها الحق فحسب في الدفاع عن نفسها بل وملتزمة بذلك".
رسائل بلينكن صريحة، وواضحة وهي بمثابة إشارات خضراء أمام ممارسات إسرائيل، حيث أشعلت شرارة الحرب فى غزة، بعد أن أعطى تل أبيب الضوء الأخضر لارتكاب ما تريده من مجازر بحق الفلسطينيين فى الحرب الدائرة بالقطاع المحاصر منذ السابع من أكتوبر الماضى وتسبب فى إبادة للأطفال وموجة تهجير واسعة للفلسطينيين.
أجرى بلينكن إلى الشرق الأوسط 11 جولة منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة قبل أكثر من عام، جمعهًا لم يجدي نفعًا، بل كان "مسكنًا" لما يحدث في غزة، بوزير الخارجية الأمريكي، تحدث كثيرًا عن هويته اليهودية وشبهه ممارسات "حماس" بـ"داعش".
هذه الممارسات الخبيثة، هي ما دفعت رئيس الوزراء الألباني إيدي راما أن يصف الولايات المتّحدة وروسيا وإسرائيل بأنّها "شياطين"، بحضور وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن.
وفي قراءة لحياة بلنكن، ينكشف أنه ولد في 16 أبريل 1962 في مدينة يونكرز بولاية نيويورك لوالدين يهوديين، جوديث ودونالد بلينكن. بعد أن فرّ جده من روسيا هرباً من الاضطهاد المعادي لليهود، وهاجر إلى الولايات المتحدة.
وبعد طلاق والدته، انتقل بلينكن إلى باريس، حيث نشأ تحت تأثير زوج والدته، صمويل بيسار، الناجي من الهولوكوست، والذي روى له باستمرار عن تجاربه في معسكرات الاعتقال النازية في أوشفيتز وداخاو، وهي ذكريات تركت بصمة عميقة في وجدانه وشكلت جزءاً كبيراً من رؤيته للعالم كما ذكر بلينكن بنفسه.
وربما يفسر هذا الإرث العاطفي والذاكرة العائلية المتشبعة بالمظلومية موقف بلينكن الحاد في تأييده لإسرائيل، الذي يتخذ أحياناً طابعاً غير نقدي، حتى وإن كانت السياسات الإسرائيلية أبعد ما تكون عن القيم الإنسانية التي يزعم بلينكن تمسكه بها. فخلال فترة دراسته بجامعة هارفارد، شارك بلينكن في تحرير هارفارد كريمسون، حيث كتب مقالات عديدة عن إسرائيل، معبّراً عن انتقادات حادة لكل من يهاجمها أو يقارنها بالأنظمة الفاشية.
ففي مقال بعنوان "لبنان والحقائق"، الذي كتبه خلال حرب إسرائيل على لبنان عام 1982، انتقد بشدة ما وصفه بـ"الخطاب السام والكريه" لبعض وسائل الإعلام تجاه إسرائيل، وقال إن مقارنة صحيفة "فيليدج فويس" لإسرائيل بالنازيين كانت "خاطئة ومقززة"، ليوضح لأصحاب المعايير المزدوجة كام وصفهم، أن ما حدث في لبنان هو نتيجة لسنوات من الإحباط، بعد أن سئم الإسرائيليون من حرمانهم من وجود آمن في المنطقة.
تخطى القوانين الأمريكية لتيسير انتقال السلاح لإسرائيل
مع اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023، لعب دورا في تسيير انتقال الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل. فمنذ اليوم الأول، برز دور بلينكن في تشكيل وتقرير سياسة بلاده تجاه حرب الإبادة على غزة، وذلك في ظل ضعف اللياقة الذهنية والعقلية للرئيس جو بايدن، وانشغال نائبته كامالا هاريس بمعترك حملة الانتخابات الرئاسية خلال الأشهر الأخيرة.
فسارت عمليات تسليح إسرائيل بسلاسة وسرعة، متجاوزةً أحياناً موافقات الكونغرس، وحتى متجاهلةً القوانين الأمريكية التي تحظر بيع السلاح لأي طرف قد يستخدمه في انتهاكات لحقوق الإنسان.
بلينكن، الذي كان يطوف الشرق الأوسط بحثاً عن سبل لوقف إطلاق النار، كان هو في الوقت ذاته المسؤول الرئيسي عن تسريع تدفق السلاح إلى إسرائيل.
فبرغم أن قانون المساعدات الخارجية الأمريكي يتضمن بنداً (المادة 620I) يحظر تقديم المساعدات العسكرية (والتي من ضمنها المعونة السنوية لإسرائيل بتكلفة 3.8 مليار دولار) لأي دولة تعرقل وصول المساعدات الإنسانية، لم تتوقف شحنات الأسلحة إلى إسرائيل.
ومع تزايد أعداد الضحايا في غزة، قدمت أكبر مؤسستين في الحكومة الأمريكية فيما يخص المساعدات الإنسانية وهما (الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية) و ( مكتب السكان واللاجئين والهجرة) التابعين لوزارة الخارجية تقارير مباشرة إلى بلينكن، محذرة من الانتهاكات المتزايدة وضرورة وقف الإمدادت العسكرية. إذ تضمنت التقارير تفاصيل عن استهداف إسرائيل لعمال الإغاثة، وقصف سيارات الإسعارف، وتدمير المنشآت الزراعية والصحية، ومنع مرور الشاحنات المحملة بـالإمدادات الطبية والغذائية إلى القطاع.
لكن بلينكن لم يهتم كثيراً لهذه التقارير، وواصل التبرير للعنف الإسرائيلي كما فعل مسبقاً في شبابه، مؤكداً على ضرورة استمرار الدعم العسكري. وفي يوم 10 مايو، وبينما كانت كانت سماء غزة تمطر صواريخ أمريكية الصنع، قدم بلينكن للكونغرس تقريراً حول مدى إلتزام الاحتلال الإسرائيلي وقادته المتطرفون بحقوق الإنسان. فوصفت المسؤولة في وزارة الخارجية، ستايسي جيلبرت ذلك التقرير، بأنه "مليء بالأكاذيب"، حيث ادعى بلينكن أن الاحتلال وجنوده يحترمون حقوق الإنسان خلال شنهم حرب الإبادة على الفلسطينيين، متجاهلاً الأدلة المتزايدة على استهداف الأبرياء والمنشآت الإنسانية في غزة.